يفضل أن تكون الجيوش الوطنية هي من يحفظ الأمن والاستقرار، الأولى لنا أن ندعم الجيش الوطني، كما في ليبيا لفرض السيطرة على الأراضي الليبية والتعامل مع العناصر المتطرفة، ونفس الكلام ينطبق في سوريا والعراق.

جاءت هذه الكلمات في رد للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول موقف بلاده من الأزمة السورية، ليثير الكثير من اللغط حول دعم مصر المتزايد لنظام بشار الأسد والذي اتضح في العديد من المواقف السياسية وأوحت هذه التصريحات بأنه قد يكون هناك دعمًا عسكريًا للنظام في المستقبل.


خط زمني: مراحل الموقف المصري من الأزمة

تزامنت الثورة السورية مع نظيرتها في مصر، حتى أخذت الأوضاع السورية منحى أكثر خطورة، وتحولت إلى حرب أهلية، تسبب فيها بطش النظام ما أدى إلى تدخلات إقليمية ودولية، وبما أن مصر في بداية الثورة السورية كانت تعاني من أوضاع داخلية صعبة، انشغلت بهمومها وتخلت عن أداء أية أدوار مؤثرة في قضايا المنطقة.

وبدءًا بفترة حكم المجلس العسكري الذي تولى إدارة شؤون البلاد بعد تنحي مبارك، لم تكن مصر مؤثرة في الملف السوري، الذي هيمنت عليه قطر والسعودية، سواء داخل الجامعة العربية أو على الأرض من خلال دعم جماعات المعارضة المسلحة.

في حين اكتفت القاهرة بدعوات الحل السياسي ورفض التدخل العسكري، ولم تملك في ذلك الوقت إلا تأييد أغلب قرارات الجامعة، رغم اعتراضها على تعليق عضوية سوريا وسحب السفراء العرب من دمشق في نوفمبر/تشرين الثاني 2011م.

وانتقالًا إلى فترةٍ تولى فيها الإخوان المسلمين زمام المبادرة المصرية؛ فمع وصولهم لمجلسي الشعب والشورى في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2011م، ثمة تغير كبير حدث تجاه سوريا، ورغم عدم قدرتهم على تخطي موقف المجلس العسكري إلا أنهم حمّلوا الأسد مسؤولية العنف، ولهذا دعوا إلى إسقاط النظام. وفي فبراير/شباط 2012م قرر مجلس الشعب تجميد العلاقات مع نظيره السوري، وفي ذات الشهر تم استدعاء السفير المصري من دمشق.

ومع انتخاب محمد مرسي رئيسًا لمصر في 23 مايو/أيار 2012م، كانت سياسته تجاه سوريا غير واضحة في البداية، خاصةً مع الحديث بوجود تقارب مع إيران بعد زيارة أحمدي نجاد لمصر في فبراير/شباط 2013م، ولكن قطع مرسي العلاقات مع نظام الأسد في 15 يونيو/حزيران 2013م وطالب مجلس الأمن بفرض منطقة حظر جوي فوق سوريا.

ومع الإطاحة بمرسي، بدأ الموقف المصري يتغير بشكل كبير تحت حكم الرئيس السيسي، فمع التأكيد المستمر على الحل السلمي للأزمة إلا أن مواقفه بدت متقاربة مع النظام. لكنه لم يعلن عن ذلك صراحةً، ربما بسبب وحشية نظام الأسد والذي سيمثل دعمه بشكل مباشر إحراجًا كبيرًا للنظام المصري. إضافة لإثارة الموقف الخليجي، الداعم الأول لنظام الثالث من يوليو/تموز. الآن يبدو أنه لم يعد يعبأ كثيرًا بالموقف السعودي وبدأ يعلن صراحة عن هذا الدعم أو على الأقل عدم معاداة ما يقوم به النظام السوري.


موقف السيسي يخرج إلى العلن

http://gty.im/469129105

ومع تحفظ مصر على توضيح دعمها للنظام بشكل علني إلا أن الأمور الآن باتت أكثر وضوحًا، والعديد من المواقف تخبر بذلك. حيث اقتصرت رؤية السيسي على ضرورة محاربة الإرهاب في سوريا وأن النظام جزء من الحل وليس المشكلة، وبدا ذلك واضحًا في المبادرات التي طرحها، سواء في التصريحات الصحافية أو في اللقاءات الدولية.

وتمثلت أبرز محطات التغيير في موقف مصر، في تأييد التدخل العسكري الروسي في سوريا في أكتوبر/تشرين الأول 2015م تحت ستار محاربة الإرهاب، وفي موقف مناقض تمامًا رفضت في فبراير/شباط الماضي دعوة تركية-سعودية لخوض حرب برية في سوريا بقيادة التحالف الدولي لمحاربة داعش، واعتبرت أن الحل العسكري أثبت عدم جدواه، وأن الحل السلمي هو الأفضل.

واستمرت التحركات المصرية على هذا النحو إضافةً لاستضافتها ممثلين عن النظام السوري، وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي صوتت مصر لصالح قرار روسي في مجلس الأمن الدولي حول الوضع في سوريا، وهو ما اعتبرته السعودية شيء مؤلم ومؤسف، وأتبعته الرياض بوقف إمدادات شحنات البترول عن مصر وهو ما عدّه البعض ردًا على هذا التصويت.

وفي تطور آخر نفت الخارجية المصرية يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أنباءً إيرانية عن إرسال مصر قوات عسكرية إلى سوريا لمحاربة الإرهاب بالتنسيق مع الأسد، ولم تمض أيام حتى خرج الرئيس السيسي بتصريحاته إلى صحيفة برتغالية عن تأييد جيش النظام السوري ليثير المزيد من القلق، وأعقب كل هذا، تقرير لصحيفة لبنانية تتحدث عن وجود طيارين مصريين في قاعدة حماة لدعم الجيش السوري، وللتمهيد لتحركات عسكرية مشتركة في يناير/كانون الثاني المقبل.

وكالعادة نفت الخارجية المصرية في يوم 24 من الشهر الجاري هذا الكلام، وأكدت أن موقف مصر واضح، وهو أنها لا تدعم أي خيار عسكري داخل الأراضي السورية، أو أي طرف في هذا السياق.

ولم يكتفِ الموقف المصري بالتغيير دبلوماسيًا أو إعلان عدم معارضته لتحركات الأسد بشكل كبير، وإنما تداولت أنباء عن تقديمه أسلحة للنظام السوري، وهو ما نفته مصر بالطبع مؤكدةً أن هذه الأسلحة أو الذخائر قدمتها لسوريا قبل الثورة، فهي ترفض دعم أي طرف بالسلاح وتفضل الحل السلمي للأزمة.


هل تنجح مصر في سوريا؟

الموقف المصري الداعم للنظام السوري في عهد السيسي لم يخرج إلى العلن ابتداء لعدم الرغبة في استثارة الحلفاء الخليجيين، الذي يبدو اليوم وكأنه لم يعد يعبأ بمواقفهم

على الرغم من التحول المصري تجاه الأزمة السورية، إلا أنه لن يستطيع خلق دور مؤثر لوجود عواقب عدة. أولها أن سوريا لم تعد كما كانت، فهي الآن مفككة بين النظام والمعارضة والجماعات الإرهابية، وفي طريقها إلى التقسيم، لذا لن تستطيع مساعدة النظام في استرداد ما فقده من أراضي طوال السنوات الماضية، ولن تقدر على التوفيق بين النظام والمعارضة، اللذان يخضعان لنفوذ دول أخرى تخالف الموقف المصري.

النظام المصري يريد توظيف الأزمة السورية لتقديم نفسه كحليف دولي يمكن الاعتماد عليه، ولتسويق مشروعه في الحرب على الإرهاب وتقويض الربيع العربي

ويضاف إلى ذلك الموقف الإيراني المسيطر على القرار السوري، الذي سيرفض أي وجود عسكري مصري رغم ترحيبه بالموقف الدبلوماسي، فهي تريد ضمان هيمنتها على الأسد، فوجود بديل لها قد يقلص من نفوذها أو يؤثر على مشاريعها، التي تأثرت بدخول حليفتها روسيا رغم ما بينهما من تنسيق. فإيران تنظر بريبة شديدة إلى الوجود الروسي الحليف الأقرب إليها فما بالنا بمصر، التي ما زالت لا تقيم علاقات معها.

وباعتبار أن الأزمة السورية لم تعد عربية أو إقليمية، لن تستطيع مصر قيادة أي تحرك سواء دبلوماسيًا أو عسكريًا بدون موافقة من القوى الكبرى وخاصة روسيا والولايات المتحدة. ومع ترحيب مصر بموقف روسيا وتقاربها معها مؤخرًا إلا أنها ما زالت تتشكك في تبعية الموقف المصري لواشنطن ولبعض حلفائها الخليجيين ولهذا من المستبعد أن تتعاون موسكو عسكريًا مع القاهرة الآن.

وبالإضافة إلى العوائق الإقليمية والدولية لأي تحرك مصري ما زال النظام المصري كما كان الحال في بداية الثورة يعاني من ضعف داخلي، وهو ما سيحد من أي تحرك له مستقبلًا، ولكن يبدو أن النظام يريد توظيف الأزمة السورية لتحقيق مكاسب عدة سواء لتقديم نفسه كحليف يعتمد عليه سواء للغرب أو لروسيا بالإضافة إلى فرض رؤيته بضرورة محاربة الإرهاب وليس إسقاط الأنظمة الديكتاتورية.