شهد الاقتصاد المصري منذ قيام ثورة 25 يناير فترات صعبة، حيث شهد تراجعا حادا على مختلف المؤشرات الاقتصادية، فبعد أن وصل معدل النمو الاقتصادي إلى 7% قبيل ثورة 25 يناير هبط هذا المعدل إلى ما يقارب 2%، ومن أكثر النقاط تضررا في الاقتصاد المصري هو الاستثمار بشقيه الأجنبي والمحلي حيث انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي تخوفا من عدم الاستقرار والتوترات الأمنية التي شهدتها مصر في السنوات الأخيرة، إلى جانب هروب عدد من رؤوس الأموال سواء الأجنبية أو المحلية إلى الخارج لنفس الأسباب، بالإضافة إلى إغلاق عدد كبير من الشركات والمصانع، كل هذا جعل الأمر أصعب بكثير من النهوض مجددا إلا بدفعات قوية من الاستثمارات الأجنبية وتشجيع رؤوس الأموال الوطنية للعودة للعمل من جديد.

تراهن مصر على الاستقرار السياسي والأمني والإصلاحات الاقتصادية الأخيرة في أنها ستكون عامل جذب للاستثمارات

لذا كانت دعوة ملك السعودية الراحل ووزير خارجية الإمارات في يوليو 2014 إلى عقد مؤتمر المانحين لمصر محل ترحيب كبير من الجانب المصري، وتم تعديل المسمى إلى مؤتمر شركاء مصر ثم أخيرا إلى المؤتمر الاقتصادي لمصر.

وقد لاقت الدعوة ترحيب كبير من الجانب المصري أملا من مصر في أن يعيدها المؤتمر مرة أخرى لخريطة الاستثمار العالمية، وذلك بعد العزوف الذي تم عنها في السنوات اللاحقة لثورة 25 يناير، وتم تجاهل أي فرصة استثمارية بها تخوفا من عدم الاستقرار والتوترات الأمنية وعدم وضوح تلك الفرص أمام بعض الاستثمارات الراغبة في توظيف أموالها.

وتحاول الحكومة جاهدة في أن تجعل المؤتمر ليس كسابقيه من مؤتمرات عقدتها مصر مثل مؤتمر منتدى دافوس لمنطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا ومؤتمر المانحين عام 2003، حيث لم تؤدى إلى نتائج ملموسة بالقدر الكافي علي الاقتصاد المصري، لذا فإن الحكومة تحاول حشد كل طاقتها لإنجاح هذا المؤتمر والوصول إلى اتفاقات على استثمارات لمشروعات محددة سلفا من قبل الجانب المصري، وتراهن مصر على الاستقرار السياسي والأمني والإصلاحات الاقتصادية الأخيرة في أنها ستكون عامل جذب للاستثمارات سواء الأجنبية أو المحلية في شتى المجالات.

وتدخل مصر المؤتمر وفى جعبتها عدد من المشروعات تضاربت الأرقام حولها إلا أنه حسب آخر تصريح لوزيرة التعاون الدولي فقد تم إعداد 22 مشروع حكومي و7 مشروعات من القطاع الخاص و7 شراكات ما بين القطاع العام والخاص، وهذه المشروعات ستكون في قطاعات متعددة منها قطاع الطاقة والتعدين والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والنقل والسياحة والزراعة والصناعة والعقارات.

وسوف نقوم بإيضاح الآثار المتوقعة للمؤتمر الاقتصادي على الاقتصاد المصري ثم نتطرق بعدها إلى العوامل التي ستعزز من نجاح المؤتمر وتحقق آثاره المتوقعة من الحكومة وأيضا العوامل التي قد تحول دون هذه التحقق.


التأثيرات المتوقعة للمؤتمر على الاقتصاد المصري:

مع انعقاد جلسات المؤتمر وعرض الحكومة المصرية للمشروعات التي تم دراستها مسبقا والتيقن من فرصها الواعدة، فمن المنتظر الاتفاق على عدة مشروعات مع المستثمرين الممثلين لشتى الدول وقد بلغت التوقعات حول المبالغ المنتظر ضخها في إطار مشروعات المؤتمر ما بين 15- 20 مليار دولار، إلا ان الاثار المتوقعة جراء انعقاد المؤتمر تتخطى تلك النقطة وتتمثل في مكاسب أخرى غير ذلك وهى:

1. استثمارات أجنبية أخرى لاحقة:

حيث أن المؤتمر خطوة واسعة في اجتذاب استثمارات أجنبية ضخمة أكثر مما تم التنبؤ به، مما يعنى أن الاستثمارات المتوقع تنفيذها ما بعد المؤتمر لن تتوقف عند التقديرات التي ذكرناها ولكن ستتعدى ذلك نتيجة الثقة التي ستتولد لدى المستثمرين الأجانب والمحليين من جدية الإصلاحات بالاقتصاد المصري ومن استقرار الأوضاع واتجاهها نحو مزيد من النمو الاقتصادي الذي سيخلق فرصا أكثر للاستثمار بالإضافة للفرص التي سيتم طرحها في المؤتمر.

2. تخفيف حدة البطالة:

مع تعدي معدل البطالة مستوى 13%، كان على الحكومة المصرية محاولة خفض هذا المستوى بتوفير فرص عمل أكثر تتناسب مع معدل نمو السكان، لذا فالمؤتمر يمثل فرصة كبيرة أمام مصر لتوفير كم هائل من فرص العمل التي سيتم خلقها جراء ضخ الاستثمارات الأجنبية والمحلية في السوق المصري وقيام المشروعات في شتى المجالات.

3. زيادة الإصلاحات الاقتصادية:

لاستيعاب الاستثمارات الأجنبية الطامحة في إقامة مشروعات كبرى في مصر، على الحكومة سرعة إجراء إصلاحات اقتصادية لجذب تلك الاستثمارات والإبقاء عليها وتشجيعها، وقد تم البدء في هذا النطاق باستصدار قانون الاستثمار الموحد والذى يتضمن مجموعة من الحوافز غير الضريبية الجاذبة للاستثمار في مصر، ومنها أسعار مخفضة للطاقة ورد الدولة للمستثمر جزءا من قيمة الضرائب على المرافق بعد تشغيل مشروعه، إلى جانب المساهمة في تكلفة التدريب الفني للعاملين في المشروع الاستثماري، وإنشاء منافذ جمركية خاصة للصادرات والواردات، وتنويع عملية تخصيص الأراضي للمستثمر ما بين منحها له دون مقابل, أو بنظامي حق الانتفاع والإيجار، وإنشاء آلية لتسوية المنازعات من شأنها سرعة البت في القضايا المتعلقة بالمشروعات الاستثمارية.

4. تحقيق النمو المتوازن:

حيث أن مشروعات المؤتمر ليست موجهة إلى قطاع واحد بعينه بل إلى عدة قطاعات مختلفة مما يؤدى لنموها معا، فقد كانت أغلب خطوات الإصلاح الاقتصادي تتجه لقطاع معين أو مشروع محدد أو منطقة معينة مما أدى لتشوهات لم تجعل أي نمو في مصر يتسم بالتوازن او الاستدامة.

5. انخفاض التضخم:

مع توقع البنك الدولي لزيادة التضخم إلى 15% هذا العام في مقابل 11% العام السابق، تأتى المشروعات المتوقع الاتفاق عليها كحل لخفض تلك التوقعات أي خفض معدل التضخم هذا العام حيث أن زيادة الانتاج التي ستنجم عن تلك المشروعات تؤدى لخفض هذا المعدل.

6. نمو قطاعات اخرى:

مع توقيع اتفاقات بمشروعات في قطاعات بعينها لن تنمو تلك القطاعات فقط بل ستنمو معها قطاعات أخرى بفعل الروابط الامامية والخلفية، حيث أنه بفعل التشابك بين القطاعات في الاقتصاد ستتضاعف التأثيرات الايجابية لنمو أي قطاع، كما ستؤدى ايضا لانتعاش المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

7. زيادة معدل النمو الاقتصادي:

مع انخفاض معدل النمو ما بعد ثورة 25 يناير حيث وصل متوسط معدل النمو خلال الثلاث سنوات السابقة الى 2%، تأتى المشروعات المتوقع الاتفاق عليها والدفعة القوية من الاستثمارات الاجنبية المنتظرة كطوق نجاة يعود بمعدلات النمو الى مستويات مرتفعة وقد توقعت مؤسسة فيتش الائتمانية وصول معدل نمو الإقتصاد المصري الى 4.2% نتيجة الاستقرار السياسي والتقدم الملحوظ في ضبط المالية العامة ومع التدفقات المتوقعة للاستثمارات الاجنبية بعد المؤتمر قد تتزايد التوقعات بشان معدل النمو الاقتصادي ايضا.

8. رفع التصنيف الائتماني لمصر:

وهذا ناتج عن الاصلاحات الاقتصادية التي تمت وسيتم ايضا استكمالها وزيادة الاستقرار السياسي والامني وتدفق الاستثمارات الأجنبية المتوقع الاتفاق عليها في المؤتمر وقد قامت مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني برفع درجة التصنيف الائتماني لمصر إلى الدرجة (B) وهذا مع نجاح المؤتمر سيؤدى لمزيد من رفع التصنيف الائتماني لمصر من جانب مؤسسات التصنيف الأخرى مما سيعطى الفرصة لمصر للاقتراض بأسعار فائدة اقل.

9. التخفيف من حدة الفقر:

أفاد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء عن وصول نسبة الفقر في مصر الى 26.3% عام 2014، وسوف تسهم الاستثمارات سواء المحلية او الاجنبية المنتظر الاتفاق عليها بالمؤتمر في التقليص من حدة هذا الفقر وذلك بزيادة معدلات النمو والتنمية المستدامة عن طريق المشروعات الكبرى في شتى القطاعات.

10. تحسين آداء ميزان المدفوعات:

الاستثمار الأجنبي المباشر يؤثر بالإيجاب على ميزان المدفوعات للبلد المضيف من خلال عدة قنوات منها التأثير الايجابي على حساب رأس المال بميزان المدفوعات الذي تسجل فيه تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر باعتبارها إضافة له، وايضا التأثير على الميزان التجاري للبلد المضيف من حيث زيادة الصادرات.


ما بين عوامل جذب وعوامل طرد:

الاثار المتوقعة التي سبق ايضاحها تتوقف على عدة عوامل منها ما قد يؤدى لتحقق تلك الاثار ومنها ما قد يعرقلها، اما عن العوامل التي تعزز من حدوث اثار ايجابية جراء المؤتمر ونجاحه بشكل اكثر مما توقعت مصر فتعتمد على:

1. عوامل خاصة بالاقتصاد المصري:

يتنوع الاقتصاد المصري حيث تتعدد القطاعات الممكن الاستثمار بها مما يسمح للاقتصاد بامتصاص الصدمات الداخلية والخارجية، وايضا إعطاء الفرصة للاستثمار المحلى والاجنبي للاختيار بين تلك القطاعات وإيجاد الفرصة الانسب لتشغيل راس المال.

2. التقارب المصري الخليجي:

جاءت الدعوة الى المؤتمر من قبل السعودية والامارات في البداية، مما يوضح المساندة القوية لدول الخليج للدولة المصرية في وايضا كم المساعدات القادمة من دول الخليج التي قدرت ب 23 مليار في الفترة الاخيرة كان لها تأثير كبير على الاقتصاد المصري حال دون حدوث ازمات به، هذا التقارب من المؤكد سيترجم ايضا في المؤتمر، فعن طريق الصناديق السيادية الخليجية التي تملك كم هائل من الارصدة النقدية سنجد الفرصة سانحة امام الجانب المصري لاجتذاب قدر اكبر من المتوقع للمؤتمر من الاساس.

3. تقوية العلاقات مع بعض الدول:

فقد سعت مصر الى تقوية العلاقات مع روسيا وايضا الدول الاوروبية والافريقية املا منها في توطيد دعائم النظام الجديد واجتذاب انظار العالم مرة اخرى الى الاقتصاد المصري بعد العزوف عنه في اعقاب الاحداث المتلاحقة ما بعد ثورة 25 يناير.

4. تحسن مناخ الاستثمار:

وذلك بتعديل عدة تشريعات خاصة بالاستثمار واستصدار قوانين جديدة تساهم في القضاء على البيروقراطية وتسهيل الحصول على تراخيص المشروعات وتوفير مناخ جاذب للاستثمارات وتمثلت هذه الاصلاحات في صدور قانون الاستثمار الموحد مؤخرا وايضا قانون حماية المنتج المحلى وقانون مكافحة الاغراق.

5. استكمال بنود خارطة الطريق:

التي وضعت عقب عزل الرئيس الاسبق محمد مرسى في يوليو 2013 من حيث انتهاء الانتخابات الرئاسية واقرار دستور جديد للبلاد وقرب اجراء الانتخابات البرلمانية رغم التعطل الذى حدث نتيجة الخلل بقانون تقسيم الدوائر الا انه من المقرر تعديله في خلال شهر واستكمال باقي الاجراءات لإجراء الانتخابات البرلمانية في اسرع وقت ممكن ، مما يعطى مزيد من الثقة لكافة المستثمرين في استقرار الاوضاع واتجاهها نحو الافضل.

اما عن العوامل التي قد تعرقل نجاح المؤتمر او بالأحرى عدم تحقق المأمول منه:

1. معاناة مصر في توفير الطاقة:

حيث ان مصر غير قادرة بالأساس –حاليا- على الوفاء باحتياجاتها، فمع قيام مشروعات جديدة تتطلب هي الاخرى قدر ليس بالقليل من الطاقة ستتضاعف المشكلة، وهذه النقطة يعززها مطالبة المستثمرين الجدد بتدبير الطاقة التي يحتاجونها بأنفسهم، وايضا تصريح وزير الاستثمار عن أن التراخيص الخاصة بمشروعات الحديد والاسمنت الجديدة تتم بشرط تدبير الطاقة عن طريق المستثمر.

2. عوائق الاستثمار:

هناك ما يعيق الاستثمارات الجديدة ويهدد بقدومها مثل القيود التي فرضها البنك المركزي المصري على حركة الدولار بالنسبة للمستوردين، على الرغم من اعتماد اغلب المشروعات سواء الحالية او المزمع اقامتها على مستلزمات انتاج من الخارج، وايضا تعديلات قانون الاستثمار المصري تشتمل على إعفاءات ضريبية رغم انها جيدة نظريا الا انها لم تعد ميزة مغرية للمستثمر الأجنبي، بقدر ما يعنيه توفر الطاقة واليد العاملة الماهرة المنخفضة التكلفة وانخفاض البيروقراطية والشفافية، وهذه عناصر يعانى الاقتصاد المصري من فقدانها وبالتالي تصبح الاعفاءات الضريبية ذات تأثير محدود في جذب الاستثمارات.

3. الاضطرابات السياسية والامنية:

رأس المال لا يأتي الى منطقة مليئة بالتوترات او على حافتها، اعتمادا على ان رأس المال جبان، والواقع المصري يشهد توترات امنية متجلية في التفجيرات المستمرة المنتشرة في عدة محافظات، وايضا رغم انخفاض اعداد التظاهرات واحجامها الا ان وجودها يهدد ثقة المستثمرين بالاستقرار الداخلي، فضلا عن وجود تنظيم داعش في الاراضي الليبية وقيام مصر بقصف جوى لمعاقلهم مما يزيد من القلق حول الاوضاع الامنية.

4. تدخل الجيش في الحياة الاقتصادية:

زيادة تدخل الجيش في النشاط الاقتصادي من حيث وجود مصانع خاصة له ودخوله في قطاع الانشاءات الدائم، يزيد من قلق المستثمر الاجنبي حول سيادة القانون والشفافية وايضا المستثمر المحلى تقل رغبته في توظيف امواله في السوق المحلى نتيجة احتمالية عدم تكافؤ الفرص نتيجة وجود الجيش في الحياة الاقتصادية.

5. وعود ام اتفاقات:

عرض المشروعات بالدراسات المرتبطة بها على المستثمرين وكافة الاطراف الحاضرة لن يجعل المستثمرين يبرموا عقود حول مشروعات بملايين او مليارات الدولارات دون دراستها دراسة متأنية، بل على الارجح سيتم اعطاء وعود بتدفقات رؤوس الاموال الاجنبية لتلك المشروعات بعد اخذ الوقت في دراستها أي انها ستستغرق وقت على الاقل عدة اشهر وقد لا يتم تنفيذ تلك الوعود.

6. تعطل مصادر الدخل الاجنبي وانخفاض الاحتياطيات الاجنبية:

مع انخفاض عائدات السياحة و الاستثمار الاجنبي ووصول الاحتياطي من النقد الاجنبي الى 15 مليار دولار، هذا يسبب قلق المستثمرين من امكانية تحويل ارباحه لان هذا يرتبط بوفرة النقد الاجنبي بالاقتصاد.


الخلاصة:

الاقتصاد المصري حتى يتعافى من الهبوط الحادث في مختلف مؤشراته لابد له من دفعات قوية من الاستثمارات خاصة الاجنبية، لذا فان المؤتمر الاقتصادي يمثل فرصة سانحة امام الاقتصاد المصري للعبور مما هو فيه الى مستويات اعلى من النمو والتنمية، لكن كافة الاثار المتوقعة من المؤتمر لا يجب ان نبالغ فيها لأنها محاطة بعدة مخاطر ابرزها الوضع الامني الغير مستقر الذى قد يحول دون تحقق تلك الاثار او على الاقل تقليل المرجو من المؤتمر.

ولضمان نجاح المؤتمر وتحقيقه لأهدافه المنشودة فعلى الحكومة تحديد الرؤية الاقتصادية وتوضحيها، وحل أزمة الطاقة، واستكمال تحديث تشريعات قوانين الاستثمار، واحترام العقود بين الحكومة والمستثمرين، والقضاء على النظام البيروقراطي، وتحديد أسعار عادلة للأراضي الصناعية، ووضع خريطة استثمارية تتضمن تخصيص مناطق صناعية لصناعات محددة.

لكن نجاح المؤتمر وتدفق الاستثمارات لن يتأتى في غضون ايام لكن سيحتاج على الاقل عدة اشهر لبداية تدفقات رؤوس الاموال الاجنبية وبداية انشاء المشروعات التي من الممكن ان يتم التأخر في توقيعها لانتظار المستثمرين دراسة جدوى تلك المشروعات.