غامبيا؛ الدولة الأفريقية الأصغر الواقعة على ساحل الأطلسي غربي أفريقيا، تشهد الآن فصلًا جديدًا من فصول ميلاد الديمقراطية في القارة السمراء، فساحل غرب أفريقيا الجميل كان نهاية العام يحتفل بخسارة الديكتاتور العتيد يحيى جامع أمام تحالف المعارضة برئاسة رجل الأعمال آداما بارو. لم يعلق الغامبيون الكثير من الآمال على انتقال سلس للسلطة، فقبيل الانتخابات شدد جامع من قبضته الأمنية وحظر وجود المراقبين الدوليين، ومنع التظاهرات، ما جعل أي أمل في انتقال سلس للسلطة أمرًا بعيد المنال، لكن جاءت نتيجة الانتخابات ببريق أمل في مستقبل مختلف للساحل الأفريفي.أكد يحيى جامع – من قبل – على عزمه تسليم السلطة للرئيس الجديد، وربما مساعدته في المرحلة الانتقالية للبلاد، لكن الآمال تحطمت على صخور الساحل المبتسم، إذ رفض جامع وحزبه تسليم السلطة، ورفضوا الاعتراف بنتيجة الانتخابات، وهنا تسارعت الأحداث، وقرر الرئيس المنتخب آداما بارو إلقاء خطابه الأول من داخل السفارة الغامبية في السنغال، ثم قرر مجلس الأمن الدولي نزع الشرعية عن يحيى جامع، وأعلن التجمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا عدم اعترافه بشرعية جامع ومطالبته بالتنحي وتسليم السلطة لخلفه، وإلا فإن الحل البديل سيكون التدخل العسكري لإزاحة جامع من السلطة!وفعلًا مساء يوم الخميس الماضي، 19 يناير/كانون الثاني 2017، دخلت قوات مشتركة من السنغال ومالي بالإضافة إلى دول أخرى من مجموعة «إيكواس» حدود غامبيا، بهدف إزاحة جامع من أعلى هرم السلطة، وكان مجلس الأمن قد أقر بالإجماع دخول قوات مجموعة غرب أفريقيا إلى غامبيا، لإجبار الرئيس المنتهية ولايته يحيى جامع على تسليم السلطة.حيث وافق مجلس الأمن على مشروع قرار صاغته السنغال يُعبر عن «الدعم الكامل للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في التزامها بضمان احترام إرادة الشعب الغامبي، كما عبرت عنها نتائج انتخابات الأول من ديسمبر/كانون الأول، وذلك بالطرق السلمية أولًا».


بين يحيى جامع وآداما بارو

http://gty.im/629288880

وُلد آداما بارو عام 1965 في نفس السنة التي حازت فيها غامبيا الاستقلال، وهو مسلم من عرقية «الفولا»، ترشح آداما بارو، بمحض الصدفة، وذلك بعد أن أبعد يحيى جامع رئيس المعارضة، أوساينو داربو، إلى السجن في يوليو/تموز الماضي، فكان بارو هو المرشح البديل لتحالف أحزاب المعارضة السبعة.انسحب جامع من تجمع الكومنولث عام 2013 واصفًا إياها بأنها «مؤسسة للاستعمار الجديد»، ثم انسحب من المحكمة الجنائية الدولية على خلفية مطالبته بمحاكمة دول الاتحاد الأوروبي على موت مهاجرين أفارقة بالبحر المتوسط، واتهمتها غامبيا بأنها محكمة قوقازية تهدف إلى محاكمة الأفارقة والملونين فقط، كما أعلن وزير الإعلام الغامبي أن الانسحاب «نابع من حقيقة أن المحكمة الجنائية الدولية هي في الواقع محكمة قوقازية دولية لملاحقة وإذلال الملونين، وبخاصة الأفارقة، رغم أنها تسمى: المحكمة الجنائية الدولية» ثم على خلفية نزاعات عرقية في البلاد، واهتزاز موقفه السياسي، أعلن جامع تحول بلاده إلى جمهورية إسلامية.أعلن آداما بارو نيته عودة بلاده إلى تجمع الكومنولث وإلى المحكمة الجنائية الدولية، كما أعلن نيته إطلاق الحريات والصحافة في البلاد، وتحديد مدة الرئاسة بمرحلتين رئاسيتين فقط.


لماذا رفض يحيى جامع نتيجة الانتخابات؟

http://gty.im/71353836

كما أسلفنا، أعلن جامع مبدئيًا قبوله بنتيجة الانتخابات، ولكن على خلفية تصريحات للجنة العليا للانتخابات أعلن جامع رفضه الاعتراف بتلك النتيجة وإعلانه حالة الطوارئ في البلاد، وطلب من البرلمان التمديد له لمدة 90 يومًا، وهو ما وافق على برلمان غامبيا، فلماذا تراجع جامع عن موقفه؟أولًا: أعلنت اللجنة العليا للانتخابات عن خطأ تقني، إذ أعلنت عن تعديل في عدد الناخبين، وعن خطأ في حساب الأصوات، حيث احتسبت أصوات لصالح بارو هي في الواقع لصالح جامع.ثانيًا: تصريحات قادة المعارضة والهواجس الأمنية بشأن محاكمة جامع ومسئولين آخرين في حكومته بقضايا تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان.


بين الحل السياسي والعسكري

تدخلت موريتانيا، التي كانت سابقًا عضوًا في مجموعة إيكواس، بهدف حل النزاع سلميًا بين طرفي الأزمة داخليًا، وأيضًا بين مجموعة إيكواس وبين جامع.فشلت المبادرة الموريتانية في الوصول إلى حل مرضٍ، فكان أن تدخلت دول إيكواس لفرض الشرعية التي تراها في البلاد، حيث أعلنت المجموعة سقوط شرعية جامع وتدخل قوات الردع عسكريًا في غامبيا لحل النزاع، وفعلًا في مساء يوم الخميس الموافق 19 يناير/كانون الثاني دخلت قوات أفريقية تابعة للسنغال ومالي ودول أخرى حدود غامبيا متوجهة نحو العاصمة «بانجول»، فما هي مجموعة إيكواس وما إمكانياتها؟ وهل ستسطيع فرض إرادتها في البلاد؟المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا هي منظمة تعاون أفريقية حكومية، تُعرف اختصارًا باسم «إيكواس»، تجمع 15 من بلدان أفريقيا الغربية. رفعت المنظمة شعار تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين دول المنطقة كمدخلٍ لاندماج اقتصادي شامل.في مطلع عام 1975، انعقد اجتماع لوزراء الخارجية في منروفيا، لوضع اللمسات الأخيرة على المعاهدة التي وقعت عليها 15 دولة يبلغ مجموع سكانها أكثر من 261 مليون نسمة، (إحصائيات 2006)، وتبلغ مساحتها الإجمالية خمسة ملايين كيلومتر مربع، أي 17% من إجمالي مساحة القارة الأفريقية، وكانت موريتانيا الدولة العربية الوحيدة العضو فيها، لكنها انسحبت منها عام 2011.يرتبط أعضاء إيكواس ببروتوكول لعدم الاعتداء والدفاع المشترك، تم توقيعه عام 1978، ونص على إمكانية نشر قوة للفصل بين القوات المتحاربة في حال حصول صراع بين بلدين من الأعضاء.كما أقر قادة المنظمة في 10 ديسمبر/كانون الأول 1999 البروتوكول المتعلق بوضع آلية للوقاية والتدبير وحل الصراعات، الذي أسسَ لإنشاء أول قوة فصل أفريقية للتدخل وقت الأزمات، وعُرفت باسم «قوة الإكوموك»، والتي تدخلت قبل توقيع البروتوكول المتعلق بها في غينيا بيساو عام 1997، ثم في سيراليون عام 1998، وبعد ذلك في ساحل العاج عام 2002.وفي عام 2004، قررت قمة إيكواس تحويل الإكوموك إلى «قوة ردع تابعة للمنظمة»، وذلك في إطار تشكيل قوة التدخل والردع التابعة للاتحاد الأفريقي، التي أُوكلت إليها مهمة التدخل لحفظ الأمن والاستقرار في أي بلدٍ في القارة يشهد اضطرابات مسلحة.تدخلت قوات غرب أفريقيا إذن بمجموعة قوامها 7000 آلاف جندي، وأمهلت الرئيس جامع مهلة حتى منتصف يوم الجمعة، يأتى هذا أيضًا وسط انشقاقات تشهدها صفوف الحزب الحاكم، ومنها استقالة وزير الإعلام شريف بوجانج منذ أيام، والذي دعا أعضاء الحكومة إلى إنفاذ إرادة الشعب. أما القوات المسلحة الغامبية فكانت قد أعلنت في وقت سابق على لسان رئيس أركانها الولاء ليحيى جامع، ولكن عاد رئيس الأركان وقبيل ساعات من التدخل الأفريقي ليعلن انضمامه إلى صفوف الرئيس الجديد وتخليه عن الديكتاتور السابق. يبدو إذن حلفاء جامع وكـأنهم يتساقطون من حوله داخليًا وخارجيًا، فقد أعلنت الولايات المتحدة وفرنسا تأييدهما للعملية العسكرية في البلاد، لذا فمن الواضح أننا سنشهد في الساعات القليلة المقبلة سقوط ديكتاتور دام حكمه لأكثر من عقدين من الزمان ليبتسم ساحل غامبيا من جديد.