عندما نتابع موسم جوائز الأوسكار الحالي سنجد أننا نشهد غياب مجموعة من المخرجين الكبار عن الترشيحات، بينما ظهرت بدلاً منهم حزمة جديدة من المخرجين الشباب.

شهد الموسم السينمائي الحالي وجود أفلام لمخرجين كبار وأصحاب وزن ثقيل في هوليود؛ منهم على سبيل المثال «مارتن سكورسيزي» وفيلمه «Silence»، «روبرت زميكس» وفيلمه «Allied»، «أوليفر ستون» وفيلمه «Snowden»، كلينت إيستوود وفيلمه «Sully»، وستيفن سبيلبيرج وفيلمه «The BFG». لم نشهد منذ سنين تواجد أفلام لهذه المجموعة من العمالقة فى نفس الموسم. وعلى الرغم من ذلك أعطت الأكاديمية الترشيح في فئة الإخراج لأربعة أسماء تظهر في هذه الفئة للمرة الأولى. داميان شازيل وفيلمه «La La Land»، باري جينكنس وفيلمه «Moonlight»، دينيس فيلانوف وفيلمه «Arrival»، وكينيث لونرجان وفيلمه «Manchester by the sea»، أضيف لهذه الأسماء اسم واحد قديم هو ميل جيبسون وفيلمه «Hacksaw Ridge».

فى تقرير نُشر من خلال موقع Hollywood Reporter تساءل الناقد «ستيفن جالاوى» عن إذا ما كان ذلك مجرد مصادفة. رابطة المخرجين في الولايات المتحدة كانوا حتى أكثر تطرفًا حينما أزاحوا النقاب عن ترشيحاتهم. ومن بين خمسة مرشحين ظهر فقط جارث ديفيز وفيلمه «Lion» كاسم تم ترشيحه سابقًا لأحد جوائز الرابطة. وكان هذا الترشيح السابق في إحدى فئات جوائز التليفزيون وليس السينما.


جيل جديد من المخرجين الشباب

ما يقترحه «ستيفن جالاوي» هو أن هذه الملاحظة لا تعني ببساطة إمكانية وجود خطأ تحيزي ناحية الشباب فى صناعة لطالما أثبتت أنها تملك انحيازات عُمرية وجنسية، ولكن من الممكن أن يكون هذا معبرًا عن حدوث انتقال منظم حيث يمرر المخرجون الذين بدأوا مشوارهم في السبعينات والثمانينات الشعلة للجيل التالي، إذ تشهد جوائز الأوسكار ظهور وجوه جديدة بين الحين والآخر، ولكن ما تشهده جائزة الإخراج في هذا العام مختلفة كليًا عما اعتدناه سابقًا.

في 2016 كان أليخاندرو إيناريتو وفيلمه «The Revenant» هو المرشح الوحيد الذي ظهر اسمه كمرشح سابق في فئة الإخراج، ولكن من بين منافسيه كان لجورج ميلر صاحب فيلم Mad Max أربعة ترشيحات سابقة فى فئات أخرى منها المرة التي فاز فيها بجائزة أفضل فيلم أنيميشن في عام 2006 عن فيلمه Happy Feet. كما كان أيضًا لتوم مكارثي صاحب فيلم Spotlight خبرة طويلة وتجربة سابقة إثر عمله في أفلام the station Agent عام 2003 وفيلم Up في عام 2009.

بالطبع هؤلاء المخرجون كانوا أكبر من المتنافسين الحاليين على جائزة الإخراج، فداميان شازيل يبلغ من العمر 32 عامًا وجينكنس يبلغ من العمر 37 عامًا، فيلانوف 49، ولونرجان 54. ليصبح جيبسون، صاحب 61 عامًا، هو الأكبر سنًا. ربما يزيد هذا النطاق الواسع من الأعمار من صعوبة خلق نظرية موحدة عن أعمالهم ويجعل من غير الناضج أن نعرفهم كموجة جديدة في السينما الأمريكية، ولكن المجموعات تُصنف دائمًا بشكل أكثر وضوحًا حينما نقيّم تجربتها بعد أن تكتمل وبنظرة إلى الوراء.

داميان تشازيل وحسب التقرير المنشور في موقع Gold Derby قد يصبح أصغر مخرج فائز بجائزة الأوسكار إذا ما نجح في اختطاف الجائزة في اليوم الذي سيبلغ فيه 32 عامًا و38 يومًا، حيث سيكسر الرقم المسجل باسم «نورمان تاورج» الذي حمل هذا اللقب منذ سنين طويلة حينما فاز بجائزة أفضل مخرج عن فيلم Skippy في عام 1931.

اقرأ أيضًا:«La La Land»: هذا الخيط الرفيع بين الواقع والحلم.


بين الموجات الإيطالية والفرنسية والأمريكية

يؤكد «جالاوي» في تقريره أيضًا أن مصطلح «الواقعية الجديدة» قد استغرق أعوامًا قبل أن يتم ترسيخه كطابع لصناع السينما الإيطالية في مرحلة ما بعد الحرب، من أمثال فيدريكو فيلليني، فيتوريو دي سيكا، روبيرتو روسيليني ولوتشانو فيسكونتي. وبشكل مشابه استغرق الأمر وقتًا قبل أن يصنف المتابعون سينما «فرانسوا تروفو»، و«جان لوك جودار» وزملائهم بالموجة الفرنسية الجديدة.

اليوم يبدو هؤلاء المخرجون مختلفين عن بعضهم البعض بشكل أكبر مما بدوا عليه في هذا التوقيت، والكثير منهم قد ذهبوا في اتجاهات منفصلة للغاية كلما تقدموا في مشوارهم الفني. ولكن وعلى الأقل لفترة معينة، قاموا جميعهم بتمثيل مبادئ متشابهة: الطليان جميعهم كانوا منشغلين برغبة في التركيز على المشاكل الواقعية في الحياة الإيطالية، الفرنسيون كانوا مدفوعين برفضهم للسينما التي أتت قبلهم وبإيمانهم في كون المخرج هو مؤلف الفيلم وصانعه الأول أو كما كانوا يسموه «Auteur».

الموجة الأمريكية الأخيرة -إن كانت هناك واحدة- ظهرت في السبعينات والثمانينات، وكانت مرتكزة على صناع السينما الذين تم تعريفهم بتجربة «المدرسة السينمائية» حتى ولو كانوا لم يذهبوا لمدرسة سينمائية بأشخاصهم قط. فعلى خلاف الفنانين القدامى الذين أعجبوا بهم، فضّل سبيلبيرج، جورج لوكاس وبرايان دى بالما وزملاؤهم أن يفكروا من خلال الكاميرا، وعليه أصبحت الصورة هي التي تحمل الرسالة، الأداء المسرحي وقوة الكلمة المكتوبة أصبحا ينتميان للماضي.

ظهر ميلهم للسعادة في أفلامهم مقارنة بالجيل الذي سبقهم مباشرة، الجيل المضاد للسلطوية والمكافح للاستبداد والذي بدأ مشواره في الستينات وأوائل السبعينات، والذي تعامل بشكل غريزي مع نظام إستديوهات الإنتاج المتهدم، بالإضافة لمجتمع لا يزال يعاني من آثار صدمة حرب فيتنام. رؤيتهم القاتمة ظهرت في أفلام مثل The French connection في عام 1971، The Godfather في عام 1972، وBeing There في عام 1979. إذا تمايلت هذه المجموعة الكبرى بين طواحين الهواء فالمجموعة الصغرى قررت أن تحتضنها. بحكايات تتودد للمشاهدين وطرق سرد جديدة وجريئة، أصبحت الأفلام مختلفة وهجر المشاهدون أفلام النقد الاجتماعي.

اقرأ أيضًا:Manchester By The Sea: حين يأسرنا الماضي الأليم


إلي أين يتجه أصحاب الموجة الأمريكية الجديدة هذه المرة؟

الجديد والمختلف هذه المرة أننا لا يمكننا أن نصنف هذه المجموعة من المخرجين في حزمة واحدة، ولا يمكننا أيضًا أن نرجعهم كلهم لمدرسة سينمائية سابقة. نحن اليوم أمام مجموعة متنوعة ومختلفة كثيرًا عن بعضها البعض.

من ناحية يبدو داميان تشازيل بفيلمة الموسيقي La La Land كمن يشتاق للعودة لهوليود القديمة، حيث يظهر تأثره بأفلام العصر الذهبي للأفلام الموسيقية ومنها فيلم المخرج جاكيس ديمي The Umbrella of Cherbourg، وفيلم المخرجيْن ستانليس دونين وجيني كيلي singing’ in the rain. ولكن تشازيل يحافظ في نفس الوقت على ميله الواقعي في سرد مشكلات الواقع السينمائي والفني الأمريكي، فينتهي فيلمه الذي احتفى بالإطار الهوليودي الموسيقي بشكل حزين ولكنه واقعي وثائر على نهايات هوليود السعيدة.

ومن ناحية أخرى يظهر باري جينكنس صاحب فيلم Moonlight كناقم على الشكل الهوليودي بتركيبته غير المعتادة، بشخصياته وتيماته التي ربما كانت ستصنف كمعادية لهوليود القديمة، أو حتى لهوليود منذ سنوات قليلة ماضية. ذكر باري جينكنس في حوار أجراه مع موقع The Telegraph أنه لا يريد أن يتأثر بما سينتهي إليه موسم الجوائز، وأنه سعيد بردود الفعل الإيجابية التي يتلقاها فيلمه، ولكنه أكد أيضًا أنه كان سيستمر في تجربته حتى لو كان تم استقباله بشكل سلبي، حيث أنهى حديثه قائلاً: «هذا هو الأمر، أنا فقط أريد أن أشارك حكاياتي مع من لديه الرغبة في مشاهدتها».

اقرأ أيضًا:«Moonlight»: ظلال العنصرية على واقع أصحاب البشرة السمراء

يختتم «جالاوي» تقريره بأنه ربما يكون ظهور هؤلاء المخرجين في نفس التوقيت مجرد صدفة، وربما تكون فكرة وجود موجة جديدة للسينما الأمريكية هي مجرد تركيب دخيل، أو ربما يكونون مبعوثين لتغيير أعمق.

في أواخر الستينات، تسبب ظهور مخرجين أمثال مايك نيكولاس صاحب فيلم The Graduata، وأرثر بين صاحب فيلم Bonnie and clyde بانهيار نظام الإستديوهات، ومهّد الطريق لمجموعة جريئة وراديكالية من المخرجين، من النوعية التي لم نرَ مثيلاً لها منذ ذلك الحين. ربما يكون جينكنس، وتشازيل وزملاؤهم في طليعة جيل لامع وموهوب سيأتي، أو ربما يكونون ببساطة مخرجين أصليين بشكل مبهر ومتفرد؛ لذا لا يمكن أن ينتموا جميعًا لأي مجموعة.

المراجع
  1. Moonlight director Barry Jenkins on privilege, Oscars, and turning his childhood into cinema