أثار الخبر المنشور في وكالة تونس إفريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية)، نقلا عن صحفية شاركت ضمن وفد لإعلاميين وناشطين بالمجتمع المدني التونسي في زيارة لدمشق بهدف دعم بشار الأسد، بشأن انخراط شباب من تونس ضمن ميليشيات قومية في القتال إلى جانب النظام السوري، جدلا في الرأي العام التونسي والإقليمي.

فبينما ما زال المحللون منشغلين بالإجابة علي سؤال لماذا ينخرط الشباب التونسي بأعداد كبيرة في تنظيم الدولة والجماعات الإرهابية، وبعد انشغال الرأي العام التونسي بقانون الإرهاب والنقاش حول الطريقة المثلى للتعامل مع العائدين من بؤر التوتر، جاء هذا الأمر ليضيف أسئلة أخرى.


الحرس القومي العربي

تأسست تلك الميليشيا في أواخر العام 2012 بقيادة اللبناني أسعد حمود المعروف باسم: الحاج ذو الفقار العاملي، وهو ابن حيدر العاملي (قيادي قومي لبناني)، وضمت تحت رايتها شباب ينتمون للتيار القومي والناصري من دول عربية، منها تونس والجزائر ومصر والأردن ولبنان وفلسطين المحتلة والعراق.

ظهر أسعد حمود في سبتمبر/أيلول 2012، خلال مشاركته في المؤتمر الناصري العام في دورته التاسعة، وهو المؤتمر الذي يضم أصحاب الفكر الناصري في الدول العربية، وأقيم في تونس للمرة الأولى في ذلك التاريخ تحت رعاية حزب الشعب وجمعية الوحدويون الناصريون، وهي مؤسسات تونسية خاضعة للقانون وتحمل التوجه الناصري والقومي العروبي.

ورغم ما جاء في البيان الختامي للمؤتمر وقتها من دعم الحلول السلمية ورفض التدخلات الخارجية، إلا أن بعض الشباب القومي فيما يبدو كانت لديه رؤية أخرى سرعان ما ترجمها إلى التواجد في قلب المعركة وحمل سلاحه لمساندة النظام السوري.

بدأ الحرس القومي العربي أولى مهامه القتالية تحت مظلة الجيش السوري أوائل 2013، وتركزت أنشطته في دمشق وريفها، ودرعا وريفها، وكذلك في القلمون، كما شارك في معركة الغوطة الشرقية.

في يناير/كانون الثاني 2014، ذكر تقرير مصور لميليشيا الحرس القومي، أذاعته قناة فرانس 24، أن هذه هي المرة الأولى التي يسمحون فيها لقناة تليفزيونية بتصويرهم نظرًا لعدم اعتراف النظام بوجودهم حتى ذلك الوقت، كما ظهر في التقرير شاب تونسي وآخر أردني.

ويُعتقد أن عدد المقاتلين المنضوين تحت رايتها وقتها وصل لخمسمائة مقاتل، بينما يعتقد أن العدد يرتفع الآن ليصل إل ألف وخمسمائة مقاتل من جنسيات متعددة.

ينقسم فيلق الحرس القومي إلى أربع كتائب تحمل أسماء رموز قومية، وهي: كتيبة وديع حداد (من رموز المقاومة الفلسطينية)، وكتيبة حيدر العاملي أبو أسعد (من قادة قوات جبل عامل في لبنان سابقًا)، وكتيبة جول جمال (عسكري سوري استشهد في مصر إبان العدوان الثلاثي)، بالإضافة إلى كتيبة محمد براهمي (المعارض التونسي الذي تم اغتياله في ظروف غامضة عام 2013).

ويعلن الحرس القومي أنه منبثق من منظمة الشباب القومي العربي، وهي إحدي أجنحة رابطة القوميين العرب، كما يبدو من خطابه تبني المرجعية الناصرية، وحمله للسلاح مساندة للنظام السوري في وجه التحالف الصهيو-تكفيري حسب وصفه.

مع تصاعد الصراع لاحقًا، تزايد الظهور الإعلامي لميليشيا الحرس القومي لنعي القتلى وتشييع جنازاتهم، فمثلا في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، نَعَت مواقع إعلامية تابعة للنظام مقاتلا مصريًا يُدعى أحمد عثمان من القاهرة، ولقبه أبو بكر المصري، وذكرت أنه كان يقاتل ضمن صفوف «الحرس القومي العربي». كما تزايد الظهور الإعلامي للميليشيا لإعلان مواقفها وآرائها، مثل حديث قائد الميليشيا أسعد حمود عن القصاص للمعارض اليساري التونسي محمد البراهمي الذي تم اغتياله في يوليو/تموز 2013، في حدث سبب اضطرابات سياسية واسعة في تونس.

من جانبها بدت مواقع النظام السوري وحلفاؤه الإيرانيون سعداء بالخبر وتناقلوه سريعًا، وهو الأمر الذي جعل بعض أطراف المعارضة السورية تعتقد أن النظام يريد إلقاء الضوء على دعم القوميين العرب له، مشيرين إلى أن أعداد هؤلاء ليست بالكبيرة، وأن أغلب أفراد الحرس القومي هم من السوريين أنفسهم.


ردود الفعل التونسية

تعتبر تونس إحدى البلدان العربية التي ما زال التيار القومي والناصري يتمتع فيها بحضور قوي، إلا أن هذا الحضور القوي توجَّه بالأساس لدعم نظام بشار الأسد والهجوم على معارضيه، حتى من رموز الفكر القومي. وقد قام مؤخرًا بعض القوميين المتطرفين في تونس باقتحام ندوة حول التطبيع بإشراف المفكر القومي المعروف عزمي بشارة.

في تصريح للوفد التونسي، قال فيصل المقداد، نائب وزير الخارجية السوري، إن حكومة الترويكا (بقيادة حزب حركة النهضة ذي الخلفية الإسلامية) كانت مسئولة عن تسفير الشباب التونسي للقتال في صفوف المعارضة السورية والحركات الإرهابية، ويبدو أن المسئولين في سوريا يتذكرون قرار الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي، بقطع علاقات بلاده بنظام الأسد، واستقباله لمؤتمر أصدقاء سوريا الذي نظمته الجامعة العربية في فبراير/شباط 2012، في موقف عبّر وقتها عن تونس الثورة.

انخراطهم في الدفاع عن سوريا يفند الصورة العامة السيئة عن أن الشباب التونسي لا ينشط إلا ضمن الجماعات الإرهابية المسلحة.

هكذا تحدث باسل خراط، المسئول السياسي لميليشيا الحرس القومي العربي، ولم يكن هذا رأيه وحده، بل أيده سياسيون قوميون توانسة مثل محسن النابتي، القيادي بالتيار الشعبي، أحد مكونات الجبهة الشعبية، الذي ذكر أن هؤلاء المقاتلين شرف لتونس، وشرف لحزبه أن يحملوا اسم الشهيد محمد البراهمي، وأنه يناصرهم حتيىبلوغ النصر وهزيمة الجماعات الإرهابية، رغم نفيه وجود أي علاقة تنظيمية بينهم وبين الجبهة الشعبية.

كذلك ذكر السياسي التونسي الطاهر بن حسين، في لقاء تليفزيوني علي شاشة القناة التاسعة التونسية، أن هؤلاء الشباب أنقذوا شرف تونس، وأنه لو كان شابًا لقاتل إلى جانب بشار حتى يعيد سوريا لمكانتها الثقافية والحضارية حسب رأيه.

علي الجهة المقابلة، طالب النائب في لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان التونسي، عماد الدايمي، أن يعامل هؤلاء وفقًا لقانون الإرهاب الذي يتم بموجبه محاسبة العائدين من مناطق التوتر، وعلى رأسها سوريا، وألا يكون هناك تمييز بين من يقاتلون مع النظام السوري ومن يقاتلون ضده، موضحًا أن كليهما ينشطون عسكريًا مع جماعات مسلحة خارج التراب الوطني التونسي.

بينما لم تدلِ السلطات التونسية بأي بيان أو تصريح رسمي حيال الأمر.

الجدير بالذكر أن النائبة ليلي الشتاوي طالبت بتشكيل لجنة تحقيق حول شبكات تسفير الشباب للقتال في سوريا؛ وهنا سيكون السؤال: هل يتم التحقيق كذلك مع شبكات التسفير القومية التي استضافت أسعد حمود قائد ميليشيا الحرس القومي العربي، والتي تفتخر بالدور الذي يقوم به هؤلاء الشباب في القتال مع النظام السوري؟


الصمت التام في مصر

علي عكس حيوية المشهد السياسي التونسي بين مؤيد ومعارض، تشهد مصر إغلاقًا للمجال العام وإقصاء تامًا للسياسة في مقابل حضور للحلول الأمنية وحدها، لذلك رغم مشاركة مصريين في القتال ضمن قوات النظام والمعارضة والحركات المصنفة «إرهابية» علي حد سواء، إلا أن الأمر لا تتم مناقشته بين السياسيين أو عبر وسائل الإعلام، وإنما تتولى الأجهزة الأمنية والمخابراتية وحدها التعامل معه، لذلك يظل مصير هؤلاء العائدين المنتظَرين من بؤر التوتر مجهولا.

وبدلا من أن يجري نقاش جاد حول الطريقة المثلى للتعامل معهم، تحمل السياسات الأمنية خطر تحويل السجون المصرية لمفرخة جديدة للإرهاب والتطرف. وكانت مصر قد شهدت هي الأخرى خلال الأعوام الماضية قيام التيارات الناصرية بتنظيم فعاليات مساندة للنظام السوري، ومنها زيارات لدمشق ومظاهرات تأييد. وبحسب نفس التقرير فإن شبابًا قوميين مصريين قد انخرطوا في القتال ضمن قوات الحرس القومي العربي.