في عام 1877م، أعلن عالم الفضاء الإيطالي جيوفاني شياباريلي أنه قد لاحظ بعض الخطوط الدقيقة على سطح المريخ، تلك الخطوط التي اعتبر العالم الأمريكي بيرسيفال لويل أنها قنوات قام بحفرها سكان كوكب المريخ في محاولة للتحكم في جريان المياه على الكوكب!، في النهاية، اتضح أن ما رآه جيوفاني هو مجرد خداع بصري، وبعد مرور 150 عامًا على ما أعلنه جيوفاني، فإن العلماء حاليًا يستطيعون بثقة أن ينفوا وجود كائنات مريخية تحاول شق سطح الكوكب باستخدام المجارف!. وبغض النظر عن أن تاريخ محاولات استكشاف كوكب المريخ مكتظ بالمحاولات الفاشلة، فإن العشرات من المركبات الآلية قد وصلت إلى سطح الكوكب الأحمر خلال الخمسين عامًا الأخيرة، حيث قاموا بتصوير سطح الكوكب وتحليل غلافه الجوي وحفر سطح الكوكب لاستكشاف تركيبه. وبرغم تزايد المعرفة البشرية عن الكوكب بشكل كبير، تظل المحاولات مستمرة لاستكشاف الكوكب، مدفوعة بالسؤال الأساسي الذي أثاره إعلان عالم الفضاء جيوفاني عام 1877م، حيث أثارت ملاحظته سؤالًا جوهريًّا عن مدى إمكانية وجود كائنات حية على سطح الكوكب الشقيق أو غيره من الكواكب، وقد جاء إطلاق مهمة الاستكشاف الجديدة لكوكب المريخ ExoMars دليلًا على أن العلماء لا يزالون مقتنعين أن الكوكب الأحمر هو الكوكب الأكثر ملاءمة (بخلاف الأرض) لوجود حياة على سطحه.


ما هو برنامج ExoMars؟

يعتبر التأكد من وجود حياة على سطح المريخ أحد أهم الأسئلة المطروحة في العصر الحالي؛ لهذا قامت وكالة الفضاء الأوروبية بإطلاق برنامج ExoMars بالتعاون مع وكالة الفضاء الروسية «Roscosmos» لاستطلاع بيئة كوكب المريخ باستخدام تقنيات حديثة مما يمهد الطريق لمهمة أخرى متوقعة لإعادة جزء عينات من سطح المريخ إلى كوكب الأرض في عشرينات القرن الحالي. يتضمن برنامج ExoMars مهمتين استكشافيتين، تضم الأولى (والتي تم إطلاقها في الرابع عشر من مارس/آذار) جهازًا مداريًّا «orbiter» لتتبع الغازات ومركبة أخرى لاختبار تتابع الدخول، الهبوط والاستقرار «Entry, Descent and Landing» والتي سميت تيمنًا باسم العالم الإيطالي جيوفاني شياباريلي، بينما تضم المهمة الثانية المجدولة لعام 2018 طوافة (rover) مزودة بأدوات للحفر ومعدات مختصة ببيولوجيا الفضاء «exobiology/astrobiology» و الكيمياء الجيولوجية.

http://gty.im/515552844

يهدف برنامج ExoMars إلى اختبار عدد من تقنيات الطيران والبحث الضرورية لبعض مشروعات البحث المستقبلية، كتلك المهمة التي تستهدف جلب عينات من كوكب المريخ إلى الأرض.


ما هو دور مهمة الاستكشاف التي تم إطلاقها في 14 مارس/آذار 2016؟

تتكون المهمة الاستكشافية الأولى التابعة لبرنامج ExoMars من جهاز مداري قادر على تتبع/اكتشاف آثار الغازات المختلفة في الغلاف الجوي، ومركبة لاختبار تتابع الدخول، الهبوط والاستقرار «Entry, Descent and Landing». يحتوي الجهاز المداري على عدد من الأدوات العلمية المصممة لاكتشاف ودراسة الغازات النزرة «trace gases» الموجودة بالغلاف الجوي للمريخ كالميثان الذي يعتبر مؤشرًا على وجود حياة على الكوكب، ويحمل الجهاز المداري معه مركبة اختبار تتابع الدخول، الهبوط والاستقرار «Entry, Descent and Landing» التي تحتوي على أجهزة استشعار تستهدف قياس أداء المركبة أثناء علمية الهبوط وتقييم البيئة في موقع الهبوط لاستخدام تلك النتائج في توجيه المهمة الثانية التابعة لبرنامج ExoMars عام 2018م، حيث يمثل الهبوط على كوكب المريخ أحد أصعب التحديات التي تواجه جميع عمليات الاستكشاف والبحث التي تتم على الكوكب، ولذلك تهدف تلك المركبة لتجربة واختبار قدرات وكالة الفضاء الأوروبية على إجراء عملية هبوط سليمة على سطح الكوكب الأحمر، كما تحمل المركبة أيضًا مجموعة من الأجهزة العلمية لتسجيل بعض القياسات الخاصة بالكوكب، وسوف تعمل تلك الأجهزة لمدة تترواح ما بين يومين و أربعة أيام مريخية وسوف تقوم بجمع مجموعة من المعلومات عن الكوكب مثل سرعة واتجاه الرياح في موضع الهبوط، نسبة الرطوبة، الضغط الجوي، درجة الحرارة بالقرب من سطح الكوكب، مقدار شفافية الغلاف الجوي بقياس مدى تدفق ضوء الشمس وكذلك قياس مدى كهربية الغلاف الجوي atmospheric electrification.


غاز الميثان: المدخل للتأكد من وجود حياة على المريخ

http://gty.im/57337107

شكلت الرحلات الاستكشافية الأولى لكوكب المريخ أساسًا لمعلوماتنا عن الكوكب المجاور وتركيبه الجيولوجي، وتراكمت المؤشرات على أنه من الممكن وجود حياة على المريخ، ويطمح العلماء أن تكون التكنولوجيا المستخدمة في برنامج ExoMars متطورة بما فيه الكفاية للعثور على أدلة على وجود حياة على سطح الكوكب الأحمر. يبحث فريق وكالة الفضاء الأوروبية وشركاؤهم الروس عن أدلة أكثر دقة على وجود حياة على سطح الكوكب مما افترضه العلماء سابقًا من أمثال بيرسيفال لويل، فلم يكن العلماء مهتمين بالبحث عن آثار للحياة على أرض الكوكب، لكنهم كانوا أكثر اهتمامًا بغاز الميثان.

يشكل الميثان جزءًا صغيرًا جدًّا من الغلاف الجوي الرقيق لكوكب المريخ، لكن هذه الكمية الصغيرة من الغاز لها أثر كبير، حيث أن الغاز ينتج عن الكثير من أشكال الحياة، حيث يتكون 90% من غاز الميثان على الأرض من مصادر بيولوجية، من الحيوانات كناتج عن عمليات الهضم وتخمر الغذاء ومن مزارع الأرز وكذلك كناتج عن تحلل المواد العضوية في مدافن النفايات.

ويفترض أن يكون لغاز الميثان القدرة على البقاء لمدة تتراوح ما بين 300 و 600 سنة على كوكب المريخ قبل أن يتم تدميره بسبب العوامل المناخية للكوكب؛ لذلك فإن غاز الميثان المكتشف على كوكب المريخ هو بالضرورة حديث العمر؛ ولذلك فإنه إن كان الغاز صادرًا عن بعض أشكال الحياة على الكوكب، فإنه من المرجح أن تلك الكائنات الحية لا تزال موجودة حتى الآن. وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك احتمالًا بأن غاز الميثان المتواجد على كوكب المريخ قد يكون ناتجًا عن تفاعلات غير عضوية وبذلك لا يكون مرتبطًا بوجود حياة على الكوكب من عدمها، لكنه في كلا الحالتين ستكون النتائج الخاصة بفحص الغازات النزرة على الكوكب مثيرة ومهمة بالنسبة للعلماء، حيث ستساعد على الأقل في توجيه الجهود المستقبلية في عمليات استكشاف المريخ.

على الرغم من التأكيدات السابقة لوجود الميثان على كوكب المريخ من قبل مسبار Mars Express التابع لوكالة الفضاء الأوروبية ومركبة Curiosity rover التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية، فإن علماء وكالة الفضاء الأوروبية يؤكدون أن الجهاز المداري التابع لمهمة ExoMars أقدر على اكتشاف الغازات بألف مرة من الآليات التي تم إرسالها إلى المريخ سابقًا، كما يطمح فريق العمل إلى رسم خريطة شاملة للغلاف الجوي للكوكب الأحمر من خلال المتابعة المستمرة/الدائمة لمستويات الغازات النزرة عبر الفصول المختلفة، كما قد يساعد تحديد مصادر غاز الميثان على الكوكب في تحديد موقع هبوط المهمة الثانية التابعة لبرنامج ExoMars، حيث ستقوم المركبة المزمع إطلاقها للمريخ بحفر وجمع عينات من تربة الكوكب حتى عمق مترين، وهو عمق لم تصل له أي مركبة سابقة، ولهذا يأمل علماء وكالة الفضاء الأوروبية في الحصول على بعض الميكروبات التي لم تستطع المركبات السابقة الوصول إليها بسبب بعدها عن سطح الكوكب.

وما زالت محاولات استكشاف الكون حولنا مستمرة بفضل مجهودات الكثير من العقول المفكرة والعلماء والذين لم يركنوا لسهولة تفسيرات عتيقة لظواهر، تفسيرات تريح البال وتطلق الخيال، لكنها تظل أبعد ما تكون عن العلم.

المراجع