لدينا الآن جيش مدرب ومقاومة لا تحتاج أن تعتمد على تكتيكات حروب العصابات
نعيم القاسم، نائب الأمين العام لحزب الله

الأحد الماضي (13 نوفمبر/تشرين الثاني 2016)، أجرى حزب الله أول عرض عسكري في سوريا بإحدى مناطق ريف «القصير» السورية، والتي يسيطر عليها الحزب. وشاركت في العرض أرتال مُدرعة ومئات المقاتلين من سرايا الرضوان، وهي إحدى الوحدات القتالية الخاصة بحزب الله، والتي تشارك في الحرب الدائرة بسوريا.

أظهر العرض حزب الله بمظهر مختلف عن طبيعة تكوينه القتالي (المقاومة)، حيث احتوى على دبابات مدرعة ثقيلة وناقلات جند مُصفحة، ولعل أكثر ما لفت الأنظار ظهور ناقلة الجند (M113s) الأمريكية الصنع، والتي أُثيرت حولها التساؤلات، من أي مصدر جاءت هذه المدرعات؟ وكيف حصل عليها حزب الله؟كان وقع العرض العسكري كبيرًا على الداخل السوري و اللبناني من الناحية السياسية، طُرحت العديد من التساؤلات العسكرية والاستراتيجية عن مستقبل التكتيكات العسكرية التي يستعملها الحزب، خاصة وأن هذه أول مرة يُظهر فيها الحزب وحداته المُدرعة، في إشارةٍ إلى تحول كبير في بنية الحزب القتالية.. في الأسطر القليلة القادمة نحاول تَغطية عرض القنيطرة العسكري وتبعاته العسكرية والسياسية.


أولًا: ما هي ال(M113s) ومن أي حصل عليها حزب الله؟

ناقلة الجند المدرعة (M113s) واحدة من أكثر المدرعات انتشارًا في الجيش الأمريكي، والتي دخلت الخدمة عام 1960م، وتأتي المدرعة بإمكانيات كبيرة وقابلية واسعة للتعديل، كناقلة جند ومدرعة هجومية و يمكن أن تزود كذلك بعدد من الأسلحة المضادة للدبابات، كما يمكن تركيب منظومة مضادة للطائرات على سطحها مع الاحتفاظ بخصائصها كناقلة جند.

ظهرت المدرعة (M113s) في معظم مسارح العمليات القتالية التي شاركت فيها الولايات المتحدة منذ فيتنام وإلى الآن، وتُستعمل في العديد من الدول حول العالم ومنها لبنان. لكن كان ظهورها في هذا العرض العسكري الخاص بالحزب مثارًا للعديد من التساؤلات حول مصدرها تحديدًا. وجاءت التكهنات حول اختراق حزب الله لمخازن تسليح الجيش اللبناني والذي استلم العشرات من (M113s) من الولايات المتحدة الأمريكية.تبدو الفرضية الخاصة بحصول الحزب على هذه المدرعات من الجيش اللبناني قابلة للتصديق إلا أن الجيش اللبناني سارع على لسان المتحدث الرسمي له، بنفي كون هذه المدرعات تابعة للجيش اللبناني بأي صورة من الصور، وسانده في هذا مسئول بوزارة الخارجية الأمريكية.

يترافق هذا مع كون المدرعات الظاهرة بالعرض من نسخ قديمة بعض الشيء، أُدخلت عليها بعض التعديلات،لتظهر فرضية أخرى حول استيلاء الحزب على هذه المدرعات من جيش لبنان الجنوبي. (جيش لبنان الجنوبي وهو ميليشيا مسيحية شاركت في الحرب الأهلية اللبنانية مدعومةً من إسرائيل. سيطر حزب الله على أسلحته وعتاده بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في مايو/آيار عام 2000)وفقًا لأرشيف صفقات نقل الأسلحة بين عامي 1984 و1996 فقد أمدت إسرائيل جيش لبنان الجنوبي بما يزيد عن 130 مُدرعة ودبابة وناقلة جند منها 20 ناقلة جند مدرعة من طراز (M113s).


حزب الله بين حروب العصابات والحروب النظامية

أظهر العرض العسكري تحولًا في استراتيجية حزب الله القتالية، فاستعراض الفوج المدرع لا يتناسب مع استراتيجية الحزب التي تبناها في حروبه السابقة، والتي تعتمد على تكتيكات العصابات و الكر والفر. فالمدرعات التي استعرضها الحزب تشي بنيته التحول للحروب النظامية و المتماثلة.

استعرض الحزب إلى جوار ال(M113s) عدة مدرعات، منها (BMP1) وهي مُدرعة وناقلة جند سوفييتية مُصممة للعمل في جميع مسارح العمليات كناقلة جُند ومُدرعة إسناد، وصُممت كذلك للعمل في بيئات التلوث الإشعاعي والكيميائي، كما استعرض الحزب (ZSU-57-2s) وهي مُدرعة صممت بمدفع ثنائي مضاد للطائرات، واستعرض عِدة مُدرعات سوفيتية أخرى وصواريخ كورنيت مضادة للدبابات ومركبات رباعية الدفع.

أثار الاستعراض العسكري كذلك قلقًا واسعًا في الأوساط الإسرائيلية عن تنامي قدرات حزب الله، كتب روبن بن يشاي مراسل جريدة يديعوت أحرونوت في مقالة بتاريخ (16/11/2016) مُحذرًا من تنامي إمكانيات حزب الله القتالية، ولافتًا النظر إلى سابقة استعراض حزب الله لأرتاله المدرعة،قائلًا: «أصبح لدى حزب الله الآن إمكانيات جيش قومي».يتماشى هذا مع تصريحات نعيم القاسم نائب الأمين العام لحزب الله بجريدة السفير اللبنانية، والذي قال: «أصبح لدينا جيش مدرب ولم تعد المقاومة تعتمد على أسلوب حرب العصابات، وأصبحنا أكثر تسلحًا وتدريبًا وامتلكنا خبرات متطورة، وكل ذلك من أجل حماية لبنان ولمصلحة لبنان».

نفى المكتب الإعلامي لحزب الله لاحقًا هذه التصريحات، لكن هذا لا يتماشى مع كون جريدة السفير مُقربة من الحزب ومدعومة منه، وليس محتملًا أن تزعم على لسانه شيئًا لم يَقله.

سرايا الرضوان، التي شاركت في العرض العسكري، هي إحدى الوحدات القتالية الخاصة لحزب الله والتي تشارك في معركة حلب وريفها وقد سُميت تيمنًا بالحاج رضوان (الشهيد عماد مغنية).


تداعيات الاستعراض العسكري لحزب الله

الدعم العسكري الذي تقدمه أمريكا لـلبنان يُمثل دعمًا غير مباشر للمنظمات الإرهابية الحليفة لإيران كحزب الله

أراد حزب الله باستعراضه هذا أن يبعث عددًا من الرسائل، إلى الداخل اللبناني والسوري وللقوى الإقليمية والعالمية، بأنه لم يَعد مجموعة مقاومة وفقط بل أصبح جيشًا إقليميًا عابرًا للحدود، وأنه لا يُشارك فقط في الحرب بل يُشارك أيضًا في صناعة القرار السوري، وأن وجوده أصبح أمرًا غيرُ قابل للمساومة، ولكن مع قوة الرسالة فإنه من المتوقع أن تكون تداعياتها بنفس القوة أيضًا.أولًا: وجه الحزب ضربة قوية لـحليفه الأسد في دمشق، و الذي يكرر يوميًا حديثه عن السيادة السورية (المنتهكة) من قبل قوات التحالف و تُركيا وبعد أن كانت لبنان هي الباحة الخلفية لسوريا، أصبحت سوريا هي الباحة الخلفية لحزب الله.ثانيًا: سيؤثر الاستعراض العسكري على تماسك الحكومة اللبنانية الجديدة، والتي تُشير التقارير إلى نيتها أن يشمل البيان الوزاري الجديد للحكومة المكلفة عبارة «نأي لبنان بنفسها عن الصراعات الإقليمية»، وهو الأمر الذي لن يقبله الحزب، لتصبح المفاوضات الدائرة بين الأطراف السياسية بلبنان حبرًا على ورق بالنسبة للحزب ومخططاته.ثالثًا: (وهو الأهم) تُعد لبنان خامس أكبر مُستقبل للدعم الامريكي حول العالم، فلبنان استقبلت في هذا العام (200) مليون دولار، وأشار مشروع قانون الاعتماد الأمريكي لهذه المساعدات أنها يجب أن تستخدم لدعم الجيش اللبناني لحماية أمن الحدود، ومكافحة الإرهاب، ووقف عمليات تهريب الأسلحة، كما يجب أن يستخدم الدعم العسكري لإنفاذ قرار الأمم المتحدة رقم 1701 الخاص بنزع تسليح حزب الله ومساعدة الحكومة اللبنانية في بسط سيطرتها في البلاد!

بالنظر إلى هذا العرض، سيكون واضحًا إلى أي مدى نجحت الحكومة اللبنانية في تنفيذ شروط المساعدات التي تحصل عليها، ما أدى إلى موجة من التساؤلات والتشكيك في دور الجيش اللبناني وموقفه كحليف مُفترض للولايات المتحدة الأمريكية في مكافحة الإرهاب.ففي مقالة بجريدة ويكلي ستاندرد أشار الباحث السياسي «لي سميث» إلى الدور الذي يلعبه الجيش اللبناني في دعم حزب الله قائلًا: «الجيش اللبناني ليس قادرًا على الوفاء بأي شرط من شروط مشروع قانون المساعدات، هذا ليس بسبب عجزه ولكن لأنه تحت سيطرة حزب الله».

توني بدران، الباحث السياسي بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، أشار لدور الجيش اللبناني في دعم عمليات حزب الله بسوريا قائلًا: «يساعد الجيش اللبناني حزب الله بصورة نشطة،تتراوح هذه المساعدة من المشاركة في قصف مناطق عبر الحدود بالقلمون في سوريا إلى حماية جبهة حزب الله الداخلية، كما تشمل المساعدات حماية وتأمين طرق النقل اللوجستي ونقل الأفراد و الإمدادات إلى حزب الله بسوريا ومراقبة ومداهمة معسكرات اللاجئين السوريين»، وشجع كلا الباحثين الولايات المتحدة علي مراجعة المساعدات التي تقدمها للجيش اللبناني في ضوء ما سبق.كما أوقفت المملكة العربية السعودية المساعدات السخية التي كانت تعطيها للدولة والجيش اللبناني، ففي فبراير/شباط أوائل هذا العام أوقفت السعودية مساعدات بقيمة 3 بلايين دولار كان مقررًا لها أن تذهب للبنان، على خلفية تجاهل لبنان تقديم الدعم الدبلوماسي للرياض في واقعة إحراق السفارة السعودية بإيران.يبدو إذن أن تداعيات التدخل العسكري لحزب الله في سوريا قد بدأت تؤثر على موقف الدولة اللبنانية كحليف للولايات المتحدة و المملكة السعودية، كما أثار تشكيكًا فيما يخص كفاءة الجيش اللبناني وموقفه من تسليح حزب الله ودوره في سوريا.. فهل ستراجع دول الخليج والغرب موقفها من الجيش اللبناني أم أن الوقت قد مضى على صناعة بديل موثوق في لبنان؟