«طريق الإصلاح المحفوف بالمخاطر».. هكذا وصفت مجلة (فورين أفيرز) الأمريكية جهود محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي في حملة التغيير التي يقودها داخل بلاده. وتوضح المجلة أن الإجراءات المبكرة التي اتخذها، تضمنت خفض الدعم وزيادة الضرائب وبيع أصول رئيسية للدولة والدفع من أجل إقرار ثقافة الكفاءة والمساءلة في البيروقراطية السعودية غير المنتجة، مع إفساح المجال أمام القطاع الخاص للاضطلاع بدور أكبر في الاقتصاد.

وتشير إلى ما يحظى به بن سلمان من سيطرة تامة على احتكار البترول، وصندوق الاستثمار الوطني، والشئون الاقتصادية، ووزارة الدفاع. لافتةً إلى أن مؤيديه يصفونه بـ«منقذ المملكة» بينما يراه منتقدوه كدجال انتهازي.

وتصف المجلة المهمات الملقاة على عاتق بن سلمان بـ«الشاقة»، حتى على أكثر السياسيين حنكة، لاسيما مع قلة خبرته في السياسة العامة. لكن مباركة والده تمنحه السلطة اللازمة لقيادة الإصلاحات الصعبة وإدارة المعارضة الداخلية.

وتوضح أن النتائج الأولية لسياسته الدفاعية غير واعدة، حيث فشلت حرب اليمن التي يشرف عليها، في تحقيق أهدافه الاستراتيجية، وآلت إلى كارثة إنسانية تسببت في تمزيق اليمن، وتشير إلى أن مسألة خروج السعودية من اليمن وتحقيق أهداف الأمن القومي وعدم الاستسلام لإيران، ستكون مهمة شاقة على بن سلمان وستزداد صعوبة كلما سقط مزيد من المدنيين اليمنيين قتلى.

وتوضح المجلة أن هناك شيئًا آخر يقلق الأمريكيين والسعوديين على السواء، ألا وهو أن يؤدي صعود بن سلمان لتغيير قمة الهرم القيادي للنظام الملكي، بمعنى أن هناك أحاديث تدور حول تهميش بن سلمان لابن عمه الأكبر محمد بن نايف الرجل الثاني في المملكة.

الشيء الآخر الذي يقلق النظام القديم ويهز أسس العقد الاجتماعي للمملكة هو تحرك بن سلمان بسرعة، لاسيما فيما يتعلق بالشئون الاقتصادية والثقافية، وبالرغم من ذلك، فإن تلك المخاطر تعكس ضخامة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه السعودية، والتي تتطلب تحولًا كبيرًا، ومثل هذه التغييرات تؤول حتميًا إلى بعض عدم الاستقرار.

وترى أن بن سلمان يحظى بشيء لم يتمتع به أحد من قبل داخل العائلة المالكة، ألا وهو تواصله مع الشباب من أبناء بلاده، إذ كان حريصًا على استيعاب احتياجات وتطلعات جيله، لذا فيمكنه الاستفادة من الكم الهائل للشباب داخل المملكة واستغلال مهاراتهم في تعزيز برنامج الإصلاح.

إن أحد الأشياء التي تُصعب من مهمة بن سلمان دخوله في مواجهة مباشرة مع المتشددين الدينيين في المملكة، لكنه سيتعامل بفعالية في ذلك الصدد باستراتيجية من 3 محاور، وهي المشاركة والتقسيم والتحويل، حتى لا يتسبب له المتشددون في مشكلات خطيرة فيما بعد، وتشير المجلة إلى صعوبة مهمة بناء الاقتصاد السعودي على بن سلمان في مرحلة ما بعد النفط بينما هو متورط في حرب مكلفة في اليمن، فضلًا على تزايد العنف في الدول الجارة.

وفيما يتعلق بالصراع السعودي – الإيراني، يرى بن سلمان أنه لا طائل من التفاوض مع إيران، التي تنتهك سيادة الدول الأخرى وتصدر الإرهاب لها.

أما انتشار التطرف السني العنيف وممثليه، سواء الدولة الإسلامية أو القاعدة، فيعتقد بن سلمان أنه يمكن احتواء نفوذ تنظيم داعش في بلاد الشام وهزيمته في نهاية المطاف، الشيء الآخر الذي يثير القلق بشكل رئيسي – بحسب المجلة – هو التطرف الداخلي، حيث يقر بن سلمان أن السعودية ارتكبت أخطاء عندما انضمت للولايات المتحدة لتجنيد الجهاديين لإسقاط الشيوعية خلال الحرب الباردة، ما أدى لتضررها لاحقًا من الإرهاب.

على صعيد آخر، ترى المجلة أن بن سلمان هو أفضل شخص يقود عملية إصلاح العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع الولايات المتحدة، والتي لم تعد كما كانت عليه من قبل منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول بحسب بن سلمان نفسه، وتوضح أن ما يؤهل بن سلمان لتلك المهمة هو تقديره لقيمة الشراكة بين البلدين، وإيمانه القوي بالقيادة الأمريكية للعالم، مع إبداء مخاوفه حيال انخفاض رغبة واشنطن في القيادة ونتائج ذلك.

على صعيد التعامل مع الرئيس المنتخب دونالد ترامب، يقول بن سلمان إنه سيركز على زيادة الفرص الاقتصادية الكبرى بين البلدين في إطار رؤية السعودية الاقتصادية 2030.

على الجانب الآخر، تقول المجلة إنه سيكون على ترامب التعامل بحذر مع بروز بن سلمان والاعتراف بنفوذه المتزايد ليس داخل السعودية فحسب، بل على صعيد السياسات العربية والإقليمية مع تقديم النصائح له، لكن مع الأخذ في الاعتبار أن التعامل معه يهدد بالإخلال بالعلاقة المميزة لواشنطن مع بن نايف شريكها في محاربة الإرهاب.

تختتم المجلة تقريرها بالإشارة إلى أن بن سلمان سيواجه تحديات خطيرة في رحلته من أجل إحداث التحول داخل السعودية، مضيفةً أن الاختبار الحاسم له سيكون في قدرته على تسويق خطة الإصلاح لمواطني بلاده ولواشنطن، التي سيكون دورها لا غنى عنه في ذلك المشروع.