محتوى مترجم
المصدر
HAARETZ
التاريخ
2016/10/03
الكاتب
دانيال بلاتمان

يبدو أن الحكومة الإسرائيلية قد انتهت بها السبل إلى محاولة بائسة لصرف فكرة تفكيك مستوطنات الضفة الغربية من أذهان الساسة الغربيين، ألا وهي وصف ذلك التفكيك بأنه سيكون تطهيرًا عرقيًا يُمارس بحق اليهود القاطنين بتلك المستوطنات.

على أن تلك المحاولة الهزلية قد استثارت سخرية البعض داخل إسرائيل نفسها، فقد نشرت جريدة هآرتس الإسرائيلية مقال رأي يهاجم تصريحات نتنياهو بهذا الصدد.

فقد استهل كاتب المقال وهو «دانييل بلاتمان»، المؤرخ المتخصص في دراسات الهولوكوست، والذي يشغل منصب رئيس معهد اليهودية المعاصرة التابع للجامعة العبرية بالقدس، بقوله: «إن ادعاء بنيامين نتنياهو بأن إزالة المستوطنات من الضفة الغربية يعد تطهيرًا عرقيًا» هو محض هراء، وإذا أراد أن يعرف ما معنى التطهير العرقي، فعليه أن يعود بالذاكرة التاريخية إلى عام 1948م، وليس إلى عام 2005م.

وقد انتقد بلاتمان محاولات لي أعناق الحقيقة من خلال التفسير الخاطئ للمصطلحات حيث قال: «أحدث من انضم إلى قائمة المبشرين بنظرية نتنياهو هو موشيه آرنز، الذي كتب أن التطهير العرقي هو الإزالة الجبرية لمجموعات عرقية أو دينية من منطقة معينة لجعلها متجانسة عرقيًا أو دينيًا (في مقاله «التطهير العرقي لليهود من غزة ومناطق أخرى» في هآرتس 19 سبتمبر/أيلول 2016م)».

إذا أراد نتنياهو أن يعرف معنى التطهير العرقي، فعليه أن يعود بالذاكرة التاريخية إلى عام 1948م،وما فعلته إسرائيل بالفلسطينيين.

وقد استنتج من ذلك أنه أينما أُخرج اليهود من بيوتهم رغم إرادتهم – بدءًا من سكان جوش عتصيون عام 1948م وصولاً إلى المستوطنين الذين أُخرجوا من قطاع غزة عام 2005م – فإن ذلك يعد تطهيرًا عرقيًا كان اليهود هم ضحاياه.

ويقول بلاتمان أن ذلك هراء لا أساس له على الإطلاق في التعريفات القانونية المقبولة للمصطلح.

كما تعرض المقال للخلفية التاريخية والقانونية لمصطلح التطهير العرقي حيث أشار إلى أنه يعد مفهومًا جديدًا، تم استحداثه في الخطاب العام والخطاب القانوني في عام 1992م، أثناء حرب البوسنة، حيث هاجم صرب البوسنة المسلمين في بنية إزاحتهم من المناطق المختلطة السكان إلى المناطق المتجانسة السكان التي يقطن فيها مسلمين بوسنيين.

كما أشار إلى أن أول من استخدم هذا المصطلح هم الصربيون في عام 1981م، عندما تعرض الصرب في كوسوفو إلى هجوم المسلمين الألبان هناك. وقد تم تعريف المصطلح في المعجم الدولي في التسعينيات أثناء الحرب في يوغوسلافيا السابقة عندما هاجمت جيوش الجماعات العرقية الأقليات الأخرى (الصرب، والكروات، والألبان، والكوسوفيون، ومسلمو البوسنة) لإخراجهم جبريًا إلى مناطق مختلفة يقطن فيها أفراد من نفس الأقلية؛ أي إخراج الكروات إلى كرواتيا، والصرب إلى صربيا، والكوسوفيون والألبان إلى ألبانيا، إلخ.

ومنذ ذلك الوقت، خضع هذا المصطلح للفحص النقدي الذي أجراه خبراء القانون والباحثون، لأنه غالبًا ما كان يستخدم كمرادف تلطيفي لوصف جرائم كانت يجب أن توصف في الحقيقة بالإبادة الجماعية.

وأشار المقال إلى المشاكل التي واجهت الأمم المتحدة في وضع تعريف قانوني للمصطلح، يُمكّن النظام القانوني الدولي من معاقبة مرتكبي هذا الجرم، حيث أشار إلى أنه لم يكن من السهل تعريف مصطلح التطهير العرقي، فمن جانب، يختلف التطهير العرقي عن ممارسة الضغوط لتهجير السكان ونقلهم، وعلى الجانب الآخر، يختلف التطهير العرقي عن الإبادة الجماعية.

وأشار إلى وجود إجماع بين جمهور العاملين في الحقل البحثي أن التطهير العرقي شكل من أشكال التهجير القسري – قد يصبح عنيفًا وينطوي على ارتكاب جرائم القتل – الذي يُمارس ضد جماعة سكانية غير مرغوبة في منطقة جغرافية محددة بسبب العداء العنصري أو العرقي أو الديني أو السياسي أو الاستراتيجي أو الأيديولوجي.

وفي موضع آخر من المقال، أشار إلى أنه في عام 1992م، شكّل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لجنة للخبراء كان هدفها طرح تعريف متفق عليه للتطهير العرقي، وإعطاء النظام القانوني الدولي الأدوات اللازمة لتعريف الجريمة وعقاب المسئولين عنها.

يُستخدم مصطلح التطهير العرقي كمرادف تلطيفي لوصف جرائم كانت يجب أن توصف في الحقيقة بالإبادة الجماعية.

وفي الحواشي، وصفت اللجنة التطهير العرقي بأنه «ما يتم بقصد تدمير جماعة معينة كليًا أو جزئيًا». ولاحقًا تم وصفه على أنه «إخراج البشر من منطقة إلى أخرى في ظروف قد تؤدي إلى موت الجماعة المشردة كليًا أو جزئيًا»، كما يحدث على سبيل المثال، عند إخراج البشر من مواطنهم وإجبارهم على الانتقال لمسافات بعيدة في بلد قد يتعرضون فيها لأخطار المجاعة والعطش والحر والبرد والأوبئة.

ورجوعًا إلى الحالة الفلسطينية، أوضح بلاتمان أن هذا هو ما حدث بالفعل في عام 1948م. حيث استشهد بالمؤرخ الإسرائيلي بيني موريس الذي جزم بأن معظم العرب القاطنين في البلاد، أي ما يزيد عن 400 ألف نسمة قد تم دفعهم لمغادرة البلاد أو تم طردهم في المرحلة الأولى من الحرب، أي حتى قبل دخول جيوش الدول العربية الحرب.

حيث افترض بعض الباحثين أن الهجوم العربي على إسرائيل بدأ فعليًا بسبب تبني إسرائيل لسياسة التطهير العرقي، ذلك لأنه كان من الصعب عليهم فهم الحملة العسكرية الهائلة لتطهير ما يقارب من 500 ألف من السكان الفلسطينيين، وكان التبرير لعمليات الطرد هذه – حسب قوله – أن المناطق التي كانوا يعيشون عليها كانت مخصصة لإقامة الدولة اليهودية حسب خطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة.

وقد زعم موريس أنه قبل ما يزيد عن نصف عام من بدء «الغزو العربي»، حاولت القيادة اليهودية توسيع المناطق المخصصة لإقامة الدولة اليهودية وتقليل عدد العرب الذين سيسكنون في الرقعة الجغرافية المخصصة لها. وبصيغة أخرى، تم إجلاء ما يقارب نصف مليون فلسطيني بالقوة من الأراضي التي عاشوا فيها، لأنهم كانوا مجموعة سكانية غير مرغوب فيها من وجهة النظر العرقية أو العنصرية أو الدينية أو الاستراتيجية، أو كل وجهات النظر هذه مجتمعة.

وأشار المقال إلى أنه قد تم هدم المئات من التجمعات السكنية التي عاش فيها السكان العرب وتمت تسويتها بالأرض، أو تم إعطاؤها إلى اليهود لإقامة المستوطنات عليها بعد انتهاء الحرب. كما تمت سرقة ممتلكات عربية تقدر بعشرات الملايين ومصادرتها. أما الذين حاولوا العودة فقد تم طردهم بالقوة أو أُطلق عليهم الرصاص.

ما جرى في فلسطين عام 1948م هو أنجح عمليات التطهير العرقي التي شهدها القرن العشرين.

لقد كان التطهير العرقي الذي جرى في فلسطين عام 1948م أحد أنجح عمليات التطهير العرقي التي أجريت في القرن العشرين.

وأوضح بلاتمان أن الطريقة التي تم بها التطهير العرقي للفلسطينيين هي نفسها التي استخدمت مع السكان اليهود الذي عاشوا في مستوطنات جوش عتصيون. ولكن مع اختلاف، أن الأخيرة لم يكن بها سوى أربعة تجمعات سكنية وبضع مئات من اليهود. كما توجد اختلافات جوهرية أخرى بين التطهير العرقي الذي تم تنفيذه ضد الفلسطينيين، وذلك الذي تم في جوش عتصيون وجوش قطيف، وهو ما يتجاهله أولئك الذين يهللون لتفسير نتنياهو للمصطلح.

ثم أوضح أن الغرض من ذلك العرض هو دراسة النقاط التي يشترك فيها التطهير العرقي والإبادة الجماعية، ودراسة الظروف التي يتحول فيها التطهير العرقي ليصبح جريمة إبادة جماعية. لذا، عند تدبرنا لما قررته لجنة خبراء الأمم المتحدة، يمكننا رؤية أن الادعاء بأن إجلاء اليهود من التجمعات السكانية في الضفة الغربية يعد تطهيرًا عرقيًا، ما هو إلا محض هراء.

أولاً، لأننا رأينا أن الدولة لا يمكن أن تنفذ تطهيرًا عرقيًا ضد مجموعة من السكان تنتمي لنفس الجماعة العرقية. ولكن يمكنها أن تنفذ إبادة جماعية بحقهم (مثلما فعل نظام الخمير الحمر في كمبوديا) ولكن إخلاء جماعة من السكان ينتمون إلى جماعة عرقية معينة وإعادة توطينهم بين سكان من نفس الجماعة العرقية لا يعد تطهيرًا عرقيًا. وهذا ما قررت الحكومة فعله مع من تم إجلاؤهم من جوش قطيف عام 2005م، ومن تم إجلاؤهم من مستوطنة ياميت في سيناء عام 1982م.

ثانيًا، لا يوجد شيء أبعد عن الحقيقة من وصف هؤلاء الذين تم إجلاؤهم من ياميت أو قطاع غزة بذلك المصطلح الذي يصف جماعة بائسة من البشر (الفلسطينيون) اقتلعت من موطنها اقتلاعًا وتركت للجوع والعطش والأخطار المحدقة بحياتها.

ثم أوضح المقال أن إسرائيل قد وعدت برعاية العائلات الإسرائيلية التي سيتم إجلاؤها، وخصصت مبالغ مالية ضخمة لهذا الغرض. وإذا تم إجلاء المستوطنين من الأراضي المحتلة في المستقبل، فستمد الحكومة لهم شبكة الأمان مرة أخرى، وستسمح لهم بإعادة بناء حياتهم مرة أخرى بصورة مريحة في «إسرائيل».

وبالنسبة للفلسطينيين، فقد ظلوا مُعرَضين للجوع والحرمان والعنف، وللمزيد من الطرد من منازلهم منذ مورس ضدهم التطهير العرقي عام 1948م وحتى اليوم. وهم الذين يعيشون في الفقر في غزة (الغيتو الكبير) ومخيمات اللاجئين في الضفة الغربية.