سجالٌ طويل، امتد قرابة عشر سنوات، بين السلطة الفلسطينية في رام الله، وحركة المقاومة الإسلامية حماس، حول تسليم قطاع غزة إلى حكومة التوافق، في وقت لا يزال الحصار الإسرائيلي يُلقي بظلال كثيفة على كافة مناحي الحياة في القطاع، جراء إغلاق المعابر الحدودية وتفاقم الأزمات المعيشية.

صراعٌ لم يجعل معاناة الفلسطينيّين تبارح مكانها، وحال استمراره قد يُفضي إلى خيارات مصيرية صعبة، فإما المواجهة العسكرية أو الانفصال، والنهاية واحدة؛ الوصول إلى حافة الهاوية. وعند شفير المنحدر، على أحد الأطراف ترك الخيوط المتأزمة التي أوشكت أن تنقطع، وكان الطرف المنسحب هو حماس.


حماس تقبل العرض

بعد سجال طويل بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس حول تسليم الأخيرة لقطاع غزة وقبول الحل القطري، جاء إعلان حركة المقاومة الإسلامية، يوم الثلاثاء الموافق 25 أبريل/نيسان 2017، أنها جاهزة لتسليم كافة مناحي الحياة في قطاع غزة من وزارات ومعابر وأجهزة شرطة، للحكومة الفلسطينية.

وأشار دكتور صلاح البردويل، عضو المكتب السياسي لحماس، إلى أن هذا القرار جاء نتاجًا للحوار الذي دار بين الحركة ووفد من حركة فتح والتي أبلغته أنها مستعدة لتسليم القطاع للحكومة الفلسطينية للقيام بمهامها وإلغاء اللجنة الإدارية، التي شكلتها للإشراف على عمل الوزارات الحكومية في القطاع، فور استلام الحكومة لمهامها.

إعلان حماس جاء متأخرًا، بسبب خشية تكرار السيناريو القديم في غزة، بإجبار الحركة على تجريدها من سلاحها، وهو كابوس أرّق مضاجع حماس حال تسليم القطاع إلى السلطة، في حين تسعى حركة المقاومة الإسلامية إلى السيطرة الأمنية على القطاع، مع ترك إدارة غزة لحكومة الوفاق، دون المساس بقواها الأمنية والعسكرية، الأمر الذي يتعارض مع مرامي السلطة التي تسعى إلى بسط نفوذها على القطاع.


تهديدات عباس وأزمات القطاع

بهذه الكلمات هدَّد الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بمزيد من إجراءات التصعيد ضد حركة المقاومة الإسلامية حماس، في قطاع غزة المحاصر.

فالضغوطات التي شكّلها الرئيس عباس، ساهمت باتخاذ حماس موقفًا متراجعًا إزاء القيادة السياسية في قطاع غزة، حيث إن تصريح الرئيس الفلسطيني يعطي مؤشرًا على سيناريو إعلان غزة إقليم متمرد، وفرض حزمة عقوبات تدريجية، ابتداءً من قطع رواتب موظفي غزة بالكامل، ووقف أي مشتريات لصالح القطاع، سواء كانت كهرباء أو وقودا أو أدوية، وقد ينتهي الأمر، إلى تدخل مسلح، من شأنه دفع الغزاويين نحو الانفجار الخارجي باتجاه سلطات الاحتلال الإسرائيلي، مما يعني مزيدًا من تأزم الأوضاع.

وقد مرّ قطاع غزة بالعديد من الأزمات المعيشية المتلاحقة، وصلت ذروتها إلى انقطاع الكهرباء، حيث لا تتعدى ساعات وصول التيار الكهربائي إلى المنازل سوى ساعات محدودة، فيما اكتفى المسئولون بتبادل اتهامات بين حماس وحكومة التوافق، فتقول الحكومة إن سيطرة حماس على شركة توزيع الكهرباء في غزة تمنعها من تحمل مسئولياتها لإنهاء الأزمة، فيما اتهمت حماس السلطة الفلسطينية بعرقلة مساعي حل أزمة الكهرباء في غزة.

وكانت آخر حلقة من سلسلة الضغوطات على حركة حماس، هي محاولة حكومة التوافق فرض «حصار مالي» على قطاع غزة، باقتطاع حكومة رام الله جزءًا من رواتب موظفيها بغزة، البالغين 70 ألف موظف، الأمر الذي اعتبرته حماس مقدمة لحصار مشدد سيفرض على غزة، مما عكس «تسييس» حكومة رامي الحمد الله لملف الرواتب، وتحويله إلى ورقة ضغط ضد حماس؛ لإجبارها على القبول بشروط محمود عباس للمصالحة.


قربان نجاح قمة ترامب – عباس

تراجع حركة حماس وقبولها بشروط حركة فتح، تزامن مع اقتراب موعد الزيارة المرتقبة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلى واشنطن، بداية شهر مايو/أيار المقبل، للقاء نظيره الأمريكي دونالد ترامب، والتي جاءت على إثر سياسة التهديد والوعيد الذي اتخذها عباس باستخدام المزيد من الإجراءات ضد القطاع بهدف إخضاعه، قبيل الزيارة.

تصرفات الرئيس الفلسطيني الأخيرة ونبرة الصوت العالية التي اتخذها، ربما تكون قربان نجاح زيارة الولايات المتحدة، في ظل رغبة أمريكية لفرض حلول «غير تقليدية» للقضية، تتجاوز الدعوة إلى إنشاء دولة فلسطينية على حدود الأراضي المحتلة عام 1967، وهو ما لمح إليه ترامب في مؤتمره الصحفي الذي عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إبان زيارته للولايات المتحدة.

ومن جانبها،حذرت حركة حماس، من زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لواشنطن، مشددةً على أن ترامب لن يقدم جديدًا للقضية الفلسطينية وهو مشغول عنها، كما أن إسرائيل لن تقبل بمشروع يربط غزة والضفة الغربية، ومن الممكن أن نجد حلًا يعتمد على مبدأ الدولة الواحدة، في وقت يرضخ فيه الرئيس الفلسطيني إلى معطيات الأمر الواقع.


حماس على مفترق طرق

القيادة الفلسطينية ستتخذ خلال الأيام القليلة القادمة خطوات غير مسبوقة ضد حالة الانقسام في قطاع غزة.

لعل ما يحدث في قطاع غزة الآن يثير شكوكا حول مستقبل حركة حماس في قطاع غزة بعد استلام الحكومة الفلسطينية لكل مناحي الحياة في القطاع. فهذا القرار يعني تقويضًا سياسيًا كبيرًا لحماس في قطاع غزة في ظل تهديدات أمنية تلحق بها من أكثر من اتجاه، ولعل أبرز التهديدات التي تواجهها، مشروع العقبة الإسرائيلي الذي يهدف إلى القضاء على أنفاق حماس، التي تعد إحدى أهم وسائل حماس الدفاعية والهجومية في آن واحد.

ولعل ما أخّر حماس عن اتخاذ قرار التسليم هو الخوف من أن تنقض الحكومة الفلسطينية عهدها، وتقوم بتجريد حماس من أسلحتها، أو أن تتحالف حركة فتح، في إطار التنسيق الأمني، مع إسرائيل من أجل القضاء على حركة حماس وتصفيتها نهائيًا.

إجمالاً، السيناريو القادم قد لا يكون بالسهولة التي تظهر لنا في شكل تصريحات ومواقف، فمن المتوقع أن تشهد الساحة السياسية في فلسطين تطورات عدة بخصوص مستقبل موظفي القطاع، وشكل العلاقة بين حماس والحكومة الفلسطينية، والمستقبل السياسي لحماس في غزة، وكيفية استغلال إسرائيل للمشهد السياسي الفلسطيني بما يصب في مصلحتها.