لا يمكننا القضاء على «داعش» بين ليلة وضحاها؛ لكننا سننجح في نهاية المطاف.

هكذا ذهب جون كيري إلى التأكيد على أن النجاحات التي حققت في العراق وسوريا على حساب تنظيم الدولة لن تنهي بعد قوة التنظيم.

هزائم ميدانية، وصراعات وانشقاقات عنصرية، وحصار مالي من قبل المجتمع الدولي تمثل أهم التحديات التي تواجه وجودية تنظيم الدولة الإسلامية، والذي بات يواجه تحديًا حقيقيًّا يفرض عليه التراجع عن الأراضي التي استولى عليها خلال العامين الماضيين في كلّ من سوريا والعراق، دون التوسع في الاستيلاء على أراضٍ جديدة داخل سوريا والعراق، فهل تسقط الخلافة البغدادية في الشام؟، وما هي أسباب تراجع التنظيم؟، وما هي بدائله لتعويض خسائره الميدانية؟.


ميدانيًّا: التنظيم يتراجع

لا يزال داعش مسيطرًا على عدد من المناطق، ولكن يجب ألا ننسى أنهم خسروا 40 في المئة من هذه المناطق في العراق، حيث خسروا سنجار والرمادي وبيجي وتكريت؛ وعليه، نحن نرى أن داعش في وضعية الجلوس الدفاعي كما نسميه هنا.دولة البغدادي لم تعد «باقية وتتمدد»؛ فهي وإن كانت باقية فإنها ميدانيًّا تتراجع. فالتنظيم الذي أرعب الكثيرين خسر أكثر من 22% من الأراضي التي سيطر عليها في الشام، كما أنه توقف عن الاستيلاء على مدن جديدة لتوسيع دولته المزعومة، ويشهد التنظيم تراجعًا في أكثر من ساحة ميدانية منها العراق وسوريا وتونس. التنظيم كان قد سيطر على ما يقرب من 40% من مساحة الأراضي العراقية شملت محافظات نينوى وصلاح الدين وديالي والأنبار وأجزاء من كركوك، ولكن وبنهاية عام 2015 تراجعت تلك المساحة لتصل وفقًا لتصريحات وزير الدفاع العراقي إلى 17% من مساحة العراق، كما أن تقديرات عام 2015 أشارت إلى خسارة التنظيم ما يقرب من 20% من الأراضي التي سيطر عليها في سوريا والتي بلغت أكثر من 50% من الأراضي السورية.ومع بداية عام 2016 سادت نظرة متفائلة في الأوساط السياسية والأكاديمية بقرب نهاية داعش في العراق، فقد ذهب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى التأكيد على أن 2016 هو عام القضاء على داعش ولكنه ربط ذلك بمجريات الأحداث وموقف التنظيم بسوريا.فتحرير تدمر وإن لم يكن أولى خطوات النظام السوري في مواجهة التنظيم، إلا أنها تعد أهم الخطوات خلال الفترة الماضية فيما يعتبرها البعض البداية الحقيقية لتقهقر قوات البغدادي في سوريا؛ وذلك لأن تحرير المدينة يتيح فتح الطريق أمام قوات الأسد للتقدم إلى دير الزور شمالًا والغوطة الشرقية وريفي السويداء ودرعا، كما يساعد ذلك على عزل التنظيم جغرافيًّا، ويفقد التنظيم عددًا من الحقول النفطية، كما أن أهمية تحرير تدمر تكمن في توقيتها مع بدء العراق معركته الفاصلة في الموصل ضد التنظيم.تقارير عدة تشير إلى أن معركة الموصل ستمثل نهاية التنظيم في العراق، فبعد أن خسر التنظيم الرمادي أعلن العبادي أن المعركة الفاصلة في العراق هي الموصل. وقبيل انطلاق المعركة الفاصلة واجه العراق عدة إشكاليات منها صراع الأقطاب السياسية، والميليشيات العراقية المسلحة، وصراع مصالح الدول الكبرى حول المشاركة في تحرير محافظة نينوى ومنها الموصل. وتأتي أهمية تحرير الموصل لما ستمثله من انهيار للتنظيم بالعراق وسوريا لارتباطها الجغرافي بمدينة الرقة عاصمة التنظيم.الفلوجة أيضًا بدأت تلفظ التنظيم وتتمرد عليه بعد أن كانت أول مدينة تستقبل التنظيم في 2014؛ وذلك لأن المدينة تعاني من الجوع نتيجة حصار التنظيم لها وكذلك القوات العراقية، وطالبت العشائر العراقية بالمدينة ضرورة التدخل العسكري لتحرير المدينة.الانتصارات التي حققها التحرك العسكري ضد التنظيم نجحت في كسر شوكة التنظيم ميدانيًّا، ولكن تزامنَ ذلك مع ذلك عدة عوامل أخرى أضعفت التنظيم بشكل متسارع وهي حدوث انشقاقات داخلية بين عناصر التنظيم، وكذلك محاصرة التنظيم ماليًّا، وكذلك دور التحالف الدولي في سوريا والعراق الذي أنهك التنظيم، فكان للتدخل الروسي في سوريا أثره على إضعاف تقدم التنظيم ميدانيًا، ووفر غطاءً لقوات النظام البرية لتحقيق تقدمٍ على الأرض كما حدث في تدمر، كما أن للميلشيات العراقية المسلحة سواء الكردية أو العربية دورًا بارزًا في تحقيق النصر في عدد من المناطق العراقية.

مناطق خسرتها داعش


داخليًّا: التنظيم يواجه الانشقاقات

تنظيم الدولة في الشام يواجه تحديًا يكاد يعصف بتماسكه وقوته، ويتمثل ذلك في حدوث انشقاقات بين صفوفه خاصة في الرقة، ويعزي تقرير لسكاي نيوز هذه الانشقاقات إلى تزايد حدة التوترات بين مسلحي التنظيم بدافع الخلافات العقائدية والفكرية والعنصرية بين المقاتلين العرب والأجانب من حيث المعاملة المميزة للأجانب، وصراع عناصر التنظيم مع السكان المحليين وعجز التنظيم عن تجنيد عناصر محلية جديدة، كذلك يشير إلى أن بنية التنظيم بدأت بالضعف في الداخل بسبب صراعات السلطة والسلطان وفساد قيادات داعش وتوزيع الغنائم، كما أن اشتداد ضربات التحالف الدولي في العراق وروسيا في سوريا أفقدت عناصر التنظيم إيمانهم بقدرتهم على الصمود والقتال.في الوقت نفسه يشهد التنظيم تناقصًا حادًا في أعداد عناصره وذلك نتيجة قتل العديدين في العمليات العسكرية التي تنفذها القوات العربية والكردية والتحالف الدولي في كل من سوريا والعراق، في حين يعجز التنظيم عن تجنيد عناصر جديدة بعد أن عملت الدول الأوروبية على مراقبة الحدود للحدّ من توريد الأجانب إلى التنظيم، كما أن عناصر كثيرة من التنظيم فرّت تحت وطأة العمليات العسكرية، بالإضافة إلى قيام التنظيم بقتل عدد من عناصره المنشقين عنه والمعارضين له، إلا أن نجاح التحالف الدولي في قتل القيادات داخل التنظيم مثل عمر الشيشاني -وزير حرب داعش- وغيره في أثناء العمليات في سوريا والعراق وأيضًا ليبيا مثّل ضربة مؤلمة للتنظيم.


ماليًّا: تمويل التنظيم محاصر دوليًا

جباية أموال الزكاة والضرائب والهبات والإتاوات المفروضة في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم مثلت أهم مصادر التمويل غير النفطية التي يعتمد عليها داعش، كذلك فإن عوائد تهريب الأسلحة والآثار والمخدرات والنفط والاتجار في البشر هي أيضًا من العوائد الرئيسية للتنظيم، ويشير تقرير الكونجرس الأمريكي لعام 2016 على أن مصادر تمويل التنظيم جزء يعتبر بشكل أساسي منه داخلي نتيجة سيطرة التنظيم في العراق وسوريا على الموارد العامة والبنية التحتية ومرافق الإنتاج ونهب البنوك، كما أضاف تقرير للديلي ميل أن تنظيم أحد مصادر تمويل داعش هو المضاربة في أسواق العملات الأجنبية.ومن ثم تسعى القوى الكبرى إلى فرض قيود على مصادر تمويل التنظيم وخاصة في عمليات التحويلات المالية الدولية، ووضع قواعد لمنع نقل الأموال عن طريق قوافل المساعدات التي تذهب إلى العراق وسوريا. واتبعت القوى الدولية التي تعمل على محاربة التنظيم في العراق على ضرب أهم مصادر تمويل التنظيم وهي النفط، فقد عمدت عمليات روسيا في سوريا على ضرب المنشآت البترولية وبيت المال في الموصل، كما أن إعادة السيطرة على تدمر المدينة الأثرية في سوريا سيفقد التنظيم مصدرًا هامًا جديدًا من مصادر تمويله، كما ستفقده الموصل أيضًا العديد من البؤر البترولية والعوائد المادية.


كيف يواجه التنظيم هزائمه في الشام؟

تنظيم الدولة اتجه لتعويض هزائمه الميدانية في الشام إلى إيجاد مساحة جديدة له ومناطق نفوذ في ثلاث مناطق أخرى بديلة عن الشام وهي أوروبا وجنوب آسيا وشمال أفريقيا، ويهدف من ذلك إلى تخفيف وطأة الهجمات عليه، وإرهاق القوات الأجنبية في التصدي له في أكثر من دولة، كذلك نقل الصراع إلى أراضي قوات التحالف هو محاولة لإظهار ضعف تلك الأنظمة أمام جماهيرها، وكذلك كوسيلة لتجنيد عناصر جديدة إلى صفوفه، كما أن تلك الهجمات لا تكلفه عناصر بشرية كما في سوريا والعراق، فالمناطق التي ينفذ فيها هجماته هي مناطق مد له بالعناصر البشرية وهي تعاني من اضطهاد ضد المسلمين سواء في أوروبا أو جنوب آسيا.تجنيد النساء والأطفال وسمكة الصحراء هي أيضًا من بدائل التنظيم لمواجهة الانشقاقات وتناقص عناصره في بلاد الشام، فيشير تقرير لمرصد الأزهر إلى أن التنظيم يتعامل مع الجيل الثاني من المراهقات واللاتي يفضلن العنف والتضحية ويحلمن بتنفيذ هجمات انتحارية بدلًا من الزواج والإنجاب، ويذكر أن عددًا من الانتحاريات قد نفذن هجمات الكاميرون في يناير الماضي، ويقدّر مرصد الأزهر أن نسبة المراهقات بالتنظيم تعدت 55%، فيما تشير الأمم المتحدة إلى أن التنظيم جند 3500 طفل وامرأة ايزيدية، وقام بخطف ما بين 800 إلى 900 طفل من الموصل لتجنديهم إلى صفوفه. كذلك يتبع التنظيم إستراتيجية سمكة الصحراء والتي تعتمد على الانسحاب من المناطق التي تتعرض للهجمات ليستولي على غيرها، كما أنه يعمل على التخفي بين المدنيين لتقليل الأضرار البشرية التي تلحق به.


إذن، هل يواجه التنظيم مصير طالبان؟

مناطق خسرتها داعش
مناطق خسرتها داعش
بالرغم من تباين أهداف وأيديولوجية كل من طالبان وداعش، ولكن كليهما تواجههما نفس التحديات و المصير.
تغير سياسة تركيا الحيادية من التنظيم إلى التدخل، والموقف الأمريكي من سياسة الاحتواء إلى إستراتيجية القضاء على داعش، وعزم أوروبا المجروحة بهجمات التنظيم على ضرب التنظيم في عقر داره، والتوافق الأمريكي الروسي على ضرورة التعاون للقضاء على داعش تمثل أهم محددات استمرار الجهود الدولية السياسية والعسكرية في التعجيل بنهاية التنظيم في بلاد الرافدين.الموقف العربي والكردي المدعوم بغطاء عسكري دولي لتحرير المناطق الخاضعة للتنظيم، وكذلك دعم القوى الإقليمية مثل إيران الداعمة للقوات الشيعية المسلحة مثل حزب الله والحشد الشعبي في كلا البلدين سيعمل على تقوية طرف الأنظمة السياسية في مواجهة التنظيم؛ ومن ثم سيعمل على خسارة التنظيم المزيد من الأراضي الخاضعة لنفوذه في سوريا والعراق.في نهاية المطاف فإن خلافة البغدادي في ظل تلك التحديات الميدانية والداخلية والخارجية ستدفعه إلى مزيد من الخسارة في الشام، وربما يخسر التنظيم كافة الأراضي التي سيطر عليها بهما، ولكن هذا لا يعني القضاء على التنظيم نهائيًا ولكن سيتحول التنظيم الفريد من نوعه إلى اتباع نظائره من الجماعات الجهادية من حيث العمل على تنفيذ عمليات جهادية واستشهادية دون السيطرة على أرض يحكمها، فهو بذلك سيسير بخطى القاعدة وطالبان.
المراجع
  1. خريطة#داعش تنكمش وتوقعات بانكساره في 2016، العربية نت، 26 ديسمبر 2015.
  2. هل ستشهد الجغرافيا السورية تقلصا لتنظيم الدولة، هشام جابر، الجزيرة نت.
  3. داعش.. انشقاقات وتوقعات بانحسار مد الإرهاب، سكاي نيوز عربية، 2 نوفمبر 2015.
  4. ستريت جورنال: أين وصلت استعدادات الهجوم على الموصل؟، باسل درويش، عربي 21، 8مارس 2016.7
  5. أكبر هزيمة لداعش على يد النظام.. ماذا تعني سيطرة الأسد على مدينة تدمر؟، هافينتغون بوست عربي،27 مارس 2016.
  6. واشنطن بوست: أسطورة داعش تقترب من النهاية، جبريل محمد، مصر العربية، 6فبراير 2016-
  7. – Assassinations, unrest and military defeat – has the tide turned against Islamic State?, Richard Spencer, the telegraph, march 7, 2016.
  8. – Financing of the Terrorist Organisation Islamic State in Iraq and the Levant (ISIL) , FATF, February 2015.
  9. The Islamic state_frequently Asked Questions: Threats, Global Implications, and U.S. policy Responses, John W. Rollins, Heidi M. Peters ,congressional research services, November 25, 2015.