ظاهرة إعادة إحياء علامات السينما المصرية في صورة أعمال درامية ليست بالظاهرة المستحدثة، فقد بدأت بثلاثية «نجيب محفوظ» التي أنتج منها الجزئين الأولين «بين القصرين» عام 1987، و«قصر الشوق» 1988، ولكنها لم تستكمل بالجزء الثالث «السكرية».

ثم شهد عام 1998 نقل عملين سينمائيين إلى الدراما؛ هما مسلسل «نحن لا نزرع الشوك» من بطولة «آثار الحكيم» و«خالد النبوي» عن فيلم بنفس الاسم من إنتاج عام 1970 إخراج «حسين كمال» وبطولة «شادية» و«محمود يس»، وفيلم «رد قلبي» من إنتاج عام 1957 عن قصة الكاتب الكبير «يوسف السباعي» الذي أعيد إنتاجه للدراما في مسلسل من بطولة «محمد رياض» و«نرمين الفقي» و«حسن حسني».

وفي عام 2010 بدأت موجة جديدة نقل خلالها عدد من الأعمال من الشاشة الكبيرة إلى الشاشة الصغيرة، فأنتج مسلسل «العار» من بطولة «مصطفى شعبان» و«أحمد رزق» و«شريف سلامة»، ومسلسل «الباطنية» عن فيلم «نادية الجندي» من إنتاج عام 1980 وقامت ببطولته «غادة عبد الرازق».

ثم في عام 2011 قامت غادة عبد الرازق أيضًا بنقل فيلم «سمارة» من إنتاج عام 1956 وبطولة الفنانة الكبيرة «تحية كاريوكا»، وفي العام التالي مسلسل «الإخوة الأعداء» من بطولة «صلاح السعدني» و«أحمد رزق» و«فتحي عبد الوهاب»، والمأخوذ عن فيلم من إنتاج عام 1974. وفي رمضان 2013 أنتج مسلسل «الزوجة الثانية» المأخوذ عن فيلم «صلاح أبو سيف»، ومن بطولة «سعاد حسني» و«شكري سرحان» وإنتاج عام 1967.

وفي هذا الموسم الرمضاني تطالعنا الشاشة الصغيرة بآخر الأعمال السينمائية التي نقلتها الدراما وهو فيلم «الكيف»، من إنتاج عام 1985 وتأليف «محمود أبو زيد»، وقام بكتابة النسخة الدرامية ابنه «أحمد محمود أبو زيد»، وهو ثاني عمل من أعمال محمود أبو زيد يقوم ابنه بنقلها إلى الدراما بعد مسلسل «العار» في عام 2010.


نهار خارجي

في أحد المطاعم يجلس رجلان إلى إحدى الطاولات بجوار نافذة كبيرة تطل على حمام سباحة، ويدور بينهما الحوار التالي:

  • صلاح: جبت الفلوس كلها معاك يا هشام بيه؟.
  • هشام: 125 ألف جنيه بس؛ نص اللي اتفقنا عليه.
  • صلاح: لا إحنا ما اتفقناش على كده، إحنا اتفقنا تجيب المبلغ كله معاك. إنت فاكر إن أنا هاخد الفلوس دي لوحدي؟، لأ، ده أنا في ناس كتير قوي معايا.
  • هشام: يا دكتور صلاح أنا تحت أمرك، بس إنت ما خلصتليش كل التصاريح.
  • صلاح: ماقدرش أخلصهالك كلها مرة واحدة، في النهاية دي مستحضرات تجميل معمولة هنا، تحت السلم، وإنت بتبيعها علي إنها مستوردة، يعني كان لازم تجيب لي ورق الجمارك.
  • هشام: مانا جبتهولك.
  • صلاح: مظبوط، إنت جبت لي الورق، بس كله مزور، وعلشان كده إنت بتدفع لي. وماتنساش إن أنا على وش ترقية يعني بعد كده أي تصريح عاوزه هخلصهولك بالتليفون.
  • هشام: يا باشا أنا عيني ليك بس خلصني. أنا نازل بحملة إعلانات كبيرة ع الفضائيات ولازم كل التصاريح تبقى معايا.
  • صلاح: يبقي هات الفلوس كلها علشان أخلصك.
  • هشام: يا دكتور صلاح المبلغ كبير.
  • صلاح: وإنت برضه بتكسب كتير، ومن غيري مش هتاخد ولا تصريح. ما تنساش إن إنت شغلك كله شمال ومليان مخالفات
  • هشام: طيب معلش يا دكتور صلاح خد دول دلوقتي، وأنا هكتب لك شيك بباقي المبلغ.
  • صلاح: أهو ده الكلام، بس ياريت بقي الشيك يكون لحامله.

يدخل ثلاثة رجال يرتدون ملابس مدنية، ويضع أحدهم يده على كتف «هشام بيه» ويقول:

  • الرجل: ممكن تتفضل معايا من غير شوشرة؟ كل حاجة اتسجلت صوت وصورة.
  • هشام: دي رسوم التصاريح، دكتور صلاح اللي طلبها وقالي ممكن أدفعهاله هنا، وأنا كنت لسه هاخد منه وصل بالمبلغ.
  • الرجل: ولا كلمة.

ثم يلتفت إلى الدكتور صلاح ويقول:

  • الرجل: شكرا يا دكتور صلاح.. لسه الدنيا بخير طول ما في ناس شرفا أمثالك. ربنا معاك ويوفقك.
  • هشام: ماشي يا دكتور صلاح ماشي، والله ما هسيب حقي.
  • صلاح: لسه الدنيا بخير يا هشام بيه، في ناس كتير قوي ما ينفعش تشتريها بفلوسك.

قطع

لم يكن هذا الحوار جزءًا من أحد أفلام الثمانينيات أو التسعينيات، ولكنه أحد المشاهد بمسلسل «الكيف» من إنتاج عام 2016.


سأعيش في جلباب أبي

في فيلم «الكيف»، كان البطل الأول وبلا منازع هو «الحوار»، لم يكن يحيى الفخراني، ولا محمود عبد العزيز، ولا المخرج علي عبد الخالق، ولا حتى السيناريو نفسه، ولكنه كان الحوار الذي تجاوز كل هؤلاء النجوم وتجاوز الزمن ورسخ في أذهان أجيال وأجيال لعقود ثلاثة مضت على هذا الفيلم العبقري. فالجمهور لا يتذكر الفيلم بأحداثه وشخصياته بقدر ما يتذكر حواراته ولغته الجذابة التي خلقها محمود أبو زيد خلقًا من العدم، فترى الجمهور يتذكر جملًا من قبيل: «ده احنا اللي دوبنا اللباري جوه الشباري بالدهلكة»، «بطلوا ده واسمعوا ده ياللي رقصتوا البعوضة»، ويتذكر حورات كاملة كذلك الحوار الذي يحاول فيه «جمال» (محمود عبد العزيز) إقناع أخيه «صلاح» (يحيى الفخراني) ببيع الخلطة المزيفة إلى تجار المخدرات.

وبعد أكثر من 30 عامًا، خرجت النسخة الدرامية من «الكيف» شديدة الضعف والاهتراء، ولا سيما على مستوى الحوار الذي جاء ركيكًا ومفتعلًا في بعض الأحيان على شاكلة «أصل الناس معادن، في ناس صفيح بتصدي بسرعة، وفي ناس دهب عمرها ما تصدي أبدًا»، أو «انت بهظ البهوظ»، وفي أحيان أخرى استقى السيناريست جملًا وحوارات كاملة من أشهر كليشيهات السينما المصرية، مثل «ياريت من النهاردة تعتبرني مت، لا انت أخويا ولا أنا أعرفك»، وفي أحيان ثالثة جاء الحوار أجوف تمامًا بلا أي معنى مثل «طول عمرك فخم يا سي مزاجنجي، والفخم يجبر بخاطر الرخم» أو «هو طول عمره مجنون من زمان، بس اللي زاد وغطى عليه بقي حكاية الهبل والهطل ده، ده لازم يدخل السرايا الصفرا».

إنت عمرك ما حييت ليلة في التُرَب يا سي مزاجنجي؟.
ودي يقدر يحييها إلا اللي خلقها يا «كرف».

محمود أبو زيد صاحب موهبة حقيقية ورصيد كبير من الأفلام في قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية من بينها «الكيف»، و«العار»، و«جري الوحوش»، و«البيضة والحجر»، على خلاف ابنه أحمد محمود أبو زيد، الذي يفتقد لأي قدر من الموهبة في الكتابة، ويواصل فشله من عام لآخر، ولا يملك إلا محاولة استعادة إرث أبيه.

ربما كان مسلسل الكيف من أسوأ الأعمال الدرامية هذا الموسم، إن لم يكن أسوأها على الإطلاق. وفي محاولته لاستعادة واحد من علامات السينما المصرية والعربية، أو على حد تعبير البعض «إعادة إحيائها»، لم يفلح سوى في تقديم نسخة مشوهة ومزيفة لا تقل في زيفها عن شارب أحمد رزق المائل على إحدي شفتيه. ولا نستبعد أن يخرج علينا أحمد محمود أبو زيد في رمضان المقبل بمحاولة أخرى لنسخ إحدي روائع أبيه، والتي لن يختلف مصيرها عن مصير «العار» و«الكيف»، فتلك الأعمال الخالدة لا يملك إعادة إحيائها إلا خالقها الأول.