في جزيرة الوراق، لا صرف صحي ولا خدمات ولا أمن ولا حتى مطافي ولا مياه نظيفة، وعندما يتذكرنا أحد رجال الأعمال الكبار لا يتذكرنا إلا لصالحه، وبعدما كنا نطالب سابقًا، بتدخل الحكومة لإنقاذنا كي نعيش مثل باقي الشعب، الآن نطالبهم بتركنا وحالنا، لا نريد خدمات منكم، فقط اتركونا نموت هنا

هكذا قالت السيدة الخمسينية «نعيمة لبيب»، التي أصابها الأمل بعد ثورة يناير، فقررت نشرها فيديو على يوتيوب تحاول فيه لفت الأنظار لجزيرة الوراق المهمشة، مطالبة الحكومة بعدم طردها من بيتها التي ولدت فيه.

تقع جزيرة الوراق في قلب النيل ويقابلها من الجانب الآخر حي الزمالك، تحدها محافظة القليوبية من الشمال، والقاهرة من الشرق، والجيزة من الجنوب، ومساحتها نحو 1470 فدانا، يفصلها عن العالم الخارجي وضجيج المدن مركب خشبي يطلق عليه «المعدية» وهي الوسيلة الوحيدة للدخول إلى الجزيرة، في السابق كانت هناك محاولات من الأهالي للضغط على الحكومات المتتالية من أجل إنشاء طريق (كوبري) واستبداله بالمركب، نظرًا لاستمرار حوادث الغرق؛ آخر هذه المحاولات كان في عام 2014، عندما تجمع بعض سكانها للتظاهر أمام محافظة الجيزة، ولم تستجب لهم إلا قوات الأمن بأن فضوا المظاهرة.

وقال رئيس مجلس محلي الوراق سابقًا، مكرم عيد: «جزيرة الوراق لها تاريخ منذ مئات السنين، وإن دار الكتب والوثائق تحتوي على مخطوطات المقريزي التى تشير إلى اسم جزيرة الوراق الأصلي، والتي يرجع عمرها إلى خمسة قرون»، وفق قوله.


ماذا تريد الحكومة من جزيرة الوراق؟

نشرت جريدة المصري اليوم خبرًا نقلًا عن مصادر حكومية رفيعة المستوى جاء فيه «إن رئاسة الجمهورية كلفت وزارة الإسكان وهيئة التخطيط العمراني بإعادة إحياء مخطط تطوير الجزر النيلية الذي تم إعداده عام 2010، على أن تكون البداية جزيرة الوراق بالجيزة، بحيث تصبح مركزا كبيرا للمال والأعمال».

في نفس الخبر قال المهندس مدحت كمال الدين، رئيس الهيئة العامة للمساحة «إن تكليفات الرئيس تشمل تحويل المناطق الموجودة بها هذه الجزر «النيلية» إلى خط أحمر، وعدم المساس بها، لأن الدولة هي التي ستحدد أسلوب حمايتها والنشاط الكائن عليها».

مضيفًا:

وفي يونيو/حزيران الماضي، قال الرئيس عبدالفتاح السيسي على جزيرة رفض ذكر اسمها إن سكانها تعدوا على أرض أملاك دولة، مطالبًا المسئولين بأولوية التعامل معها.


5 أسباب لتكذيب الرواية الرسمية

1. في 1917 اشتهرت جزيرة الوراق بزراعة البطاطس، وكانت محافظة الجيزة تعتمد بشكل كبير على الجزيرة في هذه الزراعة، وفي 1963 تحولت فيما بعد إلى الجمعية العامة لمنتجي البطاطس، على يد الشيخ أحمد أبو الفضل الجيزاوي عضو مجلس الشيوخ، حتى عام 1958، وكانت الجزيرة محط أنظار التجار اليهود، ورفض الشيخ أحمد أبو الفضل محاولات «إسحاق فانيا» و«صمويل هليمان» توريد تقاوي البطاطس للجمعية وللزراع في الوراق، بشرط التعاقد على توريد المحصول للقوات الإنجليزية، وفق ما ذكرته مجلة “آخر ساعة” في 1 مايو 2012.

وهذا يعني صراحة أن الجزيرة ليست طرح النيل كما ادعت الحكومة، وأن لها وجودا قديما.

2. تبلغ مساحة الجزيرة 1285 فدانا، وصلت إلى 1470 فدانا بعد ضم أراضي طرح النيل وفق ما ذكر وزير الإسكان عام 2014، كما يبلغ تعداد سكانها 60 ألف نسمة، وهذا ينفي ما تزعمه الحكومة الحالية بأن الجزيرة كلها مخالفة للقانون، وأن أراضي وضع اليد لا تبلغ سوى 158 فدانا.

3. نشر المحامي الحقوقي والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية خالد علي على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك صورًا لشهادة وفاة لسيدة ولدت على جزيرة الوراق منذ مائة عام، وعقود بيع مشهرة منذ ١٩٠٥، ١٩٢٣ ميلادية، وكذلك عقد مشهر ١٣١٣ هجرية، ورخصة مبان عام ١٩٩٤، وصورة قرار رئيس الوزراء، وجميعها أوراق ثبوت للملكية وليس كما تدعي الحكومة.

وأكد «علي» أن أهالي جزيرة الوراق أصحاب ملكيات خاصة على الأرض ولم يعتدوا على أراضي الدولة كما تزعم الحكومة.

4. قدم سعد بدير، أمين سر لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، طلب إحاطة لوزير البيئة الدكتور خالد فهمي، موضحًا فيه أن الأهالي يقطنون الجزيرة منذ أكثر من 160 عامًا ولديهم من الأوراق ما يثبت ملكيتهم هذه المباني.

وأضاف بدير في طلب الإحاطة أن قرار الإزالة سيسفر عن تشريد ما لا يقل عن 100 ألف أسرة.

5. حكم قضائي بأحقية سكان الجزيرة في سكنها

حاولت الحكومات المتتالية بشتى الطرق طرد الأهالي من جزيرة الوراق، حتى أنه صدر قرار من رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري، سنة 1998، بإعلان 188 جزيرة نيلية محميات طبيعية، مما يمنع أي أعمال بناء على الجزر، ولكن الأهالي خاضوا معركة قضائية في مجلس الدولة، وقدموا كل ما يثبت ملكيتهم للأراضي، وقضت المحكمة الإدارية في عام 2002 بأحقية الأهالي فيها.


في مواجهة الحكومات ورجال الأعمال

أن أعمال الرفع المساحى لجزيرة الوراق تستهدف تحديد أملاك الدولة، والمساحات التابعة للإصلاح الزراعي، والتابعة للأملاك الأميرية، وأراضي طرح النهر، وتحديد حجم التعويضات عن الأملاك الخاصة.

– في عهد حكومة الدكتور كمال الجنزوري اعتبرت «جزيرة الوراق» محمية طبيعية وفق القرار رقم ١٩٦٩ لسنة ١٩٩٨، على إثره خضعت الجزيرة لإدارة بيئية من خلال وضع وزارة البيئة وأجهزتها، بمعاونة الجهات المختصة، ضوابط وشروط البيئية للأنشطة الواقعة عليها.

– في عام 2010 قرر الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق تشكيل لجنة من وزراء الإسكان والبيئة والري‏‏ لدراسة الأوضاع البيئية للجزيرة، بهدف وضع خطة للتصحيح البيئي فيها‏، وهو ما أثار الأهالي في ذلك الوقت، بسبب تخوفهم من اتخاذ أي إجراء يؤذيهم أو إقامة مشروعات تجبرهم على مغادرة مساكنهم.

-ومنذ عامين عانى بعض سكان الوراق من ملاحقات الجهات الأمنية لهم، على إثر إزالة منازلهم لاستكمال أعمال مشروع “محور روض الفرج” المار بالجزيرة، وقررت الحكومة وقتها صرف مبلغ مالي وصل لـ 200 ألف جنيه لملاك تلك الأراضي التي تقع ضمن نطاق المشروع.

– في أغسطس 2014 ناقش الدكتور مصطفى مدبولي وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية مشروع تطوير جزيرة الوراق ضمن مخطط تنمية وتطوير الجزر النيلية، وذلك مع الدكتورة ليلى إسكندر وزيرة الدولة للتطوير الحضارى والعشوائيات والدكتور علي عبدالرحمن، محافظ الجيزة آنذاك، مع التأكيد على أن المخطط الجديد هو:

تجميع المتناثرات مع الكتلة الرئيسية وتطويرها، وإنشاء امتداد للمنطقة البنائية على مسطح 50 فدانًا، وتحويل الجزيرة إلى متنزه سياحي ثقافي ترفيهي تجاري على ضفاف النيل

– أشار الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الأوضاع فيها في يونيو الماضي، وقال: «في جزر موجودة في النيل هذه الجزر طبقا للقانون المفروض ما يبقاش حد موجود عليها.. وبعدين آلاقي مثلا جزيرة موجودة في وسط النيل مساحتها أكتر من 1250 فدان ومش هذكر اسمها، وابتدت العشوائيات تظهر جواها والناس تبني وضع يد».

كان أهالي جزيرة الوراق صباح الأحد 16 يوليو الجاري، قد فوجئوا بقوات الأمن تحاصر الجزيرة في محاولة لطرد سكانها وإزالة المنازل، مما أدى إلى اعتراض الأهالي وتظاهرهم رفضًا لتواجد قوات الأمن، وأطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع لتفريق الأهالي، وقتل مواطن يدعى السيد حسن علي (26 عامًا)، وأصيب عشرات آخرون من بينهم عدد من المجندين.

وعقب تطور الأحداث وتجمهر المئات من أهالي القرية الغاضبين، قررت محافظة الجيزة تأجيل قرار الإزالة لأجل غير مسمى. وكانت وزارة الداخلية، أعلنت القبض على 10 من أهالي جزيرة الوراق بزعم اتهامهم بإثارة الشغب والاعتداء على قوات الأمن.