يلمح خطواتها الواثقة من بعيد، نظرة عينيها اللامعتين وهي تتحدث أمام الجموع، يعود إلى منزله ليتصفح صفحتها على الفيسبوك، ينبهر بتلك العقلية الجبارة الثائرة، رومانسية الهوى ساحرة بين سطورها المنحوتة في هذا العالم الأزرق.

كيف لفتاة أن يجتمع فيها الجمال والحكمة والجرأة؟

إنها صورة مختلفة عن صورة أمه وخالاته اللاتي يذكرنه بصورة كريمة مختار في الأفلام العربية وهي تقوم بدور الأم المصرية.

الزوجة التي تتحول قبيل منتصف العمر إلى امرأة بدينة تتميز في صنع المحشي، بملامحها الدافئة التي تصلح لإعلانات هدايا عيد الأم.

إنه يعرف ما الذي يريده تحديدًا إنها جزء من تمرده على كل شيء، يريد أن يحب من تبهره، بمن إذا مرت من أمامه تحرك المشهد ببطء وشعرها المتطاير يحركه نسيم يفوح منه عطر من الفردوس يزكمه حتى الثمالة.

تلتقي الأعين، وتمتزج الأحلام.

وتبدأ الوعود وتتبادل أهازيج الشوق وطموحات بناء نموذج في الحب والزواج لم تحدث من قبل.. في عزم أكيد أننا سنكون قصة حب مختلفة.. هكذا يقول كل اثنين أنهما سيكونوا نموذج مختلف.

مختلف عن نماذج تملأ المجتمع لسيدات ناجحات مثقفات لهن حضور إلا أنهن فشلن في حياتهن الزوجية:

«هل تعرفين يا حبيبتي؟ سأكون عونًا لك على كل شيء، حلمك هو حلمي».

«يا حبيبي لا تقلق، هن بالتأكيد كن يقصرن في واجباتهن المنزلية ولم يستطعن التوازن بين طموحاتهن ومسؤولياتهن الزوجية».

تبدأ مرحلة أخرى من رسم أحلام تسافر بهما بعيدًا في منزل يطل على البحر وفراش أبيض وثير كالذي يظهر في أغاني إليسا أو كعزف كاظم الساهر على البيانو في أرض خاوية من البشر وممتلئة بالورود الحمراء.

خلف تلك الصور المبهرة تفاصيل صغيرة مرهقة لكليهما، فنجاح الزواج مسئولية مشتركة، يحمل في جعبته الكثير مما كان يجب أن يُضَع في الحسبان.

لا يمكن أن أغفل جزءًا هامًا من هذه السردية والحلم الرومانسي، وهو يقوم بإعداد الإفطار بالضبط كذلك الزوج الوسيم في إعلان جهاز التوستر الجديد، وهي ترسم لوحتها الزيتية وتنظر إليه بكل حب وحنان قبل أن يوصلها إلى عملها وينتظرها حتى تنتهي وباقة من الورد على مقعدها الخالي.

ثم يبدأ الفصل الأخير في روايتهما الملتهبة، ذلك الفصل الذي يمتد طيلة فترة زواجهما.

لم ينتبها أثناء عملية نحت الأحلام التي تمت قبل الدخول في حلبة الزواج بعض التفاصيل الهامة:

أنها يومًا ستحتاج أن تقف على ذات المنصة التي لمحها فيها أول مرة، ببريق عيناها اللامعتين وستكون في حاجة إلى من يتحمل غيابها لساعات عن المنزل ربما تطول.. وربما.. مع أطفال مزعجين يحتاجون إلى رعاية، تجهيز طعام، تبديل ملابس للرضيع.

ستأخذ دربها بين المحافل الثقافية أو الحقوقية أو ما شابه كما كان هائمًا بها من قبل ولم ينتبه أنها كي تحتفظ بما انبهر به ستكون في حاجة لمن يتقاسم معها مسئولية المنزل، لم ينتبه أن عليه أن يعرف كيف تعمل الغسالة، وماذا يمكن أن يأكل الصغار حتى عودة الأم.

وإذا وجدها لاحقًا في غلاف إحدى المجلات العالمية وهي تتقدم مسيرة أو مظاهرة كصورة الفتاة التي سحرته مع بنطالها الجييز والشال الفلسطيني، ورجال الأمن يعتقلونها أنه حينها عليه أن يتحمل تبعات هذا الاختيار، ربما تعتقل ليوم أو ربما تقع تحت يد قاضٍ كقاضي الإعدامات الشهير في مصر.

ولأن كتاباتها مميزة يزداد عدد معجبيها يومًا بعد يوم، وتصبح كاتبه مشهورة لها ندواتها الخاصة، تدعى لحفلات توقيع تجوب العالم، عليه هنا أن يتفهم وضعها.

لم ينتبه.. وربما هي أيضًا لم تنتبه عندما قررت أن تعدل من مسار حياتها وتقرر الزواج.

لم ينتبه لتلك التفاصيل الصغيرة التي أبهرته خارج بيت الزوجية، لم ينتبه لتفاصيل واقع عليهما أن يتحملاه سوية.

وأن خلف تلك الصور المبهرة تفاصيل صغيرة مرهقة لكليهما، فنجاح الزواج حينها سيكون مسئولية مشتركة، يحمل في جعبته الكثير مما كان عليه أن يضعه في الحسبان كما كانت هي أيضًا مطالبة أن تضعه في الحسبان.

إنه اختيارك أنت… أنت من انبهرت بتلك الثائرة وصورتها المنتشرة على الإنترنت، أنت من انبهرت بعضوة البرلمان الإيطالية «ليشا رانزولي» التي تحمل طفلتها معها في جلسات البرلمان، أنت من انبهرت بمي زيادة وكتاباتها الساحرة وهيام أقرانها الرجال بها، أنت من انبهرت بــأمل علم الدين المحامية الحقوقية، أنت من انبهرت بصورة الجنديات الأكراد ذوات العيون الخضراء وشعرهن الناعم يتدلى على أكتافهن وهن يرتدين زي الحرب، أنت من انبهرت.. إنه اختيارك أنت.. أنت من أردت امرأة غير عادية..

سيدعو لك أقرانك ويشفقون عليك لأن زوجتك تهملك على حساب عملها ونشاطتها، وستعيش بائسًا باحثًا عن السعادة في مكان آخر..

سيكون الجميع في صفك لأننا في مجتمع يربط بين انشغال المرأة ونجاحها، وبين كونها المتسبب الوحيد في التعاسة الزوجية.

من أسوأ ما أنتجته التنمية البشرية وبعض برامج الإرشاد الأسري هو وضع قواعد للسعادة الزوجية تحول العاطفة إلى إجراءات تُقاس بـ فَعَل أو لم يفعَل.

لن يخبره أحد أن المرأة المهملة، غير المنظمة، غير المهندمة، غير العابئة بمسؤولياتها المنزلية والزوجية نسبتها في الشريحة المتميزة في عملها والمتفوقة في مجال ما تساوي نسبتها في شريحة الزوجات ربات المنزل اللاتي بلا أي اهتمام.

لن يخبره أحد أن المرأة التي ترى الزواج قد قيد حريتها وحرمها من أحلامها وطموحاتها وترى في نفسها أنها كانت ستصبح أنجلينا جولي أو سميرة موسى عالمة الذرة أو صاحبة قصص البطولة والكفاح النسوية لولا قفص الزوجية الذي اعتقلها، نسبتهم في شريحة المرأة التي بلا أي اهتمام أو هوايات أو تميز تساوي نسبتهم في شريحة المرأة التي تميزت في مجال ما.

لن يخبره أحد أن الأمر هنا يتعلق بالطبع وبالنشأة وبالبيئة، بمقدار الحب والود بينهما، بمقدار التسامح والرصيد الذي يحملها كلاهما للآخر لتمر الحياة بينهما كما اختارا لأنفسهما من البداية.

سينزعج البعض من هذه الكلمات ويظن أنها دعوة فيمنستيه جديدة تدعو المرأة للتخلي عن مسئوليتها الزوجية في سبيل تحقيق طموحاتها.

أو أن هذا الحديث يرسخ عند بعض الفتيات حقهن في التمادي في طموحاتهن وأوهامهن باعتبار كل الفتيات عباقرة زمانهن يستحقون أن تفرش لهن السجادة الحمراء بلا أدنى مشاركة وتوافق ناتج عن محبة وود هو سبب قرار الزواج، فيسرفن في تعقيد مسألة اختيار الزوج الذي عليه أن يكون سكرتير صاحبة السعادة كي تحقق طموحاتها.

إنما الحديث هنا عن اختيار بعض الشباب لصور ونماذج يرسمون حولها هالة ساحرة متجاهلين عن غير عمد تفاصيل الزواج وواقعه، بغض النظر عن كون المرأة مقصرة ولهذا حديثه الخاصة أو غير مقصرة تلاحقها نظرة المجتمع التقليدية التي تربط بين كون المرأة متميزة في جانب أنها يقينًا مهملة في منزلها.

من أسوأ ما أنتجته التنمية البشرية وابنتها بعض برامج الإرشاد الأسري هو وضع قواعد للسعادة الزوجية تحول العاطفة إلى إجراءات تُقاس بـ فَعَل أو لم يفعَل، وليس بمقياس أحبها وتحبه أم لا..

الرجل والمرأة الذين يفقدان المودة بينهما معرضان للفشل سواء أكانت مثقفة أو جاهلة، جميلة أو متوسطة الجمال، متميزة أو عادية..

هذا الفهم القاصر للعلاقة هو زواج فارغ من تلك العاطفة التي تجعل كل منهما قادر على ابتلاع الجمر للآخر مهما قصر في حقوقه، إنه زواج حبيس نماذج وصور عالم افتراضي في زمن الانسجترام والسلفي وتغيير الحالة على الفيسبوك من أعزب إلى خاطب.

إنها الأحلام عندما تكون هي مبتدأ الاختيار في الحقيقة، وإنها الحقيقة عندما تحركها الأوهام، وإنه جيل عاش حياته في أحلام على وسادة بالضبط كما رأى أن ثورة في 18 يومًا ستغير الواقع ولم ينتبه لتفاصيل الحكاية وتبعات اختياره،وتربى على يد جيل يعشق الاستقرار على حساب السعادة ويرى أن عليه أن يتحمل القهر والظلم في سبيل أن تظل حياته مستقرة ولو كانت كلها كدر وشقاء.

بين هاتين الصورتين تختنق الحقيقة والخيال بإسراف من الجانبين، يقتلون معهم أجمل ما يمكن أن يحمي الإنسان من مكابدات الدهر.

الحب الذي يُعرف بتفاصيل معايشة الواقع، إن وجد، يمكنك أن تضع نقطة وتنهي سطور طويلة من قواعد السعادة والعشق الأربعين.


* نشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة التقرير الإلكترونية بتاريخ 24 مارس/آذار 2015.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.