إن إسرائيل تتجه إلى مستويات جديدة من الفاشية العنصرية لإلغاء ومحو الوجود الفلسطيني الثقافي والحضاري حتى لو وصل الأمر إلى الاعتداء على الشعائر الدينية.

باسل غطاس (نائب عربي مستقيل من الكنيست الإسرائيلي) في حوار مع موقع عرب 48 .

لعل النشوة التي أصابت معسكر اليمين المتطرف في إسرائيل بعد تنصيب دونالد ترامب، صاحب الميول المتطرفة، كانت وراء اشتداد عود الأحزاب اليمينية في الكنيست الإسرائيلي وتعاملها بمنطلق ملك الغابة، الذي لا يرضيه سوى الاستحواذ على كل شيء، وأن يكون هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة بلا منازع.

فباتت القرارات التي يتم التصويت عليها بالأغلبية أكثر جرأةً وتطرفًا عن ذي قبل، ولمَ لا والإسرائيليون يعتبرون أن العناية الإلهية هي من أرسلت لهم ترامب كمعجزة تُلوح لهم أن الخلاص قد اقترب وأنه الفرصة الحقيقية الواجب انتهازها!

وعلى هذا الأساس، اجتاح الكنيست الإسرائيلي في الآونة الأخيرة قرارات فاشية كان وراءها الأحزاب اليمينية المتطرفة والتي أثارت بدورها جدلاً كبيرًا على المستوى الفلسطيني والعربي والدولي.


اليمين المتطرف: ثقل نيابي وتوغل سياسي

في إطار ترسيخ هوية إسرائيل كدولة يمينية استيطانية، حظت الكتلة اليمينية المتطرفة في مارس/آذار 2015، على ثقل نيابي في توليفة الكنيست الإسرائيلي، فنالت 67 مقعدًا من أصل 120، اصطف فيها إلى جانب حزب الليكود (30 مقعدًا)، الأحزاب اليمينية التالية: حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيجدور ليبرمان الذي حظى بـ6 مقاعد، بينما نال «البيت اليهودي» بزعامة نفتالي بنيت 8 مقاعد، وحصل «شاس» حزب المتدينين لليهود الشرقيين برئاسة آريية أدرعي على 7 مقاعد، و«يهودوت هتوراه»، وحزب المتدينين المتزمتين «الحريديم» لليهود الغربيين (الأشكناز) على 6 مقاعد، بينما جنى حزب «كلنا» برئاسة موشيه كحلون، الجامع بين العقيدة القومية الدينية واليمينية المتشددة 10 مقاعد.

وتحول ذلك الثقل النيابي إلى أداة فعالة للتأثير في قرارات وقوانين الكنيست، وأعطى لبنيامين نتنياهو أريحية في تنفيذ سياساته المتطرفة.


القوانين الأكثر جدلاً

1. قانون تبييض المستوطنات

عُرف هذا القانون بقانون التسوية، وتم طرحه كمبادرة من أعضاء حزبي الليكود والبيت اليهودي من أجل ضم أجزاء من الضفة الغربية، يُعطى به الحق لمصادرة أراضٍ فلسطينية مملوكة لأشخاص لغرض الاستيطان.

في 6 فبراير/شباط 2017، أقرّ الكنيست الإسرائيلي هذا القانون بعد التصويت عليه بأغلبية 60 عضواً داخل الكنيست، ومعارضة 52.

ويُكرّس هذا القانون مصادرة نحو 800 هكتار من أراض فلسطينية، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى تشريع 55 بؤرة استيطانية ونحو 4000 وحدة استيطانية.

ولقد واجه هذا المشروع معارضة شديدة بما في ذلك النائب العام الإسرائيلي، أفيخاي مندلبليت، الذي ندد بفكرة تمرير هذا القانون، الذي يعتبر أول تشريع إسرائيلي يُبرز بشكل واضح دعم الحكومة الإسرائيلية للبناء الاستيطاني.

واعتبرت السلطة الفلسطينية هذا القانون مخالفاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334، وناشدت المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته والوقوف في وجه هذا القرار قبل أن يصل الأمر إلى الحد الذي يصعب السيطرة عليه.

بينما امتنعت إدارة ترامب تقريبًا عن التنديد بالنشاط الاستيطاني، واكتفت بلوم نتنياهو وعدم مفاجأتها بخطوات أحادية في الضفة الغربية.

ويعتبر هذا القانون بمثابة تمهيد لضم مستوطنة «معاليه أدوميم» في المستقبل، فعلى الرغم من أن اقتراح قانون «ضم مستوطنة معاليه أودميم» قد تأجل التصويت عليه عدة مرات، إلا أن إسرائيل في الأسابيع الأخيرة اتجهت إلى مشاريع تهدف بالأساس لخلق التواصل المادي والوجداني بين الضفة والقدس المحتلة، فبدأت الجرافات تعمل على إقامة محول الطرقات «هزيتيم/الزيتون» الذي يسهل التنقل بين القدس ومعاليه أدوميم، الأمر الذي من شأنه أن يعزز البناء الاستيطاني في المنطقة E1 ويُمهد لضم المستوطنة.

2. قانون إسكات الأذان

إن القانون المذكور يعبر عن عنصرية تجاوزت الأبعاد السياسية، لتصل إلى أبعاد دينية، تنذر المنطقة كلها بحرب دينية من خلال المساس بحرية المعتقدات، ووسائل التعبير عنها كما كفلته الشرائع السماوية والقوانين الدولية.

وزير الأوقاف والشئون الدينية في السلطة الفلسطينية «يوسف أدعيس» في بيان صحفي له.

صادق الكنيست الإسرائيلي يوم الأربعاء 8 مارس/آذار 2017 بشكل مبدئي على مشروع قانون يمنع الأذان باستخدام مكبرات الصوت في إسرائيل والقدس الشرقية، وبحسب اقتراح القانون الجديد، فإنه «يُمنع استخدام مكبرات الصوت بشكل يفوق المسموح في الآذان في ساعات الليل أو ساعات النهار مع فرض غرامة تقدر بنحو عشرة آلاف شيكل (2700 دولار) على من ينتهك القانون».

علمًا بوجود قانون آخر يمنع استخدام مكبرات الصوت من الساعة الحادية عشرة مساءً وحتى السابعة صباحًا، الأمر الذي يمنع فعليًا أذان الفجر.

وبينما اعتبر مؤيدو هذا المشروع أنه بمثابة وسيلة لتحسين حياة الناس الذين يسكنون بجوار المساجد ويُحرمون من النوم مع وجود مكبرات صوت مُثبتة، اعتبر معارضو المشروع أنه يمثل اعتداءً على الحرية الدينية للأقلية المسلمة في إسرائيل.

وشدد كل من نواب القائمة المشتركة ولجنة المتابعة العليا للجماهير العربية على رفضهم للقانون العنصري مؤكدين من جانبهم أنهم لن يحترموا هذا القانون الفاشي القمعي، ودعوا إلى حراك شعبي من أجل التصدي لهذه العنصرية.

3. قانون يمنع دخول مؤيدي المقاطعة إلى إسرائيل

تتزايد في السنوات الأخيرة الدعوات لمقاطعة إسرائيل. يبدو أن هذه جبهة جديدة في الحرب على إسرائيل التي لم تتأهب لها البلاد على نحو ملائم حتى الآن.
نشره الكنيست على موقعه الإلكتروني بعد إقرار التشريع.

كان إقرار الكنيست لهذا القانون انطلاقًا من إيمانه بوجود حرب على إسرائيل تتمثل في استهداف حركة المقاطعة العالمية BDS – الناشطة في كثير من دول العالم والتي نجحت بالفعل في حشد المئات من الفنانين والأكاديميين – لمقاطعة إسرائيل. وبموجب هذا القانون الصادر في 6 مارس/آذار 2017 بأغلبية 46 صوتًا ومعارضة 28 عضوا؛ «يُمنع تأشيرات دخول الأفراد والجماعات المؤيدة علنًا للمقاطعة باستثناء المواطنين الإسرائيليين وحملة الإقامة الدائمة».

وفي الوقت الذي رحبت فيه الأحزاب الإسرائيلية بهذه الخطوة، واعتبرتها خطوة للرد على حرب مقاطعتها، انتقد ساسة معارضون هذا القانون واعتبروا أنه سيضر أكثر مما سيفيد وأنه سيعطي الفرصة لتلك الحملات أن تتخذ ذلك القانون ذريعة وتروج لكون إسرائيل تتعدى على حرية التعبير، الأمر الذي سيدعم حملاتهم أكثر.

4. قانون يتيح فصل عضو الكنيست بسبب تصريحاته ومنعه من دخول الانتخابات

في وقت متأخر من يوم 14 مارس/آذار 2017، صادقت الهيئة العامة للكنيست على تعديل قانون يمنحه صلاحية بمحاسبة وفصل الأعضاء الذين يتفوهون بأي تصريحات تحريضية ضد إسرائيل، أو تدعم النضال المسلح ضدها، كما يحظر من أدلوا بتصريحات ترفض الوجود الإسرائيلي كدولة يهودية من الدخول في الانتخابات البرلمانية.

وعلى إثره، اتجه الادعاء بتقديم اتهام ضد عضو الكنيست باسل غطاس (القائمة العربية المشتركة)، في محكمة الصلح في بئر السبع يوم الجمعة 17 مارس/آذار 2017، باستغلال منصبه بتهريب هواتف خلوية ورسائل للمعتقلين في سجون إسرائيل وهذا ما اعتبروه خيانة للأمانة.

وكأن الكنيست عدّل هذا القانون خصيصًا من أجل إقصاء بعض الأعضاء العرب الذين لا ينتمون إلى مُعسكر اليمين، وترغب الأحزاب اليمينية المتطرفة في التخلص منهم وإبعادهم عن المشهد السياسي.

وفي الوقت الذي صرّح فيه غطاس بأن ما فعله نابع عن «دوافع ضميرية شخصية ومشاعر إنسانية تجاه الأسرى»، وأنه يتحمل كاملاً مسؤلية ما فعله، قدّم غطاس استقالته إلى رئيس الكنيست الإسرائيلي بعد الاتهام بيومين بناءً على الاتفاق الذي تم توقيعه بين طاقم محاميه والنيابة العامة، مع الحكم عليه بالسجن لمدة عامين.

إجمالاً، إن موجة التطرف التي تجتاح إسرائيل على كافة المستويات، سواء كانت في قوانينها الخاصة بتوسيع الاستيطان، أو تقييد حرية الرأي، ومعاداة كل من يتفوه بكلمة ضد إسرائيل، أو محاولات طمس الهوية الفلسطينية والشعائر الدينية، تشير إلى أن شهر مارس/آذار يبدو أنه أزهى شهور العام عنصريةً داخل الكيان الإسرائيلي الغاصب.