سياسي يميني متشدد، استبعد فوزه مستطلعو الرأي والخبراء في البداية، لكنه تصدر انتخابات حزبه التمهيدية الرئاسية، تعهد بـ«دحر الشمولية الإسلامية»، وتضييق الخناق على الهجرات الجماعية، ويدعو لتقريب العلاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

لا، لا يتحدث التقرير عن دونالد ترامب، إنما عن فرانسوا فيون، الرجل الذي فاز باقتراع يوم الأحد (27 نوفبر/تشرين الثاني) ليقود حزب يمين الوسط الجمهوري الفرنسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2017. ومع أن احتمال فوزه كان مستبعدًا تمامًا، تغلب على منافسه الأكثر وسطيةً «آلان جوبيه» بفارق 33 نقطة.

يقول كاتب التقرير إن فوز فيون الساحق يضعه في مواجهة مع مارين لوبان، قائدة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف والمعروف بخوفه المرضي من الأجانب. فيما يخص القضايا الرئيسية كالهجرة، لا فرق بينهما تقريبًا: ينسخ فيون بالأساس أجندتها للتعامل مع الأجانب.

يقول آرثر جولدهامر (مركز هارفارد للدراسات الأوروبية): «لا يوجد فارق كبير بين لوبان وفيون فيما يخص الإسلام، والأمن، والهجرة، والسياسية الخارجية».

ويزعم الكاتب أيضًا أن حملة فيون الانتخابية سرقت مواضيع طوّرها حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف الذي تقوده لوبان، وقامت بدمجها مع عاطفةٍ محافظةٍ اجتماعيًا ومناهضةٍ للحكومة، أثبتت شيوعها بين أفراد الطبقة الوسطى الفرنسية.

والآن، قد يحدث أي شيء في 2017، لكن فيون هو المفَضّل: تُبين كل استطلاعات الرأي تقريبًا تقدم الجمهوريين على كلٍ من الجبهة الوطنية واشتراكيي يسار الوسط. ويتوقع الكاتب أنه إذا فاز فيون، سينذر هذا بتغييرات كبيرة لفرنسا؛ تخفيضات ضخمة لسخاء دولة الرفاه، وتشديد إجراءات الهجرة، وفرض قيود على حقوق الأزواج المثليين الوالدية، وتوتر بين فرنسا ورفقائها بحلف الناتو حيث ستتقرب من بوتين على حساب قضايا مثل أوكرانيا وسوريا.


من هو فرانسوا فيون؟، وماذا يريد؟

http://gty.im/624188194

رغم التشابه بين فيون وترامب في نوعية الخطاب والدعوات، يختلف الرجلان تمامًا في النشأة والمزاج. وُلد فيون لأسرة كاثوليكية تنتمي للطبقة المتوسطة العليا، كان والده موظفًا حكوميًا ووالدته أستاذة تاريخ جامعية، مارس السياسة منذ شبابه، حيث فاز بمقعد في البرلمان الفرنسي عام 1981 وهو لم يتجاوز السابعة والعشرين من عمره، (كان وقتها أصغر عضو في الجمعية الوطنية الفرنسية)

في ذلك الحين كان عضوًا في حزب التجمع من أجل الجمهورية، وهو حزب بائد، اندمج مع عدة حركات يمينية أخرى وكوّن حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، كان ملتزمًا بأيديولوجية ديغولية؛ نسبة إلى الرئيس الفرنسي السابق شارل ديغول.

التوجه الديغولي هو نوع من القومية، هيمنت على اليمين الفرنسي في حقبة ما بعد الحرب. يشدد على الحاجة إلى التماسك الاجتماعي، وحكومة مركزية قوية، وسياسية خارجية حازمة مستقلة؛ ما يجعله مرتابًا في الاتحاد الأوروبي ودور الولايات المتحدة في الشؤون القارية.

يحدد كاتب التقرير نسخة فيون من الديغولية بمسمى «الديغولية الاجتماعية»، وهي ترتكز على تهديد التكامل الأوروبي للسيادة الفرنسية. تشدد أيضًا على الحاجة لرعاية الحكومة للمحرومين من أجل الحفاظ على الصحة العامة للأمة. يعني ذلك سياسية اقتصادية تدخلية نسبيًا تهدف، من بين أشياء أخرى، إلى توفير الوظائف للعاطلين والمنازل للمشردين. وقد أضافت كاثوليكية فيون الصادقة عنصرًا آخر إلى هذا، حينما، عام 1982، صوّت ضد مسودة قانون لإلغاء تجريم العلاقات المثلية.

يقول مراسل البي بي سي بباريس، هيو سكوفيلد، إن هذه الأفكار هيمنت على ممارسته السياسية طويلة الأمد في الدوائر العليا، حيث خدم في مجلس الوزراء خمس مرات، ثم أصبح رئيس الوزراء من 2007 إلى 2012. ولم تكن فترة رئاسته للوزراء ناجحة، فما حقق فيها سوي القليل جدًا من الإنجازات التشريعية.

بعد انتهاء مدة رئاسته للوزراء، اتخذ فيون اتجاهًا متشددًا نحو اليمين. سبب تغير رأيه ليس واضحًا تمامًا؛ احتياج لإعادة بناء الذات بعدما أخفق كرئيس للوزراء، أم تغير حقيقي في ميوله؟.

بغض النظر، أصبح فيون واحدًا من أهم نقاد دولة الرفاه الفرنسية، يدافع عن الحاجة لإلغاء 50000 وظيفة خدمة مدنية وخفض الإنفاق بمقدار 116 بليون دولار خلال خمس سنوات. انتقد عدد ساعات العمل الأسبوعية الشهير بفرنسا (35 ساعة)، محاججًا بأن العمال الفرنسيين متكلين للغاية على الحكومة، ودعا إلى تخفيضات ضريبية لتخفيف العبء عن الطبقة المتوسطة.

يشير كاتب التقرير إلى أن هذا يعد رفضًا كاملًا للنموذج الفرنسي لفترة ما بعد الحرب؛ تحول يميني متشدد شبيه بما وعد به رونالد ريجان ومارجريت تاتشر دولتيهما. كثيرًا ما تُشبّه الصحافة الفرنسية والبريطانية فيون بتاتشر.

اتخذ فيون أيضًا، بعد تركه لرئاسة الحكومة، موقفًا متشددًا ضد التعددية الثقافية، وكتب كتابًا عنوانه «دحر الشمولية الإسلامية»، وقال إنه يجب على فرنسا التعاون مع بوتين لهزيمة داعش في سوريا. دعم حركة حظر «البوركيني»، رداء سباحة مصممًا لتستخدمه النساء المسلمات على الشاطئ. يَعِدُ بفرض نظام الحصص على الهجرة والذي يختلف حسب مناطق العالم وإضافة تقييد الهجرة إلى الدستور الفرنسي.

يقول كاتب التقرير إن هذا يجعل موقفه مطابقًا لموقف قائدة حزب الجبهة الوطنية لوبان، التي تتمحور توجهاتها السياسية حول المعارضة المتشددة للهجرة والتعددية الثقافية.

لكن تمتد مبادئ فيون المحافظة اجتماعيًا لأبعد من هذه القضايا؛ إذ تعود إلى جذوره الكاثوليكية. يعبّر عن معارضته الشخصية للإجهاض وزواج المثليين جنسيًا، رغم قوله إنه لن يحاول تغيير تقبّل القانون الفرنسي لأي منهما، لكنه يرغب في تقليص حقوق الأزواج المثليين باقتراحه تعريفًا جديدًا للوالدية يمنعهم من تبني الأطفال.

وأخيرًا، اقترح إجراء مراجعة جذرية للسياسية الخارجية الفرنسية، مع دعوته لتقارب أكبر مع فلاديمير بوتين، الذي يُعدّ بالفعل صديقًا شخصيًا له.

يشرح آرثر جولدهامر: «لقد أشاد بوتين بقيادة فيون، منذ كان رئيسًا للوزراء. تشير كل العلامات إلى أن فيون سيكون بذات القرب من بوتين، إن لم يكن أكثر مما يعد به ترامب».


ثلاثة أسباب وراء فوز فيون بالانتخابات التمهيدية

http://gty.im/467357872

لأغلب الوقت، كانت فرص فيون للفوز ضئيلة. جوبيه، المعتدل ذو الشعبية الكبيرة، وساركوزي، كانا هما المفضليْن في الانتخابات التمهيدية. ومع تواصل الحملة، كان الفارق بينهما في استطلاعات الرأي يضيق، لكن في أوائل نوفمبر، بدأت الاستطلاعات تبيّن صعودًا في دعم فيون.

يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني، عقد الجمهوريون أول جولة تصويتية، حصل فيها فيون وجوبيه على أعلى الأصوات؛ ما أخرج ساركوزي من المنافسة. أما الجولة الثانية يوم الأحد الماضي فقد حسمها فيون لصالحه.

تبعًا لجولدهامر، قام فيون بثلاث خطوات صحيحة:

أولًا، سرق موضوعات اليمين المتطرف عن خطر هجرة المسلمين، ملتقطًا عاطفة الاستياء المنتشرة بين ناخبي الجناح الأيمين، وهذه العاطفة قوية بما يكفي لأن تغذي وحدها صعود الجبهة الوطنية أصلاً، كانت هذه حركة ذكية من مرشح محافظ.

ثانيًا، ضمنت له مواقفه المعارضة للمثليين والمتحولين جنسيًا والإجهاض الحصول على أصوات الأقلية الكاثوليكية المحافظة بفرنسا، هؤلاء الذين شاركوا في الاحتجاجات على زواج المثليين عام 2013، كرد على محاولة الرئيس فرانسوا هولاند الناجحة لتشريعه.

ثالثًا، وهو الأكثر إدهاشًا، استطاع رؤية مستوى من العدوانية ضد دولة الرفاهية الفرنسية بين أفراد الطبقة الوسطى، وهو ما استطاعت قلة بالغة من المحللين ملاحظته قبله.

يقول جولدهامر: «كان وعده بخفض وظائف الخدمة المدنية جاذبًا للبرجوازية المحلية، وهو ما حقق له مردودًا عظيمًا. بما أن أحدًا لم يتوقع حدوث هذا، فلا أستطيع تقديم هذا الافتراض لك سوى بالتأمل في علامات سابقة … يبدو أنه بين قسم كبير من اليمين الفرنسي، اكتسبت فكرةُ أن الدولة الفرنسية منتفخة للغاية وينبغي تقليص حجمها شعبيةً متزايدةً».

وقد قوّى هذا المزيجُ موقفَ فيون بشكل فريد بين منافسيْه: جوبيه ذي البرنامج الاقتصادي المشابه لفيون لكن الأقل دراماتيكية، وقد فشل في تبني مبدأ المحافظة كما فعل فيون؛ وساركوزي الذي مال ربما أكثر من فيون للسياسة المعادية للمسلمين، لكن لم يعد بتقليص حجم الحكومة بالقدر نفسه.

والآن، بعد أن فاز فيون بانتخابات الحزب الجمهوري التمهيدية، ليس واضحًا أمامنا من سيتمكن من إيقافه.


هل تنحصر المنافسة بين لوبان وفيون؟

اتخذ فيون اتجاهًا متشددًا نحو اليمين. سبب تغير رأيه ليس واضحًا تمامًا؛ احتياج لإعادة بناء الذات بعدما أخفق كرئيس للوزراء، أم تغير حقيقي في ميوله؟.

يلاحظ كاتب التقرير أنه على جانب اليسار الفرنسي، توجد حالة من الفوضى؛ شعبية الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند تبلغ 4 بالمائة تقريبًا، لكنه لم يصرح عن عدم ترشحه لفترة رئاسية قادمة بعد. رئيس وزرائه، مانويل فالس، أكثر شعبية، لكن يواجه تحديًا من قِبل إيمانويل ماكرون، يساري وسطي ذي جاذبية ووزير اقتصاد سابق، كمرشح مستقل.

تختلف لوبان عن فيون، في رغبتها بالاحتفاظ بدولة الرفاه مع سياسات أكثر صرامةً باتجاه المهاجرين، وما يجعلها ربما تخسر أمامه سمعة الجبهة الوطنية السيئة.

تشير الاستطلاعات إلى أن كلاً من المرشح الاشتراكي (ماكرون) ومرشح وسطي آخر (فرانسوا بايرو) سيفتتان أصوات الوسط واليسار فيما بينهما. من المحتمل ألا يحدث هذا وأن يتمكن اليسار من تأكيد نفسه في مواجهة محافظة فيون المتشددة وخوف لوبان من الأجانب. لكن النتيجة الأكثر ورودًا هي جولة ثانية بين المرشَّحَين اليمينيين.

يبين الاستطلاع الحالي تفوّق فيون على لوبان في منافسة مباشرة، النتيجة الأقرب هي أن يتفوق عليها بسبب سمعة الجبهة الوطنية السيئة بين غير مؤيديها من الناخبين. لكن فوزه ليس محتومًا.

الاقتصاد هو المحك الأخير للتفريق بينهما. تتبنى لوبان نهجًا يطلق عليه الدارسون اسم «شوفينية الرفاهية»؛ وهي دفاع عن دولة الرفاهية الفرنسية بتخصيصها للشعب الفرنسي فقط، فلا يتمتع بها غيرهم؛ ما يخفض معدلات الهجرة بشكل كبير، لكن أيضًا يحافظ على المؤسسات الرئيسية لدولة الرفاهية الفرنسية.

حاليًا، تعتمد العاطفة الرافضة لـ«لوبان» على تطرفها وعنصريتها، وهذا، كما يتوقع جولدهامر، يمكن أن يستمر فقط طالما يتجنب ناخبو الوسط والجناح الأيسر النظر بشكل أعمق في برنامج فيون. بمجرد أن يدرك الناس أنه لا فرق بينهما في مسألة الهجرة والتعدد الثقافي، ربما يميلون لاختيار ما يحفظ لهم دولة الرفاهية.

يقول جولدهامر: «سيحتاج إلى أصوات من اليسار والوسط. إذا تمسك ببرنامجه اليميني المتشدد، فلا أرى ما قد يجذبهم إليه». إذن، انتصار فيون يجعل من المحتمل للغاية أن تنحرف فرنسا تجاه اليمين، من غير الواضح فقط أية نسخة من السياسات اليمينية المتشددة ستفوز.