بعد أيام قليلة من حادث حريق برج لندن، الذي كان سببًا في تلقي الأقلية المسلمة في بريطانيا، الكثير من الثناء خلال الأيام الماضية، لإيجابية المسلمين الذي كان الكثير منهم مستيقظين لتناول وجبة السحور في تلك الليلة، ودورهم الفعال في إنقاذ حياة العديد من الأشخاص في ذلك الحريق.

شهدت العاصمة البريطانية الليلة الماضية مفارقة مؤسفة، حيث دهست سيارة «فان» بعد منتصف ليل الأحد الماضي عدداً من المصلين خلال مغادرتهم مسجد «فينزبري بارك» أحد أكبر مساجد بريطانيا، في جريمة من أسوأ جرائم الكراهية التي تعرضت لها الأقلية المسلمة في ذلك البلد.

يثير الهجوم الذي جاء بعد سلسلة من الاعتداءات التي شنها تنظيم الدولة الإسلامية في بريطانيا في الفترة الأخيرة، تساؤلات عن حقيقة تصاعد معدلات جرائم الكراهية ضد المسلمين في الغرب في الفترة الماضية، بعد تحولها لظاهرة متكررة حقيقية تطور خلالها خطاب الكراهية العنصري إلى جرائم قتل جماعي.


الهجوم جاء بعد تحذيرات قبل وقوع الحادث بثلاثة أيام

أورد تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية قبل الحادث بأيام، تحذيراً من مؤسسة وطنية لرصد أعمال العنف والكراهية المرتكبة ضد المسلمين في بريطانيا تدعى: (Measuring Anti-Muslim Attacks) المعروفة اختصارًا بـ(Tell MAMA)، للعاملين في مسجد فينزبري بارك، بعد أن زار أعضاء من المنظمة المسجد يوم الجمعة، وأعلموا جمع المصلين بضرورة الإبلاغ عن أعمال الكراهية التي ترتكب ضد المسلمين، كما نبهوا إلى أهمية اتخاذ تدابير السلامة في أثناء رمضان.

وكان مسجد فينسبيري بارك قد تعرض بالفعل لحوادث كراهية معادية للإسلام في وقت سابق، حيث تلقى المسجد قبل ذلك رسالة كراهية مصحوبة بمسحوق أبيض اللون، وهو ما استدعى استنفارًا أمنيًا وقتها بعد ذلك الحادث.

في حديثه إلى محطة Radio 4 الإذاعية في برنامجها Today صباح اليوم تحدث فياض موغال، مؤسس منظمة Tell MAMA عن أن مشاعر كراهية المسلمين آخذة في الازدياد في الأسابيع الأخيرة، وأن مؤسسته توقعت حدوث اعتداء، بقوله إنهم توقعوا «حدوث شيء ما». وأضاف: المؤسف أننا كنا نتوقع حدوث شيء؛ وذلك نظراً لموجات تصاعد كبيرة جداً نسميها موجات تصاعد قابلة للقياس، تأتي في أعقاب الحوادث الإرهابية الكبرى، فالحوادث التي يتسبب فيها المتطرفون الإسلاميون تولد كبرى تلك الموجات التصاعدية التي نراها.

وعن ملابسات الهجوم، يروي شاهد العيان سعيد حاشي -وهو من أصول صومالية- أنه كان خارجًا من المسجد في منطقة فينزبري بارك برفقة بعض أصدقائه بعد أدائهم صلاة التراويح؛ عندما شاهدوا شاحنة مسرعة صوب إشارة المرور، لكنهم فوجئوا بها تنعطف يمينًا ناحية المسجد لتصدم امرأة صومالية في الستينيات من العمر وشابين آخرين من المغرب العربي.

ما لبثت السيارة بعد ذلك بحسبه أن اصطدمت بثلاثة من المصلين ثم اثنين فأربعة آخرين – اثنين منهم من المغرب العربي حالتهما حرجة – حتى توقفت الشاحنة فجأة. يقول حاشي إنه وأصدقاءه وبعض الشباب من المصلين ركضوا باتجاه الشاحنة عندما توقفت وأمسكوا بسائقها وأنزلوه منها وحاول مقاومتهم، وقد بدا المهاجم أمام من أمسكوا به من المسلمين، من بشرته البيضاء ولكنته أنه من الإنجليز البيض العنصريين بحسبهم.

يقول شهودالعيان من موقع الحادث إن الأخير حاول الهروب لكنهم طرحوه أرضا، أما الاثنان الآخران اللذان كانا بصحبته في الشاحنة فقد تمكنا من الفرار قبل أن يلحقوا بهما.

تفيد الشهادات من موقع الحادث أيضاً أنه بعد أن تم الإمساك بالجاني ظل الأخير يسب المسلمين بعبارات نابية ويصرخ في وجوههم قائلا: تستحقون ذلك.. أنتم لم تروا شيئًا بعد.

في هذا السياق نقلت وكالة رويترز أيضاً عن شاهد يدعى عبد الرحمن صالح العمودي قوله لموقع بازفيد نيوز إن المهاجم كان يصرخ: سأقتل جميع المسلمين.

جدير بالذكر أنه لم ينقذ منفذ عملية الدهس من الموت بعد أن اجتمع حوله المتواجدون في موقع الحادث وأوسعوه ضرباً، سوى محمد محمود إمام مسجد فينزبري بارك، وهو التصرف الذي أشادت به الصحافة البريطانية ووصفته بالبطولي.

من اللافت هنا أن المسجد الذي شهد حادثة الاعتداء، كان قد استضاف خلال الأيام القليلة الماضية، إفطارًا رمضانيًا للجالية المسلمة، شارك فيه عدد من المسؤولين والسياسيين البريطانيين، كان من أبرزهم زعيم حزب العمال والمعارضة البريطانية جيرمي كوربين، الذي هو بالمناسبة أيضاً ممثل الدائرة التي يقع فيها مسجد فينزبري بارك.

في كلمة له أثناء حفل الإفطار المشار أشاد كوربين بالجالية المسلمة، حيث قال إنهم: لطالما سعوا إلى مساعدة الغير، وأثنى على دور المسجد في الوقوف إلى جانب المجتمع في السراء والضراء. كما أشاد كوربين بدور الجالية المسلمة والمراكز الإسلامية في تقديم المساعدات للمتضررين من الحريق، الذي تعرض له بناء غرينفيل غربي لندن.


ردود الفعل في بريطانيا بعد الحادث

اشتكى العديد من المصلين في المكان أن الشرطة لم تتعامل مباشرة مع الحادث على أنه اعتداء إرهابي، مصرين على أنهم كانوا ليتعاطوا معه بشكل مختلف لو أنه كان هجومًا نفذه إسلاميون. كما اشتكى البعض في موقع الهجوم من أن الشرطة استغرقت وقتاً طويلاً للوصول. حيث ذكر أحد شهود العيان إنه ثبت المشتبه به لمدة تتراوح بين 20 و30 دقيقة قبل وصول الشرطة.

إلا أن الشرطة البريطانية أشارت في المقابل إلى أنها استجابت فوراً، حيث كان بعض العناصر في مكان مجاور فيما وصل عدد إضافي في غضون 10 دقائق.

على صعيد الدوائر الرسمية البريطانية أصدرت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي رد فعل سريع قائلة إن الشرطة تتعامل مع الحادث على أنه: اعتداء إرهابي محتمل، وفي تصريحات لاحقة تعهّدت ماي بمحاربة الإرهاب والتطرف أياً كان المسؤول عنه، معلنة إنشاء لجنة جديدة لمواجهة التطرف بنفس الطريقة التي تحارب فيها العنصرية.

أثار حادث الاعتداء من جهة أخرى موجة تعاطف جماهيرية مع المسلمين من الجماهير والنخب على حد سواء، كما جاء في موقع هافينغتون بوست، حيث غردت نيلام جيل عارضة الأزياء البريطانية المعروفة قائلة: أنا لست مسلمة، لكنني سأدعم دوماً ما أؤمن به، لا يمكنكم لوم دين بأكمله بسبب تصرفات القلّة القليلة.

ومن جهته انتقد الممثل الكوميدي المعروف بـtez وسائل الإعلام التي لم توصّف الحادث بالإرهابي، واكتفت بالإشارة إلى تفاصيل ما حصل. وقال في تغريدته التي تداولها الآلاف: هذا ليس حادثاً، وليس تصادماً، أو انتقاماً، إنه إرهاب، على وسائل الإعلام أن تسميه أيضاً بذلك.

أيّد tez في تغريدته أيضاً الممثل البريطاني بول جيمس رينولدز الذي انتقد هو الآخر تناول تغطية وسائل الإعلام البريطانية للحادث. وقال في تغريدته: «أشعر بالاشمئزاز من وسائل الإعلام البريطانية مزدوجة المعايير، صلواتي للضحايا الأبرياء من هذا الهجوم الإرهابي».


حادثة عنف متزامنة بعد صلاة التراويح أيضاً في ولاية فيرجينيا الأمريكية

نابرا حسنين ضحية حادث فيرجينيا

في الليلة ذاتها التي شهدت حادث الدهس أمام مسجد فينزبيري بارك في لندن، تعرضت فتاة مسلمة تبلغ من العمر 17 عاما بحسب شرطة ولاية فيرجينيا الأمريكية، لاعتداء بالقرب من أحد المساجد بعد صلاة التراويح واختفائها بعد ذلك، إلى أن تم العثور عليها جثة لاحقاً.

وقالت صحيفة واشنطن بوست إن مجموعة من أربعة أو خمسة مراهقين بينهم نابرا، زاروا مطعما للوجبات السريعة لتناول وجبة في وقت متأخر من الليل بعد أدائهم صلاة التراويح. لكن سائق إحدى السيارات اعترض طريق المجموعة أثناء سيرهم في الشارع، نحو الساعة الرابعة صباحا بالتوقيت المحلي.

فر المراهقون باتجاه أحد المساجد، لكنهم تركوا نابرا التي أُعلن اختفاؤها بعد ذلك. وخلال عمليات التفتيش، أوقفت الشرطة سيارة كانت تتحرك بطريقة مريبة في المنطقة، واعتقلت سائقها الذي يُدعى داروين مارتينيز توريس.

لاحقا،عثرت الشرطة على جثمان الفتاة في بركة تبعد نحو خمسة كيلومترات من موقع الحادث. وقالت وسائل إعلام محلية إن الشرطة عثرت أيضا على عصا بيسبول في نفس المكان. وستُجري السلطات تشريحا للتأكد من هوية صاحبة الجثمان وسبب وطريقة قتلها.


تصاعد غير مسبوق في جرائم العنف ضد المسلمين

نابرا حسنين ضحية حادث فيرجينيا
نابرا حسنين ضحية حادث فيرجينيا

في الثامن من يونيو/حزيران 2017 الماضي أعلن رئيس بلدية لندن صادق خان ازدياد الجرائم التي تستهدف مسلمين في العاصمة البريطانية خمسة أضعاف منذ اعتداء جسر لندن بريدج، محذرًا من أن الشرطة لن تتسامح تجاه هذا النوع من الجرائم.

وقال بيان صادر عن مكتب رئيس البلدية إن «الإحصاءات المؤقتة في 6 حزيران/يونيو تظهر ارتفاعا بنسبة 40% في الحوادث العنصرية، بالمقارنة مع المعدل اليومي هذا العام، وزيادة بخمسة أضعاف في عدد الحوادث المتعلقة بالإسلاموفوبيا».

وقال البيان إنه تم تسجيل 54 حادثا عنصريا الثلاثاء، مقارنة بمعدل يومي من 38 حادثة حتى الآن عام 2017.

وكانت عشرون حادثة منها ضد مسلمين، وهذا أعلى من المعدل اليومي لعام 2017 البالغ 3,5%.

وقال البيان: «هذا أعلى معدل لحوادث الإسلاموفوبيا في سنة 2017 حتى الآن»، مضيفا أنه أعلى من المعدلات بعد هجمات تشرين الثاني/نوفمبر 2015 في باريس حيث قتل 130 شخصًا.

من أبرز جرائم الكراهية هذا العام،حادث الاعتداء المسلح على مسجد كيبيك في كندا في يناير/ كانون الثاني الماضي، حيث كان أكثر من خمسين شخصا قد تجمعوا في المسجد لأداء الصلاة، عندما اقتحم المكان مسلح أطلق النار فأودى بحياة ستة أشخاص بينما جرح تسعة عشر آخرون.

من أبشع جرائم الكراهية في الأعوام الماضية كذلك، جريمة مقتل عائلة مسلمة على يد أمريكي بولاية كارولينا الشمالية، حيث لقي ثلاثة أشخاص من عائلة واحدة، مصرعهم على يد متطرف أمريكي وهم طالب في كلية طب الأسنان بجامعة نورث كارولينا يبلغ من العمر 23 عامًا يدعى ضياء شادي بركات، وزوجته يُسر محمد البالغة من العمر 21 عامًا، وشقيقتها رزان محمد أبوصالحة البالغة من العمر 23 عامًا وتدرس الهندسة المعمارية بنفس الجامعة.

ضياء شادي بركات وزوجته يسر أبو صالحة
ضياء شادي بركات وزوجته يسر أبو صالحة

هنا جدول هو قائمة بالأعمال المصنفة كجرائم كراهية في عدد من البلدان حول العالم، ونرشح للقارئ أن يتأمل فقط جرائم الكراهية في الولايات المتحدة وحسب دون غيرها من البلدان العديدة في تلك القائمة، وسيدهش القارئ بنهاية المطاف عندما سيرى حجم تنامي الظاهرة والتطورات التي طرأت عليها ولاسيما في العامين الماضيين أثناء الحملة الانتخابية لترامب، وبعد توليه منصب الرئاسة أيضًا.