هل رأيت طفلًا يألف الناس والأنشطة الجديدة بسهولة وآخر يستغرق وقتًا؟ هل رأيت طفلًا يستطيع التركيز في نشاط ما لفترة طويلة نسبيًا وآخر يتشتت لأقل سبب ولا يجلس ساكنًا؟ هذه كلها تعد أمثلة على الخصائص المزاجية للطفل، والتي تعد أحد المداخل لفهم شخصيته.

يولد كل طفل بمزاج خاص، أي بنمط سلوكي معين تجاه الناس والمثيرات. ويعد المزاج في الجانب الأكبر منه فطريًّا. يمكن تعديله إلى حد ما في السنوات المبكرة من عمر الطفل، وببلوغه سن المدرسة يكون نمطه المزاجي قد تشكل وأصبح واضحًا للمقربين إليه، ويصعب تغييره.


خصائص المزاج التسعة

لكل إنسان نمطه المعتاد، لكن ليس لأحد نمط ثابت طوال الوقت، فقد يستطيع الشخص التركيز لفترات طويلة أحيانًا، وفي أوقات أخرى يتشتت بسهولة. وهناك على الأقل 9 خصائص رئيسية تشكل النمط المزاجي:

مستوى النشاط Activity level

يشير إلى درجة النشاط البدني للطفل ومقدار حركته أثناء قيامه بمختلف الأنشطة.

  • الطفل النشِط: يحب الحركة، لا يثبت في مكان حتى أثناء تناول الطعام. خصص له مساحات للنشاط البدني، وحاول أن تدمج في يومه أشكالًا مختلفة من النشاط البدني، واسمح له باختيار المهام التي تتطلب حركة ككنس الغرفة، وباستخدام الدَرَج بدلًا من المصعد. وعلمه تمييز المواقف التي تكون فيها كثرة الحركة غير ملائمة، وبعض الوسائل لتهدئة نفسه.
  • الطفل الهادئ: مع تكليفه بالمهام التي لا تتطلب كثيرًا من الحركة، ساعده أن يكون أكثر نشاطًا باتباع النصائح السابق ذكرها مع الطفل النشِط.

الانتظام Regularity

تشير إلى وجود أو غياب نمط منتظم للوظائف البدنية الأساسية، كالأكل والنوم وعادات الإخراج، يشير ذلك أيضًا إلى وجود روتين يومي ثابت من عدمه.

  • الطفل المنتظم: أخبره بما سيحدث وبأي تغييرات متوقعة، ولكن باعتدال كي لا تقلقه، مع تهيئته لقدر من الإبهام في الوقت نفسه.
  • الطفل غير المنتظم: يتميز بالمرونة والإبداع والتلقائية، ولكنه يحتاج مساعدة الأبوين على تأسيس طقوس لليوم والالتزام بها. كما يهم عدم أخذ تقلباته المزاجية بشكل شخصي.

المبادأة/ الانسحاب Approach/ withdrawal

يشير إلى رد الفعل الأولي للطفل نحو المثيرات الجديدة (أشخاص، أماكن… إلخ).

  • الطفل المتحفظ: يتميز بالحذر ودقة الملاحظة والتقييم، مما يجعله أقل عرضة لمخاطر المراهقة، ولكنه يحتاج مساعدتك في التعامل مع الخبرات الجديدة والاستمتاع بها. أفهمه أن الأشياء الجديدة تجعله يشعر بعدم الراحة، وامنحه وقتًا للشعور بالراحة قبل الإقبال على نشاط جديد أو مقابلة شخص لا يعرفه. اسمح له بتغيير رأيه لأن رد فعله الأولي لا يعكس دائمًا حقيقة ما يشعر به. اشرح له ما سيحدث والسلوك المتوقع منه.
  • الطفل المنبسط: يقبل على الخبرات الجديدة، ولكنه يحتاج أن يتعلم تقييم عواقب أي فعل قبل إتيانه.

المواءمة Adaptability

تشير إلى مدى قدرة الطفل على تعديل رد فعله، أو التكيف مع التغيير على مدى الوقت.

  • الطفل بطيء التكيف: لا يتقبل التغيير والأشياء الجديدة بسهولة. لا تعرضه لتغييرات كثيرة دفعة واحدة، ولكن عرّضه لخبرات جديدة من حين لآخر. واهتم بالإجابة على أسئلته، والتي قد يشير تكرارها إلى الرغبة في الاطمئنان أو المعرفة.
  • الطفل سريع التكيف: يتمتع بما هو جديد، ولكنه بحاجة إلى تعلم التأني.

الحِدّة Intensity

تشير إلى مستوى الطاقة التي يستخدمها الطفل للتعبير عن مشاعره.

  • الطفل ذو ردود الأفعال الحادة: يعبر عن مشاعره بشكل قد يبدو مبالغًا فيه، فقد يصرخ ويقفز من الفرحة أو يدخل في نوبات غضب كثيرة. حافظ على هدوئك، وعلمه طرقًا بناءة للتعبير عن مشاعره، بعد منحه وقتًا لاستعادة هدوئه.
  • الطفل الهادئ: اهتم به كما تهتم بالطفل ذي ردود الأفعال القوية، وعلمه كيف يكون أكثر حزمًا في التعبير عن مشاعره السلبية، وكيف يبدي امتنانه عندما يقدم له أحد هدية، أو يثني عليه… إلخ.

الحالة المزاجية Mood

تشير إلى الميل العام للطفل نحو الشعور بشكل سلبي أو إيجابي، ودرجة اللطف في كلمات الطفل وسلوكه.

  • الطفل السلبي: يتذمر أو يبدو لامباليًا في الوقت الذي يتوقع فيه الوالدان أن يكون سعيدًا. لا تدع ذلك يشعرك بالذنب، وتفهم أنه لا يمثل بالضرورة مشاعره الحقيقية، وعلمه كيف يرفض دون أن يجرح مشاعر الآخرين.
  • الطفل الإيجابي: يقبل على الخبرات الجديدة بحماس، ما يجعله أكثر ميلًا للسطحية، لذلك قد يحتاج إلى مساعدتك ليتعلم تحليل المواقف واختيار التصرف الملائم. كما يحتاج أن يتعلم التعبير عن مشاعره بوضوح وبشكل يلائم مختلف المواقف.

المداومة وفترة الانتباه Persistence

تشير إلى القدرة على مواجهة الإحباط.

  • الطفل المثابر: للمثابرة وجه إيجابي ووجه سلبي. يظهر الوجه الإيجابي في تركيز الطفل على الهدف واستمرار محاولاته حتى ينجح. ويظهر الوجه السلبي في أنه لا يقبل «لا» كإجابة، ما يجعله يدخل في نوبات غضب. لا تدخل معه في صراع قوى، وعلمه طرقًا للتفاوض وتهدئة نفسه. كذلك، أعطه وقتًا إضافيًا لإنجاز أي نشاط، أو أعلمه قبل ضرورة الانتهاء منه لأنه قد يجد صعوبة في ترك المهمة قبل إنهائها.
  • الطفل قليل المثابرة: يتوقف بسهولة عما يفعل إذا وجده صعبًا. علمه طلب المساعدة، وشجعه على إنهاء ما بدأ عن طريق إعطائه نموذجًا مكتملًا للمهمة التي يقوم بها، أو للخطوات التي عليه اتباعها، وتجزئة المهمة لخطوات صغيرة، وتقديم أنشطة مناسبة لسنه وقدراته، والثناء عليه حين ينجح في إنهاء ما يقوم به، وتخصيص صندوق يجمع فيه أعماله المنتهية.

التشتت Distractability

يشير إلى مدى انجذاب الطفل للمثيرات البصرية أو السمعية المحيطة.

  • الطفل صعب التشتت: يمكنه العمل في ضوضاء والاحتفاظ بتركيزه فترة أطول. قد يصل به انخراطه فيما يفعل إلى درجة أنه لا ينتبه أن أحدًا يناديه، ولتجذب انتباهه يمكنك مشاركته فيما يفعل لتدفعه إلى التواصل معك، مع جعل كلامك بسيطًا ومختصرًا. كما أنه بحاجة إلى تعلم ملاحظة ما يجري حوله. ولصعوبة إقناعه بالتوقف عما يفعل، قم بتأسيس روتين لليوم، ويمكنك استخدام مؤقت لإخباره قبل انتهاء وقت ما يقوم به.
  • الطفل سهل التشتت: يتميز بالمرونة، وسهولة تحسين مزاجه، وتعدد اهتماماته، وقوة ملاحظته لأشياء لا يلاحظها الآخرون. ساعده على التركيز بتوفير بيئة عمل هادئة، وتقديم عدة تذكرات لإعادة توجيه انتباهه نحو المهمة التي يقوم بها، وعمل قوائم للمهام، وتجزئتها إلى أجزاء أصغر، وتشجيعه عندما ينجز أيًا منها، وتخطيط فترات راحة حسب طول الوقت الذي يستطيع الحفاظ فيه على تركيزه. وامنحه وقتًا إضافيًا لأداء المهام لأنه قد يتشتت.

العتبة الحسية Threshold of responsiveness

تشير إلى درجة الحساسية للصوت، والضوء، والمذاق، والملمس، والجو… إلخ.

  • الطفل منخفض الحساسية: لا يلاحظ الأشياء التي عادة ما يلاحظها الأطفال الحساسون، ويتفاعل معها بدرجة أقل. وقد لا يكون واعيًا بالألم لدرجة أنه قد لا يتفاعل بسرعة ليحمي نفسه من الخطر المحتمل، كالأشياء الساخنة مثلًا. ساعده أن يكون أكثر وعيًا بالمثيرات، مثلًا عند تناول طعام جديد تحدث معه عن مذاقه ورائحته، وعند التسوق الفت نظره للمشاهد والروائح… إلخ.
  • الطفل الحساس: ينزعج من الزحام والأضواء المبهرة والأصوات المرتفعة والروائح، يشعر بحساسية تجاه ملامس الملابس وينزعج من التيكيت الموجود بها. ضع نمطه المزاجي في الاعتبار عند اختيار الأماكن التي تذهب إليها الأسرة، وفي الوقت نفسه علمه التكيف مع مختلف المثيرات كاستخدام سماعات أو سدادات للأذن للتكيف مع الأصوات المرتفعة. مثال آخر، الطفل الحساس عندما يبكي ويحاول والداه تهدئته فإنه يزداد ثورة. لذلك يفضل تركه قليلًا ليهدأ، أو السير به في غرفته في هدوء وظلام أو ضوء خافت.

إن الوعي بالأنماط المزاجية يساعدك على فهم طفلك بشكل أفضل، وتقدير تفرده دون الدخول معه في صراعات، وتنمية مهاراته في التكيف.

المراجع