في يوم الخميس الموافق 28 من مايو 2015م، قال المستشار هشام جنينه رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، إن منصبه يتمتع بالحصانة ولا يمكن عزله وفقًا لقانون الجهاز المركزي للمحاسبات وتحديدًا المادة 25 التي تقضي بأن صدور قرار جمهوري بتعيين رئيس الجهاز لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى مماثلة متضمنًا معاملته المالية، ويعامل من حيث المعاش وفقًا لهذه المعاملة، ولا يجوز إعفاؤه من منصبه، ويكون قبول استقالته بقرار من الرئيس.

وأضاف جنينه، أن حيثيات حكم محكمة القضاء الإداري التي أصدرت حكمها في دعوى عزل رئيس الجهاز تضمنت أن رئيس الجهاز موظف عام ولا يتمتع بالحصانة، موضحًا أنه تقدم بطعن على هذا الحكم، حيث إن القانون الحالي للجهاز يعطي رئيسه حصانة من العزل مثل النائب العام، ويعين من رئيس الجمهورية بدرجة وزير، ولا يجوز محاكمته أو التحقيق معه إلا من خلال قانون محاكمة الوزراء، في إشارة إلى أنه، غير قابل للعزل. ثم قال أن تلك الدعاوي تستند إلى محضر تحريات مختلق ضده يتهمه بأنه ضمن جماعة قضاة من أجل مصر التي تناصر جماعة الإخوان المسلمين، مؤكدًا أنه طالب المحكمة الإدارية خلال طعنه بإصدار حكم قضائي، أن منصبه سياسي، وأن قرار تعيينه سيادي يصدره رئيس الجمهورية، باعتباره سلطة حكم ﻻ سلطة إدارة، وﻻ يجوز عزله، وبناءً عليه يخرج قرار تعيينه عن رقابة واختصاص القضاء بنوعيه العادي واﻹداري. وأوضح جنينه، أن الجهاز يختص بالرقابة على المال العام، ومراقبة تنفيذ الموازنة العامة للدولة، لذا أحاطه المشرع سواء في الدستور أو القانون بضمانات تمنع الحد من مباشرته لأعماله منها عدم جواز عزل رئيس الجهاز وأعضائه من وظائفهم.

وبعد سجال طال أمده مع مفاصل الدولة العميقة كان سيده تبادل الاتهامات وترويج الإشاعات حول المستشار هشام جنينه، قام رئيس الدولة عبد الفتاح السيسي بإعفاء المستشار هشام جنينه من منصبه كرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات اعتبارًا من يوم 28 مارس 2016م، فلماذا أعفى السيسي جنينه من منصبه؟


من هو هشام جنينه؟

ولد المستشار هشام جنينه بمحافظة الدقهلية في عام 1954م، وفي عام 1976م تخرج المستشار هشام جنينه من كلية الشرطة، وعقب تخرجه أصبح جنينه ضابطًا في مديرية أمن الجيزة، وتدرج في العمل حتى أصبح قاضيًا فيما بعد.

يعتبر جنينه واحدًا من الذين أسسوا تيار الاستقلال القضائي، وكان عضوًا في العديد من مجالس نادي القضاة. كما تولى منصب رئيس محكمة استئناف القاهرة. وكان المستشار هشام جنينه، من الداعمين لثورة الـ25 من يناير 2011م. وفي عام 2012م، تم تعيينه رئيسًا للجهاز المركزي للمحاسبات لمدة 4 سنوات، وذلك بقرار جمهوري من الرئيس المعزول الدكتور محمد مرسي.


في عش الدبابير

«حينما بدأت العمل في كشف ملفات الفساد في مصر في نهاية يونيو 2014م، كنت أعلم أني سأدخل في «عش الدبابير» ولم أكن أتخيل حجم المعوقات رغم توقعي لها فلست منفصلًا عن الواقع؛ فليس من الطبيعي أن مسئولًا يتقاضى ما يتجاوز المليون جنيه شهريًا وأطالبه بتقاضي 42 ألف جنيه طبقًا للقانون».

أثار المستشار هشام جنينه العديد من قضايا الفساد في وسائل الإعلام، وهو ما جعل الشارع المصري يتساءل عن كم الفساد الذي يتحدث عنه جنينه، وقد بدأ جنينه صدامه الحقيقي مع دولة السيسي عندما أثار قضية الجهاز القومي للاتصالات في 30 نوفمبر 2014م والتي استبيح فيها 100 مليون جنيه ما بين مكافآت وبدل حضور جلسات لمستشارين، وقد اتهم في هذه القضية 73 قاضيًا كان على رأسهم المستشار عادل عبد الحميد الذي كان وزيرًا بحكومة السيسي. وقد أثيرت هذه القضية من قبل في الـ 5 من أبريل 2011م في عهد 3 نواب عموم ،وهم المستشار: عبد المجيد محمود والمستشار طلعت عبد الله والمستشار هشام بركات إلا أنه أسدل عليها الستار بعد 30 يونيو ووصول عبد الفتاح السيسي إلى الرئاسة بعد عزل محمد مرسي.

وبعد ذلك خاض المستشار هشام جنينه حربًا شرسة مع نادي القضاة آنذاك، عندما أراد أن يشرف الجهاز المركزي للمحاسبات على أنشطة نادي القضاة، وكان ذلك الصدام الأعنف للمستشار جنينه مع السلطة القضائية في مصر، بعد أن أعلنت عمومية نادي القضاة رفضها لقرارات الجهاز المركزي للمحاسبات الممثلة في شخص جنينه، ووقتها تعنت جنينه وما كان عليه سوى رفض قرار الجمعية العمومية لنادي القضاة ووَصَفَ هذه الجمعية بغير القانونية، وأنه لا يوجد من يمنعه عن أداء عمله الوطني المتمثل في تطبيق الدستور والقانون. وما لبث الأمر كثيرًا حتى حذا نادي مجلس الدولة حذو نادي القضاة ورفضوا في عموميتهم قرار جنينه بإخضاع أنشطة النادي للجهاز المركزي للمحاسبات.

ثم أثار جنينه جدلًا واسعًا عندما قال أنه من الضروري تعديل القانون الرقابي في البرلمان بغرفتيه؛ بالسماح للجهاز المركزي للمحاسبات بالمراقبة المالية عليه أسوة بما يحدث في السلطة التنفيذية والقضائية، وقد قدم طلبًا بذلك للجنة الخمسين، وقال أن إعفاء مجلس الشعب من الرقابة المالية يمثل وضعًا شاذًا ولا بد من الرقابة المالية على مجلس الشعب أسوة بما يحدث بالسلطتين القضائية والتنفيذية وعلى رأسها رئيس الجمهورية.

ثم أثار المستشار هشام جنينه في نهاية 2014م قضية الثلاثة آلاف مستشار في الدولة، والذين تم رصد تقاضيهم لقرابة النصف مليار جنيه من جهات حكومية مختلفة، وفتح النار وقتها على حكومة الببلاوي حينما قال أنه أرسل خطابًا للببلاوي ليحيطه علمًا بتلك القضية إلا أن حكومة الببلاوي لم تتحرك في هذه القضية.


تحيا مصر والصدام مع الرئاسة

لقد تحدث جنينه عن صندوق تحيا مصر والذي يخضع لمراقبة الجهاز المركزي للمحاسبات وفقًا لبنود إنشائه، وعلى ذلك قال جنينه أنه وفقًا لذلك لا بد من وضع شكل قانوني لمراقبة الجهاز المركزي لمشروع قناة السويس، ومن بعده مشروع تنمية محور قناة السويس وهو ما أثار غضب مؤسسة الرئاسة، ومن ثم تم اتهام هشام جنينه في قضية ائتلاف قضاة من أجل مصر الداعم للتحالف الوطني لدعم الشرعية وجماعة الإخوان المسلمين. وعلى إثر تلك القضية قال جنينه أنه غير قابل للعزل.

في مطلع عام 2015م، كشف تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات أن حجم المتأخرات من أموال الدولة والذي كان مقدرًا بـ 64 مليار جنيه. ثبت بالوثائق أنه يتجاوز 460 مليار جنيه. وعلى إثر ذلك صرح المستشار هشام جنينه رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات. وقال إن لجان الجهاز اكتشفت بالوثائق والمستندات الرقم الحقيقي لأموال الدولة لدى الأفراد والهيئات الذي قام بعض المنحرفين من صغار الموظفين بالتغاضي عن تحصيله سواء بالإهمال أو بالانحراف وتراكم حتى بلغ أكثر من 460 مليار جنيه. وأكد وقتها المستشار جنينه أنه تم إرسال مذكرة تفصيلية بحجم مديونية الدولة إلى الرئاسة، ومعها اقتراحان لتحصيل أموال الدولة المتراكمة والمتأخرة لدى الأفراد والمؤسسات والهيئات؛ أحدهما تفعيل الأجهزة القائمة بتحصيل هذه المتأخرات ومتابعتها برقابة صارمة وفاعلة والاقتراح الثاني إنشاء جهاز بكيان إداري جديد لتحصيل المتأخرات وهو ما وضع المؤسسة الرئاسية في وجه المدفع أمام الشعب.

ويختتم جنينه صدامه مع دولة الفساد في يوم 22 من ديسمبر 2015م حينما صرح بأن حجم الفساد المالي عام 2015م يتجاوز الـ 600 مليار جنيه، الأمر الذي عجل بقرار إعفائه من منصبه كرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات.


عزل جنينه،من التصريح الأول إلى القرار الأخير

أقيمت دعوى بمحكمة الإسكندرية للأمور المستعجلة برقم 1764 لسنة 2015 أمور مستعجلة، أن هشام جنينه صرح بتاريخ 22 ديسمبر 2015م، بأن حجم الفساد المالي عام 2015م يتجاوز 600 مليار جنيه دون أن يتقدم بدليل أو مخالفة مالية في التصريحات التي أدلى بها، وهو ما أدى إلى إثارة حالة من الهلع الشديد بين الشعب المصري، وأدى كذلك إلى إجحام رءوس الأموال الأجنبية عن الدخول للسوق المصرية وهروبها من الداخل، باعتبار أن حجم الفساد وصل لهذا الرقم المفزع، وهو ما يعني أن البلاد تعوم في بحور من الفساد. وطالبت الدعوى بإصدار قرار بإعفاء جنينه من منصبه، مستندًا إلى القانون رقم 89 لسنة 2015م الخاص برؤساء وأعضاء الأجهزة الرقابية في مصر، والذي يجيز للرئيس إعفاء أي رئيس في تلك الأجهزة حال إخلاله بواجبات وظيفته وأصبح مضرًا بالمصالح العليا للبلاد.

وفي 12 من يناير 2016م، أمر عبد الفتاح السيس بتشكيل لجنة قضائية للتحقيق فيما صرح به المستشار هشام جنينه وجاء نص تشكيل تلك اللجنة كالآتي «في الوقت الذي تجتمع فيه الجهود لبناء دولة ديمقراطية قوية تؤمن بالحوكمة والإدارة الرشيدة واقتلاع الفساد؛ قد أمر السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي بتشكيل لجنة تقصي حقائق من المسئولين بوزارات العدل والتخطيط والمالية والداخلية برئاسة رئيس هيئة الرقابة الإدارية وعضوية السيد نائب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات للوقوف على صحة ما صرح به المستشار هشام جنينه حول قضايا الفساد»، مع العلم بأن نائب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات هشام بدوي عينه السيسي بقرار جمهوري رقم 451 في 13 ديسمبر عام 2015م وبهذا كان المستشار هشام جنينه بين مطرقة وسندان.

وفي يوم الثلاثاء 1 مارس 2016م، نظرت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في الدعوى القضائية المطالبة، بإصدار حكم قضائي بعزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار هشام جنينه من منصبه. وقالت الدعوى إن جنينه اعتاد من فترة لأخرى أن ينشر أرقامًا عن الفساد ويزعم تقديمه العديد من البلاغات عن وقائع فساد بلغت أكثر من 400 بلاغ للنيابة العامة، إلا أنها لم تحقق فيها، كما أنه أخطر رئيس الجمهورية بكافة تقارير الجهاز عن تلك الوقائع إلا أنه لم يفحصها. وأضافت الدعوى، أن الأقاويل تعددت بشأن انتماء جنينه لجماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى أنه يعمل على التشكيك في نزاهة الدولة؛ خاصة بعد تصريحه الأخير بأن حجم تكلفة الفساد تجاوز 600 مليار جنيه. وفي وقت سابق كان أستاذ العلوم السياسية، جمال زهران، قد أقام دعوى أمام المحكمة، للمطالبة بعزل جنينه بزعم انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، وأحالت المحكمة الدعوى لهيئة المفوضين لإعداد تقرير بالرأي القانوني.

وفي يوم 28 مارس 2016م، كشفت تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا، أن التصريح الصحفي الذي أدلى به هشام جنينه رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، وزعم فيه اكتشافه لوقائع فساد تجاوزت قيمتها 600 مليار جنيه خلال عام 2015م وحده يتسم بعدم الدقة، وأن الأرقام والبيانات التي قدمتها اللجنة المشكلة من الجهاز حول قيمة الفساد، غير منضبطة، وتتضمن وقائع سابقة على عام 2012م وتكرارًا في قيمة الضرر.

وذكر بيان صادر عن نيابة أمن الدولة أنه تم الاستماع إلى أقوال رئيسة قسم الحوكمة بوزارة الدولة للتنمية الإدارية والمشرفة والمنسقة للجهات الخمس المعنية بإعداد التقرير الفني، في شأن الدراسة التي أعدتها لجنة من الجهاز المركزي للمحاسبات حول تكلفة الفساد، والتي أكدت أن الفترة الزمنية لهذه الدراسة تم تحديدها ما بين عام 2008م وحتى عام 2012م، فضلًا عن أن الدراسة كان يجب أن تكون في إطار مفهوم الفساد المقرر بالاتفاقيات الدولية النافذة في مصر، والتي تقتصر على الجرائم العمدية.

كما أكدت رئيسة قسم الحوكمة أن الجهاز المركزي للمحاسبات غير معني بتحديد الفساد، وأن البيانات الواردة من اللجنة المشكلة من الجهاز، غير منضبطة، فضلًا عن أن تصريح رئيس الجهاز بشأن تكلفة الفساد في مصر خلال عام 2015م، يتسم بعدم الدقة وهو الأمر الذي قرره أيضًا أعضاء اللجنة المشكلة من قبل الجهاز المركزي للمحاسبات.

وأكدت النيابة في بيانها أنها ستقوم بمواجهة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بكافة الوقائع التي كشفت عنها التحقيقات، وستصدر بيانًا لاحقًا بنتائج التحقيقات منوهة إلى استمرار سريان قرار حظر النشر في التحقيقات عدا البيانات الرسمية التي تصدر من النيابة بشأنها. وعلى إثر ذلك تمت الإطاحة بالمستشار هشام جنينه من منصبه ومعه ما يثبت حقوق الشعب ومن هنا أسدل الستار مرة أخرى على الفساد.