اتجه عدد من رجال الأعمال المصريين لتشغيل أموالهم بالاستثمار العقاري، وهذا ما ساعد على ظهور ما يسمى بالكمبوندات، ذلك المشروع الذي يعزل شديدي الثراء عن بقية المواطنين بأسوار وكاميرات وحراسات وتصاريح للزائرين، البداية كانت فى الثمانينيات حين أنشأ المعماري المصري حسين شاهين، مدينة مغلقة في العجمي، بالإسكندرية، أسماها «ذا كمبوند»، وقرر ومعه أصدقائه شراء الأرض وبناء منازل مناسبة لاحتياجاتهم، وذلك قبل توصيل المرافق الأساسية للمنطقة.

ومع منتصف التسعينيات توسعت الظاهرة لتسكنها الطبقات الراقية في حصن يحميها من نظرات الفقراء، فيما تزايدات إعلانات الوحدات السكنية بالكمبوندات التي يمتلكها عدد من رجال الأعمال المصريين في الآونة الأخيرة؛ بشكل وصفه العديد بالمبالغ فيه والعنصري نظرًا للتصنيف الطبقي الذي تلجأ له بعض إعلانات الكموندات بعدد من القنوات الفضائية المصرية، بالرغم من تزايد نسبة الفقراء، وخصوصًا مع ارتفاع الأسعار وثبوت الرواتب المتدنية، وعدم تطبيق ما يسمى بالحد الأدنى للأجور.


عنصرية في مقابل 30 مليون فقير

بتلك الجملة أعلن عن افتتاح كمبوند جديد بمنطقة الشيخ زايد في 7 أكتوبر/ الماضى، يسمى لايف بارك يرفض دخول الصعايدة، حيث يظهر بالإعلان امرأة تظهر بمظهر أنيق وتجري اختبارات للمتقدمين بشراء وحدة سكنية بالكمبوند، وبمجرد أن تكلم المشتري بلكنته الصعيدية، قوبل طلبه للسكن في الكومبوند بالرفض مع ترديد جملة «مش أي حد يسكن في لايف بارك».

ومع أواخر العام الماضي دشنت حملة ضد الصفحة الرسمية لكمبوند بيفرلي هيلز مصر، حيث نشرت الصفحة صورة كاريكاتيرية تقارن الصورة بين مستوى السكن بالكمبوند ومعدلات الرقي به، وبين ساكني العشوائية فيما اعتبرها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، صورة تدل على «العنصرية والكارثية»، وطالبوا الشركة بالاعتذار للشعب المصري، الأمر الذي قامت به الشركة وحذفت الصورة من على صفحتها.

على الرغم من تزايد إعلانات الكمبوندات المختلفة الموجودة بأرجاء الجمهورية، فإنه على الجانب الآخر تزايدت نسبة الفقراء في مصر في السنوات الأخيرة، حيث أظهرت معطيات تقرير رسمي صدر 16 أكتوبر/تشرين الأول 2016،ارتفاع نسبة الفقر المدقع في مصر إلى 5.3% من السكان في 2015، مقارنة بـعام 2012 التي بلغت النسبة إلى 4.4%.

فيما ارتفع عدد سكان مصر من 72.8 مليون نسمة في 2006 إلى 76.1 مليون نسمة مطلع 2009 إلى 90.1 مليون نسمة بداية 2016، وفق الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وأرجع الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر ارتفاع نسبة الفقر المدقع في البلاد خلال العام الماضي، إلى صعود أسعار السلع الغذائية بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة.


حيتان دنيا الكمبوند

تستحوذ شركات كبرى على نصيب الأسد من سوق الكمبوند، منها 86 شركة عقارية قامت ببناء 254 مشروعاً من إجمالى 415 منتجعًا تم حصرها، وقامت 14 شركة وحدها ببناء 125 مشروعًا، يأتي على رأسها: مجموعة شركات طيبة جروب، بـ14 مشروعًا، وتأتي مينا للاستثمار العقاري بالمركز الثاني بـ11 مشروعًا، وشركات رمكو بـ 10 مشروعات، ويأتي بعد ذلك شركة المعمار جروب، وشركة السادس من أكتوبر.

يذكر أن شركة رمكو تضم 8 شركات، وهي مملوكة لرجل الأعمال أيوب عدلي أيوب، فضلاً على شركة السادس من أكتوبر للتنمية والمملوكة لمجدي راسخ، صهر الرئيس الأسبق حسني مبارك، أما دار المعمار جروب فيملكها أيمن إسماعيل، بالاضافة إلى مجموعة طلعت مصطفى المنفذة لمشروعات مدينتي والرحاب، وشركة وادي دجلة للتنمية العقارية لرجل الأعمال ماجد حلمي.

كمبوند لأموات الطبقة الراقية

«القطامية هايتس» كمبوند مقابر لأصحاب الطبقة الراقية ورجال الدولة أعلن عنها من خلال صفحة الكمبوند على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، حيث أعلنت أن مقدم الحجز يبدأ من 13750جنيهًا، وأشارت إلى أن مساحة المشروع 11 فدانًا، بالإضافة إلى أن المكان مغلق بسور وبوابات دخول وخروج، والمباني مقامة على سملات خرسانة مسلحة.

كمبوند مقابر الأغنياء يحوي أكثر من 200 ألف حوش، بمساحات مختلفة تبدأ من 20 مترًا يبلغ سعرها 105 آلاف جنيه، وتفرض رسومًا تصل إلى 400 جنيه على كل متوفى في تلك المنطقة، تلك المقابر للموتى من للطبقات الراقية والأغنياء ملحق بها صالات مناسبات فاخرة باستخدام نماذج العمارة الإسلامية والنوافذ المصنعة من الألوميتال ذات الزجاج العاكس وأجهزة التكييف وأحواض الزهور والنباتات.

مساحة جديدة بعيدة عن الزحام

يستهدف رجال الأعمال مالكو الكمبوندات أطراف المدن لبناء الكموندات، في محاولة لخلق مساحة جديدة بعيدة عن الزحام والضوضاء، فيما انتشرت الكمبوندات على أطراف القاهرة وغيرها من المحافظات، بالإضافة إلى الكمبوندات السياحية، ويزيد عدد المنتجعات السكنية الفاخرة فى مصر على 100 منتجع، على مساحة 55 مليون متر مربع من أراضى مصر البالغة 950 مليار متر مربع.

حيث يضم طريق «القاهرة – الإسكندرية» الصحراوى 12 منتجعًا، ووسط الإسكندرية 11 منتجعًا، والشيخ زايد 8 منتجعات، ومدينة الشروق 5 منتجعات، وطريق «مصر- الإسماعيلية» الصحراوي منتجعين،أما المنتجعات السياحية فبلغ عددها 168 منتجعًا، على مساحة 65 مليون متر مربع، أقيم عليها 200 ألف وحدة سكنية، موزعة بعدد من المحافظات والمدن السياحية بمصر.


كمبوندات.. ضحك ع الدقون

على الرغم من أن إعلانات الكمبوندات تطارد المشاهدين، وتدعوهم لشراء شقق ومنتجعات وقرى وشاليهات بأسعار تفوق الخيال ويتحدثون خلالها عن أرقى الخدمات المحيطة بالكمبوند، فإن سكان تلك الكمبوندات يستغيثون من حين لآخر لسوء تلك الخدمات، «دار مصر» أحد تلك المشروعات التي ترآى لحاجزي وحداتها أنهم تورطوا والأمر مجرد أوهام ووعود براقة لا تمت للواقع بصلة، خاصة موعد التسليم المقرر بالعقود.

بالإضافة إلى شكوى عدد كبير من سكان كمبوندات منطقة حدائق أكتوبر، من حالة الإهمال الملحوظة بمحيط مشروعات الرباب، وقرطبة وتاون فيو، واللوتس، ويوتبيا، ودجلة جاردنز، وبيتا جاردنز، والمنتزه، وبيت المصرية، والخليجية، بسبب تراخي جهاز 6 أكتوبر في رفع كفاءة المنطقة، وتقاعس الشركات المالكة للكمبوندات السكنية في الضغط على وزارة الإسكان للانتهاء من توصيل خطوط الكهرباء.

بالإضافة إلى شكاوى عملاء شركة دجلة للاستثمار التابعة لمجموعة معمار المرشدي، وذلك لمخالفة الشركة شروط التعاقد مع العملاء بالسادس من أكتوبر ومشروع جراند سيتي بالمعادي، بالإضافة إلى عدم الالتزام بمواصفات المشروع كما تم تسويقه بوجود سور للكمبوند، وكذلك مساحة 24م بين الأبراج، مساحات خضراء، حمامات سباحة، المول التجاري، بالإضافة إلى عدم وجود أفراد أمن ونظافة مدربين كما كان مخططًا، بخلاف عدم كفايتهم لتغطية جميع أيام الأسبوع.


الدراما والسينما بين العشش والكمبوندات

في السنوات القليلة التي سبقت الثورة وجه عدد من الأعمال السينمائية والدرامية قبلته للأحياء الفقيرة والعشوائية بمصر؛ لرصد أزمات العديد من المواطنين المصريين الذين يعانون من حدة الفقر بمصر.

مما تتسبب هذا في نقد لصناع الدراما والسينما من مثل هذه النوعية، ووصفوها بأنها تسيء لسمعة مصر، مثال على ذلك فيلم «حين ميسرة» لمخرجه خالد يوسف، لكن في الفترة الأخيرة تغيرت القبلة إلى ساكني الكمبوندات والأحياء الراقية.

ظهر هذا بشدة في الأعمال الدرامية التي قدمت على شاشات الفضائيات المصرية بشهر رمضان الماضي، ومن أبرز الأعمال التي ظهرت قصصها في الكمبوند، سواء كان بمبرر درامي أو غير ذلك، مسلسل «فوق مستوى الشبهات» بطولة الفنانة يسرا، الذي تدور أغلب أحداثه داخل الكمبوند.

وكذلك مسلسل أبو البنات بطولة مصطفى شعبان، الذي تدور أحداثه داخل أحد الكمبوندات الشهيرة، وهو ما دفع الشركة المنتجة لتوجيه الشكر لهم على تتر المسلسل، وكذلك مسلسل المغني بطولة محمد منير، وغيرها.


مصر العشة والقصر

مش أي حد يسكن في لايف بارك.

على الناحية الأخرى من انتشار إعلانات الكمبوندات الموجودة بأرجاء الجمهورية تظهر إعلانات التبرعات، سواء للمستشفيات أو للجمعيات الخيرية لمساعدة الفقراء، الأمر الذي رآه عدد من أطباء علم النفس والاجتماع أنه مؤسف للغاية ويساعد على انتشار الجريمة ويخلق حالة من الحقد الطبقي في المجتمع، وخصوصًا في شهر رمضان الذي يكثر فيه إعلانات التبرعات.

من جانبه قال أحمد بهاء الدين، الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري، إنه من المؤسف ظهور تلك الإعلانات المتناقضة في آن واحد، مؤكدًا أن إعلانات الكمبوندات استفزازية للمواطنين البسطاء الذين يعانون بحثًا عن توفير لقمة العيش في ظل غلاء الأسعار وتأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي، مضيفا أن تلك الإعلانات تؤكد أن مصر أصبحت مقسمة بين «مصر العشة وأخرى القصر».

من جانبها قالت الطبيبة النفسية سالي توما إن تزايدت إعلانات الكمبوندات والتحدث على الملايين باستخفاف وكأنها ملاليم تخلق حالة من الحقد الطبقي، بسبب وجود شريحة كبيرة من المجتمع تحت خط الفقر، ومنهم من يبحث عن طعامه في القمامة، وبالتالي هذا ما يتسبب في زيادة معدل الانتحار والاكتئاب لدى الشريحة الفقيرة، مؤكدة أن هذا يوضح انقسام مصر إلى طبقتين الفارق بينهما كبير، ما يوضح كيف تنظر الطبقة الثرية إلى فقراء مصر.

المراجع
  1. دولة «الكمبوند»
  2. إعلانات الرفاهية توجع قلوب المصريين