يندر ألا يكون في محيط أسرتك أو عائلتك أو أصدقائك أو معارفك مصابٌ بأمراض الكبد، خاصة عندما تكون مصريًا، حيث المعدلات الأعلى عالميًا في نسبة المصابين بـ فيروس الكبد الوبائي سي، وتليف الكبد liver cirrhosis الذي ينتج عن الإصابة المزمنة به. ولذا فليس من الترف العلمي أبدًا أن نكون مطلعين جيدًا على مكامن الخطر، وآليات التعامل السريع الأولّي مع التدهورات الطارئة لحالات الكبد.

ولأننا في هذه السلسلة نستهدف منظور الشخص العادي غير الطبيب، أو الطبيب المبتدئ، فسنطرح القضية بطريقةٍ عَمَلية، دون الخوض في تفاصيل نظرية لا تهم إلا المتخصص.

سنبدأ باستعراض أهم أعراض الخطر التي تُنبئ بأننا على أعتاب مضاعفات حادة طارئة، وكيفية التعامل مع كلٍّ منها.


١. تغير في درجة الوعي

هو العرض المركزي للدخول في الغيبوبة الكبدية الحادة أو الاضطراب المخي الكبدي hepatic encephalopathy. تكون البداية بصعوبة التركيز، وسهولة النسيان خاصةً الذاكرة القريبة، وعدم القدرة على إجراء عمليات حسابية بسيطة، ثم يتطور خلال ساعات إلى فقدان المريض للإحساس بالزمان فالمكان فالهوية الشخصية disorientation.

ثم التلعثم في الكلام، واضطراب وظائف المخ confusion، والهياج العصبي agitation and irritability، والاضطراب العصبي delirium. وقد يصل إلى التبلد العصبي التام stupor، وفي حالاتٍ قليلة جدًا قد يصل إلى الغيبوبة التامة deep coma.

ومن أهم أسباب حدوثها لدى مرضى الكبد الإصابة بالإمساك، أو النزيف من الجهاز الهضمي، أو تناول وجبة غنية بالبروتين.. الخ والتي تؤدي إلى زيادة نسبة السموم في الجهاز الهضمي، والتي لا يستطيع الكبد المريض تصفيتَها جيدًا، وتنقية الجسم منها، فتصل إلى المخ وتعبث بموصلاته ونواقله العصبية.

وأهم نقاط التعامل مع هذه الحالة كما يلي:

  1. الوقاية خيرٌ من العلاج، وذلك بالالتزام اليومي بتعليمات الغذاء المناسب، بـ تقليل البروتين خاصة الحيواني إلى 1 جم لكل كجم من وزن المريض. وتناول ملين اللاكتيلوز ملعقتين كبيرتين على الأقل يوميًا. وفي حالات الكبد المتقدمة، يفضل إجراء حقنة شرجية enema مرة يوميًا على الأقل لضمان تفريغ الجهاز الهضمي أولًا بأول. وكذلك البعد عن التوتر العصبي، والتعرض لأدوار الإنفلوانزا والالتهابات بمختلف أنواعها لأن كل هذا يزيد احتمالات حدوث الغيبوبة.
  2. التعامل السريع بمجرد ظهور أعراض اضطراب الوعي المبكرة، وذلك بإعطاء جرعة كبيرة من اللاكتيلوز (50 ملي أو أكثر في حالة الإمساك الشديد) وذلك لزيادة مرات التبرز، كما أنه يتفاعل بالأخص مع مادة الأمونيا، أشهر السموم التي تسبب الغيبوبة، كما يجعل بيئة الأمعاء حامضية غير ملائمة لعمل بكتيريا التخمر التي تنشط على الطعام، وتنتج منه المواد الضارة كالأمونيا. هذه البكتيريا هي التي يُنصح للقضاء عليها باستخدام مضاد حيوي خاص هو الريفاكسمين rifaximin. وجرعته هنا قرص 550 مجم صباحًا ومساءً لحين تحسن الغيبوبة، في مرة واحدةً يوميًا. ويفضل بعض أطباء الكبد الاستمرار عليها كوقاية دائمة بعد الشفاء.
  3. تكرار الحقنة الشرجية عدة مرات متتالية في الساعات الأولى لبدء الأعراض، يعتبر ركنًا ركينًا في إيقاف تطور الحالة، وعلاجها بأسرع وقت، بجانب اللاكتيلوز والريفاكسمين. ويمكن استخدام اللاكتيلوز ( 250 ملي، أي زجاجتين صغيرتين) مع الماء في إجرائها لفعالية أفضل.
    تكرار الحقنة الشرجية عدة مرات متتالية في الساعات الأولى لبدء الأعراض، يعتبر ركنًا ركينًا في إيقاف تطور الحالة، وعلاجها بأسرع وقت
  4. استبعاد وجود أي أعراض مصاحبة لمضاعفات كبدية خطيرة أخرى – سنذكر تفاصيل بعضها لاحقًا -، كالقيء الدموي hematemesis، أو النزيف الشرجي hematochezia، أو الاستسقاء بالبطن ascites …. الخ، فوجودها يستدعي طلب المساعدة الطبية العاجلة. إذ جميعها قد تسبب الغيوبة الكبدية أو تصاحبها.
  5. التدخلات السابقة يمكن عملها في المنزل، طالما ما يزال بالمريض الحد الأدنى من الوعي لمعاونتك في إجرائها. أما إذا زادت درجة اضطراب الوعي، حتى لو لم يبدُ على المريض أعراض خطيرة أخرى، فالأفضل نقل المريض للمشفى بشكل طارئ. وذلك لأنه يكون أكثر عرضة للسقوط أرضًا وللإصابات، والتي تزداد خطورتها لدى مرضى الكبد الذين يعاني أكثرهم من زيادة سيولة الدم، مما قد يُسبِّب نزيفًا داخليًا خطيرًا كنزيف المخ.

    كما يجب تجنب إعطاء أي شيء بالفم للمريض في هذه الحالة، لأنه يكون عرضة للازدراد التنفسي aspiration، أي وصول الطعام إلى الجهاز التنفسي، مما قد يؤدي إلى التهاب رئوي شديد aspiration pneumonia.


٢. القيء الدموي Hematemesis

من أخطر مضاعفات الكبد. غالبا ما يحدث نتيجة انفجار دوالي المرئ، وهي عبارة عن أوردة رقيقة الجدران، تحتقن بالدم تدريجيًا نتيجة ارتفاع ضغط الدورة البابية الكبدية، وتنتفخ بشدة، فتكون معرضة في أية لحظة للانفجار.

يفقد المريض كمية هائلة من الدم في حالة النزيف الشديد، ولا يملك الشخص العادي للتعامل مع الحالة إلا ما يلي:

  • تجنب إعطاء المريض أي شيء بالفم تماما.
  • تجنب لمس القيء الدموي باليد مباشرة، لتجنب نقل عدوى الفيروسات التي غالبًا ما توجد لدى مرضى الكبد.
  • نقل المريض بمنتهى السرعة إلى أقرب مستشفى طوارئ ليتم تعويض المريض فورًا بالمحاليل الوريدية والدم، وإجراء منظار الجهاز الهضمي العاجل لإيقاف مصدر النزيف.

إمداد وريدي


٣. البراز الدموي Melena:

نتيجة ارتفاع سيولة الدم لدى مرضى الكبد، لعجز خلايا الكبد المريضة عن إنتاج عوامل التجلط بكمية كافية. يمكن أن يحدث نزيف، أو تسريب دموي تدريجي من الجهاز الهضمي العلوي (ما قبل القولون) خاصة من دوالي المرئ والمعدة. يتم هضم هذا الدم، فيغير لون البراز إلى الأسمر الداكن (يتم تشبيهه دائمًا بلون قطران الأسفلت). هذا هو الميلينا أو البراز الدموي.

لذا يُنصَح دائمًا بمراقبة لون براز مريض الكبد بشكل دائم. وفي حالة اكتشاف وجود الميلينا، لابد من طلب المساعدة الطبية الطارئة، ليتم عمل تحاليل شاملة للمريض (صورة دم كاملة – معامل سيولة الدم INR – وظائف كبد وكلى كاملة … الخ)، وتصوير بالموجات فوق الصوتية للبطن والحوض لاستبعاد نزيف داخلي بالبطن … الخ. وتقييم الحاجة لإجراء المنظار العاجل.


٤. نقص البول أو انقطاعه oliguria and anuria:

من أخطر الأعراض. فهي تعني أن المريض مقبل على الفشل الكلوي. ومن أخطر أنواعه في مرضى الكبد، ما يسمى بالمتلازمة الكلوية الكبدية Hepato-renal syndrome، والتي تزيد احتمالية الوفاة معها عن ٥٠٪. وهي تحتاج إلى التدخل الطبي العاجل، بإعطاء المريض الألبيومين البشري باهظ التكلفة، والسوماتوستاتين داعم الدورة الدموية، وقد تحتاج الغسيل الكلوي.

والعلاج الجذري الوحيد لها هو زرع الكبد liver transplantation. لأن الكبد المريض لا يستطيع تخليص للجسم من السموم الباسطة للشرايين toxic vaso-dilators التي تضعف الدورة الدموية الكلوية، فتسبب الفشل الكلوي.


٥. انتفاخ البطن:

قد يكون انتفاخًا غازيًا بسبب عسر الهضم الذي يعاني منه مرضى الكبد نتيجة الاحتقان الدائم للجهاز الهضمي congestive enteropathy. والأخطر أن يكون بسبب ارتشاح الماء بالبطن والذي يسمى الاستسقاء ascites.

يحدث الاستسقاء نتيجة النقص الشديد في الألبيومين hypoalbuminemia الذي لا يستطيع الكبد المريض إنتاجه بالقدر الكافي. وغياب الألبيومين، يؤدي إلى سهولة تسرب الماء من الدم إلى الأنسجة، فيحدث الارتشاح الشديد بالبطن وغيرها.

وقد يسبب هذا الارتشاح الشديد صعوبة في التنفس خاصة عند النوم، وكذلك هبوط الدورة الدموية نتيجة نقص حجم الدم. ولذا عند الشك فيه، لابد من طلب المساعدة الطبية.


6. نقص ملحوظ في الوزن خلال فترة قصيرة:

قد يكون هذا أول أعراض الإصابة بسرطان الخلية الكبدية hepatoma والذي تزداد احتمالات حدوثه لدى مرضى تليف الكبد المزمن، خاصة المصابين بالفيروسات الكبدية بي و سي.

كلما كان الكشف مبكرًا، كانت فرص التعامل مع الورم السرطاني أفضل سواء بالجراحة، أو الحرق بالموجات الحرارية radiofrequency …. الخ، إذ يكون حجمه أصغر، واختراقه للأماكن الحيوية في الكبد وحوله أقله، وكذلك تكون احتمالات انتشاره البعيد metastasis خارج الكبد أقل.


7. ظهور الصفراء بوضوح على الجلد أو ملتحمة العين:

إمداد وريدي
إمداد وريدي
الصفراء الكبد
الصفراء

الصفراء Jaundice، من الأعراض المهمة جدًا. وزيادتها لدى مريض الكبد المزمن، تعني حدوث تدهور سريع في وظائف الكبد، أو ظهور أورام سرطانية بالكبد، أو حدوث انسداد في القنوات الصفراوية داخل أو خارج الكبد .. الخ. تقييم كل هذا يحتاج إلى الطبيب المتخصص، وفي أسرع وقت ممكن.

هكذا تحدثنا عن أهم الأعراض الطارئة وغير الطارئة التي يمكن أن يلاحظها أي شخص بسهولة، لا تترد بأي حال باللجوء لطبيب على وجه السرعة، ففي بعض الحالات يكون الفارق بين الحياة والموت بضع دقائق وقرار صائب.