منحت قرعة كأس الأمم الإفريقية مصر مواجهات متباينة، ليس فقط على مستوى تاريخ منتخبات غانا ومالي وأوغندا، بل على مستوى أداء المنتخبات وطموحاتهم بالبطولة، غانا مثلًا منتخب مرشح دائمًا للفوز وكذلك الصعود القاري للمونديال، أما مالي فهو منتخب يتحرك في حدود إمكانياته وربما لا يرقي أداؤه إلا للسعي نحو التأهل للدور الثاني، أما أوغندا فكان أضعف أضلع المجموعة حيث إنه الفريق الذي لم يتأهل للبطولة منذ قرابة الأربعين عامًا ولا يمتلك أسماء كبرى إلا المدرب الصربي الطموح.

القرعة نفسها لعبت دورًا مهمًا في دخول منتخب مصر أجواء البطولة وتعزيز حالة الانسجام بين اللاعبين كما الإضافة لأسلوب اللعب، الاصطدام بـمالي التي قد تنافس علي البطاقة الثانية ثم تحقيق فوز اكتساب الثقة على أوغندا منح الفراعنة فرصة الوقوف على أرض صلبة وعدم السعي لنتيجة معينة من مواجهة غانا طالما أن « مالي» ستلقي خصمًا سيسعى لترك بصمة بالبطولة حتى بعد تأكد الخروج كما أكد الصربي.

ما برع به الأرجنتيني «كوبر» ويستفيد منه الآن هو امتلاكه مجموعة من اللاعبين استطاع أن يبسط نفوذه الفني عليهم، لا يمتلك أحد حرية الحركة خارج الإطار التكتيكي المرسوم إلا بتعليمات من دكّة المنتخب الوطني فجاء التأهُل للدور الثاني ومواجهة كنا جميعًا نتمنى تفاديها مع أسود أطلس.


الشوط الأول وإخماد فاعلية غانا

منتخب النجوم السمراء بدأ بتشكيل مختلف عن المبارتين السابقتين خصوصًا بوسط الملعب، فلعبت غانا بأسلوب لعب 4/3/3 بتواجد الثلاثي «دانيال أمارتي، إيمانويل بادو، أندريه أيو» بوسط الملعب بدلًا من «مبارك واكسو، توماس بارتي» الأساسيين وعلى الأطراف اللاعب صغير السن «صامويل تيتيه» والخطير «كريستيان أتسو».

بالطبع كان يشغل «هيكتور كوبر» كيفية إيقاف خطورة «أتسو» الذي يمتاز بقدرة عالية علي الاختراق والتحكم بالكرة، صحيح أن «فتحي» تفوق عليه بآخر مواجهة مع «غانا» بتصفيات المونديال لكن «أتسو» يشغل حاليًا الجناح الأيمن لمنتخب بلاده!

إصابة «محمد عبدالشافي» كانت المفتاح لتعديل بمراكز اللاعبين فقط حل مكانه «فتحي» بينما عاد لاعب هال سيتي «أحمد المحمدي» بأفضل صورة ممكنة ليشغل من جديد مركز الظهير الأيمن.

تشكيل الفريقين في بداية المباراة، المصدر : www.beinsports.com
تشكيل الفريقين في بداية المباراة، المصدر : www.beinsports.com

أولوية «كوبر» ثابتة لا تتغير و هي عدم استقبال أهداف مهما كلفه الأمر، لذلك تكرر مشهد تحوّل أسلوب اللعب من 4/2/3/1 لـ4/4/2 عندما نفقد الاستحواذ، وبالتالي هبوط الثنائي «النني، طارق» لحدود منطقة الجزاء من أجل تضييق المساحات مع مساندة دائمة من «تريزيجيه، صلاح» للأطراف لكن الجديد كان ظهور ضغط على فترات أثناء تحضير وبناء مدافعي غانا للهجمة يقوم عليه «مروان، عبدالله» وينضم إليهما «صلاح».

الظهور الأول لمنتخب مصر كان خلال الدقيقة الثالثة عن طريق تسديدة «محمد النني» بعد تمريرة من «تريزيجيه» بالطرف الأيسر، ليسدد وسط ملعب غانا من مسافة بعيدة لم تشكل خطورة لكنها أشارت لتعليمات الأرجنتيني التي ظهرت خلال مباراة «أوغندا» بضرورة تسديد ثلاثي وسط الملعب المصري كلما سمحت الفرصة، تسديدة «النني» كانت الأولى من أصل 6 تسديدات تقاسمها مع «السعيد وطارق» بحسب إحصاءيات موقع bein.

صورة توضيحية لتسديدات ثلاثي وسط ملعب مصر خلال لقاء غانا، المصدر: www.beinsports.com
صورة توضيحية لتسديدات ثلاثي وسط ملعب مصر خلال لقاء غانا، المصدر: www.beinsports.com

الرد الغاني لم يتأخر وظهر بالدقيقة الخامسة عندما نجح «صامويل تيتيه» بالاختراق من العمق بدلًا من الطرف مستغلًا هفوة «علي جبر» الأولى وربما تكون الوحيدة بالمباراة ليمرر لـ«بادو» الذي أطلق الكرة قوية لكنها بعيدة.

اللمحة الجديدة التي أشرنا إليها والمتعلقة بالضغط العالي آتت أُكلها بالدقيقة الثامنة عندما نجح «صلاح» باستخلاص كرة من «جوناثون منساه» مررها سريعًا لـ«السعيد» الذي تعامل معاها بامتياز ونجح بانتزاع كرة ثابتة من «جون بوي»؛ بات واضحًا للكل التفاهم المثمر الذي لم يظهر للمرة الأولى بين «صلاح والسعيد».

يجب الإشارة لتمركز لاعبي مصر بحائط غانا قبل تسديد صلاح
نبيل معلول، المحلل الفني

تمركز «تريزيجيه، النني، مروان محسن» بالجانب الأيمن لحائط غانا الذي حجب الرؤية عن الحارس غير المتميز «رزاق بريما» منح قنبلة «صلاح» كل شيء تريده، الثلاثي كافح للحصول على مكان بالحائط وتحرك بنموذجية قبل التسديد مباشرةً فيما اتخذ لاعبو غانا مقاعد المشاهدين، هنيئًا لجناح روما تسجيله هدفه الدولي الـ28.

التسجيل أمام غانا بالدقائق الأولى منح لاعبينا الثقة على ترويض الخصم وساهم فيه دون شك التكتل الدفاعي وبالتالي عرقلة الخطورة الغانية، في الدقيقة الـ19 ينجح «تيتيه» بالهروب من الكرة لعمق الملعب والتمرير السريع لـ«أسمواه جيان» الذي لم يتمكن إلا من استلام الكرة قبل أن يتدخل «حجازي» بقوة للتشتيت، اللقطة نفسها تكررت عندما مرر «تيتيه» لـ«هاريسون أفول» الذي أرسل عرضية لم تجد سوى تدخل ضعيف من الطرف الأخر «أتسو».

إخماد الفاعلية الغانية استمر حتي النصف ساعة الأولى، عدد من العرضيات وجدت من يتصدى لها وسط رقابة شديدة اعتمدت على تمركز قوي من «جبر وحجازي» ومساندة الآخرين، لكن الدقيقة 30 كادت تشهد عودة غانا للمباراة عقب تقدم «أحمد المحمدي» بإحدى الهجمات التي عادت بلمح البصر كمرتدة بنصف ملعبنا لم يستطع «حجازي» السيطرة عليها وانطلق «جيان» الذي مرر لـ«أيو» لكن الأخير لم يستطع ترويض الكرة بالشكل الأمثل

الضغط العالي يظهر مرة أخرى كالشبح أمام الحارس «رزاق» حينما فشل بتشتيت الكرة التي عادت له من «أفول» بالدقيقة 38 ليجد «مروان محسن» الكرة تحت أقدامه قبل أن تعلو الكرة قليلًا على مرمى غانا؛ أضاع مهاجم الأهلي فرصة قتل المباراة لكنها يؤدي بطولة ممتازة ويكافح بحق على كل كرة.

الدقيقة 42 شهدت على فرصة أخرى كادت تقتل المباراة بفضل تسديدة «النني» التي ارتطمت بالدفاع الغاني، لكنها شهدت على الأقل تمركز 6 لاعبين مصريين داخل وعلى حدود منطقة جزاء الخصم وهو المؤشر على تحسن هجومي لحق بأسلوب لعب الأرجنتيني.


الشوط الثاني: تألق الحضري، تسلل كهربا، وجبر وحجازي بالتأكيد

إذا كان «تريزيجيه» هو القطعة الأهم بتشكيل المنتخب خلال الشوط الأول بفضل قدرته علي صناعة اللعب والتعامل المثالي مع المساحات والقيام بأدواره الدفاعية كما الحفاظ علي لياقته البدنية فإن «الحضري» بالتأكيد هو أحد رجال الشوط الثاني.

إستحواذ تريزيجيه وقيادته هجمات من الطرف الأيسر، المصدر : www.beinsports.com
استحواذ تريزيجيه وقيادته هجمات من الطرف الأيسر، المصدر : www.beinsports.com

أسلوب لعب المنتخب يقوم أساسًا على تحجيم خطورة أي خصم وبالتالي لجوؤه للتسديدات من خارج المنطقة أو إمطار منطقة الجزاء بعرضيات يمكن لثنائي قلبي الدفاع التعامل معها، وسواء توجه الخصم للتسديد أو للعرضيات فإن «عصام» يحرز تفوقًا ملحوظًا فيهما، صحيح أن خروج «جيان» بالدقيقة 36 بداعي الإصابة ساهم بتقليل خطورة غانا لكن النجوم السمراء لم ترفع الراية البيضاء مبكرًا.

بدأت الخطورة بالشوط الثاني بشكل تصاعدي، بالدقيقة 66 ينجح «أفول» بتحويل كرة عكسية متقنة للطرف العكسي «أتسو» الذي تقدم قليلًا عن «فتحي» ليقع بمصيدة التسلل، لم تمر أكثر من دقيقة حتى عاد «بادو» للقيام بما فعله بالشوط الأول حين أطلق تسديدة قوية كان «الحضري» لها بالمرصاد متحديًا سوء أرضية الملعب المباغتة قبل أن يتدخل «جبر» بامتياز للتشتيت.

قبل فرصتي غانا كان «مروان» يبرهن أن ما يقوم به يفوق حقيقة أنه مهاجم لا يلقى تمويلًا هجوميًا كافيًا للتسجيل فيلجأ لحل ضرورة كسر عزلته والمساهمة بصناعة اللعب كمحطة عالية تمكنت خلال اللقاءات الثلاثة من مزاحمة عمالقة إفريقيا، بالدقيقة الـ60 ينجح «مروان» في توجيه الكرة برأسه من طولية «حجازي» ليمنح «السعيد» انفرادًا هدية قبل أن يتدخل «رزاق»، رأسية مروان مشهد غير معتاد على الكرة المصرية منذ رحيل «فلافيو» عن الأهلي.

الخريطة الحرارية الخاصة بمروان محسن تبرز تحركًا بشتى أنحاء الملعب للقيام بالأدوار الهجومية والدفاعية، المصدر : www.beinsports.com

الهدف من نزول «كهربا» بالدقيقة 70 ثم «وردة» بعد 6 دقائق واضحًا للكل وهو إحداث حالة من الانتعاش بعد إرهاق الثنائي «السعيد ومروان» واستغلال المساحات الشاسعة خلف وسط ملعب غانا خصوصًا مع قدرة «كهربا» علي الاختراق، ما يعيب لاعب اتحاد جدة أحيانًا هي عدم قدرته علي تفادي مصيدة التسلل وهو الأمر الذي شاهدناه بوضوح في أكثر من فرصتين محققتين خلال حيز زمني قصير، وجب على الأرجنتيني التنبيه على لاعبه خلال اللقاءات المقبلة.

منذ ذلك الحين استمر المنتخب في صناعة مثلث ضغط دفاعي على الأطراف كعادته ولكنه أضاف عاملًا جيدًا في إهدار حماس غانا وهو النقل القصير للكرة بين اللاعبين وبالتالي إجهاد الفاعلين الأساسيين بمنتخب النجوم.

كذلك مرت الدقائق بأمان علي مرمانا إلا من كرة وحيدة كانت من نصيب «جوردن أيو» بديل «جيان» حين نجح في تجاوز «النني» ثم مراوغة «حجازي» قبل أن يسدد بقوة على مرمى «الحضري» ليظهر من جديد كأحد أبطال الشوط الثاني.

باقي الكرات تصدى لها رباعي خط الظهر، لكن وجب تحية «علي جبر» الذي يقدم بطولة جيدة، جبر بخلاف كل خط الظهر يلعب للمرة الأولى كدولي ببطولة رسمية لكنه يكتسب الثقة بفضل تمركزه وتدخلاته بالوقت السليم.


إمكانيات لاعبي منتخب مصر

الخريطة الحرارية الخاصة بمروان محسن تبرز تحركًا بشتي أنحاء الملعب للقيام بالأدوار الهجومية والدفاعية، المصدر : www.beinsports.com
الخريطة الحرارية الخاصة بمروان محسن تبرز تحركًا بشتي أنحاء الملعب للقيام بالأدوار الهجومية والدفاعية، المصدر : www.beinsports.com
الفريق الذي يلعب ويتألق فيه صلاح، نادي روما، هو أصعب مكان لعبت فيه

أحمد حسام ميدو، المحلل الفني

لا أعرف متى بدأ الأمر، لكنه وضح بشدة أثناء تبريرات الإغراق بالتحفظ والحذر خلال مباراتي أوغندا ومالي، يرجع البعض ذلك التحفظ لما يسمونه «ضعف إمكانيات لاعبي مصر»!

من دون المقبول الحديث عن ضعف إمكانيات فريق يلعب له جناح روما الأساسي الذي سجّل بشباك الأرسنال واليوفنتوس وحظي بتقييمات رفيعة ونافس على لقب اللاعب الأفضل بالقارة، وجناح آخر لعب لأندرلخت البلجيكي يقوم بأدوار استثنائية على المستوى البدني طوال الـ90 دقيقة، ماذا تريد أفضل مما يقوم به «تريزيجيه»؟! بل إن «مروان محسن» يقدم أفضل أداء بسجله الكروي، وإن كان يعيبه لمسته الأخيرة فلنتأمل حجم الكرات التي تصل له في مقابل تلك التي يصنعها ويحاول بشجاعة عليها.

http://gty.im/632698500

هذا الجيل يمتلك لاعبًا شابًا بشخصية استثنائية كـ«رمضان» مكنته من اللعب بالدوري الإنجليزي كمحطة أولى ويتم تصنيفه بكل مواقع وصحف العالم من ضمن مواهب القارة القادمة بقوة، زميله «كهربا» يقدم أداء مبهرًا مع اتحاد جدّة وربما يكون على أعتاب الاحتراف، أما قلبي الدفاع فقدما أداء متزنًا وغابت تمامًا لقطات عدم التفاهم بمباراة أوغندا، من خلفهم يقود الفريق الحارس الذي بات يحظى بالمسيرة الأهم بالقارة كلها، الرقم 7 بمنتخب الفراعنة أصبح له رونق خاص لأنه رقم اللاعب الذي قدم أكثر من 10 مواسم متواصلة بأداء ثابت ويمكن له اللعب بأي مركز، «المحمدي» عاد لملعب المنتخب وكأنه لم يغادره أصلًا وأخيرًا يبقى لديك حلول متنوعة للاعبين محترفين كـ«كوكا ووردة»، أي إمكانيات نتحدث عنها؟ هذا التحفظ كان بتعليمات من الإدارة الفنية للمنتخب وليس له علاقة بسوء مستوى أو قلة إمكانيات لاعبين.