لقد كانت تلك اللحظة هي الأسوأ في مسيرتي التي استمرت 23 عامًا، لا أحب أن أتذكّر تلك الليلة
ريان جيجز

نعترف جميعًا بتلك القاعدة الحياتية التي تقول أن لكل منا ذكريات في حياته يسعى دائمًا إلى محوها من ذاكرته لكنه لا يستطيع، صحيح أن هناك بعض الذكريات تصحو في عقولنا بين الحين والآخر وقد قلّ أثرُها في تلك المرة عن سابقتها، لكن هناك البعض الآخر لا يقل أثره بمرور الوقت لأن الحياة -للأسف- لم تُعطنا تلك الرفاهية، ولأن الأسطورة الويلزية «ريان جيجز» هو أحد المُنتمين لعالمنا هذا فكان لزامًا عليه أن يخضع لتلك القاعدة الحياتية.

لم يتردد اللاعب الويلزي لحظة عند سؤاله عن أبرز ذكرياته السيئة في مشواره الحافل، وردّ دون تفكير: «هي ليلة نهائي دوري أبطال أوروبا أمام برشلونة عام 2009 في ملعب الأولمبيكو في روما، أتمنى ألا أعيش مثل تلك الليلة مرة أُخرى».

http://gty.im/525721552


ثمانِ سنوات ولازالت التفاصيل حاضرة

بعد المباراة جلست على دكة البدلاء وقلت لنفسي إذا كانت تلك هي نهاية مشواري مع كرة القدم فلا مانع من ذلك
ريان جيجز

كان ذلك هو الموسم الأول لـ «بيب جوارديولا» مع الفريق الكتالوني الذي بدأ فيه بداية مجنونة بحصوله على الدوري الإسباني وكأس ملك إسبانيا ودوري أبطال أوروبا والسوبر المحلية والأوروبية، وكذلك كأس العالم للأندية، وقد رأى الكثيرون أن مباراة تشيلسي في «ستامفورد بريدج» وهدف أندريس إنييستا الشهير كان هو مفتاح كل تلك البطولات وعودة الثقة المفقودة عند الفريق الإسباني منذ عام 2006، لكن ريان جيجز يختلف مع تلك الفكرة شكلًا وموضوعًا، لأنه يرى أن فريقه كان هو المرشح الأول للبطولة قبل نهائي روما إلى أن سافر الفريقان للإقامة في العاصمة الإيطالية قبل يوم المباراة بأيام، فماذا حدث؟!

يعتقد «ريان جيجز» أن هناك بعض التفاصيل التي قد يراها البعض تفاصيل تافهة عديمة القيمة على أرض الواقع، لكنها بالنسبة للاعب كرة القدم وفي ليلة مثل تلك يترقبها العالم أجمع تُمثّل أشياء كبيرة وكبيرة جدًا، و قد تحسم نتائج مباريات قبل بدايتها، على حد تعبير اللاعب الويلزي.

لقد رافقت العديد والعديد من رحلات فرق مانشستر يونايتد بشكل يجعلني أُجزم أن الأجواء لم تكن مُريحة على الإطلاق لعادات الفريق الإنجليزي
ريان جيجز

يقول الويلزي إنه بمجرد وصولهم إلى العاصمة الإيطالية روما لاحظوا أن كل شيء قد تغير. الفندق لم يكن مُريحًا على الإطلاق، لأن الفندق الذي اختارته «الويفا» يقع في وسط المدينة، فلم يجد اللاعبون مكانًا للاستراحة من صخب الجماهير التي لم تنم تلك الليلة في انتظار المباراة، بالرغم من إقامة الفريق في الموسم السابق في فندق هادئ على أطراف المدينة الإيطالية في المرتين اللتين التقى فيهما المانيونايتد مع روما الإيطالي.


شكوك كاذبة ومفاجآت بالجُملة

يقول جيجز إن ثمة أخبارا قد انتشرت في الصحف قُبيل المباراة بعدم جاهزية تيري هنري وأندريس إنييستا لبدء المباراة، ومع ذلك لعب المهاجم الفرنسي حتى الدقيقة 72 من المباراة وكذلك الرسام إنييستا الذي تم استبداله في الوقت بدل الضائع من الشوط الثاني، ولكن ذلك لم يؤثر كثيرًا على المعنويات، خاصة بعدما أدرك لاعبو المانيونايتد أن الفريق الإسباني سيعتمد على بناء الهجمات من العمق لا الأطراف، وقد بدأوا بالفعل تنبيه بعضهم البعض بتلك الإستراتيجية قبل بدء المباراة، فالإيفواري يايا توريه يلعب في قلب الدفاع بجانب جيرارد بيكيه، الذي ظنّ أغلب لاعبي اليونايتد أنه سيكون ثغرة المباراة، نظرًا لبطء قلبي الدفاع وسرعة كريستيانو رونالدو وواين روني اللذين يتبادلان الأدوار عادة طيلة التسعين الدقيقة.

وجود كارلوس بويول أيضًا ناحية اليمين خلف بوسكيتس ووجود سيلفينهو ناحية اليسار أوحى للاعبي الفريق الإنجليزي بأن اللعب من الأطراف بالنسبة لبرشلونة قد تعطّل تمامًا، نظرًا لسرعة ريان جيجز وبارك جي سونج.

يستطرد الأسطورة الويلزية حديثه ويقول إنه بالرغم من إدراك زملائه لنية لاعبي برشلونة في بناء الهجمات من العمق لم يستطيعوا منعهم من تسجيل الهدف الأول «من العمق» حين تبادل تشافي هيرنانديز وإنييستا الكرة أكثر من مرة، ثم مررها الرسام لصامويل إيتو الذي راوغ وأحرز الهدف.

http://gty.im/88010379

بعد ذلك الهدف أصبح المانيونايتد في وضعية المُطارد لخصمه، وبرشلونة لم يكن أبدًا الخصم المناسب لتلك الوضعية نظرًا لقدرة لاعبي هذا الجيل الكتالوني غير العادية على الاحتفاظ بالكرة تحت أي ضغط كان، وفي أي وقت من أوقات المباراة، لقد كانوا أشبه بالفضائيين في تلك الإمكانية. تشتت الفريق الإنجليزي بالرغم من بدايته الممتازة المُسيطرة على أجواء اللقاء لدرجة جعلت ريان جيجز يقوم بدور اللاعب رقم 10 بدلًا من تأمين استحواذ فريقه على وسط الملعب.

أحرز بعد ذلك الليو الهدف الثاني لبرشلونة قبل 20 دقيقة من انتهاء المباراة، فتولّد إحساس لدى الجميع أن المباراة قد انتهت حتى وإن أظهروا عكس ذلك.

ريان جيجز أثناء حديثه عن تلك الليلة


ولنا عودة في ويمبلي

نظرت إلى كأس البطولة ثم إلى اللاعبين فلم أشعر أننا قادرون على العودة، لم أكن القائد المثالي في تلك الليلة

رجع الفريقان بعد عامين في نهائي ويمبلي الشهير في الثامن والعشرين من مايو/أيار عام 2011، لكن فريق برشلونة هذه المرة كان مختلفًا تمام الاختلاف؛ فالفريق أصبح أكثر استقرارًا وثقة في الفوز، لقد كان فريق جوارديولا في هذه الآونة هو شبح القارة العجوز الذي لا يقدر أي فريق على مجاراته.

يقول ريان جيجز إنه بالرغم لامتلاك المانيونايتد أجنحة متميزة كبارك جي سونج وأنطونيو فالنسيا وانضمامه إلى وسط الملعب بجانب ميكائيل كاريك، فإن حظوظ الفريق الإسباني كانت أعلى منهم بكثير في هذا النهائي وهو ما جعل هذه الهزيمة أخف وطأة عليه وعلى زملائه الذين حضروا كلتا المبارتين، فالهزيمة عندما تكون مُتوقعة تكون أشبه بمرارة الدواء في فم الطفل الذي لا يلبث أن ينتهي من البكاء حينما يزول طعم الدواء من فمه، أما الهزيمة المفاجئة فتكون أشبه بالمرض الخبيث الذي يصيب شابًا في مقتبل العمر فتجعله يفكر في مستقبله وجدوى حياته ونظرة الآخرين له، وتضفي كمًا كبيرًا من الكآبة والحزن إلى حياته.

http://gty.im/525721700

لذا فإن ريان جيجز مدين بشكل كبير لبرشلونة وفريق الأحلام الذي صنعه بيب جوارديولا لأنهم جعلوه يفكّر ويخطط بشكل أكبر وأعمق في مدى جدوى وجوده في الملاعب بعد بلوغه الـ 35 عامًا وما الذي يريده من تلك الفترة بالتحديد. وفي أغلب الظن أن هذا التفكير الدقيق هو الذي جعل ريان جيجز ينهي مشواره في الملاعب بشكل ممتاز بين أسوار الأولدترافورد دون اللجوء إلى رفاهية الدوري الأمريكي أو الاحتماء بأموال الخليج أو… لا لم يكن التنين الصيني قد استفحل في تلك الفترة كما هو الآن.

المراجع
  1. مقال ريان جيجز في صحيفة التليجراف