أسفرت نتيجة الاستحقاق الرئاسي الذي شهدته الصومال في 8 فبراير/شباط الحالي عن حسم المرشح الرئاسي محمد عبد الله فرماجو لمقعد الرئاسة ووصوله لسدة الحكم، بعد عملية انتخابية معقدة استمر تأجيل موعد انعقادها أكثر من مرة خلال العام المنصرم.

وفي آخر استحقاق رئاسي بنظام الانتخاب غير المباشر تشهده الصومال قبل الانتقال إلى نظام الانتخاب المباشر بدءًا من الانتخابات القادمة في عام 2020، فقد خاض «واحد وعشرون (21)» مرشحًا الانتخابات الرئاسية الصومالية، بعد انسحاب 3 مرشحين. وفي حضور حوالي 328 نائبا يمثلون البرلمان الصومالي بغرفتيه، الشيوخ والنواب، كان الرئيس حسن شيخ محمود المنتهية ولايته قد تصدر الجولة الأولى بعدد أصوات 88 صوتا، في مقابل 72 صوتا لـ «فرماجو»، بينما حاز المرشح شريف شيخ أحمد 49 صوتا، وحصل المرشح الرابع عمر عبد الرشيد على 37 صوتا، قبل أن يتصدر الرئيس فرماجو الجولة الثانية بـ 186 صوتا بنسبة 56%، عن أقرب منافسيه الرئيس المنتهية ولايته، والذي حصل على 97 صوتا بنسبة 28% من مجموع أعضاء البرلمان، ليفوز بمقعد الرئاسة بعد إلغاء الجولة الثالثة من الانتخابات، عقب إعلان الرئيس المنتهية ولايته حسن شيخ محمود انسحابه من الجولة التي كان من المفترض أن ينافسه فيها.


عوامل فوز فرماجو

بالرغم من أن بعض التحليلات والمؤشرات كانت قد قللت من فرص فوز الرئيس فرماجو لعدد من العوامل؛ أبرزها العامل القبليّ، حيث ينتمي فرماجو إلى قبيلة «الدارود»، وهي واحدة من كبرى القبائل الصومالية، لا إلى قبيلة «الهوية» التي تسيطر على العاصمة، والتي جرت العادة ألا يخرج الرئيس عنها، بالإضافة إلى السياسات التي انتهجها فرماجو أثناء توليه منصب رئيس الوزراء ولاقت قبولا شعبيا، وأدت إلى صدامه مع جهات سياسية محلية ودولية وأدت إلى استقالته في عام 2011. لكن هناك عددا من العوامل التي عززت من فرص فوزه في الاستحقاق الرئاسي الأخير، يتمثل أبرزها في:

1- التأييد الإثيوبي للرئيس المنتهية ولايته؛ عبر رئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ماريام ديسالين في أحد لقاءاته التليفزيونية عن الرغبة الإثيوبية في إعادة ترشيح الرئيس المنتهية ولايته حسن شيخ محمود، كما عبر أحد المراكز البحثية الإثيوبية القريبة من دوائر صنع القرار في تقرير له عن تأييد إثيوبيا لفترة رئاسية جديدة للرئيس السابق حسن شيخ محمود، من أجل دعم الاستقرار السياسي في الصومال وتفادي تداعيات خطيرة من الممكن أن تترتب في حال انتخاب رئيس جديد للصومال.

ويرجع ذلك إلى العلاقات الإيجابية بين البلدين خلال فترة حكم حسن شيخ محمود منذ 2012، علاوة على إعلان حسن شيخ محمود في أول زيارة لرئيس صومالي إلى «منطقة أوجادين» تبعيتها للسيادة الإثيوبية، بالإضافة إلى توافق الرؤى بين النظامين في عدد من الملفات والقضايا الإقليمية. الأمر الذي أدى إلى غضب شعبي صومالي في ظل التوجس والحساسية من الموقف الإثيوبي في الداخل الصومالي على مدى السنوات الماضية. كما ظهر الغضب لدى أعضاء البرلمان بعد اتهامات من دبلوماسيين إثيوبيين لأعضاء البرلمان الصومالي بالتعاطف مع حركة الشباب المجاهدين الصومالية، الأمر الذي انعكس على تراجع شعبية الرئيس المنتهية ولايته بين أعضاء البرلمان، وهو ما تمخض في خسارة فارح شيخ عبد القادر، الذي يعتبر الذراع اليمنى للرئيس المنتهية ولايته، في الفوز بمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان الصومالي، وهو ما كان بمثابة ناقوس خطر حول فرص فوز حسن شيخ محمود بالولاية الثانية.

2- الرصيد السياسي للرئيس الجديد؛يمتلك الرئيس محمد عبد الله فرماجو رصيدا سياسيا متميزا، حيث بدأ عمله في الخارجية الصومالية في عام 1982، ثم عين سكرتيرا في السفارة الصومالية في العاصمة واشنطن في عام 1985، ويعيش في واشنطن منذ ذلك الحين هو وأسرته، ويحمل الجنسية الأمريكية. كما درس فرماجو في الجامعات الأمريكية. وفي عام 2010 عُيّن رئيسا لوزراء الحكومة الصومالية، لكنه لم يبق سوى عدة أشهر في منصبه قبل أن تتم إقالته عقب ما عرف بـ«اتفاقية كمبالا»، التي أنهت الخلافات بين الرئيس آنذاك شيخ شريف أحمد ورئيس البرلمان شريف حسن. وكان فرماجو قد اكتسب شهرة واسعة أثناء توليه رئاسة الوزراء، حيث نال تأييدا شعبيا بسبب برنامجه وسياساته الواضحة التي اعتمد عليها وحققت عددا من الإنجازات على الصعيدين الأمني والسياسي.

3- التأييد الشعبي للرئيس فرماجو؛ يحظى فرماجو بقبول واسع لدى الشعب الصومالي منذ أن كان رئيسا للوزراء في عام 2010، حيث خرجت التظاهرات المنددة بإقالته في عام 2011. وفي نفس السياق، فقد خرجت التظاهرات المؤيدة له بعد ترشحه في الاستحقاق الرئاسي لعام 2012 الذي فاز فيه الرئيس المنتهية ولايته حسن شيخ محمود. بالإضافة إلى التظاهرات المؤيدة له عقب فوزه في الانتخابات الأخيرة في أنحاء البلاد.

4- العلاقات القوية مع الزعماء التقليديين؛هناك علاقات متميزة تجمع الرئيس فرماجو مع معظم زعماء العشائر الصومالية ورؤساء الإدارات الإقليمية، الذين لهم دور بارز في انتخاب نواب البرلمان بغرفتيه، الأمر الذي انعكس على حصوله على أكبر عدد من الأصوات بالمقارنة بمنافسيه الآخرين.

5- البرنامج الانتخابي القوي؛ طرح الرئيس الجديد فرماجو برنامجا انتخابيا شاملا، شمل العديد من المحاور المهمة التي تتعلق بالمواطن الصومالي والقضايا التي تشغل الرأي العام الصومالي سواء على الصعيد الداخلي، والتي يأتي على رأسها المسألة الأمنية ووحدة البلاد، أو على الصعيد الخارجي، والمتمثل في عودة الدور الإقليمي المتميز للصومال في منطقة القرن الأفريقي.

6- التركيبة البرلمانية الجديدة؛تختلف تركيبة البرلمان الحالي الصومالي عن سابقاتها من البرلمانات الماضية، الأمر الذي انعكس على تغيير موازين القوى السياسية المحلية فيما يتعلق بانتخابات الرئاسة الصومالية، فبالرغم من انتخاب أعضاء البرلمان الصومالي وفق نظام المحاصصة القبليّة، ولعب زعماء العشائر ورؤساء الإدارات الإقليمية الخمسة دورا في انتخاب أعضاء البرلمان، وبالرغم من وجود ثلاث كتل سياسية رئيسية متمثلة في الإسلاميين الذين يشكلون كتلة قوية داخل البرلمان بأفرعهم – التيار السلفي، والإخوان المسلمين، وجماعة آل الشيخ – علاوة على التيار المؤيد لرؤساء الإدارات الإقليمية، إضافة إلى التيار المستقل، فإن خريطة التوازنات قد تغيرت خاصة في ظل تحرر معظم أعضاء البرلمان من هيمنة شيوخ القبائل ورؤساء الإدارات الإقليمية، ما منحهم القدرة على رفض أي إملاءات من جانب أي طرف من الأطراف، وتمتعهم بمزيد من الاستقلالية؛ في اختيار الرئيس الجديد.

7- تنامي مشاعر القومية؛يتنامى لدى معظم الصوماليين مشاعر القومية الصومالية الرافضة لأي تدخلات أجنبية في الصومال، لا سيما التدخلات الإقليمية وتحديدا من الجانب الإثيوبي والكيني. وهو ما انعكس على تأييد الكثيرين للرئيس الجديد فرماجو، خاصة في ظل موقفه الرافض للتدخلات الأجنبية في الداخل الصومالي منذ أن كان رئيسا للوزراء في عام 2010، وهو ما رجح كفته في الفوز بانتخابات الرئاسة.

اقرأ أيضا:انتخابات رئاسية في الصومال: أي مصير للديمقراطية الوليدة؟


ردود الفعل المحلية والإقليمية والدولية

بعد إعلان فوز المرشح الرئاسي فرماجو توالت المواقف الداخلية والإقليمية والدولية، للتعبير عن تأييدها لنتيجة الانتخابات. فعلى صعيد الشأن الداخلي الصومالي، انطلقت الاحتفالات بفوز فرماجو في العاصمة مقديشو بالرغم من أنه لا ينحدر منها، لكن هناك عددا من التظاهرات المؤيدة له جابت شوارعها بالرغم من حالة حظر التجوال وإغلاق الطرق الرئيسية بها، وانطلق عدد من المواكب تقودها عناصر من الشرطة والجيش الصومالي إلى الشوارع بهتافات مؤيدة للرئيس الجديد. ولم تقتصر الاحتفالات على العاصمة فحسب، بل امتدت لتشمل عددا من المدن الصومالية التي شهدت مسيرات مؤيدة لـ فرماجو. وتلقى الرئيس الجديد التهنئة من رؤساء الحكومات الإقليمية، حيث رحب رؤساء إدارة ولاية بونت لاند في شرق البلاد، وإدارة جوبا لاند في الجنوب، وإدارة هير شبيلي بفوز فرماجو، وتعاهدوا على الوقوف إلى جانبه لما هو في صالح البلاد.

وتجدر الإشارة إلى أن تلك المسيرات المؤيدة قد امتدت أيضا إلى خارج حدود الصومال، فقد شهدت العاصمة الكينية نيروبي خروج مسيرات للتعبير عن فرحتها بفوز الرئيس فرماجو. كما عبر عدد من الدول والمنظمات الإقليمية عن ترحيبها بفوزه، حيث عبرت مصر في بيان صادر عن الخارجية المصرية عن تهنئتها للرئيس الصومالي الجديد فرماجو لفوزه في الانتخابات الرئاسية، ورحب رئيس الوزراء الإثيوبي هيلا ماريام ديسالين بفوز محمد عبد الله فرماجو، وتمنى له النجاح في مهمته الجديدة.

وعبر بيان الخارجية التركية عن ترحيبه بفوز فرماجو، وبالانتخابات الناجحة في الصومال، علاوة على تأكيد الجانب التركي على دعمه للشعب الصومالي وحكومته بالتعاون مع الشركاء الدوليين، في الوقت الذي أرسلت فيه دولتا الكويت وقطر برقيات تهنئة للرئيس الجديد بمناسبة فوزه في الانتخابات وحلف اليمين الدستورية. كما وجهت جامعة الدول العربية على لسان أمينها العام، السيد أحمد أبو الغيط التهنئة للرئيس فرماجو، وأكدت التزام الجامعة العربية بدعم الصومال ومساندة حكومته ومؤسساته الدستورية.

وعلى الصعيد الدولي، فقد اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية فوز فرماجو فرصة للبلاد من أجل إعادة بناء مؤسساتها ومحاربة الفساد والسعي نحو بناء مستقبل أكثر استقرارا للبلاد، وأكدت الولايات المتحدة تطلعها للعمل مع الرئيس الجديد وتقديم الدعم الكامل له في كل المستويات خاصة فيما يتعلق بالمصالحة الوطنية وإعادة بناء مؤسسات الدولة، ومعضلة الأمن في الصومال.

ومن ثم، تعكس المواقف المؤيدة لفوز الرئيس فرماجو القبول الإقليمي والدولي للرئيس الجديد، والرغبة في التعاون مع الإدارة الصومالية الجديدة في تحقيق الاستقرار في الداخل الصومالي، الأمر الذي ينعكس على الاستقرار الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي لما تمثله الصومال من دور محوري في المنطقة.


أبرز التحديات التي تواجه الرئيس الجديد

ينتظر الرئيس الجديد العديد من الملفات والتحديات التي سيكون عليه أن يتعاطى معها في ظل ارتفاع أسهمه ومؤيديه بين الشعب الصومالي، والنظر إليه بمثابة المنقذ للصومال من التحديات والفوضى التي تضربه منذ الإطاحة بنظام سياد بري في عام 1991، ولعل أبرز تلك التحديات تتمثل في:

الملف السياسي: يأتي على رأس ذلك الملف قضية المصالحة الوطنية، في ظل التصارع بين القبائل والصراع السياسي بين القوى السياسية. ومن ثم يتحتم على الرئيس الجديد السعي نحو ضرورة عودة الاستقرار السياسي للبلاد. ويضاف إلى ذلك ملف الفساد السياسي المتفشي في مؤسسات الدولة، ويتورط فيه العديد من السياسيين الصوماليين.

الملف الاقتصادي: يواجه الرئيس الجديد عدة تحديات فيما يتعلق بالملف الاقتصادي، والتي تتمثل في المجاعة التي تضرب البلاد ووصفتها عدة تقارير دولية بأنها الأسوأ على الإطلاق في الصومال، علاوة على ملف البطالة التي يعاني منها أكثر من 75% من الشعب الصومالي، وكذلك الفقر الذي يعاني منه أكثر من 90% من الشعب الصومالي، بالإضافة إلى ملف إعادة الإعمار في البلاد، واستغلال الفرص الاستثمارية لجذب العديد من المستثمرين من مختلف دول العالم.

الملف الأمني: يواجه الرئيس الجديد عدة معضلات في الملف الأمني، لعل أبرزها مواجهة حركة الشباب المجاهدين، التي تسيطر على بعض أجزاء من الأراضي الصومالية وتنشط بعملياتها الإرهابية لا سميا في وسط وجنوب البلاد، بالإضافة إلى توفير الأجور لقوات الشرطة والجيش الصومالي، علاوة على تقديم المزيد من التدريب لقوات الأمن والشرطة والجيش، ناهيك عن النظر في أمر وجود قوات الاتحاد الأفريقي – قوات الأميصوم – التي يبلغ عددها أكثر من 22 ألف جندي لمحاربة حركة الشباب.

ملف العلاقات الإقليمية والدولية: هناك عدد من الملفات الإقليمية والدولية التي من المنتظر أن تشكل أولوية لتحركات الرئيس الجديد على الصعيد الإقليمي والدولي، وتتعلق بعودة الدور الصومالي في منطقة القرن الأفريقي، والتخلص من كونه الطرف الأضعف في المعادلة الإقليمية، علاوة على النظر في بعض القضايا التي تمثل خلافا مع بعض دول الجوار، مثل قضية السيادة على منطقة أوجادين مع الجانب الإثيوبي، وقضية ترسيم الحدود البحرية مع الجانب الكيني. بالإضافة إلى السعي نحو عودة الصومال إلى قائمة الاهتمام الدولي بعد سنوات من الإهمال من جانب المجتمع الدولي.


ومع وصول الرئيس التاسع للصومال منذ الاستقلال، تدخل الصومال مرحلة جديدة تسعى خلالها إلى فرض المزيد من الاستقرار السياسي والأمني في البلاد حتى يتسنى تحقيق المزيد من الإنجازات على كل المستويات بعد قرابة الثلاثة العقود من التدهور، عانى فيها الشعب الصومالي من الفوضى الأمنية والسياسية والتراجع الاقتصادي. وهو ما يفرض على القوى الإقليمية والدولية لا سيما الدول العربية والخليجية وعلى رأسها مصر ضرورة التعاون مع النظام الجديد في مقديشو من أجل المساهمة في إعادة بناء الدولة الصومالية التي تمثل عمقا استراتيجيا في منطقة القرن الأفريقي ذات الأهمية الاستراتيجية بالغة الأهمية، في ظل التطورات الإقليمية والدولية الراهنة.