كل التحذيرات باءت بالفشل، الحزب يسمم الأجواء السياسية في بلادنا، الحزب يضر بمستقبل ألمانيا، الحزب تنعدم لديه الحلول السياسية. ليست فقط تصريحات ميركل ووزير داخليتها توماس دي ميزير، قبيل انعقاد الانتخابات البرلمانية أمس في ثلاث ولايات: بادن فورتمبرج، راينبفالتس، وزاكسن أنهالت، هي ما عجزت وحدها عن إقناع الناخب المحلي بعدم التصويت لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي.

قبل يومين من موعد الاستحقاق الانتخابي نشرت مجلة دير شبيجل تسريبات لمراسلات داخلية بين القيادات العليا لحزب البديل من أجل ألمانيا، مفادها أن موضوعات اليورو واللاجئين صارت «مستهلكة». عوضًا عن ذلك يجب أن ينصب تركيز البرنامج الانتخابي على «الإسلام»؛ «لأنه الموضوع الأكثر إثارة للجدل الداخلي، ما سيجعل الصحافة تتهافت على تناول أخبار الحزب»، قبل أن ينشر المركز البحثي كوركتيف وثيقة مسربة، مكونة من 72 صفحة، عن البرنامج الداخلي الذي سيطرحه الحزب في شتوتجارت في الثلاثين من إبريل القادم، يتضمن في مبادئه الواسعة بنودًا مخالفة للإجماع السياسي والاجتماعي الذي تحقق منذ نشأة الفيدرالية الألمانية قبل 70 عامًا.

أبرز الخطوط العريضة تمثلت في الدعوة لاستقلال ألمانيا عن منطقة اليورو وإغلاق الحدود، تقليص دور الدولة في مجال الرعاية الاجتماعية، إلغاء كوتة النساء، محورية دور الجيش في تأمين الدولة، بالإضافة إلى تخفيض سنة المسئولية الجنائية للأطفال من 14 إلى 12 عامًا، وتعظيم دور الدولة في الحفاظ على التماسك الأسري من خلال خفض الدعم المالي لمن اختاروا الانفصال عن شركائهم.

التحريض على منتسبي ثاني أكبر ديانة في ألمانيا بعد المسيحية، الخروج عن الالتزامات الاجتماعية التي يفرضها اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي أرسى مبادئه وزير الاقتصاد إيرهارد لودفيج في خمسينات القرن الماضي، فضلًا عن تغول سلطة الدولة على الحرية الفردية، كل تلك المحاور التي كشفتها تسريبات اليومين الماضيين لم تفلح هي الأخرى في ثني قطاع من الناخبين عن القرار المحسوم سلفًا باختيار حزب اليمين الشعبوي.

نجح حزب البديل من أجل ألمانيا في تحقيق نتائج تاريخية لم يسبقه إليها حزب يميني متطرف في ألمانيا من قبل.

إذ نجح حزب البديل من أجل ألمانيا في تحقيق نتائج تاريخية، لم يسبقه إليها حزب يميني متطرف في ألمانيا من قبل. أكبر الانتصارات شهدتها ولاية زاكسن- أنهالت، حيث حل الحزب ثانيًا خلف المسيحي الديمقراطي بما نسبته 24% من مجموع أصوات الناخبين، بينما حقق في ولاية بادن-فورتمبرج ما نسبته 15%، بينما تجاوزت نسبته حاجز الـ 12% في انتخابات ولاية راينبفالتس.

وفي مقابل نجاح الحزب الذي لم يتجاوز عمره السياسي حاجز الأربع سنوات، مُني حزب المستشارة بخسائر متوالية في ولايتي بادن فورتمبرج و راينبفالتس. في الأولى هوت نسبة المصوتين للحزب 12% عن انتخابات عام 2011، لتستقر عند 27% ويستقر معها الحزب في المركز الثاني خلف حزب الخضر الذي تحول للمرة الأولى في تاريخه إلى أكبر قوة سياسية ولائية، بينما اكتفى الاتحاد المسيحي الديمقراطي في الثانية بخسارة 4% ليستقر ثانيًا خلف الاشتراكي الديمقراطي بنسبة 31% من مجموع أصوات الناخبين.


الانتخابات الألمانية: استفتاء على سياسة الترحيب باللاجئين

على عكس ما جرى عليه العرف في الانتخابات الألمانية بمستوياتها الفيدرالية والولائية، بتصدر السياسات الاقتصادية والبرامج الاجتماعية للأحزاب محور اهتمامات الناخب المحلي، جاءت الانتخابات البرلمانية في الولايات الثلاث لتحمل قضية مركزية واحدة، ذات أبعاد ثقافية، شكلت محور التنافس الحزبي في جذب أصوات الناخبين؛ ألا وهي قضية اللاجئين، أو بالأحرى سياسة الترحيب باللاجئين التي اعتمدتها ميركل منذ اتخاذها قرارًا تاريخيًا بإعفاء اللاجئين السوريين حصرًا من بصمة دبلن أواخر أغسطس الماضي؛ ما مهد لأكبر موجة تدفق بشري على القارة الأوروبية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

سياسة الترحيب الألمانية وإن تمتعت بتقدير دولي وترحيب عربي بالتبعية، إلا أنها لم تلقَ منذ البدايات نفس القدر من الترحيب على المستوي الداخلي. أيام معدودة بعد أن انتهت نشوة الصور الوردية الآتية من محطة قطار ميونخ، حيث تدفق مئات البشر حاملين ملابس وأغطية وورودًا للاجئين العابرين توًّا الحدود النمساوية-الألمانية، وبدأت حالة من الجدل حول طبيعة وحدود الدور الذي يجب أن تلعبه ألمانيا في إيواء نازحي الحروب.

بين معسكر يرى في استيعاب ألمانيا للفارين من النزاعات واجبًا أخلاقيًا، ترسمه رؤيتها الذاتية لمهامها في العالم كـ helpful fixer و Peacekeeper، وتفرضه تجربتها التاريخية المزدوجة سواء في تهجير كتل سكانية ضخمة في إطار توسيع المجال الحيوي إبان الحرب العالمية الثانية، أو تحولها لأكبر مستودع للاجئين والنازحين بمقدار 12,5 مليون شخص بعد سقوط النازي.

وآخر يرى في استيعاب اللاجئين مسئولية تضامنية أوروبية، لا يتعين أن يتحملها دافع الضرائب الألماني بمفرده، ويتذكر جيدًا التجربة الألمانية في دمج العمال الضيوف الأتراك في سبعينات القرن الماضي، التي نجحت بالكاد بعد 3 عقود، ويرى ألا حاجة لاجترارها من جديد، بكل ما تحمل من مخاطر الاصطدام بقيم ثقافية مغايرة، تحتاج عقودًا للانصهار في الوعاء الحضاري الألماني.

سرعان ما ترك الاختلاف في مدخل التعامل مع أزمة اللاجئين، أثره على النقاش السياسي في ألمانيا. داخل المعسكر الحزبي الواحد تبنى كل من وزير الداخلية دي ميزير، وزير المالية شويبله، ورئيس وزراء ولاية بايرن زيهوفر، نهجًا أكثر تحفظًا إزاء سياسة الترحيب التي تنتهجها المستشارة. في حين جاهر زيهوفر بمعارضته لسياسة المستشارة، من خلال دعوته المبكرة لفرض حد أقصى للاجئين، وتنسيقه مع خصم ميركل أوروبيًا، رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، لتكثيف الضغط على المستشارة محليًّا، وتهديده باللجوء إلى المحكمة الدستورية لوقف الآثار المترتبة على سياسة المستشارة، لم يتعجل الوزيران في إبداء عدم الرضاء على سياسة اللجوء.

اللاجئون ناكرون لجميل ألمانيا.

غير أن تصرفات وتصريحات فردية كانت تعكس بالضرورة حجم ما أصاب المعسكر الواحد من تصدع في مواجهة أزمة اللاجئين. إذ أتبع دي ميزير تصريحاته الحادة بأن اللاجئين «ناكرون لجميل ألمانيا» بقرار اتخذه بمفرده دون إعلام المستشارة أو مدير مكتبها بيتر ألتماير، بإلغاء حق لمّ الشمل للسوريين، قبل أن يتراجع عنه بعد ساعات. بينما أمد شويبله -عن دون قصد- اليمين المتطرف بتصريح ما زال يتردد في الأوساط اليمينية، حين شبّه موجة اللاجئين بانهيار ثلجي.

حزب البديل كان حاضرًا لاستغلال ثغرات الائتلاف الحكومي، والترويج لنفسه مدافعًا عن هوية ألمانيا في مواجهة المكون الثقافي العربي النازح. وقوده في الحشد الشعبي ضد اللاجئين انحصر في اختلاق الشائعات، وتسليط الضوء بشكل مكثف على كل جريمة فردية يرتكبها لاجئ وتعميمها على سلوك مجموع اللاجئين، من شائعة سرقة سوري لشاه من إحدى الحدائق وسلخها وذبحها في بيته، إلى حادثة جرى تضخيمها بقيام بعض اللاجئين بالنصب على متجر زالاندو، إلى استغلال شجارات على خلفية دينية دارت بين اللاجئين في دور الإقامة، لتبيان فشل الاندماج قبل أن يبدأ، على أيدي لاجئ أبى إلا أن يأتي بكامل ميراثه العرقي والطائفي.

الخطاب السياسي للبديل على بدائية مفرداته السياسية وفقر أدواته الدعائية، إلا أنه لامس مخاوف «المواطنين القلقين». كتل انتخابية لا تحسم اختياراتها السياسية مُبكرًا، لا تملك بالضرورة تصورات مناوئة للتنوع والاندماج، لكنها قلقة بشأن رفاهاتها الاقتصادية من الاستهلاك لصالح إعانات اجتماعية لا تُقابل بمردود إنتاجي، ومن ثقافة مغايرة مرتبطة في أذهانهم بقيم تعادي المكتسبات الألمانية على صعيد الحريات العامة والمساواة الجندرية والمثلية الجنسية.

لذا لم يكن قط مستغربًا أن يكون هناك أشخاص بخلفية منبتة الصلة باليمين المتطرف، من بين المستجيبين لخطاب التحريض ضد اللاجئين، حين انتقل من حيز الأفكار الدعائية إلى الممارسة الفعلية بالاعتداءات على معسكرات الإقامة، والتي بلغت في نهاية 2015 قرابة ألف اعتداء.

وإذا كان بمقدور خطاب ميركل الصمود حتى نهاية 2015 في مواجهة قواعد الحزب في كارلسروه، وجمهور المواطنين القلقين، ممثلًا في السيدة التي أجرت حوارًا قصيرًا مع المستشارة على شاشة SRF السويسرية، بددت خلاله المستشارة مخاوف المواطنة القلقة من احتمالات تأثير اللاجئين على هوية أوروبا «المسيحية»، إلا أنه فقد جانبًا كبيرًا من فعاليته، في أعقاب حوادث التحرش الجماعي العربي في كولن مطلع رأس السنة.

مئات الساعات من التغطية الإعلامية عن سيادة النظرة الدونية للمرأة في الثقافة العربية، ألوف المنشورات الدعائية التحريضية على صفحات التواصل الاجتماعي ضد اللاجئين، كانت في مجملها كفيلة بحفز قطاع من المواطنين القلقين على حسم اختياراته السياسية. كولن كانت تكثيفًا لكل المخاوف الحبيسة على مدى شهور منذ بداية أزمة اللاجئين، تعبيرًا عن إخفاق سياسة الحدود المفتوحة وثقافة الترحيب، انتصارًا للخطاب الدعائي التحريضي ضد اللاجئين، مرحلة فاصلة في تنامي شعبية حزب البديل، وبدون شك لحظة كاشفة للأرضية التي سيدور عليها الاستقطاب السياسي في ألمانيا؛ اللاجئين.


زاكسن-أنهالت: معضلة الولايات الشرقية

15 مايو 1991 قام مستشار الوحدة هيلموت كول بزيارة إلى مدينة هاله في ولاية زاكسن-أنهالت، لاحتواء غضب الشرقيين من تبعات برنامج الإصلاح الاقتصادي في الولايات الخمس الجديدة. قبل ذلك بعام كان قد تم وضع الخطوط العريضة لعملية هيكلة اقتصاد الولايات الشرقية، من التخطيط المركزي إلى اقتصاد السوق الحر، عبر وكالة حكومية أنشئت خصيصًا لهذا الغرض تحت اسم Treuhandanstalt.

بطاقة عمل ضمت قرابة ألفي موظف، تولّت الوكالة مهمة تقييم كفاءة مؤسسات القطاع العام الشرقي، تقديم الدعم للمؤسسات ذات الإنتاجية المرتفعة، وتصفية القطاعات المتهالكة. أدت الإصلاحات الاقتصادية لتصفية قرابة 3000 مؤسسة من أصل 8000 شملتها خطة الهيكلة، ما أدى لارتفاع عدد العاطلين عن العمل إلى قرابة 900 ألف من أصل 4 ملايين هم حجم القوة العاملة في الولايات الشرقية آنذاك.

انعكاسات اقتصادية سلبية أدت لتصاعد الاحتجاجات الاجتماعية، على شكل مسيرات جابت ميادين لايبتسش، التي شهدت انطلاق الثورة الألمانية في 9 أكتوبر 1989. امتد الغضب من الاحتجاج السلمي إلى اغتيال رئيس وكالة الخصخصة بثلاث طلقات أمام منزله، وعندما حاول كول في زيارته طمأنة مخاوف الشرقيين، تلقى نصيبه من الغضب الشعبي عبر وابل من الطماطم والبيض، تصاعد التوتر إلى اشتباكات بالأيدي بينه وبين جانب من المتظاهرين، قبل أن يتدخل حرسه الخاص لإنهاء الشجار.

25 عامًا من جهود إلحاق الولايات الشرقية بنظيرتها الغربية، ضخت الحكومة خلالها ما مجمله ألفي مليار يورو، لكن آثار الفوارق الاقتصادية بين الولايات الشرقية والغربية ما زالت قائمة. معهد برلين للسكان والتنمية نشر في منتصف 2014 دراسة تسلط الضوء على الفوارق بين شطري ألمانيا الموحدة، حملت عنوان So geht Einheit. تذهب إحصاءات الدراسة إلى مجموعة من النتائج يمكن إجمالها فيما يلي: ولايات الشرق تضم قرابة 20% من سكان الجمهورية الاتحادية، في حين يحوز سكانها على 15% من إجمالي الناتج القومي، معدلات الأجور في قطاعات الإدارة العامة والتعليم تكاد تكون متساوية بين أبناء الشطرين؛ لكنها تشهد خللًا في قطاعات أخرى.

معدلات الإنجاب في الولايات الشرقية انخفضت إلى حاجز 8 أطفال لكل أسرة.

أجر الألماني الشرقي يبلغ 67% من أجر نظيره الغربي في قطاع الصناعات التحويلية، 75% في قطاع التجارة، و76 % في قطاع البناء والتشييد. أما في باب تركز الثورة فقد أظهرت الدراسة أن 6 فقط من أصل أغنى 500 رجل أعمال في ألمانيا يقيمون في الولايات الغربية. معدلات الإنجاب في الولايات الشرقية انخفضت إلى حاجز 8 أطفال لكل أسرة، وفضّل قرابة مليونين ونصف ألماني شرقي الهجرة والاستقرار في الولايات الغربية، بحثًا عن حياة اقتصادية أفضل. ولاية زاكسن-أنهالت فقدت وحدها 20% من مجمل قوتها السكانية منذ بدء الوحدة.

قيام ربع الكتلة التصويتية لولاية زاكسن-أنهالت بمنح أصواتها لحزب البديل من أجل ألمانيا، بما يمثل ضعف ما حازه الحزب في ولايات الشطر الغربي، يمكن تناوله من مدخل الفجوة الاقتصادية بين ولايات الشطرين، كمسبب رئيس لارتفاع قابلية سكان ولايات الشرق للاستجابة إلى خطابات أحزاب أقصى اليمين، وتبني ثقافة أقل ترحيبًا بالاندماج والتنوع. تفسير وإن احتفظ بقدر كبير من وجاهته على خلفية مخاوف السكان المحليين من تقاسم فرص العمل مع اللاجئين، واضطرارهم لتمويل منظومة الإعانات الاجتماعية من حصيلة الضرائب بدلًا من توجيهها للإنفاق على الخدمات العامة، لكن لم يعد بمقدوره الإجابة بمفرده عن سؤال تنامي تأييد اليمين الشعبوي في الشرق. ربما قبل 25 عامًا كان يمكن استحضاره كمدخل أساسي، وربما وحيد، لفهم الظاهرة.

آنذاك حاصر 3000 شخص في الفترة ما بين 22-26 أغسطس دار لجوء ضمت قرابة 100 فيتنامي وسيرلانكي في روستوك- ليشتنهاجن، أشعلوا النار به في الأخير، قبل أن يتمكن اللاجئون من الفرار بأعجوبة. أوائل التسعينات كانت البطالة عقب قرارات الخصخصة عند أعلى معدلاتها، وحالة التوتر المجتمعي والسياسي في ذروتها، وشعور الاغتراب في دولة الوحدة في أوجه، لكن الاستناد إليه كعامل تفسير أوحد لا يوفر صورة كلية سليمة لأسباب المشهد الحالي.

هناك حزمة متضافرة من العوامل أدت في مجملها إلى تمتع أحزاب اليمين الشعبوي بقدر أعلى من التأييد في ولايات الشرق عنها في ولايات الغرب. الثقافة السياسية التي تدفع الأفراد للنظر بدرجة عالية من انعدام الثقة لمؤسسات الدولة، التي تحظى بثقة ربع سكان الولايات الشرقية، في حين تتضاعف النسبة في الولايات الغربية. الثقة المنخفضة في النظام الديمقراطي، إذ لا تتجاوز النسبة حاجز الـ 40%، بينما تمتد إلى قرابة 81% في الولايات الغربية.

رواسب التربية الشيوعية في مصادرة الإرادة الفردية لصالح تنظيم ينخرط فيه الطفل منذ سنواته الأولى في المؤسسات التربوية ثم يتحول إلى بوابته الرئيسية للاندماج في المجال العام طالبًا جامعيًا وموظفًا حكوميًا، عدم رسوخ خطابات الأحزاب التقليدية الكبرى، المساحات الرمادية في تعامل السلطة مع حركات اليمين المتطرف. الأمثلة هنا تتعدد، من 2006 حينما نجح النازيون الجدد في فرض إرادتهم على ولاية زاكسن-أنهالت بمنع المطرب اليساري كونتستانتين فيكر من إحياء حفلة في مدينة هالباشتات.

وصولًا إلى 2015 عندما أظهرت السلطة المركزية درجة عالية من العجز في حماية ماركوس نيرت عمدة مدينة تروجلتس في نفس الولاية، بعد تلقيه تهديدات بالقتل من أنصار اليمين المتطرف، فاضطر للاستقالة، ونفذ اليمينيون مرادهم وأحرقوا دار اللجوء بعد أسبوع فقط. وأخيرًا ضعف منظمات المجتمع المدني مقارنة بحضورها القوي في وجه اليمين المتطرف في الولايات الغربية.


ما بعد الصدمة

صحيح أنها ليست أول مرة يُمثل فيها حزب يميني في المجالس النيابية المحلية، لكنها المرة الأولى التي يحل فيها حزب يميني في المركز الثاني، ويطيح بشريك الائتلاف الحكومي الاشتراكي الديمقراطي للمركز الثالث، وهي أيضًا المرة الأولى التي ينجح فيها حزب يميني في امتلاك مقاعد في 3 برلمانات محلية بصفة متزامنة، وهي أيضًا المرة الأولى التي ينجح فيها حزب يميني في تحقيق 3 مكاسب مهمة خلال عمره القصير الذي لم يتجاوز 3 سنوات، بداية من اقترابه من دخول البوندستاج في صيف 2013، لولا فرق 3 أعشار من المئة، مرورًا بحصوله على 7 مقاعد في انتخابات البرلمان الأوروبي، وانتهاءً بنتائجه أمس.

والأهم أنها أول مرة قد يتمكن فيها حزب يمين شعبوي من امتلاك حقيبة وزارية في حكومة محلية. في ولايتي راينبفالتس وبادن فورتمبرج، هناك فرصة سانحة لتشكيل ائتلاف حكومي دون مشاركة البديل من أجل ألمانيا الذي سيكتفي بالتمثيل النيابي، لكن تجنب صاحب المركز الثاني في زاكسن-أنهالت لن يمر دون تداعيات. ليس متوقعًا بأي حال أن يلجأ حزب ميركل صاحب الصدارة لتشكيل ائتلاف مع البديل. أمامه هنا خيار أقرب بتشكيل حكومة أقلية مع الاشتراكي الديمقراطي والخضر، أو ما يُعرف بائتلاف كينيا Kenia Koalition نسبة إلى تشابه أعلام الأحزاب الثلاثة مجتمعة مع العلم الكيني. العوار في هذه الحالة يكمن في تحول حزب البديل إلى معارضة واسعة لها نفوذ واسع في تعطيل أجندة الائتلاف.

أزمة حزب ميركل لا تقتصر على الحسابات المعقدة في مواجهة البديل في زاكسن-أنهالت وخسارته في راينبفالتس و بادن فورتمبرج.

أزمة حزب ميركل لا تقتصر على الحسابات المعقدة في مواجهة البديل في زاكسن-أنهالت، وخسارته في راينبفالتس و بادن فورتمبرج. الخسارة في أول اختبار حقيقي لسياسة ميركل في الترحيب باللاجئين، قد تكون مقدمة لتراجع شامل للحزب وصولًا للاستحقاق النيابي الفيدرالي القادم، ما لم يتم احتواء أزمة اللاجئين.

التاريخ القريب يذكر بأمثلة دالة، في 2005 خسر الحزب الاشتراكي الديمقراطي الأغلبية التي حازها طيلة أربعة عقود في ولاية نوردهاين فيستفالن، بسبب سياسات شرودر الرامية إلى إجراء تعديلات في برنامج الرعاية الاجتماعية Hartz IV، الخسارة على الصعيد الولائي فتحت الباب أمام خسارة فيدرالية مبكرة لصالح المسيحي الديمقراطي، وسط إنكار حاد من شرودر، الذي استمر يؤكد في مناظرة جمعته بميركل على ARD أنه صاحب الأغلبية ومن ثم الحق في تشكيل حكومة ائتلافية.

المستشارة بدورها ليست بعيدة عن أزمة نتائج الانتخابات. التكهنات السياسية بشأن مستقبل ميركل، في ظل إصرارها على عدم حسم مسألة الترشح لولاية رابعة، تدور حول خططها لمغادرة منصب المستشارية إلى منصب الأمين العام للأمم المتحدة، كأول امرأة تتولى المنصب، كما كانت أول امرأة تتولى المستشارية في بلادها. المخططات الأممية لن تُعفي المستشارة من مواجهة مسئولية تدارك تبعات أزمة اللاجئين على مستقبل حزبها السياسي.

أولى المهام تتمثل في مدى قدرتها على إقناع شركائها الأوروبيين بقبول تسوية صعبة للغاية مع تركيا في القمة الأوروبية المقرر عقدها في 17-18 من الشهر الحالي، عقب إخفاق حزبها في الانتخابات المحلية. خصوصًا بعد تصريحات الرئيس الفرنسي بأن بلاده ليست على استعداد لتقديم تنازلات لأنقرة في ملف تحرير الفيزا، أو ملف حقوق الإنسان، ويقصد هنا إصراره على التمسك بمخرجات حوار تحرير الفيزا VLD الذي بدأ في ديسمبر 2013، عقب توقيع محضر تفاهم بين أوجلو وسيسليا مالموشتروم، يحدد 72 شرطًا، مقسمة لـ 5 فصول، يتعين على تركيا استيفاؤها جميعًا قبل الوصول لمرحلة التحرير الكامل للتأشيرات.

أما فيما يختص باللاجئين، فلا يُتوقع أن تقود النتائج إلى تغيرات حادة بالعدول عن سياسة الترحيب، أو خطاب الحدود المفتوحة، ليس لأن المستشارة تريد التمسك بالخطوط العريضة لخطابها السياسي، السياسات النمساوية-الشرق أوروبية التي قادت إلى إغلاق طريق البلقان نهائيًا في وجه اللاجئين، فرغت الخطاب بالفعل من مضمونه بحصار اللاجئين على الجانب اليوناني من الحدود المشتركة مع مقدونيا، وأنهت رسميًا سياسة الحدود المفتوحة.

وفي حال ما تم التوصل لتسوية مرتقبة مع تركيا، لن يبقى للاجئين موطئ قدم في أوروبا، تمسكت المستشارة بخطابها أم تخلت عنه. سيغدو الأمر مجرد إجراء بروتوكولي لا أكثر، بينما سينصرف اللاجئون لإعادة إحياء طرق قديمة أشد وعورة من السواحل الليبية تجاه إيطاليا، أو من اليونان وصولًا لفلورا الألبانية، ومن ثم المخاطرة وصولًا لبرنديسي الإيطالية. أما فيما يتعلق بلاجئي الداخل الألماني، عقب تمدد البديل من أجل ألمانيا، وخسارة حزب ميركل جزءًا من قواعده الشعبية، تبقى كل الاحتمالات مفتوحة في التعاطي الحكومي بشأنهم، ما بين استمرار نهج الترحيب، أو سعي الأحزاب التقليدية لتقديم تنازلات محدودة لاستقطاب القواعد الشعبية للبديل، والحد من نزيف القواعد الشعبية خاصتها، لكن انقلابًا دراميًا على السياسات المحلية لن يحدث على الأرجح، وتساهلًا أيضًا في معايير الاندماج لن يكون له محل بعد الآن.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.