أثارت صفقة الأسلحة التي أُبرمت في الرياض، تزامنًا مع زيارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» للمملكة العربية السعودية، تساؤلات العديد من المحللين حول المكاسب أو الخسائر التي ستعود على إسرائيل من وراء هذه الصفقة، فهي صفقة لم يسبق لها مثيل في تاريخ المملكة العربية السعودية، كما أنها تعد أكبر صفقة أسلحة في تاريخ الولايات المتحدة، كما عبر المتحدث باسم البيت الأبيض «شون سبايسر» على تويتر.

وبناءً على ذلك، برزت تساؤلات عدة حول آثار تلك الصفقة على إسرائيل، فهناك من اعتبرها تهديدًا للميزة النوعية العسكرية للأسلحة الإسرائيلية، وهناك من اعتبر أن إسرائيل هي الرابح الأكبر من تلك الصفقة، ولكن الصمت الإسرائيلي إزاء صفقة الأسلحة جعل المحللين يفكرون في الأسباب وراء ذلك الصمت.


تفاصيل الصفقة

أعلن البيت الأبيض في 20 مايو/آيار 2017 عن توقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي وعسكري بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية، من بينها صفقات أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار في المرحلة الأولى، والتي من المقرر أن تزداد قيمتها إلى 350 مليار دولار بعد عشر سنوات، بهدف التصدي لتهديدات إيران، ودعم المملكة في مكافحة الإرهاب.

وتغطي هذه الصفقة الضخمة خمس مجالات محددة، تشمل: أمن الحدود، ومكافحة الإرهاب، والأمن البحري والساحلي، وتحديث سلاح الجو، والدفاع الجوي والصاروخي، وأمن السايبر، وتحديث الاتصالات، وذلك على حد تصريح وزرارة الخارجية الأمريكية، وتشتمل الحزمة على دبابات ومدفعية وناقلات جنود مدرعة ومروحيات، وعلى المستوى البحري هناك سفن سطح مقاتلة متعددة المهام ومروحيات وأنظمة أسلحة ذات صلة بها.


مستقبل التفوق النوعي الإسرائيلي

وزير الطاقة الإسرائيلي «يوفال شتاينتس»

في أعقاب الصفقة السعودية الأمريكية حذّر وزير المخابرات الإسرائيلي، «يسرائيل كاتس»، من أن الصفقة التي وُقعت بين الملك «سلمان بن عبد العزيز»، و«دونالد ترامب» تهدد الميزة العسكرية النوعية لإسرائيل في المنطقة، كما عبر وزراء من «الليكود» عن خوفهم الشديد بشأن قدرة إسرائيل في الحفاظ على تفوقها النوعي العسكري في الشرق الأوسط.

إذ تعني الميزة العسكرية النوعية أن إسرائيل تتلقى أحدث التقنيات العسكرية من الولايات المتحدة، وتعد تلك الميزة هي حجر الأساس في التحالف بين كلا الدولتين، وقد ظهر هذا جليًا عندما أضحت إسرائيل أول دولة في العالم تحصل على مقاتلات «F-35 Lightening II»، التي تصنعها شركة «لوكهيد مارتن» الأمريكية للصناعات العسكرية، ووجود دولة تحصل على المستوى نفسه من الأسلحة في الشرق الأوسط يهدد قدرة إسرائيل في الحفاظ على تفردها.

وفي إطار المخاوف الإسرائيلية من صفقة السلاح الضخمة التي وقعتها السعودية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أكد رئيس الحكومة الإسرائيلية «بنيامين نتنياهو» خلال مراسم الاحتفال بذكرى انتصار إسرائيل في حرب 5 يونيو/حزيران 1967، أن ترامب جدّد أثناء زيارته لإسرائيل التزام بلاده بالحفاظ على «التفوق النوعي» لإسرائيل بالشرق الأوسط. وقبل ذلك بثلاثة أيام أضافت الولايات المتحدة 75 مليون دولار لحزمة مساعداتها لإسرائيل لصالح برنامج مواجهة الصواريخ.

وفي وقت سابق من شهر مايو/آيار، أراد مسئول في البيت الأبيض إرسال رسالة طمأنينة لإسرائيل عبر وكالة «رويترز»، أكد فيها أن صفقة الأسلحة السعودية الأمريكية لن تُضعف التفوق النوعي العسكري لإسرائيل في المنطقة.


لماذا التزمت إسرائيل الصمت؟

للصمت الإسرائيلي بشأن صفقة الأسلحة الأمريكية مع السعودية، التي تعتبرها إسرائيل دولة معادية لها، عدة تفسيرات وتحليلات:

التفسير الأول: إسرائيل لا تريد أن تعيد التاريخ مرة أخرى

هذا التحليل يستند على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد تعلم الدرس جيدًا، فهو لا يرغب في خسارة رجل أعمال بحجم ترامب، أصبح رئيسًا لدولة تعد الحليف الأول لها، وأن أي محاولات قد تصدر من إسرائيل للتأثير على سير الصفقة قد تنعكس سلبًا عليها، كأن تطلب الولايات المتحدة من إسرائيل تجميد المستوطنات، الأمر الذي سيشكل خطورة على مستقبل نتنياهو وائتلافه.

فنتنياهو لا يريد أن يعيد التاريخ مرة أخرى، ففي أحداث شبيهة بتلك، في سبتمبر/أيلول 1981، كان هناك مفاوضات إسرائيلية أمريكية من أجل تدعيم التعاون الاستراتيجي بينهما، وفي تلك الأثناء كانت الولايات المتحدة قد وقعت اتفاقية تسلح مع السعودية، لتحصل الأخيرة بمقتضاها على خمس طائرات «إيواكس» لكشف الرادارات، ومقاتلات وقاذفة من طراز إف ـ‏15‏ بعيدة المدى‏.

وفي ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه وقعت الولايات المتحدة مع إسرائيل بروتوكولًا يقضي بتعاونهما عسكريًا، لكن إسرائيل استغلت ذلك البروتوكول وأعلنت ضم هضبة الجولان السورية. وكرد فعل لذلك، أعلنت الولايات المتحدة في 19 ديسمبر/كانون الأول تجميد الاتفاقية مع إسرائيل لأجل غير مسمى، مما تسبب ذلك في غضب إسرائيلي، غير محسوب، أعلن في أعقابه شارون إلغاء المعاهدة مع أمريكا من طرف واحد.

وفي تلك الفترة شهدت العلاقات الإسرائيلية الأمريكية أدنى مستوى في تاريخ علاقتهما. ولهذا السبب، وفق التحليل، تحاول إسرائيل ضبط نفسها وعدم اتخاذ رد فعل يؤثر عليها سلبًا ويعيد التوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة مرة أخرى.

‏التفسير الثاني: إسرائيل المستفيد الأكبر من هذه الصفقة

بحسب ما ذكرت صحيفة «ذا ماركر» الإسرائيلية، فإنه من المتوقع أن تُعزّز عملية شراء الأسلحة السعودية الصناعة العالمية للأسلحة، فشركات السلاح الإسرائيلية، وفق ما ورد في الصحيفة، ستحصل على حصة كبيرة من أرباح صفقات السلاح السعودية الأمريكية. كما أضافت الصحيفة الاقتصادية الإسرائيلية أن كثيرًا من الشركات المنتجة للسلاح في إسرائيل تعمل متعهدة لدى مصانع الأسلحة الأمريكية التي ستمد السعودية بالسلاح المنصوص عليه في الصفقة.

وأكد هذا التقرير أن هذه الصفقة من شأنها أن تُحدث طفرة في أعمال الشركات الإسرائيلية، والتي ستترتب عليها توسيع مشاريعها، بسبب حجم الطلبات الضخم الذي سيتطلب توفيره في الوقت المحدد. كما أن الصفقة من شأنها الترويج لمنتجات شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية «رفائيل» التي تتبع القطاع العام والحكومة الإسرائيلية.

ووفق «ذا ماركر»، ستُحسن تلك الصفقات من قدرة شركات السلاح الإسرائيلية على المنافسة داخل الولايات المتحدة، فضلًا على المكسب الذي أشار إليه «مهرين فروزنفر»، الذي عمل مستشارًا اقتصاديًا سابقًا لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي، إذ ستمثل تلك الصفقة لإسرائيل ذريعة لمطالبة الولايات المتحدة بتعويضها بالحصول على سلاح نوعي لم يسبق للولايات المتحدة أن منحته إسرائيل.

التفسير الثالث: الصفقة ستهدد قوة إيران الإقليمية

السعودية هي دولة عدو، وعلينا أن نضمن الحفاظ على التفوق النوعي العسكري الإسرائيلي.
هذه الصفقة بمثابة «حقنة في الوريد» بالنسبة لصناعة السلاح الأمريكية، وما تود الولايات المتحدة فعله هنا واضح للغاية. هي تحاول بالأساس العمل من خلال شركائنا في المنطقة ومعهم من أجل صنع توازن ضد إيران.
أندرو أكزوم – المحلل بمركز الأمن الأمريكي الجديد.

إسرائيل وفق هذا التحليل تعي جيدًا أن الصفقة تهدف بالأساس للتخلص من إيران ومواجهة قوتها المتصاعدة، وهو أمر يصب بالطبع في صالح إسرائيل، خاصة في ظل تهديدات حزب الله (ذراع إيران في المنطقة) المتزايدة لإسرائيل . فعلى الرغم من قلق «يسرائيل كاتس» من هذه الصفقة، فإنه رأى أن زيارة ترامب للسعودية تعزز المعسكر المناهض لإيران، وتتيح الفرصة من أجل تعزيز الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي كأساس للسلام الإقليمي.

فهذه الصفقة قد تضع عن إسرائيل عبء الدخول في حرب جديدة، أو على الأقل التورط في الحرب مع حزب الله بمفردها، فقد أعلنت الولايات المتحدة في أكثر من سياق وجود بواعث قلق لديها من نمو قدرات إيران الصاروخية بمساعدة دول عربية، ولهذا فانقلاب الدول العربية على إيران وتزويدهم بالسلاح من أجل مواجهة إيران يصب في المقام الأول في مصلحة إسرائيل.