ما بين المال السياسي الذي تمتلكه السعودية وقوى الضغط التي أصبحت تمتلكها إيران تتناقض مواقف مصر، فمن الطبيعي تأييد المملكة العربية السعودية في كثير من المواقف والدعم لها، ولكن حين يتعلق الأمر بإيران فإن المشهد السياسي يختلف قليلاً، وتنتقل مصر من معسكر الخليج الداعم لها، لمعسكر إيران وروسيا كمحاولة لاستغلال كل ما يمكن استغلاله لتوطيد النظام السياسي بمصر.


مؤتمر المقاومة الإيرانية بوجود السعودية

انسحب خمسة نواب مصريين من البرلمان المصري على إثر إحالتهم للتحقيق نتيجة مشاركتهم في مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس. وقد تمت إحالتهم من قبل رئيس المجلس «علي عبد العال» نتيجة عدم حصولهم على إذن مسبق لحضور المؤتمر. وأتى ذلك بعد رفض البرلمان المصري المشاركة في «المؤتمر السنوي العام للمقاومة الإيرانية» والذي انطلق من باريس السبت الماضي.

ويعتبر هذا المؤتمر هو المؤتمر السنوي الذي تعقده المعارضة الإيرانية تحت شعار «من أجل إيران حرة» وذلك للمطالبة «بتغيير النظام الحاكم في إيران»، وذلك وفق بيان صدر عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر.

ومن الواضح أن مصر لا تسعى لدعم المعارضة فوق أي أرض أو تحت أي سماء، بل إنها خالفت هذه المرة الحليف الأبرز في اللعبة السياسية (المملكة العربية السعودية)، التي لعبت دوراً مهماً في ذلك المؤتمر بقيادة رئيس جهاز الاستخبارات السعودية الأسبق الأمير تركي الفيصل، وقال:

الانتفاضة اشتعلت، ونحن في العالم الإسلامي نقف معكم قلبا وقالبا، نناصركم وندعو الباري أن يسدد خطاكم

بينما أضاف أن نظام الخميني جاء بالدمار ليس في إيران بحسب بينما على الشرق الأوسط ككل.


سياسات السعودية تجاه إيران

بينما تدق طبول الحرب الإقليمية على أرض سوريا والعراق تسعى إيران لفرض سيطرتها على جزء كبير من المنطقة العربية، تأتي السعودية معلنة مرحلة جديدة من الصراع البارد بتبنيها لمؤتمر المعارضة الإيرانية والذي اعتبرته إيران بمثابة تهديد ومحاولة لإسقاط نظامها.

ولقيت تصريحات الأمير فيصل التركي قبولاً إعلاميا وشعبياً لدى الشعب السعودي، فرأت أن التمثيل العربي يعكس حالة من حالات الأسى التي تعانيها الشعوب من السياسات الإيرانية. وقام بمساندة المعارضة الإيرانية وتوضيح أن نظام الخميني سيهزم في القريب العاجل بقوله «أنا أريد إسقاط النظام» كرد منه على هتافات الحاضرين في المؤتمر.

بينما علق المحلل السعودي جمال خاشقجي، قائلاً:

أن تستقبل السعودية شخصيات من المعارضة الايرانية لن أستبعد هذا، لا أقول إنه سيحصل ولكن أعتقد أنه مقبول

حيث رأى أن السياسات العربية السعودية في أدنى مستوياتها وأن المواجهة لن تتم لتوازنات القوة لكل من الطرفين، بينما اعتبر أن المواجه قائمة بينهم في سوريا واليمن. كما اعتبر أنه يجب مناداة المعارضة الداخلية من أجل إحداث التغيير في جمهورية إيران، معتبراً أن هذه «خطوة في طريق طويل»، كما اعتبرت جريدة الرياض أن إيران «تدير ظهرها لأبنائها».

وبينما تسعي إيران لتصدير الثورة عبر محيط الشرق الأوسط تأتي السعودية متصدية لذلك بإحداث خلخلة في النظام الإيراني من خلال دعم المعارضة من جانب، مستغلة الضغط الدولي من جانب آخر، وتستمر ساحة المواجهة الفعلية بين تكتل إيران وروسيا وتكتل أمريكا والسعودية مستمراً على الأراضي السورية والعراقية.

وتسير السياسة في الحرب المشتعلة على الأراضي السورية بين ثلاث دول السعودية، وتركيا، وإيران، وتتأرجح بينهم السعودية من وقتٍ لآخر، فتارة تأخذها مصالحها للتعاون مع إيران والحوثي في اليمن لإزاحة المشروع السني من المنطقة بأكملها، بداية من دعم النظام القائم في مصر مروراً بالوساطة القطرية لإعادة المصالح مع إخوان اليمن، انتهاءً باستيائها من الدعم المصري لحكومة عبادي بالعراق.


مصر وسياستها تجاه إيران

بينما تعتبر مصر تابعة للسعودية منذ دعم الأخيرة عزل الرئيس الأسبق «محمد مرسي» بعد 30 يونيو/حزيران، مروراً ببيع النظام المصري لجزيرتي تيران وصنافير، وانتهاءً بالأزمة الخليجية ومحاصرة قطر، إلا أن مصر أخذت موقفاً مغايراً وخالفت توجه السعودية في دعم المعارضة الإيرانية والذي قد ينعكس على العلاقات المصرية الخليجية، ولكنها ليست المرة الأولى.

فمنذ قيام نظام 3يوليو/تموز وإيران تحاول النفاذ لمصر لتقديم نفسها بديلاً عن السعودية، باعتبار الأخيرة الداعم الأكبر للنظام بعد 30 يونيو/حزيران وثبوت أركانه في مصر.

ويظهر ذلك بالوساطة التي قامت بها إيران بشأن توريد نحو مليون برميل نفط شهريا من البترول العراقي لمصر بعد أن امتنعت أرامكو (السعودية) عن توريد الكمية المتفق عليها، وكذلك تطور رؤية القاهرة بشأن الملف اليمني.

ويرى البعض أن تملق إيران الدبلوماسية المصرية هو من أجل التحكم بقرارات الدولة المصرية تجاه الأزمة السورية والصراع السعودي الإيراني باليمن. وأتى ذلك بعد عدة اجتماعات عقدت بين الجانبين المصري والإيراني في مارس/آذار الماضي، والتي أبدى فيها المسئول المصري رغبة بلاده في توثيق العلاقات بين بلاده وإيران، معتبراً إيران «دولة رئيسية ومؤثرة في الشرق الأوسط»، وأن البلدين يشتركان في كثير من وجهات النظر ومنها ضرورة الحرب على الإرهاب.

بينما يتضح التباين ومحاولة استمالة النظام المصري عندما دعت إيران وروسيا مصر لحضور مؤتمر «لوزان» الذي يناقش الأزمة السورية الذي عقد في لوزان السويسرية، وكانت إيران حريصة على حضور مصر من أجل دور مصر المحوري في القضية السورية بالنسبة لإيران، حيث إن مصر تدعم بقاء نظام بشار الأسد وتسعى دبلوماسياً في هذا الإطار. والذي تبع تصويت مصر لصالح القانون الفرنسي والروسي مما سبب صدمة للسعودية والذي أحدث توتراً في العلاقات، وعلقت بسببه شركة «أرامكو» السعودية النفط القادم لمصر.


ثمة تطبيع يحدث؟

تسعى إيران إلي التقارب مع مصر نظرا لدور مصر المحوري في القضية السورية بالنسبة لإيران، حيث أن مصر تدعم بقاء نظام بشار الأسد

بينما تتوتر العلاقات بين مصر وإيران منذ عام 1980 بعد قيام الثورة الإسلامية بإيران، وبعد توقيع معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني عام 1979، واستقبال القاهرة شاه إيران السابق «محمد رضا بهلوي»، الذي كانت سلطات الثورة الإسلامية تطالب باسترداده لمحاكمته.

ومنذ ذلك التاريخ، تراكمت الخلافات الثنائية والإقليمية ومن أهمها دعم مصر للعراق في حربه مع إيران (1980 – 1988)، وتصدي مصر لتصدير الثورة الإسلامية في الخليج، مما جعل صعوبة في فك تلك الأزمات في عهد مبارك. فبعد أن كان التعاون متمثلاً في الجانب الاقتصادي والتجاري توسع الآن ليشمل الحرب على الإرهاب.

تسعي مصر إلي تقارب إيراني مصري بخطى حثيثة كي ﻻ تخسر الداعم الأهم للسطة في مصر وهو الخليج، وبشكل خاص المملكة السعودية

ولكن يظل الحائل بين كل من إيران ومصر رؤية كل منهما للقضية الفلسطينية. ولكن التقارب المصري الإيراني، تسير فيه مصر بخطى حثيثة كي لا تخسر الداعم الأهم للسلطة في مصر وهو الخليج.

ومع الانفتاح الخليجي مع إيران بزيارات «حسن روحاني» الرئيس الإيراني إلي الكويت وعمان والتي تتبنى فيها إيران قناعة «لإنهاء النزاع مع إيران من خلال حوار صريح وهادئ وبناء». قد يسمح لمصر بإقامة تطبيع يحفظ مصالحها مع إيران.

بينما اعتبرت إيران مؤخراً أن مصر «تتدخل في شؤون إيران الداخلية» واستدعت وزارة الخارجية الإيرانية، رئيس مكتب رعاية المصالح المصرية في طهران، على إثر حضور النواب المصريين لمؤتمر المعارضة في باريس، بينما اعتبرت الخارجية المصرية تصريحات مسئول في الخارجية الإيرانية في أبريل/نيسان الماضي عن مشاركة مصر في «عاصفة الحزم» التي قادتها السعودية ضد الحوثيين في اليمن أنها «تنم عن تناقض غير مفهوم» في الموقف الإيراني تجاه مصر.

وبين انفتاح وتوتر العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية وبين إشعال ساحة الحرب في سوريا تسعى مصر بين ضمان التمويل الخليجي كداعم لها في الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، وبين ضمان مكان لها في معسكر غير المعسكر الخليجي، ولكن مع تسارع المشهد السياسي قد يصير تطبيع مع إيران مما لا يحمد عقباه.