الكلاسيكو مجرد كلمة، ولكنها في الواقع تُشعل الأجواء بين جماهير الكُرة في العالم كله، العالم الذي ينقسم لنصفين أحدهما مُناصر لمدريد والآخر يرفع أعلام كتالونيا.

ولكن هذا الكلاسيكو يكتسب أهمية مُضاعفة، حيث الفارق ثلاث نقاط فقط بين ريال مدريد وبرشلونة، بما يعني أن فوز الملكي قد يحسم اللقب لصالحه، اللقب الذي غاب عن خزائنه منذ عام 2012، على الجانب الآخر فإن خروج برشلونة من دوري أبطال أوروبا جعل الليجا هي آخر أمل لفريق إنريكي في فرصة للنجاة من موسم كارثي. كذلك يرى زيزو أن تفوقه في هذا الكلاسيكو هو خير دليل على أنه مُدرب كبير بالفعل، وليس مُجرد مُحفز للاعبين كبار أما لويس إنريكي فلا يرى سوى ثلاث نقاط يُريد أن يحفظ ماء وجهه بها.

تلك هي الحسابات الطبيعية عندما تبدأ بالتفكير في لقاء، فارق النقاط ومستوى اللاعبين وحالتهم البدنية والنفسية ولكن نحن هنا أمام حسابات أُخرى خارج العُشب، حرب من نوع آخر يبدؤها دائمًا بيكيه الذي قرر راموس التصدي له مؤخرًا، إذًا المُباراة ليست فقط بين أقدام اللاعبين وعقول المُدربين، ولكنها بين طريقتي تفكير وأسلوبين مُختلفين للرغبة في تحقيق الفوز، ولن تكون مُبالغة إذا وُصِفت بأنها مُباراة بين عقيدتي بيكيه وراموس.


بيكيه مُناضل تويتر وراموس مُصارع الثيران

http://gty.im/670780540

ملَّ الجميع من الاستماع لقصص الاضطهاد التي عاشها الإقليم الكتالوني إبان حُكم الجنرال الديكتاتور فرانكو، لا لشيء سوى لتكرارها في مواقف غير مُلائمة لذكر ملاحم وطنية تخص الكفاح ضد المُستبد، ولأن كُرة القدم ليست بمعزل عن الحياة فستجد أن أُسس كراهية جماهير برشلونة لريال مدريد ترجع إلى الصراع الناشب بينهم وبين العاصمة مُتمثلة في فرانكو، بالطبع المشاعر لا تتغير والعداء استمر، ولكن العالم أصبح مُنفتحًا الآن وبافتراض – يعترض عليه الكثيرون بأدلة منطقية – أن فرانكو كان له دخل مُباشر بكرة القدم وباضطهاد نادي برشلونة أيضًا، فإن الأمر انتهى بوفاته، ومع ذلك لا يُمكن للمُشجع الكتالوني أن يضغط على الزر فينسى فجأة ما ترسب بداخله عن العداء ناحية مدريد، فالإنسان عمومًا ما هو إلا نتاج تراكُمات.

بيكيه كلاعب كُرة ليس مُصنفًا كمُدافع من الفئة الأولى، ولكن وجوده في جيل ذهبي مع برشلونة ومُنتخب إسبانيا جعله يتميز . بيكيه يعلم أنه يُخطئ كثيرًا في الملعب، ويعلم أنه لا يمتلك حصانة ميسي عند الجمهور وقبل هذا وذاك بيكيه يُحب برشلونة كمُشجع وكمواطن كتالوني قبل أن يكون لاعبًا، لذلك اتخذ بيكيه منهجًا في الدفاع عن برشلونة أشبه بطريقة الجماهير، فتغريدة هنا ثم تصريح هُناك وإشارة غدًا كفيلة بأن تجعل القطاع الأعظم من جمهور برشلونة ينسى ما يفعله في الملعب، بل يعلقون على صوره بأنه الرئيس القادم.

ما لا أحبه في الريال هو سلوك أشخاص في الطاقم الإداري وكيفية تلاعبهم بالأشياء في بلادنا.. هذا هو الشيء الوحيد الذي لا أحبه على سبيل المثال، الشخصية التي وجهت اتهامات لميسي ونيمار، بينما كانت المعاملة مختلفة إزاء كريستيانو رونالدو.. فهي مؤخرًا كانت تجلس هناك إلى جانب فلورنتينو، الشيء الذي لا أحبه في ريال مدريد يتمثل في القيم التي ينتهجها النادي.

جيرارد بيكيه مُهاجمًا ريال مدريد بعد مُباراة فرنسا وإسبانيا الودية.

من المُستحيل أن تتوقع أن صاحب التصريح هو رجل رياضة، بل على الأغلب شاب ثوري قُتل جده على يد جيش فرانكو، في حين قضى والده ثُلثي حياته في المُعتقل، بيكيه استغل رواسب كرهه للعاصمة وأسلوب الضغط على الخصم ولعب دور الضحية باستمرار، فنحن الإقليم المغلوب على أمره المُضطهد من الحكومة التي بالطبع تُجامل نادي العاصمة، وبالتالي أي اعتراض من طرفنا سيُثير ضجة، وبالتالي يرفع الضغط من جانبنا إلى جانب مدريد.

موريينو كان يتبع مثل هذا الأسلوب حينما درب ريال مدريد، ولكن بيكيه تخطى كُل شيء، مورينيو كان يتهم التحكيم بمُجاملة برشلونة، بيكيه لا يفعل ذلك فقط، بيكيه مؤخرًا اتهم أن إدارة ريال مدريد هي السبب في إيقاف ميسي في اتحاد أمريكا الجنوبية!

جمهور برشلونة هو الآخر يستخدم أسلوبًا مشابهًا، فعلى سبيل المثال وقبل كلاسيكو الذهاب في الموسم الماضي قامت جريدة السبورت الكتالونية بنشر تقرير غامض عن حكم قدم شكوى بأنه تلقى تعليمات من أجل أن يُجامل ريال مدريد في الكلاسيكو دون ذكر اسمه أو أي تفاصيل أخرى، ومن جانبه استغل لويس إنريكي الأحداث وعلق بأنه يجب فتح تحقيق من أجل سُمعة الليجا، المُثير أنه بعد انتهاء الكلاسيكو لم تفتح الصحيفة القضية مُجددًا و نساها الكُل.

وضع جيرارد بيكيه نفسه بالتصريح السابق في مأزق صعب ليس لأنه انتقد قيم النادي المنافس دون دليل فحسب، ولكنه وفي نفس الوقت قرر مُمارسة الضغط على الاتحاد الإسباني والحكام، وتلك الطريقة التي اعتبرها البعض غير نظيفة للفوز.

فحين يُشير بيكيه لخافيير تيباس رئيس رابطة الليجا بعد مُباراة فياريال متهمًا إياه بظلم برشلونة وفي نفس الوقت يتناسي تصريح ألفونس جودال نائب رئيس برشلونة السابق بأن علاقة برشلونة الجيدة بفيار رئيس الاتحاد منحته الكثير من الامتيازات. وماذا سيفعل بيكيه في خوان جاسبارات رئيس برشلونة السابق الذي انتقد تصريحات بيكيه حول قيم النادي الملكي وحول انتقاد إنيستا له عن حديثه الكثير عن التحكيم؟

المأزق الآخر الذي يتعرض له بيكيه بتصريحاته وتغريداته تلك هو وضعه مع مُنتخب إسباينا، فبيكيه دائمًا يصف نفسه أنه كتالوني ويدعم قضية الانفصال والاستقلال ومع ذلك يُشارك في منتخب إسبانيا ليفتح نقاشًا حول مدى شجاعته على اتخاذ قرار عدم اللعب هناك، القرار الذي اتخذه لاعبون سابقون ببرشلونة بالفعل مثل أوليجر بريساس الذي رفض تمثيل منتخب إسبانيا ومثل مُنتخب كتالونيا فقط زاعمًا أنه مُستمر في الأمر لو كلفه حياته، تلك هي المبادئ الحقيقية .

http://gty.im/670200144

على الجانب المدريدي فإن راموس ذلك الفتي الأندلسي الذي كان يهوي مُصارعة الثيران في شبابه لطالما كان مدريدي جدًا رغم أنه ليس من مواليد العاصمة ولكن وصوله مُبكرًا إلي مدريد جعله يحمل جينات النادي الملكي والذي ساعده في ذلك أنه شخص فائز بطبعه، المُثير في راموس أنه لا يهوي الفوز بقدر كُرهه للخسارة، ولذلك فهو ناجح في حمل شارة قيادة ريال مدريد.

راموس على عكس نظيره بيكيه بطبع هواياته، وهو شاب بمُصارعة الثيران يُفضل الصراع في الملعب على التحدث في الصحافة، وطبقًا لتلك الهواية أيضًا فهو متهور بطبعه، وبالتالي انفعاله يكون مصحوبًا بالغالب بالبطاقة الحمراء في الكلاسيكو.

أنا وبيكيه يمكننا أن نتراشق بالحجارة، ولكن الآن عندما أراه في معسكر المنتخب، فسأعانقه

راموس عند سؤاله عن علاقته مع بيكيه قبل مُباراة إسباينا والكيان الصهيوني.

تصريح راموس يدل على شخصية راموس القيادية فهو يحب ريال مدريد، ويعلم أن بيكيه يكره ريال مدريد، ولكن في منتخب إسبانيا فراموس لا يريد سوى الفوز، وبالتالي سيعلي شعار إسبانيا عاليًا فوق خلافاته مع جيرارد.

راموس الذي يتقدم في الملعب عندما يكون فريقه خاسرًا ليلعب مُهاجم ويترك مركزه، راموس الذي يلعب من أجل الفريق لا من أجل المُدرب، راموس الذي يُدافع عن زُملائه أمام الجمهور والصحافة، هو راموس الذي يمتلك رأسًا تعرف طريق المرمى أكثر من مُهاجمين فرق كبرى والذي حسم بطولات بمفرده.


الكلاسيكو = لا منطق

المُعظم يُرشح الآن ريال مدريد للفوز في الكلاسيكو، ويتخطى الكثيرون ذلك لتوقع نتيجة كبيرة استنادًا على حالة الفريقين قبل المُباراة، ولكن الأمور عادة لا تجري هكذا والشواهد كثيرة ففي موسم 2012 فاز برشلونة على ريال مدريد في سناتياجو برنابيو 3-1 رغم تفوق الميرينجي في جدول الترتيب وقتها وقبل موسمين مع كارلو أنشيلوتي فاز ريال مدريد على برشلونة 3-1 رغم فوز برشلونة في كل مُباريات الليجا قبل تلك المُباراة وبشباك نظيفة.

تكتيكيًا المُفاجآت محدودة في قائمة الفرنسي زيدان فالتغيير سيكون في نطاق لاعب فقط عن التشكيل المُعتادة وهو إيسكو، ولكن لويس إنريكي هو من يجب عليه أن يجيب على الأسئلة، هل سيلعب 4-3-3 أم سيُغامر ويلعب 3-4-3؟ هل سيكون ماتيو أساسيًا أم سيعود ألبا إلى مركزه المُفضل؟ كيف سيعوض نيمار الموقوف؟

وبعد كل تلك الأسئلة والأجوبة هل ستخضع المُباراة للمنطق؟ هل تخضع أساسًا أي مُباراة للمنطق؟ إصابة أو طرد وضربة جزاء أو هدف عكسي مُبكر أحداث قد تكون كفيلة بهدم كل ما خطط المُدرب له. كُرة القدم علم لا يخضع للمنطق من الأساس، وبالتالي بناء توقعات بُناء على أداء سابق في ظروف كتلك هو قمة الجنون.

الفريقان كتاب مفتوح لبعضهما وللكل، لذلك توقع مُفاجآت تكتيكية غير وارد، الرغبة في الفوز ستكون العامل الحاسم والدافع الرئيسي للفوز ، على كل حال مساء الأحد سننتظر ونرى من سيتفوق، فم بيكيه أم رأس راموس؟!

المراجع
  1. تصريح بيكيه حول قيم ريال مدريد
  2. انتقاد جاسبارات لتصريحات بيكيه
  3. خبر السبورت الكتالونية حول حكام الكلاسيكو