عندما كان «أحمد السقا» في قمة مجده منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، كان دائمًا يرد في برامج «التوك شو» على وصفه بأنه بطل أفلام الأكشن الأول في مصر، بأنه لا توجود أفلام أكشن في مصر من الأساس، وهو يمثل في أفلام ذات حكاية جيدة وبها بضع مشاهد الأكشن المتقنة، ولكن تلك الأفلام لا يمكن مقارنتها إطلاقًا بأفلام الأكشن الأمريكية.

إذن لدى السقا مفهوم واضح عن أفلام الأكشن؛ فهي التي تعتمد على كثرة مشاهد المطاردات والمواجهات المبالغ فيها من اللحظة الأولى للأخيرة، مع تهميش للدراما وعدم اللجوء لها سوى في لحظات تطوير الأحداث، كأن تقتل ابنة البطل مثلاً فيكون ذلك دافعًا شديدًا له للانتقام.

وأهم عمل ظهر مؤخرًا يمثل هذه الفئة هو فيلم «john wick» بجزئيه. وبعد انخفاض شعبية السقا في السنوات السابقة، مع كبر سنه وابتعاده عن تنفيذ مشاهد المخاطرات بنفسه كما في السابق، هل يمكننا القول إن فيلم «هروب اضطراري» جاء منقذًا وحقق حلم السقا القديم؟.


الأكثر ترقبًا في موسم العيد

لم يكن تصدر هروب اضطراري مفاجئة كبيرة، بل كان متوقعًا لعدة أسباب، بعضها متعلق بعوامل داخلية في الفيلم، والبعض الآخر متعلق بعوامل خارجية حدثت سواء قبل وأثناء شهر رمضان أو مع بداية العيد.

يعتبر الإعلان الدعائي للفيلم أقوى العوامل الداخلية التي جعلت الجمهور في غاية الحماس له، فقد كان إعلانًا مميزًا ومحمسًا بكل تفاصيله، أظهر أن الفيلم به جرعة أكشن غير مسبوقة، وإتقان إخراجي يضاهي الأفلام الأمريكية في تنفيذ تلك المشاهد. أما العامل الثاني فهو وجود العديد من النجوم كـ«أحمد السقا»، و«غادة عادل»، و«أميرر كرارة»، و«فتحي عبد الوهاب»، و«مصطفى خاطر».

ومن العوامل الخارجية التي زادت من جماهيرية الفيلم؛ وصول الممثل «أمير كرارة» لقمة هرم الشهرة بعد النجاح الكبير الذي حققه مسلسل «كلبش»، فقد كان من أعلى المسلسلات متابعة خصوصًا بين فئة الشباب، وقد تعدت مشاهداته حاجز الـ50 مليون مشاهدة على يوتيوب، وبالتالي انتقلت حماسة متابعي المسلسل للفيلم.

والعامل الثاني وهو نزول «محمد رمضان» بفيلم مختلف عن طبيعة الأفلام التي يحبها جمهوره، فقد اعتاد محبوه مشاهدة شخصية البلطجي أو تاجر المخدرات، ولكنه يقوم هذا العام بفيلم سياسي خالص، ويحمل رسالة أخلاقية عن ضروة الحفاظ على الوطن وتوعية الشباب من خطورة «داعش» ومحاربة المؤامرة على مصر، إلخ. ويحاول تقديم بعض الأكشن فيه لإرضاء جمهوره، وهذا لم ينجح بالقدر الكافي.

إذن كل هذه العوامل جعلت «هروب اضطراري» هو الأكثر ترقبًا، ولن يوقف تصدره لشباك التذاكر شيء سوى إذا لم يجد الجمهور جرعة الأكشن التي وعد بها، وهذا ما لم يحدث.


الأكشن سيد الموقف

الفيلم من اللحظة الأولى يعلن عن أولوياته، وهي تقديم مشاهد أكشن صعبة ومعقدة حتى لو لم تكن منطقية، المبالغة والإبهار يسيطران على كل مشاهد الأكشن. فأول المشاهد اللامنطقية هو مشهد قيادة السقا للدراجة النارية داخل «سينما ميترو»، هذا المشهد سبب استياءً كبيرًا عند بعض النقاد بسبب ضيق مداخل ومخارج سينما مترو مع الازدحام وبالتالي كان المشهد غير منطقي بالنسبة لهم، ولكن تجاهل هؤلاء النقاد أن هذه ميزة تحسب للفيلم وليس ضده.

فطالما حدد صناعه أنه فيلم ينتمي لنوعية الأكشن الخالص، فهو كأنه يمضي عقدًا مع المشاهدين والنقاد على إمكانية المبالغة التي قد تصل لحد اللامعقول. مثلاً في فيلم john wick الذي حقق آراء نقدية جيدة، حُسب لصالح الفيلم مشهد قتل البطل لأعدائه بأقلام الحبر، فالحكم على هذه المشاهد يكون بجودة تصميمها وتفردها وليس بمنطقيتها.

وبهذه المقاييس فمشهد سينما «مترو» مشهد أكشن جيد، ومشهد المطاردة بالسيارات في أول الفيلم كان متقن الصنع. ومن المشاهد المميزة أيضًا التي استغل فيها قدرة أحمد السقا على ركوب الخيل.

ومشهد تسلق السلالم الخارجية للعمارة، والذي تفوق فيه المخرج «أحمد خالد موسى» على نفسه، فاللقطة طويلة وخطرة ولم يحدث فيها أي قطع، وتم تصويرها بكاميرا محمولة على طائرة (متحكم فيها عن بعد) لتزيد من صعوبة تصوير المشهد. ولكن في بعض المشاهد الأخرى كان يلجأ للقطعات الكثيرة وهذا سبب بعض الإزعاج في الصورة.

سيناريو الفيلم للمؤلف الشاب «محمد سيد بشر»، وطبقًا لأولويات صناع الفيلم لم يكن السيناريو سيئًا على الإطلاق، فهو سريع خالٍ من اللحظات المملة، بعض الشخصيات مكتوبة بشكل جيد كشخصية «أمير كرارة» وشخصيات ضباط البوليس، كما أن السيناريو مليء بمشاهد الأكشن المتنوعة والطويلة من أول لحظة لآخره.

ويمكن تقسيم سيناريو الفيلم كالتالي (مشهد أكشن كبير- بناء للأحداث- مشهد أكشن- تعقيد الحبكة- مشهد أكشن- التواء في الحبكة- مشهد أكشن- الخاتمة) ويتخلل كل هذه الأحداث بلا استثناء لحظات كوميدية جيدة. تجدر الإشارة أن الكوميديا في هذا الفيلم أفضل من الكوميديا التي قدمتها بعض مسلسلات رمضان الكوميدية.

ولكن بعض الشخصيات الرئيسية كشخصية أحمد السقا وغادة عادل مثلاً كانت مكتوبة بشكل سيئ. فطوال أحداث الفيلم لم نر صفاتهم أو أبعاد وطبيعة شخصياتهم، أو معلومات عن حياتهم السابقة.


وانعكس ضعف كتابة الشخصيات على الأداء، فأحمد السقا كان أداؤه تقليديًا جدًا لا يختلف عن كل أفلامه ومسلسلاته. بصفة عامة هذا أحد عيوب أحمد السقا المتكررة؛ أنه لا يغير في أدائه إطلاقًا، ولكنه أدى بعض المشاهد الخطرة دون استخدام للدوبلير وهذا يحسب له.

أما غادة عادل فيمكن وصف وجودها بأنه مثل عدمه، حتى شخصيتها نفسها لو حذفت من النص لن يحدث أي تغيير. مصطفى خاطر كان أداؤه مقبولاً، ويحسب له أنه خرج من عباءة مسرح مصر سواء في رمضان الماضي أو في هذا الفيلم، فهو -وعلى عكس زملائه أبطال مسرح مصر- قرر تقديم شخصيات متنوعة في أعمال مختلفة.

أمير كرارة كان الأكثر تألقًا سواء في ملامحه الخارجية، أو في نقل أبعاد الشخصية وتناقضاتها للمشاهدين، ولم ينافسه سوى فتحي عبد الوهاب بشخصية الضابط الذي يرغب بتطبيق العدالة والقبض على المجرمين حتى لو قام بالتعذيب والتهديد للمتهمين والشهود.

يمكن تلخيص هروب اضطراري بعبارات بسيطة، إذا حجزت تذكرتك للتسلية ومشاهدة لقطات أكشن متقنة، فستخرج راضيًا، وستشعر أن أموالك لم تذهب هباء. أما لو حجزتها لكي تشاهد قصة متقنة وشخصيات معقدة مع بعض مشاهد الأكشن الجيدة والمنطقية، فستخرج بكل تأكيد خائب الأمل. ولكن بالنسبة للسقا فقد حقق «هروب اضطراري» حلمه القديم.