في السادس والعشرين من مارس/آذار 2016 كان الخمسيني «مارك أربان» يقلب في يده بكثير من الأسى العدد الأخير من «الإندبندنت» البريطانية، ينظر إلى تاريخ البداية المدون دائمًا تحت الاسم العريق ولتاريخ النهاية المدون لأول مرة (1986 – 2016) ويتذكر سنوات عديدة بدأها بتحرير أول مقال رئيسي في الجريدة التي كانت تعد أحد أربعة أعمدة للصحافة البريطانية قبل ثلاثين عامًا.

ينضم إلى «الإندبندت» خلال أيام، جريدة «السفير» اللبنانية الورقية بعد 42 عامًا من إصدارها. وإذا كانت لبنان تمر بأزمات سياسية كما يدعي بعض الصحفيين تلقي بظلالها على مستقبل الصحافة التقليدية هناك، فإن الأزمات الاقتصادية المصرية زلزلت هي الأخرى عرش الصحافة الورقية ليسجل هذا العام انخفاضًا في نسب توزيع الصحف اليومية وصل إلى 50% عن مثيلها قبل ثلاثة أعوام، وأصبح البلد الذي يقترب عدد قاطنيه من 100 مليون نسمة توزع جرائده أقل من 500 ألف نسخة يوميًا.

الحياة اللندنية بنسختها السعودية تغلق مكاتبها في لندن، و«الرياض» تحقق أقل نسبة أرباح في تاريخها بالنصف الأول من 2016، «الدستور» و«الرأي» الأردنيتان تحتضران، و«قورينا» و«أويا» الليبيتان تتوقفان، عرشٌ كبير يخلو كل عام تدريجيًا من أصحابه وآخرون يعتلونه عامًا بعد عام.

مطلع العام الجاري، رصدت «إضاءات» جانبًا من خريطة المواقع الإلكترونية الجديدة التي تملأ فراغ الصحافة الورقية والمنابر الإعلامية التقليدية. ترى ما الذي حدث لهذه المواقع بعد عام كامل؟، أين كانوا؟، وفيم أصبحوا اليوم؟.


صحافة بوست: الهافينغتون تتقدم وتثير الجدل

رانك المواقع العربية في أليكسا 2016
رانك المواقع العربية في أليكسا 2016
رانك المواقع العربية
رانك المواقع العربية

شهد موقع «هافنغتون بوست»، الذي انطلق في 27 يوليو/ تموز 2015، أعلى معدل صعود في مواقع المحتوى العربي حسب ترتيب «أليكسا»، حيث بدأ العام بترتيب يقارب 9000 على مستوى العالم، ثم كسر في نهاية العام حاجز الـ 3000، سجل المرتبة 128 في مصر، الدولة التي تمده بـ 30% من زياراته.

صعود «هافينغتون بوست» وتصدره السريع يعود لحسن توظيف ميزانيته -الكبيرة مقارنة بمنافسيه- في فرق عمل إبداعية، ويتجلى ذلك في فاعلية الإستراتيجية التسويقية في صفحة الموقع على «فيسبوك»، وكذلك سرعة التغطية الخبرية للأحداث الساخنة في الشرق الأوسط، حيث كان المصدر الأول في العالم العربي لتغطية الانقلاب الفاشل في تركيا في يوليو/تموز 2016، بحكم وجود مقره الرئيسي في إسطنبول، لكن ما تفرد به الموقع في المحتوى العربي الذي تنتمي له هذه الخريطة هو توسعه في نشر مواضيع الصحة الجنسية والعلاقات الخاصة التي تتميز تسويقيًا بوصفها «فيروسية الانتشار»؛ أي أنها تجتذب أعدادًا ضخمة من الزوار وتنتشر ذاتيًا بأقل مجهود تسويقي، لكن هذا النوع من المحتوى تسبب في بعض انتقادات من متابعي الموقع.

أما «نون بوست»، الذي تأسس في أغسطس/آب 2013، فقد تراجع ترتيبه العالمي خلال العام الجاري، ويعود جزء مهم من مسببات ذلك إلى حجب الموقع في عدة دول عربية، لكن الموقع بدأ يستعيد صدارته مرة أخرى من خلال «النطاق» البديل خلال الشهرين الماضيين، وهو الموقع البديل الذي أنشئ للتخفيف من آثار الحجب، وانتعش الموقع مرة أخرى بعد زيادة عدد الكتابات النوعية خصوصًا في قضايا الحركات الإسلامية، وكذلك تفعيل وسائل النشر الرائجة عالميًا مثل مقاطع الفيديو القصيرة في صفحة الموقع على فيسبوك.

أما موقع «ساسة بوست» فيمر بمرحلة ثبات منذ مطلع العام ويتأرجح في الترتيب العالمي بين 9000 و 12000، لكن يبقى ترتيبه متقدمًا بين المنافسين وبالأخص في مصر، حيث يشغل الترتيب 400.


تحقيقات وانفرادات: مدى وعربي 21

في العاشر من ديسمبر/كانون الأول أقامت «مدى مصر» احتفالها بمرور 3 سنوات على تأسيس الموقع، وفي فيديو بثته على صفحتها على فيسبوك دعت متابعيها لمشاركتها الاحتفال. مدى قدمت قبل ثلاثة أشهر نسخة جديدة من موقعها لقرائها تميزت بتصميمات كارتونية من إبداع رسام الكاريكاتير «محمد قنديل» مع تبويبات تناسب طابع الموقع المصري، كما استمرت على نفس الدرجة من الاحترافية والتقارير الاستقصائية والانفرادات التي حافظت على مستوى الموقع عند حاجز الـ 50 ألف عالميًا، بتذبذبات وصلت أدناها في يوليو وأعلاها في نوفمبر.

بدأ «عربي 21» العام بمركز يقترب من 8000 على مستوى العالم ليشهد صعودًا حادًا يسبق فيه 4000 آلاف موقع في فبراير/شباط فقط، ويواصل التقدم بمنحنى متوسط حتى يصل في نهاية العام إلى 2000 على مستوى العالم، ويدخل في قائمة أول خمسين موقعًا فى مصر.

تقدم ملحوظ يدعمه تقارير الموقع المتميزة وأخباره الحصرية خاصة في قضايا المقاومة الفلسطينية والحركات الإسلامية، وترجماته السريعة في الملفات التركية والإيرانية، ومتعلقات الحرب في سوريا.


الترافك بعيدًا عن السياسة: أراجيك وحده في المقدمة

من مدونة بسيطة إلى موقع يحصد 1.2 مليون زيارة شهريًا ويتوج كأفضل مدونة عربية في قمة دبي لرواد التواصل الاجتماعي هذا العام، الموقع الذي يعد رائدًا في مجال قوائم السينما والأفلام والمنح الدراسية والدورات استطاع أن يحافظ على نجاحه الذي بدأه هذا العام بحوالي 9000 على مستوى العالم ليصل إلى 6785 بنهاية العام، معتمدًا كما يقول أحد مؤسسيه على جميع الموضوعات التي تهم الجمهور خارج ثالوث (الدين والجنس والسياسة).

أما المواقع التي شهدت تراجعًا خارج المجال السياسي أيضًا فأهمها موقع «كسرة» الذي خسر حوالي 50 ألف نقطة هذا العام فقط مع خسارة رئيس تحريره وطاقم الكتاب الأساسيين الذين تميز بهم الموقع العام الماضي، أما موقع «زائد 18» الذي يتميز بالكتابات الكاسرة للتابوهات وبنشر سيناريوهات الأفلام العربية كاملة فقد حاول الصعود في الربع الأول من العام، إلا أنه سقط سقوطًا حرًا في مايو/أيار تحديدًا واستكمل الهبوط ليصل إلى الموقع رقم 6399 على مستوى مصر، كذلك موقع «نون» الذي يتفرد بفكرة الصحافة النسائية تخطاه 4000 موقع خلال 2016 وإن ظل محافظًا على موقعه ضمن قائمة أعلى ألف موقع في مصر.


المحتوى المتنوع مستمر: رصيف 22 وألترا صوت وزحمة

حافظ «رصيف 22» على منحنى صعود متميز مع موضوعات متنوعة بين السياسة والأدب والجنس والاقتصاد، فبدأ العام بموقع 100 ألف على مستوى العالم لينتهي بموقع 27 ألف عالميًا. أما «ألترا صوت» الذي امتاز بالمزج بين نفس المساحات المتنوعة بإضافة المجال الرياضي والتكنولوجي عليها فوصل بزيادة مطردة إلى حاجز الـ 22 ألفًا على مستوى العالم، مع تسجيل حضور خاص في فلسطين كموقع يقع ترتيبه 128 في قائمة المواقع الفلسطينية.

أما موقع «زحمة» الذي يحاول وضع تقارير مختصرة أمام القارئ بدلاً من زحام الإنترنت، وبالرغم من عرض محتواه في أشكال جديدة مثل «مصر في 30 ثانية» و«العالم في 30 ثانية» بالإضافة إلى باب «كل شيء عن»، فقد شهد تراجعًا هذا العام جعله يخسر أكثر من 50 ألف نقطة رغم حصول صفحته على فيسبوك على أعلى تفاعل نسبة إلى عدد المتابعين.


كلافو والمحتوى والمولد: مواقع جديدة وأفكار نوعية

مع انتشار مواقع المحتوى العربي اتجهت المواقع الجديدة إلى مزيد من التخصصية لتتمايز عن النمط السائد، ففي أغسطس ظهر موقع كلافو إلى النور حاملاً معه مئات المبادرات الشبابية والمبادرين العرب في فكرة غير مسبوقة تجعل من البحث عن الشغف وإعطاء الأمل والإلهام بوصلة للموقع، واستطاع بالفعل خلال فترته التجريبية أن يكوّن شراكات مع عشرات المبادرات التنموية والتثقيفية والعلمية حول العالم العربي وبالأخص من مصر.

أما المحتوى فهو مشروع علمي تعليمي يستعد لاطلق تجربته بداية العام الجديد مهتم بتقديم محتوى تعليمي ويربط أسئلة الواقع بإجابات علمية.

ومن عالم الفكر والثقافة إلى عالم الفن ننتقل إلى «المولد»، حيث يعرّف فريق العمل الموقع بأنه موقع إلكتروني ترفيهي يتخصص في كسر الأصنام ونشر البهجة، ويمكنك أن تشعر بذلك بمجرد قيامك بفتح الموقع من خلال تصميه الداخلي المليء بالألوان المبهجة، ويتميز بتقديمه الكثير من المراجعات في عالم السينما وصناعها.


الجزيرة والعربي إلى ميدان منافسة المنصات الشابة

عقدان مرا على انطلاق أكبر شبكة إعلامية في العالم العربي بنخبة من ألمع مذيعي ومحرري شبكة الـ BBC، وعامان مرا على انطلاق مشروع من نفس الرحم كان يقدر له أن يكون بنفس الضخامة، اليوم يجد موقع الجزيرة نت وموقع «العربي الجديد» نفسيهما غير قويين بما يكفي كقوة مؤسستيهما، وغير قادرين على الوصول إلى نسبة مرضية من شرائح الشباب الذي يتابع كل هذه المنصات.

بخسارة موقع «العربي الجديد» أكثر من 20% من جمهوره مطلع العام بسبب قرار حجب الموقع في عدة دول عربية، وجد الموقع نفسه مضطرًا إلى استخدام «نطاق» احتياطي لم يشفع له كثيرًا، حيث واصل السقوط من 2500 في بداية هذا العام إلى 6200 عالميًا، فوجد نفسه مرة أخرى يحاول الوصول أكثر فيطلق منصتين فرعيتين منه، إحداهما هي «جيل»، كموقع شبابي، والأخرى هي «ضفة ثالثة» كموقع ثقافي يجاري المواقع الثقافية الجديدة، لكن فك الحظر عن الموقع في مصر منذ أيام قد يقوده للصدارة مرة أخرى في مدة وجيزة.

أما مؤسسة «الجزيرة» فقد حاولت بدورها إنعاش موقعها الجزيرة نت شبابيًا، فأطلقت في 8 أغسطس/آب «مدونات الجزيرة» بنخبة من ألمع كتاب المقالات الشباب في منصات المحتوى العربي؛ مما جذب لها جمهورًا واسعًا من متابعي النخب الشبابية، إلا أن مساحة التقارير والتحليلات والقوائم ما زالت غير مشمولة في الموقع أو المدونات؛ مما دفعها إلى تشكيل طاقم محررين اجتذبتهم من المتميزين في مختلف مواقع المحتوى العربي، وبدء تجربة جديدة تحت اسم «ميدان»، تنطلق في يناير من العام الجديد.


لفيسبوك أقوال أخرى

كمصدر أول لكافة المواقع الإلكترونية في الزيارات يتربع فيسبوك على رأس منصات التواصل الاجتماعي، وبتطويرات مستمرة في خواريزمات الوصول والتفاعل والنمو على صفحاته كان سباق المنصات محتومًا لاستمرار التدفقات.

خريطة المواقع العربية
خريطة المواقع العربية
عدد متابعي صفحات المواقع العربية
عدد متابعي صفحات المواقع العربية
صفحات مواقع الاخبار العربية فيسبوك
أما ترتيب المواقع من حيث تفاعل الجمهور مع صفحاتها على فيسبوك، في الشهر الأخير، فكان على النحو التالي:
التفاعل في صفحات المواقع العربية
*
ما زالت مواقع «المولد» و«الكشك» و«كلافو» تجارب جديدة، لا يمكن الحكم على أدائها في الأشهر الأولى من تأسيسها.

صُناع المحتوى، من أين وإلى أين؟

أحمد عبد الحميد (يمين)، وعبد الرحمن عياش، وأسامة الشاذلي، وأنس حسن

«أحمد عبد الحميد»، مهندس ساسة بوست كما أطلق على نفسه بمقاله الأخير على الموقع قبل أن يتركه نهائيًا ويبيع حصته لأحد المؤسسين، استطاع أن يؤسس تجربة مميزة لموقع شبابي رائد اتجه إلى الإنتاج الخاص وأسس شركة «كورنال» لإنتاج المحتوى، حيث تقدم الشركة خدمات الترجمة وصحافة البيانات وتحليلها.

أما «عبد الرحمن عياش» فهو أحد مؤسسي موقع «نون بوست»، إذ ترأس تحريره لمدة تجاوزت الثلاثة أعوام،استقال مؤخرًا من الموقع، وفي دوافع قراره قال عياش: «حسيت إني مش بقدر أضيف جديد لنون»، وانضم إلى فريق تحرير «هافنغتون بوست» محاولاً تأسيس خط إنتاج مواضيع اجتماعية معمقة تعتمد على التحقيق والاستقصاء.

أما «أسامة الشاذلي» رئيس تحرير موقع «المولد»،قال: «حلمي القديم من 10 سنين». بدأ الشاذلي مسيرته في المجال الإعلامي كرئيس تحرير موقع «السينما» ورئيس قسم المنوعات في جريدة «المصري اليوم»؛ مما رشحه للانتقال إلى موقع «كسرة» كرئيس تحرير لأول موقع منوعات عربي، إلا أنه ترك رئاسة التحرير في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 واستقال من الموقع في فبراير 2016 بسبب رغبة تحويل الموقع إلى خليجي حسبما قال الشاذلي.

أما «أنس حسن» فقد بدأ مسيرته الصحفية كأحد مؤسسي موقع «رصد» الإخباري، ثم انتقل إلى «عربي 21» كمسئول عن منصات التواصل الاجتماعي للموقع، قبل أن يتحول إلى مؤسسة «الجزيرة» كمسئول عن باب اتجاهات في موقع الجزيرة نت، ثم مسئولاً عن مشروع «مدونات الجزيرة»، وصولاً إلى تفرغه لموقع «ميدان» أحدث مشاريع المؤسسة.


المزيد الثري

أحمد عبد الحميد، عبد الرحمن عياش، أسامة الشاذلي، أنس حسن
أحمد عبد الحميد، عبد الرحمن عياش، أسامة الشاذلي، أنس حسن

يمكنك أيضًا متابعة القصة في رواية أخرى منذ بداية 2017 بعد نسخة تجريبية متميزة في نهاية 2016، كما يمكنك أن تتابع أحدث التقارير العالمية مترجمة مع «كشك»، أو أن تقرأ ما رواه الناس في «المنصة»، ثم تأخذ بعض الوجبات الخفيفة في «منشور»، قبل أن ترى المستقبل في «زدني»، وتنتظر انطلاقة جديدة لموقع «يقظة فكر» الرائد قريبا فى 2017، كل هذا وأكثر، عالم كامل من المحتوى العربي الذى يريد له الجميع أن يكون ثريًا.

المراجع
  1. كلافو
  2. المولد
  3. مدونات الجزيرة
  4. انطلاق موقع مدونات الجزيرة
  5. صحف عربية عريقة تحتضر.. وداعاً للورق – العربية نت