أطلقنا موقع وتطبيق كتبنا كأول منصة للنشر الشخصي في مصر والعالم العربي يوم 23 أبريل 2015، بالتزامن مع اليوم العالمي للكتاب كنت قد عدت للتو من الكويت بعد تكريمي وتكريم المنصة بالفوز بجائزة أفضل فكرة إبداعية في إطار أكبر مسابقة لريادة الأعمال في الشرق الأوسط MIT Pan Arab Competition والتي تقام سنويا في عاصمة عربية مختلفة. هاتفتني «نهى محمود» إحدى مؤسسين شركة Juice Labs للاستثمار في مجال الشركات الناشئة، بعد عودتي من الكويت وطلبت تحديد موعد لمناقشة فرص الاستثمار في المنصة، وبعد أسبوع بالضبط من إطلاق كتبنا كنت أجلس على مقهى شعبي في حي العجوزة على مقربة من مقر Juice Labs في انتظار موعدي مع «نهى»، كنت أحاول ترتيب أفكاري وأراجع العرض التقديمي الخاص بالشركة – المعروف بالـ Pitch Deck، وهو عرض ذو محتويات ثابتة يهدف لعرض إمكانيات الشركة ويبرز جاذبيتها للمستثمرين-، كنت أحاول بالطبع الاستعداد لإبهار «نهى» وشركائها بالمنصة الوليدة وإقناعهم بوضع مئات الآلاف من الجنيهات التي بالتأكيد ستعوضني عن فترة صعبة من التقشف في سبيل بناء وتطوير وإطلاق الحلم الغالي الذي كنت أسعى لتحقيقه.

في هذه اللحظة جاءتني مكالمة من «علي سليمان» المدير الفني لمشروع تطوير المنصة، رفعت سماعة الموبايل لأسمع واحدة من أجمل العبارات التي سمعتها في حياتي:

جمال، إحنا عدينا الـ 1000 مستخدم سجلوا في الموقع!

حدث ذلك خلال أسبوع واحد كان أقصى طموحاتي فيه أن أحظى بـ10 مستخدمين يوميا، كنت سأكون سعيدًا.

أكمل «علي» كلامه الذي كان وقعه على قلبي كالموسيقى:

جمال، أنت محتاج تنقل الهوستينج لـ Server أكبر بكتير من اللي إحنا واخدينه حاليا.. واضح إن هايبقى فيه ضغط كبير إذا مشينا بالمعدل ده!

سألت علي وقتها وقلبي يدق عن عدد تحميلات الكتب الذي قام بها هؤلاء المستخدمين، فأجابني:

5000 مرة تحميل!

وعندما أخبرت «نهى» في اجتماعنا بعد دقائق بهذه الأرقام، وأخبرتها أن لدينا أكثر من 50 كتاب منشور على المنصة بالفعل، في جميع المجالات، لم تستطع إخفاء دهشتها وإعجابها، وخصوصا عندما حكيت لها عن كتب ليست متوفرة إلا بشكل حصري على المنصة، منها على سبيل المثال النسخة العربية من مذكرات العالم المصري الكندي «د. حاتم زغلول» مخترع الواي فاي ومؤسس شركة WiLAN التي تبلغ قيمتها على البورصة بالخارج ما يقرب من مليار دولار!

سألتني «نهى»:

أنت صرفت كام على الماركيتنج علشان تعمل الأرقام دي بالسرعة دي؟
أجبتها ضاحكًا:
صفر! ولا حاجة!.

إذن كيف استطعنا في منصة كتبنا القيام بذلك؟ الحقيقة أننا قمنا بـ 5 خطوات محددين يمكن لأي منصة أخرى أو منتج قائم على تكنولوجيا الويب والتطبيقات Apps تكرارهم بحذافيرهم. وسأشارككم في هذا المقال تفاصيل الخمس خطوات نظرا لندرة المحتوى العربي الذي يتناول أطر مماثلة للنمو في عدد المستخدمين، على الرغم من توافر الآلاف من الكتب والمقالات باللغة الإنجليزية التي تتحدث عن المواضيع نفسها.


الخطوة الأولى: ابنِ منتجًا صغيرًا ودعه يكبر خطوة بخطوة

من أفضل الكتب التي قرأتها في حياتي حول عالم الشركات الناشئة هو كتاب The Lean Startup لرائد الأعمال «إريك ريس»، والذي يعتمد فيه على توضيح فكرة بسيطة للغاية: بدلا من أن تقوم ببناء منتج كبير وضخم ومليء بالخصائص ثم تطلقه في السوق لتُفاجأ بأن الناس لا تحتاجه، أو أنهم يحتاجونه لكن بتعديلات وتفضيلات أخرى، أو أنهم يحتاجون فقط جزءًا صغيرًا من تلك الخصائص، فالأفضل لك أن تبني منتجًا صغيرًا محدود الخصائص، ثم تختبره على عينة من المستخدمين، وتجمع آراءهم وانتقاداتهم وأفكارهم، وتدرسها جيدا ثم تقوم بتعديل المنتج وتطرح منه نسخة تالية على مجموعة تالية من المستخدمين، وتكرر هذه العملية «ابنِ، حلل، تعلم» Build، Analyze، Learn حتى تصل إلى ما يسمى «أفضل شكل للمنتج يحتاجه السوق» أو الـ Product-Market-Fit! (كتبت عن الكتاب مقالا كاملا بعنوان دليل العباقرة لصنع منتجات رائعة).

هذا بالضبط ما فعلناه في كتبنا، عندما بدأنا في أغسطس 2014 لم نقم فورا ببناء موقع وتطبيق للمنصة، قمنا في البداية بإنشاء صفحة ويب بسيطة للغاية، يمكن لأي شخص إنشاؤها عبر مئات المواقع المجانية لإنشاء صفحات الويب، وضعنا عليها نماذج من كتب إلكترونية عربية – لمجموعة من أصدقائنا المؤلفين- مع معلومات عن الكتاب والمؤلف ووضعنا تحت كل كتاب زر «اشترِ نسخة إلكترونية الآن»، وأنشأنا إعلانًا على فيسبوك بقيمة 2 دولار للدعاية «لأول منصة للنشر الشخصي في العالم العربي حيث ستجدون كتبًا ممتعة لا توجد في مكان آخر»، وراقبنا تصرف الزوار.. هل سيقومون بالنقر فعلا على زر «الشراء» أم لا؟ وإذا نقروا ما هي وسيلة الشراء المفضلة لديهم والتي سيختارونها من الصفحة التالية حيث وضعنا ثلاثة اختيارت، كروت الائتمان، وخدمة فوري، وكروت كتبنا مسبقة الدفع؟

لم تكن الكتب الإلكترونية متوفرة بعد، ولم يكن لدينا ربط مع كروت الائتمان ولا خدمة فوري، ولم نكن قد طبعنا كروت شحن خاصة بنا بعد. كنا فقط نختبر هذه النسخة البدائية جدا من المنصة، وإذا كنت نسبة التفعيل Convergence بين عدد المستجيبين إلى الإعلان، ثم الناقرين على «اشتري»، ثم الذين اختاروا وسيلة شراء (تأكيدًا فعلًا لنيتهم في الشراء)، فمعنى ذلك أننا نسير على الطريق الصحيح، وأن الخدمة بالفعل سيكون لها زبائن حقيقيون. وأننا جاهزون للخطوة التالية في بناء المنصة الحقيقية، وهكذا.

وبالطبع إذا كانت الأرقام التي حصلنا عليها غير مبشرة، كنا سنقوم بإعادة النظر فيما نقدمه، دون أن نكون قد أنفقنا الكثير من المال والوقت والمجهود على بناء منتج كبير كان سيرُمى وقتها في سلة القمامة!


الخطوة الثانية: اخلق مجتمعًا لمنتجك

منذ أن قررنا البدء في منصة كتبنا ونحن نتحدث عن الفكرة لأصدقائنا من الكتاب والقراء، كنا نذهب لكل الفعاليات الثقافية، وحفلات القراءة والتوقيع والندوات الثقافية ونتحدث إلى الناس «ما رأيكم في منصة سوف تحل مشاكل النشر؟ سوف يمكنكم نشر أعمالكم إلكترونيًا وإتاحتها لكل قارئي العربية في كل مكان في العالم عبر موقع وتطبيق، وسوف تجنون من أعمالكم 60% من المبيعات؟ هل أنتم قلقون من حماية كتبكم الإلكترونية من القرصنة؟ اطمئنوا سيتم تشفير الكتب. هل ترغبون في الحصول على كوميكس لن تجدوها في أي مكان آخر؟ حسنا سوف تجدون كل القصص المصورة للكبار موجودة على المنصة عندما ننطلق، وبسعر زهيد جدا، ولن يكون عليكم امتلاك بطاقة ائتمان لشراء الكتاب، سنوفر وسائل دفع سهلة ومتوفرة أخرى!»، كنا قد جهزنا عرضًا تقديميًا Presentation فيه تصور لكيف ستبدو المنصة عند إنشائها.

كنا نعرض على أصدقائنا من القراء والكتاب الشباب تخطيط Mockups لشكل الموقع والتطبيق لنساعدهم على تخيل الفكرة، وكيفية عمل المنصة. كان كل ذلك يثير انتباههم جدا وحماسهم جدا، وكانوا يتحدثون لأصدقائهم عن الفكرة، ودائما ما يسألوننا عن موعد إطلاق المنصة، بل إن بعضهم من الكتاب عرض علينا نشر كتبهم معنا، مما جعلنا نقوم بصياغة «مذكرة تفاهم» – ما يشبه العقد المبدئي – وقعناها مع أكثر 50 كاتبًا ومؤلفًا قبل أن نطلق المنصة، منهم كتاب من مصر وخارجها، روايات ومجموعات قصصية ودواوين شعر وكتب متخصصة وكوميكس. كانت لدينا كل تلك الكتب والمعلومات قبل أن ننطلق أصلا، كان أمرًا سحريًا للغاية أن تستطيع بناء مجتمع من المستخدمين – حتى ولو صغير – يتحمس لمنتجك ويتفاعل معه ويتحدث عنه بالنيابة عنك، كانت أفضل دعائية لنا قبل أن ننطلق.


الخطوة الثالثة: اجتذب طلبات لمنتجك من قبل أن تقوم بإطلاقه

بعد أن صارت لدينا كتب فعلية اتفقنا على نشرها على المنصة عندما تنطلق، قمنا بإنشاء صفحة على فيسبوك باسم كتبنا ووضعنا عليها لوجو المنصة، وكتبنا في صفحة About أننا على وشك إطلاق أول منصة للنشر الشخصي الإلكتروني في العالم العربي. وبدأنا في وضع بوستات عن الكتب والمؤلفين بشكل مشوق مع تصميمات جذابة لأغلفة الكتب، ثم نطلب من المستخدمين: «إذا رغبت في نسخة إلكترونية من الكتاب فور إطلاق المنصة، سجل هنا!»، وكنا نشجع الكتاب على مشاركة تلك البوستات وسط متابعيهم وأصدقائهم ودوائرهم من المهتمين بالثقافة والكتب، والنتيجة أنه أصبح لدينا مئات من الطلبات Pre-Orders قبل أيضا أن نبدأ، تشمل أسماء العملاء وهواتفهم المحمولة وعناوين البريد الإلكتروني الخاصة بهم، بجانب أسماء الكتب التي يرغبون في الحصول عليها! ودون أن ندفع مليمًا واحدًا في الدعاية أو الإعلانات. كان الأمر يسير كالتالي: فكرة رائعة للنشر (ثم) مؤلفين شباب متحمسين (ثم) قراء منتظرين الكتب على أحر من الجمر.


الخطوة الرابعة: دع الإعلام يعمل إلى جانبك

قمنا بعمل اشتراك مجاني على موقع Mailchimp لإنشاء النشرات البريدية Newsletters،وأنشأنا عليه قائمة بريدية تحت اسم Media، وبدأنا في جمع كل بيانات الصحفيين التي يمكن لأيدينا أن تصل إليها، سواء في مجال الثقافة أو التكنولوجيا. قمنا بمسح عشرات المجلات والجرائد والمواقع الإلكترونية من أجل جمع أسماء الصحفيين وكتاب الأعمدة والمقالات ومعدي برامج الراديو والتليفزيون وجمع عناوين البريد الإلكتروني الخاصة بهم (ونادرا ما تجد اسم كاتب صحفي هذه الأيام دونما تجد عنوان بريده الإلكتروني في نهاية مقاله أو موضوعه)، ثم أدرجنا كل تلك المعلومات في القائمة البريدية، ثم أصبحنا نرسل لهم نشرة بريدية كل أسبوعين تحتوي «بيانًا إعلاميًا» Press Release مكتوبًا بشكل احترافي وصادر عن «منصة كتبنا».

الصحافة والإعلام بطبيعة الحال تهمهم العناوين الجديدة التي تشد انتباه متابعيهم، كنا نرسل إليهم أخبارًا من عينة «أول منصة نشر إلكتروني في العالم العربي على وشك الانطلاق» أو «منصة كتبنا تتعاقد حصريا مع مخترع الواي فاي على نشر مذكراته» أو «منصة كتبنا تتأهل للتصفيات في أكبر مسابقة لريادة الأعمال في الشرق الأوسط»، وهكذا. وبالطبع كان يتم نشر الأخبار التي نقوم بإرسالها عبر Mailchimp (في تصميم احترافي وعلى درجة عالية من الكفاءة، تجعل المتلقي يشعر وأنه يتعامل مع مؤسسة كبرى، وليس مع مجموعة شباب يؤجرون عدة طاولات في مساحة للعمل المشترك)، وكان يتم عمل مقابلات معنا في الإذاعة والتليفزيون، وكتبت عنا عشرات المواقع الإلكترونية قبل أن ننطلق. كان كل ذلك يصب في شكل زيادة عدد المتابعين على صفحة الفيسبوك الخاصة بنا، وعلى الأشخاص الذي يسجلون في صفحة الـ Landing Page الخاصة بالموقع، وهي صفحة كنا نجمع عبرها عناوين البريد الإلكتروني الخاصة بكل المهتمين بالمنصة، بحيث نقوم بإخطارهم فور إطلاقها.


الخطوة الخامسة: قم بميكنة العمل

عندما قمنا بإطلاق المنصة (الموقع ونسخة الأندرويد في البداية، التي تلتها نسخة الآيفون والآيباد لاحقا)، قمنا بعمل عرض مغرٍ لاجتذاب أكبر كم من المستخدمين، وعدنا كل شخص سيقوم بالتسجيل في المنصة برصيد مجاني قيمته 100 جنيه تمكنه من شراء كتب من خلال المنصة! أي مستخدم يقوم بالتسجيل كان يتم مراسلته على البريد الإلكتروني برسالة ترحب به، وتشرح له مميزات منصة كتبنا، وتضع له رابط بمجرد النقر عليه يتم وضع 100 جنيه في حسابه على الموقع! أيضا وضعنا في مكان بارز رابطًا يستطيع المستخدم عن طريقه دعوة أصدقائه للاستفادة من عرض المنصة، وبمجرد إدخال المستخدم لعناوين البريد الإلكتروني الخاصة بأصدقائه كان يتم إرسال نفس الرسالة المميكنة إليهم!

قرأت عن هذه الطريقة في نمو عدد المستخدمين في كتاب صغير لكنه ممتع للغاية اسمه Growth Hacker Marketing لرائد الأعمال «رايان هوليداي» كان اقترحه علي «طارق فهيم» مؤسس شركة Endure للاستثمار في الشركات الناشئة – المستثمرين لن يساعدوك فقط بأموالهم، يمكنهم بالفعل مساعدتك بخبراتهم، وشبكة علاقاتهم ونصائحهم، لذلك كن على تواصل دائم معهم وضعهم في جانب مهم من علاقاتك -، والذي يتحدث عن الكيفية التي يمكنك فيها ميكنة النمو Growth بحيث تستطيع خلق ماكينة تسويق تعمل لديك بشكل آلي، بحيث تجتذب عن طريقها زوارًا أو مستخدمين أو عملاء بشكل آلي، وأيضا تستطيع عن طريقها بيع منتجاتك الموجودة على المنصة (الكتب الإلكترونية واشتراكات المؤلفين) بشكل آلي أيضا ودون ميزانية دعاية كبيرة.


بهذه الخمس خطوات استطعنا الحصول على أكثر من 1000 مستخدم خلال 7 أيام فقط من إطلاق المنصة، صحيح أننا لم نستكمل المفاوضات مع Juice Labs على الرغم من قدرتنا على إبهار «نهى» وشركائها، لكننا استطعنا استكمال النمو السريع والاعتماد على أنفسنا عبر دخل المبيعات والاشتراكات كما ضاعفنا عدد المستخدمين لـ 10 أضعاف خلال 6 أشهر فقط، وذلك تحدٍ آخر، وقصة أخرى نتناولها في مقال قادم.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.