محتوى مترجم
المصدر
فورين آفيرز
التاريخ
2015/08/02
الكاتب
جرانت راملي

لن يفلت أي لاعب كبير في الشرق الأوسط من التأثَّر بالاتفاق النووي الأخير بين إيران ومفاوضي مجموعة خمسة زائد واحدة، والفلسطينيون ليسوا استثناءً. أولا، سيفاقم الاتفاق التوترات بين الجناحين العسكري والسياسي لحماس حول من ينبغي أن يستفيد من رفع العقوبات على إيران الذي تم التوصل إليه مؤخرا. ثانيا، سوف يشجع الاتفاق حملة السلطة الفلسطينية لجلب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى المحافل الدولية على أمل استئناف المحادثات، حيث يعتقد قادتها أن قضيتهم هي الأكثر إلحاحا على أجندة العالم الدبلوماسية الآن وقد تم شطب السؤال الإيراني من قائمة المهام الدبلوماسية.بدأت حماس المحاصرة ماليا بالفعل في المناورة من أجل الحصول على أموالٍ إيرانيةٍ أكثر، حيث أشاد بعض المسؤولون بالاتفاق. بينما استخدم آخرون الصفقة كمناسبةٍ للتعليق على علاقة حماس بإيران، حيث أبدى عضو المكتب السياسي البارز موسى أبو مرزوق تذمره مؤخرا من أن إيران قد خفضت الدعم المالي للحركة، بينما أصر رجل حماس في طهران على أن العلاقات قوية. أما من جانب فتح، فقد انتهز مسؤولون الفرصة لمطالبة أن يحول المجتمع الدولي انتباهه الآن إلى القضية الفلسطينية الإسرائيلية. كما قال عضو اللجنة المركزية لفتح محمد اشتية، فإن الاتفاقية هي تطورٌ مهم لكن ينبغي أن يركز العالم الآن على “نزع سلاح إسرائيل النووي”. تخدم تصريحات مثل تلك رغبات حماس ليس فقط في جذب الانتباه العالمي لقضيتها ولكن ايضا في تحفيز الرأي العام العالمي ضد إسرائيل في بحثها عن النفوذ.يرى كلا من الحزبين السياسيين الفلسطينيين الاتفاق النووي كنذيرٍ بتحرير رفع العقوبات المفروضة ضد إيران بينما يوفر السعة الدبلوماسية للسفراء الغربيين للانخراط مجددا في محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية. لكن لدى فتح وحماس أفكارٍ مختلفة للغاية بشأن أين ينبغي توجيه تلك الموارد المحررة حديثا. بينما زار أعضاءٌ من المكتب السياسي السعودية مؤخرا على أمل إصلاح العلاقات مع المملكة، فإن تقاريرا تورد أن الجناح العسكري لحماس – كتائب القسام – قد أرسل مبعوثين للتودد إلى إيران. وبينما قد يصدر مسؤولو المكتب السياسي تصريحاتٍ تحتل عناوين الصحف، فإن كتائب القسام تتودد إلى إيران باستمرار من أجل دعمٍ مالي لن يوفره المكتب السياسي. كما أشار أحد المسؤولين الإسرائيليين “عندما لا يكون هناك بديلا بالداخل، فإنهم يتوجهون إلى الإيرانيين”.سوف يكون على حماس القلق من أن يفاقم اتفاق إيران النووي الصدع الداخلي المتنامي بالفعل داخلها بين قيادتيها المدنية والعسكرية. تستعد قيادة حماس العسكرية لحربٍ أخرى مع إسرائيل، حيث بدأت كتائب القسام بقيادة محمد الضيف قائدها العام في إعادة ملء مخزوناتها من الصواريخ واستأنفت حفر الأنفاق إلى داخل إسرائيل. علاقات القسام بإيران عميقة: حوالي العام 2009 بدأت إيران بتوفير صواريخ قادرة على مهاجمة أهداف في العمق الإسرائيلي، وخلال حرب غزة الأخيرة الصيف الماضي، تباهى مسؤولٌ إيراني بأن ما يقرب من 4,000 صاروخ أطلقتها حماس على إسرائيل هي “من بركة نقل إيران للتقنية”. الآن ومع استعداد إيران لتلقي المليارات نتيجة رفع العقوبات، فإن جناح حماس العسكري يتوقع أن يحصل على نصيبه.في تلك الأثناء، فإن جناح حماس السياسي يبدو أنه يحاول أن يقود السفينة في اتجاهٍ آخر. بعد فترةٍ قصيرة من إعلان الاتفاق الإيراني، حضر أعضاءٌ من المكتب السياسي للحركة لقاءً مع الملك السعودي سلمان في الرياض، وهو الأول من نوعه بين أحد أفراد العائلة الملكية السعودية وقادة سياسيين من حماس منذ ثلاث سنوات. ظاهريا، كان الغرض من اللقاء هو أن تطَّلع السعودية على تقدم المصالحة بين فتح وحماس. لكن تحت السطح، ربما تكون الرياض تتطَّلع إلى تجنيد أكبر عدد من الحلفاء السنة لموازنة تكتل إيران الشيعي. بدا مسؤولو حماس السياسيين الذين يعانون دوما من نقص التمويل سعداء بقبول ما وصفه أحدهم بدعمٍ سخي للقضية الفلسطينية “على مستوىً سياسيٍ ومعنوىٍ ومادي”.طرب المكتب السياسي بالتودد السعودي سوف يفاقم فقط من تعمق الصدع بين جناحي حماس السياسي والعسكري، وهو صدع يحفل باحتمالات عواقب مدمرة. في يونيو الماضي، عندما قرر الجناح السياسي توقيع اتفاقية وِحدة مع فتح، أمر قائد مقيم بتركيا لفرع كتائب القسام بالضفة الغربية باختطاف وقتل ثلاثة مراهقين إسرائيلين. جلب التصعيد اللاحق زيادة الهجمات الصاروخية وهجمات انتقاماتٍ في غزة، مما أدى في النهاية إلى حربٍ دموية استمرت 50 يوما. كانت الفجوة بين هذين الطرفين من حماس شديدة العمق حتى أن خاد مشعل قائد المكتب السياسي اعترف في مقابلةٍ لاحقة أنه لم يكن لديه أيه فكرة عن الخطط لاختطاف المراهقين. رحلة مشعل الأخيرة إلى السعودية والتودد الظاهر قد يروق إلى الجناح السياسي للحركة، لكن من المستبعد بشدة أن توفر السعودية نوع الدعم العسكري الذي اعتادت كتائب القسام تلقيه من إيران. ومن غير المرجح أن ينظر الجناح السياسي المقيم في غزة بلطف إلى إفساد الجناح السياسي المقيم بمعظمه في الخليج لعلاقته مع إيران بينما يتودد إلى السعوديين.يلاحظ قائد فتح ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تحركات حماس الأخيرة. تحوم تقارير حول أن عباس سيقوم قريبا بزيارةٍ إلى الرياض حتى يحاول مواجهة تودد المملكة للجناح السياسي لحماس. أيضا سارع مسؤولو فتح إلى التشديد على أن مصر – الحذرة من علاقات حماس بالإخوان المسلمين – يجب أن تكون وسيطا رئسيا في المصالحة ما بين حماس وفتح.لكن عباس والسلطة الفلسطينية قد يرون أيضا فرصة على مسارٍ آخر في عالم ما بعد الاتفاق النووي الإيراني. دعا القاعدة الفلسطينيون لسنوات إلى مؤتمرٍ دولي لدفع عملية السلام قدما، لكن تلك الدعوات لم تلق آذانا صاغية حتى وقتٍ قريب. اشتدت تلك المطالبات عقب انهيار المحادثات التي كانت تقودها أمريكا عام 2014، مما قاد الفلسطينيين في النهاية إلى الدفع باتجاه تصويتٍ فاشل للاعتراف بالدولة الفلسطينية في مجلس الأمن، و الانضمام، مؤخرا، للمحكمة الجنائية الدولية. الآن مع انتهاء مجموعة خمسة زائد واحد من اتفاقيةٍ دبلوماسيةٍ كبيرة، ترى السلطة الفلسطينية أن قضيتها هي التالية على الأجندة.منذ فشل التصويت على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، أصر مسؤولو السلطة الفلسطينية حتى وقتٍ قريب أن فرنسا سوف ترعى محاولةً أخرى في مجلس الأمن، لكن بينما كانت المفاوضات مع إيران تقترب من نهايتها في يوليو، اعترف الفلسطينيون علنا بأن الفرنسيين أكثر انشغالا من أن يركزوا على الملف الفلسطيني.بدلا من ذلك، يبدو أن فرنسا والاتحاد الأوروبي قد غيرا تكتيكاتهما فيما يتعلق بعملية السلام. رغم الدعم الفلسطيني الحار للمبادرة الفرنسية، فإن الدول العربية المجاورة كانت أقل حماسا. كان المسؤولون العرب قلقون سرا من أن أي قرارٍ لمجلس الأمن يستصدره الفرنسيون سوف يضعف اجماع الموقف العربي القائم على مبادرة السلام العربية. الآن، بوجود الاتفاق الإيراني خلفه، يبدو أن الاتحاد الأوروبي اقترب من خط جامعة الدول العربية. أصدر الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع بيانا يؤكد فيه على دعمه للمبادرة العربية، وتبعه عباس نفسه عندما كان يستضيف رئيس الوزراء الإيطالي في رام الله يوم الأربعاء.الآن وبعد أن أنهت مجموعة خمسة زائد واحد المفاوضات، يتوقع عباس والسلطة الفلسطينية معاملةً مماثلة على مدار حملتهم الدولية. في يونيو، قال رئيس وزراء السلطة الفلسطينية رامي الحمد الله أن الفلسطينيين تلقوا “تطميناتٍ” بأنه فور الانتهاء من الاتفاق الإيراني، فإن الولايات المتحدة سوف تطلق جولة أخرى من المحادثات الفلسطينية الإسرائيلية. كما أخبر أحد المسؤولين صحيفة هآرتس: “تماما مثلما كانت القوى الدولية – وبخاصةٍ الولايات المتحدة – عازمة على اختتام المفاوضات وقطعوا أشواطا طويلة، فنحن نرى القضية الفلسطينية أمرا لا يقل أهمية ونتوقع أن تبذل القوى الدولية والولايات المتحدة نفس الجهود”.لا يتضح التأثير الإقليمي الكامل للاتفاق الإيراني في هذه اللحظة، لكن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قد يكون أول نقطة تأثير له. سوف يفاقم الاتفاق الصدق داخل حماس، وبين الحركة وفتح. برزت حكومة الوحدة الوطنية التابعة للسلطة الفلسطيني التي حُلَّت مؤخرا بالفعل كمخلوقٍ منتقىً بعناية من قِبَل عباس، وسوف تنمو المسافة التي يُضرب بها المثل بين غزة والضفة الغربية بينما تستمر السلطة الفلسطينية في إدعاء أنها تتحدث باسم كل الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية بينما تمثل بعضهم فقط. حتى إذا أُطلقت جولة جديدة من المحادثات، فإن الجانب الفلسطيني سوف يكون أكثر انقساما. يرجع جزءٌ على الأقل من ذلك إلى الاتفاق الإيراني.