محتوى مترجم
المصدر
فورين أفيرز
التاريخ
2016/02/08
الكاتب
جوزيف شينيونج ليو

قتل مسلحون أربعةَ مدنيين وأصابوا 20 على الأقل في هجوم إرهابي يوم 14 يناير في جاكرتا، وهي أول عملية ناجحة تبناها تنظيم الدولة الإسلامية داعش) في جنوب شرق آسيا. طوال أشهر عديدة، حذر مسؤولون أمنيون من حكومات عديدة بجنوب شرق آسيا من أن داعمي داعش قد ينفذون هجومًا في المنطقة. وبالفعل، كانت المؤشرات مشؤومة؛ فقد عبّرت الثرثرات المتزايدة على المواقع بلغة الملايو والأندونيسية عن الدعم لداعش، إلى جانب التدفق المستمر من سكان دول المنطقة إلى مناطق النزاع في سوريا والعراق، واعتقال متعاطفين مع داعش في أندونيسيا، ماليزيا، وسنغافورة.تلقت سلطات مكافحة الإرهاب الأندونيسية بالفعل معلوماتٍ استخباراتية قبلها بحوالي أسبوعين مفادها أن متشددين يخططون لتنفيذ هجمات خلال فترة العطلة، ما حفز اعتقال العديد من المتشددين وأحبط هجومًا مبكرًا محتملًا.عندما يتعلق الأمر بالإرهاب، لا يتطلب الأمر أكثر من هجومٍ ناجح لإثارة الذعر في المجتمع، وردة الفعل المبالغ فيها من قبل الحكومات القلقة. ولكن عندما حدث بالفعل هجوم 14 يناير، قابله الشعب الأندونيسي بروح التحدي، حيث احتشد الكثير منه على هاشتاج #لسنا_خائفين. وفي غضون ذلك، أثناء زيارة الرئيس الأندونيسي، جوكو ويدودو، إلى مسرح العملية بعد فترة وجيزة من الهجمات، أدان أعمال العنف بوصفها إرهابًا، ولكنه سارع أيضًا إلى التأكيد على أن كل شيءٍ “قد عاد إلى طبيعته” في جاكرتا. أبرزت تلك الخطوة تباينًا ملحوظًا ومرحَبًا به بالمقارنة بردة فعل الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، بعد هجمات باريس، عندما أعلن أن «فرنسا في حالة حرب».يعد التهديد الذي يمثله داعش في أندونيسيا خطيرًا، ولكن يجب أيضًا عدم تضخيمه. فقد مثل هجوم جاكرتا عملية غير احترافية. بل كان الكثير من المهاجمين ضعيفي التدريب، حيث نجم عن الهجوم موت العديد منهم كحال المدنيين.وعلى صعيد آخر، تستمر نقاشات المحللين حول إن كانت القيادة المركزية لداعش في العراق وسوريا قد أشرفت على الهجوم أم لا. ولكن الأدلة المتوافرة حتى الآن تشير إلى أن العقل المدبر هو بهران نعيم، وهو فني حاسب آلي أندونيسي سافر إلى سوريا منذ عدة سنوات ويُعتقد أنه قد خطط للهجوم لتقوية مزاعمه بأنه قائد التنظيم في جنوب شرق آسيا. أي بعبارة أخرى، نُفذ الهجوم بواسطة أندونيسيين بناءً على طلبٍ من أندونيسيين.في الواقع، ليس هناك دليل على أن منطقة جنوب شرق آسيا تبرز بشكل حقيقي وسط الحسابات الإستراتيجية لقيادة التنظيم في الرقة. يبرز المقاتلون المنحدرين من جنوب شرق آسيا بكتيبة «نوسانتارا»، وهي الوحدة التي تضم مقاتلي جنوب شرق آسيا في سوريا، والتي تذكر تقارير أن نعيم يقودها، كمتشددين مفيدين للتنظيم، حيث دعموا عملياته العسكرية في الشرق الأوسط، ولكنهم بالكاد يوجهون الانتقادات إلى الأهداف العامة لداعش في تلك المرحلة.وقد وجد داعش في جنوب شرق آسيا مناصرين له، ولكن القليل منهم مستعدٌ لإنشاء فرع حقيقي للتنظيم. ورغم أن داعش قد قطع بالفعل شوطًا طويلًا في طريق اجتذاب المتطوعين عبر الإنترنت، عمل المسؤولون الأمنيون الإقليميون ومنظمات المجتمع المدني بشكل فعال لاستباق وصد الخطاب الداعشي. علاوة على ذلك، يعتبر أحد العناصر الأساسية لذلك الخطاب – أي جاذبيته للمسلمين المحرومين والمهمشين اجتماعيًا واقتصاديًا – أقل جذبًا في جنوب شرق آسيا عنه في أوروبا.يأتي معظم داعمي داعش والمتعاطفين معه داخل أندونيسيا من التنظيمات الجهادية الموجودة بالفعل. حتى في جنوبي الفلبين، حيث يبحث المتشددون دومًا عن فكر لتبرير ممارستهم للعنف، تعهد معظم المتطرفون بالولاء لداعش، بدلًا من محاولة تشكيل تنظيم تابع له. وقد صدر عن ذلك القطاع الجهادي المفكك، المستلهم من تنظيم داعش، العديد من ادعائات القيادة من جانب المتشددين مثل بهرون نعيم، بهرومسياه، وأبو جندل، وجميعهم مقيمون في سوريا، أو تشيب هيرناوان، «الرئيس» الذي نصب نفسه على «داعش الأندونيسي».على غرار ذلك، يتضاءل عدد القادمين من جنوب شرق آسيا إلى العراق وسوريا عند مقارنته بعدد المتطوعين من أوروبا وأستراليا. ويقدر الباحث الأسترالي، جريج فيلي، أنه مقابل كل مليون شخص في أندونيسيا، قرر 1,4 شخص الانضمام إلى داعش. وفي ماليزيا، يصل العدد إلى 8,5. بينما يصل إلى 14 شخص لكل مليون أسترالي، و18 لكل مليون فرنسي، و40 لكل مليون بلجيكي.ولكن حتى العدد التقريبي للوافدين من جنوب شرق آسيا إلى داعش قد يؤدي إلى المبالغة في تصوير التهديد الذي يواجه دول المنطقة. فأولًا، مثلما يتم تجنيد المقاتلين الأندونيسيين والماليزيين في القتال بالعراق وسوريا، يموت هؤلاء المقاتلون هناك. ثانيًا، يرجح للغاية، في العديد من الحالات، أن من انطلقوا إلى العراق وسوريا لديهم تحفظات على نسخة داعش من العنف، حتى مع قبولهم لها كوسيلة لتحقيق هدف اليوتوبيا الإسلامية. على سبيل المثال، ذهب العديد من الأطباء الماليزيين المشتبه في عملهم بالأراضي التي يسيطر عليها داعش بصفتهم عمال إغاثة.ثالثًا، الأعداد التي شاعت بشأن عدد المتطوعين بداعش من جنوب شرق آسيا لا تأخذ في حسبانها عادة العدد الكبير من النساء والأطفال الذين قاموا بالرحلة مع آبائهم وأزواجهن. حيث تشير سيدني جونز، محللة شؤون التنظيمات المتطرفة والإرهابية في أندونيسيا، إلى أن النساء والأطفال يشكلون حوالي 45 بالمئة من الأندونيسيين في المناطق التي يسيطر عليها داعش. وحتى الآن، ليس هناك مؤشرات على أن النساء والأطفال يحملون السلاح في كتيبة نوسانتارا.إلا أن حقيقة أن جنوب شرق آسيا لم تقع بعد ضمن نطاق رادار القيادة المركزية لداعش، أو أن عدد المقاتلين من جنوب شرق آسيا تحت راية داعش يتضاءل بالمقارنة بعدد الأوروبيين أو الأستراليين، لا يجب أن يمثل سببًا للتهاون. فالتنظيم سيناضل دائمًا ليكسب المزيد من الشعبية هناك. كما تعد الأوضاع الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية، والثقافية في أندونيسيا وماليزيا من النوع الذي قد يجعل جاذبية نسخة داعش من التطرف محدودة دائمًا. وحتى في تايلاند والفلبين، حيث تعاني الأقليات المسلمة من المزيد من الاضطهاد، لا تعتبر الأوضاع التي يواجهونها قريبة بأي شكل من التي يواجهها المسلمون المهمشون في أوروبا.حتى إن نجح المتطرفون في النهاية في تكوين فرع لداعش في جنوب شرق آسيا، فلن تكون أصوله في الرقة، بل في هوامش المجتمع الأندونيسي، ووسط مناخ من التطرف كالذي ظهر خلال فترة النشاط السياسي التي أتبعت سقوط سوهارتو، المستبد الأندونيسي طويل العهد، عام 1998. ومن هذا المنطلق، يظل التهديد في أساسه ظاهرة محلية، حتى مع إيجاده لشكل من أشكال التعبير الدولية. لذلك ورغم أن فكر داعش سوف يجد دائمًا آذانًا مستمعة، سيضطر التنظيم للتنافس مع تنظيمات متشددة ومتطرفة أخرى منتمية إلى قطاعات فكرية، سياسية وعملياتية عديدة.حذر بعض المحللين من أن التنافس بين القادة المفترضين لداعش في أندونيسيا سوف يثير المزيد من العنف، ويبدو ذلك بالفعل ملوحًا بشدة. يقلق آخرون حول أن داعش قد يقدم فرصًا للتنظيمات القائمة بالفعل لتجعل قضيتها مشتركة. ولكن ذلك لم يحدث بعد. فالفجوة الموجودة بين الجماعة الإسلامية والأندونيسيين الداعمين لداعش موثقة بشكل جيد. ولكن سيكون من التهور نفي احتمالية تكوين تحالفات لأسباب تكتيكية، وليس عقائدية. هناك مؤشرات على أن العداوة بين داعش وجبهة النصرة في سوريا، التي تدعمها الجماعة الإسلامية، ثد بدأت في الاضمحلال. هناك أيضًا دليل آخر وهو محاولة المنظر الجهادي الأندونيسي، أمان عبد الرحمن، توحيد التنظيمات المختلفة المناصرة لداعش. ويتوجب على مؤسسات مكافحة الإرهاب في المنطقة أن تستمع عن كثب إلى أي ثرثرات وسط التنظيمات الأندونيسية تشير إلى ذلك الاتجاه.يبدو العالم مذهولًا من احتمالية، رغم كونها غير مرجحة، أن تمتد شبكة دولية ممارسة للعنف بين أوروبا، الشرق الأوسط، وجنوب شرق آسيا. ولكن مثل تلك المخاوف ليس بالجديد؛ بل تذكرنا بالكومنترن خلال الحرب الباردة، وتنظيم القاعدة منذ سنوات قليلة. ولكن الخطر الحقيقي ليس متمثلًا في اكتساء العالم براية داعش السوداء، بل في أن مظهر داعش سوف يثير الكثير من النشاط وسط التنظيمات الجهادية والشبكات الشخصية القائمة داخل أندونيسيا، بشكل محتمل، بمشاركة تنظيمات من الفلبين وماليزيا، ما سيؤدي إلى المزيد من العنف.