تدفع الأزمة السياسية الدائرة في مصر منذ الثالث من يوليو 2013 وزيادة وتيرة العمليات الأمنية المتبادلة بين الدولة وجماعات المسلحة عبر الشهور الماضية في مناطق متفرقة من البلاد إلى التساؤل الجدي حول إمكانيات تطور المواجهات بانتقال الأزمة إلى طور النزاع المسلح. وهذا يدفع للتساؤل حول ماهية السيناريوهات المطروحة أمام النظام، وأيضا قدرة القوى الجهادية تجاه إمكانية هذا التحول خاصة مع وجود الكتلة السائلة التي قد تتوافق مع بعض أهدافها رغم اختلاف المنطلقات والمستهدف.

أيضا ما مدى إمكانية حدوث تغيرات في أجندة أطراف المشهد السياسي-الأمني-الجهادي- الإسلامي بحيث تتم حل الأزمة السياسية الدائرة سياسيا أم تستمر الأطراف في التصعيد بحيث تدفع التطورات والمواجهات المتبادلة صوب نزاع مسلح في سابقة تواجهة الدولة المصرية.

ومن أجل ذلك نناقش إمكانية تحقق فرضية النزاع المسلح عبر قراءة مدى توفر الموارد المادية والرمزية لدى أطراف الأزمة السياسية وقدرتهم على الدفع بالأزمة باتجاه ذلك.

مسارات الأزمة

أولا: النظام الحاكم:

فيما يتعلق بالنظام نجد أن أمامه الاختيار بين بديلين أحدهما يحمل أسباب التصعيد المضاد باتجاه النزاع المسلح وهو:

1- استمرار التصعيد حتى القضاء على المعارضة بكل صورها:

ووفق هذا السيناريو تستمر الفعاليات التي تقودها الجماعات المعارضة ضد النظام رغم سقوط ضحايا في صفوفها ، ويستمر النظام في مواجهاته المستمرة ضدها حتى يدفعها جبرًا إلى الاختفاء من المشهد. وتنبع دوافع النظام من هذا السيناريو في شعوره أن الصراع الدائر حاليا “صراع بقاء” ، و “معركة صفرية” مفروضة على كل الأطراف لذا يسعى للإستمرارية بغض النظر عن النتائج الفعلية لذلك. ومن أجل ذلك يحشد النظام الحاكم عدة أدوات سلطوية تُساعده على الصمود أبرزها:

الأداة السياسية: بانفراده بالسلطات فعليًا ، فضلاً عن غياب أي انفتاح على القوى السياسية التي دعمته حيث تجاهل إشراكهم في إدارة المشهد السياسي وتركهم على هامش المشهد السياسي.

الأداة الاقتصادية: باستخدامه لبعض سياسات الدعم من أجل تسكين المطالبات الإقتصادية المختلفة من أجل تهدئه الأوضاع داخليا ، ورغم الأزمة الاقتصادية خصص الرئيس عبد الفتاح السيسي عشرة مليارات من الجنيهات للقوات المسلحة في أعقاب الهجوم المتعدد الجبهات في سيناء مساء 29 يناير الماضي من أجل القضاء على الإرهاب.

الأداة الإعلامية: بترك الأطياف السياسية بلا أي حمايات سياسية أمام وسائل الإعلام خاصة الأطياف الإسلامية منها سواء المعارضة أو الداعمة له فجميعها تحت ضغوط التحريض الخطابي المباشر كذلك باقي القوى المعارضة بدرجاتها.

الأداة القانونية: ورغم ما يقال عن إستقلال المؤسسة القضائية وتأكيد النظام على ذلك إلا القوى السياسية ترى غير ذلك مستشهدة بحجم الأحكام القضائية الصادرة ضد نشطاء سياسيين حيث يرون أن ذلك نتاج توجيهات سياسية من أجل ترهيب القوى المختلفة الداعمة والمعارضة. أيضا اشغال القوى الداخلية بمشكلات قانونية سواء فيما يتعلق بالوجود القانوني لبعض الأحزاب مثل حزب النور ودعوات حله قانونا ، أو مشاكل إشهار أحزاب محسوبة على النظام مثلما حدث مع حركة تمرد وحزبها المرفوض من قبل لجنة شئون الأحزاب.

الأداة المجتمعية: سواء باستخدام المؤسسات الدينية المختلفة وغيرها من المؤسسات المعنية كأداة لإحكام السيطرة على المجتمع والرأي العام. كما تعكس الأدوات السابقة تأثيرات على المجتمع والذي يظل دائما تحت ضغط التهدديات المتصاعدة سواء من الجماعات الجهادية أو الأجهزة الأمنية ، من أجل الرغبة في تحييده عن الصراع السياسي الدائر، فإن لم يكن مع النظام في كل مواقفه فعلى الأقل لا يكون ضده.

الأداة الدولية: وهي أداه هامة يحاول أن يحمي بها النظام نفسه أمام أي ضغوطات قد يتعرض لها- بشأن الأوضاع الداخلية والحريات.. إلخ – حيث استغل الهجمات التي تعرضت لها الأجهزة الأمنية المختلفة ، فضلا عن المواطنين، في سيناء وغيرها في تقديم نفسه أمام المجتمع الدولي كشريك في حالة حرب ضد الإرهاب.

ومع كل ما سبق فإن إستمرار تصعيد النظام سيؤدي إلى تآكل قوته الشعبية تدريجيا لأسباب مختلفة أبرزها الأداء الضعيف في الملفات الاجتماعية فضلا عن الآثار الاقتصادية لعدم الإستقرار وهروب رأس المال. كذلك فإن استمرار السياسات الأمنية القمعية ستفسر تدريجيًا لصالح الاسلاميين تحديدا حيث سيُقوي من طرحهم بأنه نظام معاد للإسلام خاصة بعد فشله في استمرار إدماجه لقطاعات إسلامية ممثلة في جماعة الدعوة السلفية ، والتضييقات عليها من حين لآخر في الدعوة مع ملاحظة أن فكرة القضاء التام على تيار إسلامي لم تنجح تاريخيا فرغم القبضة الأمنية الصارمة لنظام عبد الناصر في مواجهته للإخوان استطاعت الجماعة إعادة انتشارها في السبعينات باستراتيجيات مختلفة عما كانت عليه سابقا. ومن ثم سيصب ذلك مباشرة في اتجاه التيارات الجهادية/المعارضة/الثورية فهي المستفيد الأول من تضييق الأفق السياسية.

أيضا ستدفع هذه التراكمات المتزايدة سؤالاً مسكوتا عنه حول موقف المؤسسة العسكرية من إستمرارية هذا التأزم والتصعيد خاصة مع انعكاسات الأوضاع المجتمعية المختلفة على صورتهم الذهنية الراسخة في الوعي الجمعي واحتمالية انعكاس المواجهات عليهم ماديًا ورمزيًا.

2- أما البديل الآخر وهو الذي يدفع نحو تفكيك إمكانية النزاع المسلح وهو “المصالحة” :

مع القوى المدنية بتوجهاتها المختلفة عامة فضلا عن القوى الإسلامية خاصة وبذلك ستهدأ الأزمات المختلفة ويمكن محاصرة جماعات العنف على غرار استخدام قطاعات من الاسلاميين في هذه المواجهات مثلما حدث في التسعينات بترك الساحة الدعوية لهم ، وهو الحادث جزئيا الآن بترك المساحة للدعوة السلفية لمواجهة الأفكار التكفيرية.

ومما يساعد في تفعيل هذا السيناريو:

– أن يكون ذلك نابعا من داخل دوائر النظام الحاكم بصورة جدية تهدف لنزع فتيل الأزمات الدائرة من أجل الحفاظ على التماسك المجتمعي .

– كذلك وجود رغبة في الحفاظ على الصورة الذهنية – بل وإعادة تشكيلها في الوعي المجتمعي- للمؤسسة العسكرية.

– مع ضرورة الإشارة إلى أهمية وجود رعاية إقليمية ودولية لهذه المصالحة لضمان الثقة بين أطراف الإنزاع.

ومن محاور هذه المصالحة:

أ. ضرورة الوصول لحل تفاوضي حاسم مع جماعة الإخوان المسلمين.

ب.الوصول لصيغة قانونية تنهي الجدل الدائر حول الأحكام الصادرة بحق القوى الشبابية.

ج.وجود محاسبة وتطهير للقيادات الأمنية المتورطة في أعمال عنف ضد المتظاهرين مع الإعلان عن نتيجة التحقيقات الحقيقية بشأن قتلي المظاهرات المختلفة.

ثانيا: القوى الجهادية

أما فيما يتعلق بالقوى الجهادية فنجد غياب أي بدائل أمامها غير استمرارها في التصعيد ضد النظام بصورة تجعل فكرة النزاع المسلح حاضرة بقوة خاصة وأن لديها الدوافع لهذا التوجه ، فضلا عن توافر الموارد – المادية والرمزية – التي تساعدها على الاستمرارية حتى تجبره على التفاوض سواء بالعودة لما قبل 3 يوليو 2013 أو إعلان البيعة للدولة الإسلامية. وعند النظر إلى دوافعها في الإستمراية فتتمثل في رؤيتها للنظام القائم باعتباره معاديا ومحاربا للإسلام ، فضلا عن أنه لا يحكم بشريعة الله ، كذلك ولدت العلميات العسكرية والسياسيات الأمنية في سيناء رغبة في الثأر مما أصاب التنظيم الأبرز وهو أنصار بيت المقدس -الذي أصبح “ولاية سيناء” بعد بيعته لداعش.

وتتمثل أدواتهم للصمود في توافر موارد مختلفة نرى أنها تساعدها على الاستمرارية في عمليات العنف ، ففيما يتعلق بالموارد المادية على المستوى الداخلي فنجد هناك:

التنظيم: حيث يساعد وجود نواة تنظيمية – كحال أنصار بيت المقدس وأجناد مصر – على إستمرارية العمليات التي تقوم بها ضد النظام حيث تكون أكثر تنظيما وأدق تنفيذا نتيجة الإعداد الجيد طبقا لما شاهدناه من عمليات خلال السنوات الماضية.

اللا مركزية في العمل: وإن كان وجود تنظيم ما- أو أكثر- محكم وبارز فلا يعني ذلك وجود تنسيق أو اقتصار المواجهات عليه فهناك تنوع في العمليات ولا مركزية في حركة التنظيمات الموجودة فضلا عن أن مناخ العنف العام الموجود في مصر وتزايد الدوافع الفردية لدى قطاعات مختلفة دفع بعضها باتجاه وجود خلايا عنقودية كامنة وناشطة بدرجات مختلفة تتحرك لدوافعها الذاتية -كما سنشير لاحقا – وهذا يبدو في النزعات الفردية التي تبدو في محاولات البعض استخدام عبوات ناسفة في التجمعات المختلفة وبعض الأماكن الاستراتيجية .. إلخ.

توافر السلاح: حيث ساهمت التطورات الإقليمية في بعض الدول المجاورة مثل سوريا والعراق وليبيا في إحداث سيولة في الأنواع المختلفة للأسلحة ، كما دفعت التطورات السياسية داخليًا في تغذية سوق السلاح الداخلي.

أما على الصعيد الخارجي فنجد تمدد “الدولة الإسلامية” في دول الجوار يمثل موردا ماديا هاما له تأثيرا في المشهد الداخلي خاصة بعد البيعة التي قامت بها جماعة أنصار بيت المقدس للدولة الإسلامية منذ شهور وهذا يترجم في دعم مادي ومعنوي وموارد تتوجه للداخل.

بالإضافة لما سبق نجد توافر عدة موارد رمزية تساعد على استمرارية عمليات العنف بل والحشد باتجاع نزاع مسلح منها:

1- خطاب المحنة والابتلاء: والذي تصاعد كرد فعل على مواجهات النظام ضد كتلة كبيرة من التيار الإسلامي مما دفعهم باتجاه التعامل مع المشهد بالسياسي باعتباره محنة للحركة الإسلامية بل وحرب على الإسلام. وهناك جانب آخر يعكسه تبني هذا الخطاب وهو دورة البارز في الحفاظ على التماسك الداخلى لجماعات منغلقة وعقائدية – مثل جماعة الاخوان المسلمين وغيرها – بدافع التوحد ضد مواجهة الخطر الخارجي وبذلك يكون هذا الخطر دافعا غير مباشر لزيادة حالة الصراع.

2- عقلية الأخذ بالثأر: مثل فض اعتصام رابعة العدوية في أغسطس 2013 وما رافقه من سقوط ضحايا بالإضافة لمن سقطوا في المواجهات التالية التي تمت بين النظام والإخوان وداعميها ، كذلك المعتقلين وما تعرضوا له من تنكيل فضلا عن تعرض أسرهم كذلك، مثل كل ذلك بحسب كثير من المراقبين عاملا أساسيا أدي إلى زيادة الشحن النفسي ضد النظام حيث ينعكس ذلك في جنوح البعض لأعمال عنف متعددة المستويات ثأرا مما حدث لهم ولذويهم.

3– تنوع المشاركين: أدت حالة العنف المتعددة المستويات سياسيًا ومجتمعيًا وقضائيا ودينيًا على الإخوان المسلمين وداعميها إلى خلق حالة من التعاطف العام معها ضد النظام من قبل الكتلة السائلة غير المؤطرة تنظيما من الإسلاميين.

ماذا بعد ؟

بعد العرض السابق للمسارات المتوقعة لمآلات الأزمة السياسة في مصر نرى من واقع الأحداث أن النموذج الأقرب لحدوثه – وفق معطيات الواقع – هو استمرار المعركة الصفرية بين الطرفين، حيث تنبع دوافع النظام من هذا السيناريو هو شعوره أن الصراع الدائر حاليا “صراع بقاء” ، و “معركة صفرية” لكل الأطراف لذا يسعى للإستمرارية بغض النظر عن النتائج الفعلية لذلك. فمع استمرار الفعاليات التي تقوم بها الجماعات المعارضة ضد النظام رغم سقوط ضحايا في صفوفها ، ويستمر النظام في مواجهاته المستمرة ضدها حتى يدفعها جبرا إلى الاختفاء من المشهد.

وهنا يطرح تساؤل حول امكانيات تحول الأزمة الآنية إلى نزاع مسلح ؛ وهذا يتوقف على مستوى شده العنف الذي ستصل له أطراف الأزمة ، فطبقا للبروتوكول الثاني من اتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية – يتحدد مستوى شدة العنف في ضوء مؤشرات من قبيل مدة الاشتباكات المسلحة وخطورتها، وطبيعة القوات الحكومية المشاركة، وعدد المقاتلين والقوات المنخرطة في النزاع، وأنواع الأسلحة المستخدمة، وعدد الإصابات ومقدار الأضرار الناجمة عن القتال. ويتم تقييم مستوى تنظيم الجماعات المسلحة من خلال تحليل عوامل مثل وجود سلسلة للقيادة والقدرة على إصدار وإنفاذ الأوامر وعلى التخطيط لعمليات عسكرية منسقة وشن تلك العمليات، وعلى تجنيد مقاتلين جدد وتدريبهم وتزويدهم بالأسلحة والعتاد.

وبتطبيق القواعد القانونية على المشهد الآني نرى أن احتمالات الوصول لهذه المرحلة كبيرة ، يتطلب القانون الدولي الإنساني تحقق معيارين لكي يوجد نزاع مسلح غير دولي/داخلي هما: أن يتوفر لدى الجماعات المسلحة المنخرطة حد أدنى من التنظيم، وأن تصل المواجهات المسلحة إلى مستوىٍ أدنى من الحدة.

فمن خلال مماراسات النظام نرى أن أداء النظام إجمالا يغذي نزعات العنف بدرجات مختلفة ، فخلال كلمة ألقاها الرئيس عبد الفتاح السيسي في ندوة للقوات المسلحة، تعليقا على الاعتداءات التي تمت في سيناء أواخر يناير المنصرم دعا المصريين لـ”الثأر لضحايا الإرهاب”، وقال: ” لن أكبل أياديكم للثأر لشهداء مصر الذين راحوا في الأعمال الإرهابية الجبانة، وأنتم من ستأخذون بثأر مصر، وأنتم من سيحميها ويدافع عنها” وخصص 10 مليار جنيه لهذه المهمة.

وانعكاسا لأزمات “الدولة” وعنف النظام – بحسب ما يراه معارضوه – في إدارته للمشهد السياسي وجدنا عنفا مجتمعيا منه المؤيد للدولة ومنه المعارض لها ، ففضلا عن العنف المجتمعي العشوائي في السلوكيات اليومية وجدنا حالة منظمة نوعا مثل ما أعلن عنه باسم “حق شهدائنا في سيناء”، وما قامت به ضد أعضاء من الإخوان المسلمين وتمثلت في إستخدام زجاجات “مولوتوف” في حرق سيارات أعضائها كما حدث في محافظتي دمياط وبني سويف. أيضا انعكست السياسات الداخلية والتقارب البادي مع رموز عصر مبارك وسياساته في ظهور حركة أخرى تحمل اسم “العقاب الثوري” هاجمت تجمعات للشرطة “دفاعًا عن ثورة 25 يناير”.

وتشير ممارسات النظام السياسية والقانونية ضد معارضيه بمختلف توجهاتهم إلى أمرين:

الأول: يؤكد أنه يرى عدم حاجته الفعلية لقوى سياسية داعمة حيث يعتمد على تجييش الجماهير عاطفيا من خلال خطابات الرئيس ، كذلك استخدامه للأثار السلبية لعمليات العنف الدائرة في دفع الجمهور للإلتفاف حول النظام وتأييد سياساته.

والثاني: أنها ستؤدي به نحو مزيد من الخسارة سواء المادية – باستمرار المواجهات الأمنية ضد جماعة الاخوان المسلمين وحملات الاعتقالات والضحايا التي تسقط في مظاهراتها. أيضا الخسارة السياسية والمتعلقة بتناقص القوة السائلة الداعمة لها – إسلامية أو غير إسلامية – نتيجة فقدان أي تقدم فعلي على أرض الواقع فلم تتحسن الأوضاع اقتصاديا أو أمنيا ، فضلا عن معاناة كثيرين من الموقف الأمني والقانوني ضدهم.

على الجانب المقابل نجد أن تحولات في بنية بعض القوى الإسلامية الفكرية بتبنيها لفكرة العنف بدرجاته وسيادة فكرة التكفير لدى بعض قواعدها من ضحايا النظام وذويهم من غير الإسلاميين حيث تكونت لديهم دافعية للإنتقام مما لحق بهم حيث أصبحوا بمثابة الكتلة السائلة التي تُغذي التنظيمات الجهادية المتواجدة والتي ليس أمامها بديلا عمليا سوى إستمرار تصعيدها ضد النظام مستفيدة من أخطاء سياساته المستمرة في الحشد ايجابيا.

وبالإضافة إلي ذلك هناك حشد سلبي تتمتع به القوى الجهادية فإن كانت أدبيات الجهاديين – كما في كتاب إدارة التوحش لأبو بكر ناجي – ترى “عدم التعويل في حركتهم على الشعوب في الجملة بسبب ما أحدث الطواغيت في بنيتها، وإن كان ذلك لا يمنعهم من محاولات استقطاب أخيار هذه الأمة من بين الشعوب ، وهذا دور السياسة الإعلامية إما في الحصول على تعاطفهم ، أو تحييدهم على الأقل”. فإن ناجي يضيف: “فعلى فرض أننا نحتاج لمعركتنا الطويلة حتى تنتهي كما نريد – بإذن الله – نصف مليون مجاهد – افتراضاً – فإن إمكانية ضم هذا العدد من أمة المليار أسهل من ضمهم من شباب الحركة الإسلامية الملوث”.

وإن كنا نرى أن تحقق أطروحة النزاع المسلح يتوقف على تبني التنظيمات الإسلامية – خاصة جماعة الإخوان المسلمين- فكرة العنف رسميا وعندها ستضاف كتلة بشرية أكبر – لطبيعة التنظيم- في صفوف القوى الجهادية مما سيكون له أكبر الأثر في تحقق هذا النزاع خاصة في ظل وجود دعم خارجي نتاج الارتباطية بين تنظيم “الدولة الإسلامية” و”ولاية سيناء” / أنصار بيت المقدس سابقًا وما يترتب عليه من مساعدات مادية أو دعم تكتيكي واستراتيجي.

وهنا يدور تساؤل حول آلية التصعيد المنتظر القيام بها من قبل منتهجي العنف ، فطبقا لرصدنا فتقريبا هناك تشابهات كبيرة في الممارسات – والمنطلقات الفكرية – الدائرة في العام الأخير وبين الخبرة التاريخة للجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد في الثمانينات والتسعينات ، حيث نجد نفس الآليات في التنفيذ سواء بالتصفية الجسدية المرتبة أو التفجيرات، وإن كان هناك إختلافًا في استهداف قوات الجيش، وجزء كبير من هذا الاختلاف يعود إلى المشهد الداخلي في سيناء والمواجهات المتبادلة بين أنصار بيت المقدس والجيش المصري.

وتطرح ممارسات الدولة الاسلامية في العراق والشام ووجود فرع لها في “سيناء” تساؤلاً حول تداعيات ذلك في الحراك الداخلي ، بداية نرى أن داعش عمدت إلى إسقاط كافة مظاهر الدولة في المناطق التي سيطرت عليها لإعادة بناء مؤسساتها الخاصة كبديل في ظل انهيار الدولة وغياب مقاومة شعبية محلية. ولعدة أسباب نستبعد امكانية تحقق ذلك النموذج في مصر بسبب:

طبيعة الدولة العميقة: فرغم عيوب تمدد الدولة المركزية في الحياة المصرية وما تبعها من جوانب سلبية إلا أنها تظل قوام الدولة الراسخ وأداه قد تظل عصية على الأنظمة في حال إذا كانت من خارج إطارها وفي تعاملها مع نظام محمد مرسي نموذجًا.

الحاضنة الشعبية: يمثل غياب الحاضنة الشعبية الداعمة لأي نموذج داعشي في مصر سببا في فشل أي حراك عنيف فرغم مآخذ قطاعات كبيرة على النظام الحاكم -وغيره من الأنظمة- إلا أن ذلك لا يعني تأييدهم لأي خروج مسلح عليه ، قد يكون هناك حياد في بعض الفترات أو الحوادث إلا أن ذلك لا يكون بصورة مطلقة. فرغم توافر حواضن شعبية للجماعة الإسلامية والجهاد في الثمانينات والتسعينات إلا أنها ظلت مؤقتة ولها ظروفها الذاتية وليست أمرا مطلقا يمكن الركون إليه مستقبلا عند تكرار المواجهات وفي سيناء وغيرها من المناطق التي تعرضت لأعمال عنف من قبل “الأنصار”.

كيفية الخروج من الأزمة

لتفادي هذا السيناريو الذي يسير إليه المشهد السياسي المصري نرى أن على النظام مسئولية كبيرة في ضرورة التهدئة وإبقاء قنوات اتصال مفتوحة مع القوى المعارضة ،كذلك توقف حملات الاعتقال المستمرة ضد القوى المعارضة له ، فضلا عن ضرورة حسم ملف المعتقلين خاصة من تم اعتقالهم عشوائيا أثناء مشاركاتهم في المظاهرات. وبالتوازي مع كل هذا نرى أن عليه مسئولية كبيرة فيما يخص إعادة تهيئة الأوضاع العامة لإستيعاب القوى الإسلامية عامة والإخوان المسلمين خاصة بعد الحرب الإعلامية والسياسية الشرسة ضدها كي يحجم أي إمكانية لتحول التنظيم نحو العنف رسميا، وأيضا ليقلل من أسباب البعض للتحول باتجاه جماعات العنف. كذلك العمل على الحد من رموز عهد مبارك التي بدأت تعود للحياة السياسية بدرجات متفاوتة ، وإعادة محاكمتهم ، بالإضافة إلي محاكمة المتورطين في المواجهات الدامية التي تعرضت لها الجماعة كبادرة حسن نية مع التوافق على نسبة للقوى المعارضة في البرلمان.

ويرتبط إقرار ما سبق بأمرين:

الأول: يتوجب على جماعة الإخوان المسلمين إعادة تقييم الأوضاع داخل التنظيم وخلق حوار داخلي للدفع بالتنظيم إلى تهدئة بشروط مع النظام من أجل الوصول لحل ، ويجب أن يشاركها في هذا التوجه القوى الثورية المعارضة للنظام كي يتم التوافق على نقاط بيعينها وهذا يتوجب أن يجتمع طرفي المعارضة ضد نظام السيسي خاصة أن كل طرف ينتظر أن يتنازل الطرف الآخر عن بعض مواقفه وباستمرار غياب الحوار بين الطرفين وشروط ما قبل التفاوض فإن هذا يحول دون الوصول لحسم للأزمة ،سواء ما يخص عودة مرسي أو مدى استعدات القوى لشبابية لتحمل ضريبة هذه الأزمة ، فلكي يكون هناك تنازل يجب أن يجلس الطرفين مع بعض ويتناقشوا ، وهذا لم يحدث.

أماالأمر الثاني في إقرار التوجهات الأنية فنرى أن هذه الخطوات الداخلية يجب أن تدعمها مبادرات هامة وعلى أعلى مستوى سواء من القطاعات المتحالفة مع النظام والتي ترى خطورة استمرار التصعيد فضلا عن موافقة النقابات المهنية والشخصيات العامة الداعية للتهدئة. كذلك ضرورة وجود ضمانات لتنفيذ التهدئة وتساعد على تفيذ هذه التوافقات سواء من قبل مؤسسات إقليمية مثل جامعة الدول العربية ، كذلك الإتحاد الأوربي والولايات المنحدة الأمريكية.

تدفع الأزمة السياسية الدائرة في مصر منذ الثالث من يوليو 2013 وزيادة وتيرة العمليات الأمنية المتبادلة بين الدولة وجماعات المسلحة عبر الشهور الماضية في مناطق متفرقة من البلاد إلى التساؤل الجدي حول إمكانيات تطور المواجهات بانتقال الأزمة إلى طور النزاع المسلح. وهذا يدفع للتساؤل حول ماهية السيناريوهات المطروحة أمام النظام، وأيضا قدرة القوى الجهادية تجاه إمكانية هذا التحول خاصة مع وجود الكتلة السائلة التي قد تتوافق مع بعض أهدافها رغم اختلاف المنطلقات والمستهدف.

أيضا ما مدى إمكانية حدوث تغيرات في أجندة أطراف المشهد السياسي-الأمني-الجهادي- الإسلامي بحيث تتم حل الأزمة السياسية الدائرة سياسيا أم تستمر الأطراف في التصعيد بحيث تدفع التطورات والمواجهات المتبادلة صوب نزاع مسلح في سابقة تواجهة الدولة المصرية.

ومن أجل ذلك نناقش إمكانية تحقق فرضية النزاع المسلح عبر قراءة مدى توفر الموارد المادية والرمزية لدى أطراف الأزمة السياسية وقدرتهم على الدفع بالأزمة باتجاه ذلك.

مسارات الأزمة

أولا: النظام الحاكم:

فيما يتعلق بالنظام نجد أن أمامه الاختيار بين بديلين أحدهما يحمل أسباب التصعيد المضاد باتجاه النزاع المسلح وهو:

1- استمرار التصعيد حتى القضاء على المعارضة بكل صورها:

ووفق هذا السيناريو تستمر الفعاليات التي تقودها الجماعات المعارضة ضد النظام رغم سقوط ضحايا في صفوفها ، ويستمر النظام في مواجهاته المستمرة ضدها حتى يدفعها جبرًا إلى الاختفاء من المشهد. وتنبع دوافع النظام من هذا السيناريو في شعوره أن الصراع الدائر حاليا “صراع بقاء” ، و “معركة صفرية” مفروضة على كل الأطراف لذا يسعى للإستمرارية بغض النظر عن النتائج الفعلية لذلك. ومن أجل ذلك يحشد النظام الحاكم عدة أدوات سلطوية تُساعده على الصمود أبرزها:

الأداة السياسية: بانفراده بالسلطات فعليًا ، فضلاً عن غياب أي انفتاح على القوى السياسية التي دعمته حيث تجاهل إشراكهم في إدارة المشهد السياسي وتركهم على هامش المشهد السياسي.

الأداة الاقتصادية: باستخدامه لبعض سياسات الدعم من أجل تسكين المطالبات الإقتصادية المختلفة من أجل تهدئه الأوضاع داخليا ، ورغم الأزمة الاقتصادية خصص الرئيس عبد الفتاح السيسي عشرة مليارات من الجنيهات للقوات المسلحة في أعقاب الهجوم المتعدد الجبهات في سيناء مساء 29 يناير الماضي من أجل القضاء على الإرهاب.

الأداة الإعلامية: بترك الأطياف السياسية بلا أي حمايات سياسية أمام وسائل الإعلام خاصة الأطياف الإسلامية منها سواء المعارضة أو الداعمة له فجميعها تحت ضغوط التحريض الخطابي المباشر كذلك باقي القوى المعارضة بدرجاتها.

الأداة القانونية: ورغم ما يقال عن إستقلال المؤسسة القضائية وتأكيد النظام على ذلك إلا القوى السياسية ترى غير ذلك مستشهدة بحجم الأحكام القضائية الصادرة ضد نشطاء سياسيين حيث يرون أن ذلك نتاج توجيهات سياسية من أجل ترهيب القوى المختلفة الداعمة والمعارضة. أيضا اشغال القوى الداخلية بمشكلات قانونية سواء فيما يتعلق بالوجود القانوني لبعض الأحزاب مثل حزب النور ودعوات حله قانونا ، أو مشاكل إشهار أحزاب محسوبة على النظام مثلما حدث مع حركة تمرد وحزبها المرفوض من قبل لجنة شئون الأحزاب.

الأداة المجتمعية: سواء باستخدام المؤسسات الدينية المختلفة وغيرها من المؤسسات المعنية كأداة لإحكام السيطرة على المجتمع والرأي العام. كما تعكس الأدوات السابقة تأثيرات على المجتمع والذي يظل دائما تحت ضغط التهدديات المتصاعدة سواء من الجماعات الجهادية أو الأجهزة الأمنية ، من أجل الرغبة في تحييده عن الصراع السياسي الدائر، فإن لم يكن مع النظام في كل مواقفه فعلى الأقل لا يكون ضده.

الأداة الدولية: وهي أداه هامة يحاول أن يحمي بها النظام نفسه أمام أي ضغوطات قد يتعرض لها- بشأن الأوضاع الداخلية والحريات.. إلخ – حيث استغل الهجمات التي تعرضت لها الأجهزة الأمنية المختلفة ، فضلا عن المواطنين، في سيناء وغيرها في تقديم نفسه أمام المجتمع الدولي كشريك في حالة حرب ضد الإرهاب.

ومع كل ما سبق فإن إستمرار تصعيد النظام سيؤدي إلى تآكل قوته الشعبية تدريجيا لأسباب مختلفة أبرزها الأداء الضعيف في الملفات الاجتماعية فضلا عن الآثار الاقتصادية لعدم الإستقرار وهروب رأس المال. كذلك فإن استمرار السياسات الأمنية القمعية ستفسر تدريجيًا لصالح الاسلاميين تحديدا حيث سيُقوي من طرحهم بأنه نظام معاد للإسلام خاصة بعد فشله في استمرار إدماجه لقطاعات إسلامية ممثلة في جماعة الدعوة السلفية ، والتضييقات عليها من حين لآخر في الدعوة مع ملاحظة أن فكرة القضاء التام على تيار إسلامي لم تنجح تاريخيا فرغم القبضة الأمنية الصارمة لنظام عبد الناصر في مواجهته للإخوان استطاعت الجماعة إعادة انتشارها في السبعينات باستراتيجيات مختلفة عما كانت عليه سابقا. ومن ثم سيصب ذلك مباشرة في اتجاه التيارات الجهادية/المعارضة/الثورية فهي المستفيد الأول من تضييق الأفق السياسية.

أيضا ستدفع هذه التراكمات المتزايدة سؤالاً مسكوتا عنه حول موقف المؤسسة العسكرية من إستمرارية هذا التأزم والتصعيد خاصة مع انعكاسات الأوضاع المجتمعية المختلفة على صورتهم الذهنية الراسخة في الوعي الجمعي واحتمالية انعكاس المواجهات عليهم ماديًا ورمزيًا.

2- أما البديل الآخر وهو الذي يدفع نحو تفكيك إمكانية النزاع المسلح وهو “المصالحة” :

مع القوى المدنية بتوجهاتها المختلفة عامة فضلا عن القوى الإسلامية خاصة وبذلك ستهدأ الأزمات المختلفة ويمكن محاصرة جماعات العنف على غرار استخدام قطاعات من الاسلاميين في هذه المواجهات مثلما حدث في التسعينات بترك الساحة الدعوية لهم ، وهو الحادث جزئيا الآن بترك المساحة للدعوة السلفية لمواجهة الأفكار التكفيرية.

ومما يساعد في تفعيل هذا السيناريو:

– أن يكون ذلك نابعا من داخل دوائر النظام الحاكم بصورة جدية تهدف لنزع فتيل الأزمات الدائرة من أجل الحفاظ على التماسك المجتمعي .

– كذلك وجود رغبة في الحفاظ على الصورة الذهنية – بل وإعادة تشكيلها في الوعي المجتمعي- للمؤسسة العسكرية.

– مع ضرورة الإشارة إلى أهمية وجود رعاية إقليمية ودولية لهذه المصالحة لضمان الثقة بين أطراف الإنزاع.

ومن محاور هذه المصالحة:

أ. ضرورة الوصول لحل تفاوضي حاسم مع جماعة الإخوان المسلمين.

ب.الوصول لصيغة قانونية تنهي الجدل الدائر حول الأحكام الصادرة بحق القوى الشبابية.

ج.وجود محاسبة وتطهير للقيادات الأمنية المتورطة في أعمال عنف ضد المتظاهرين مع الإعلان عن نتيجة التحقيقات الحقيقية بشأن قتلي المظاهرات المختلفة.

ثانيا: القوى الجهادية

أما فيما يتعلق بالقوى الجهادية فنجد غياب أي بدائل أمامها غير استمرارها في التصعيد ضد النظام بصورة تجعل فكرة النزاع المسلح حاضرة بقوة خاصة وأن لديها الدوافع لهذا التوجه ، فضلا عن توافر الموارد – المادية والرمزية – التي تساعدها على الاستمرارية حتى تجبره على التفاوض سواء بالعودة لما قبل 3 يوليو 2013 أو إعلان البيعة للدولة الإسلامية. وعند النظر إلى دوافعها في الإستمراية فتتمثل في رؤيتها للنظام القائم باعتباره معاديا ومحاربا للإسلام ، فضلا عن أنه لا يحكم بشريعة الله ، كذلك ولدت العلميات العسكرية والسياسيات الأمنية في سيناء رغبة في الثأر مما أصاب التنظيم الأبرز وهو أنصار بيت المقدس -الذي أصبح “ولاية سيناء” بعد بيعته لداعش.

وتتمثل أدواتهم للصمود في توافر موارد مختلفة نرى أنها تساعدها على الاستمرارية في عمليات العنف ، ففيما يتعلق بالموارد المادية على المستوى الداخلي فنجد هناك:

التنظيم: حيث يساعد وجود نواة تنظيمية – كحال أنصار بيت المقدس وأجناد مصر – على إستمرارية العمليات التي تقوم بها ضد النظام حيث تكون أكثر تنظيما وأدق تنفيذا نتيجة الإعداد الجيد طبقا لما شاهدناه من عمليات خلال السنوات الماضية.

اللا مركزية في العمل: وإن كان وجود تنظيم ما- أو أكثر- محكم وبارز فلا يعني ذلك وجود تنسيق أو اقتصار المواجهات عليه فهناك تنوع في العمليات ولا مركزية في حركة التنظيمات الموجودة فضلا عن أن مناخ العنف العام الموجود في مصر وتزايد الدوافع الفردية لدى قطاعات مختلفة دفع بعضها باتجاه وجود خلايا عنقودية كامنة وناشطة بدرجات مختلفة تتحرك لدوافعها الذاتية -كما سنشير لاحقا – وهذا يبدو في النزعات الفردية التي تبدو في محاولات البعض استخدام عبوات ناسفة في التجمعات المختلفة وبعض الأماكن الاستراتيجية .. إلخ.

توافر السلاح: حيث ساهمت التطورات الإقليمية في بعض الدول المجاورة مثل سوريا والعراق وليبيا في إحداث سيولة في الأنواع المختلفة للأسلحة ، كما دفعت التطورات السياسية داخليًا في تغذية سوق السلاح الداخلي.

أما على الصعيد الخارجي فنجد تمدد “الدولة الإسلامية” في دول الجوار يمثل موردا ماديا هاما له تأثيرا في المشهد الداخلي خاصة بعد البيعة التي قامت بها جماعة أنصار بيت المقدس للدولة الإسلامية منذ شهور وهذا يترجم في دعم مادي ومعنوي وموارد تتوجه للداخل.

بالإضافة لما سبق نجد توافر عدة موارد رمزية تساعد على استمرارية عمليات العنف بل والحشد باتجاع نزاع مسلح منها:

1- خطاب المحنة والابتلاء: والذي تصاعد كرد فعل على مواجهات النظام ضد كتلة كبيرة من التيار الإسلامي مما دفعهم باتجاه التعامل مع المشهد بالسياسي باعتباره محنة للحركة الإسلامية بل وحرب على الإسلام. وهناك جانب آخر يعكسه تبني هذا الخطاب وهو دورة البارز في الحفاظ على التماسك الداخلى لجماعات منغلقة وعقائدية – مثل جماعة الاخوان المسلمين وغيرها – بدافع التوحد ضد مواجهة الخطر الخارجي وبذلك يكون هذا الخطر دافعا غير مباشر لزيادة حالة الصراع.

2- عقلية الأخذ بالثأر: مثل فض اعتصام رابعة العدوية في أغسطس 2013 وما رافقه من سقوط ضحايا بالإضافة لمن سقطوا في المواجهات التالية التي تمت بين النظام والإخوان وداعميها ، كذلك المعتقلين وما تعرضوا له من تنكيل فضلا عن تعرض أسرهم كذلك، مثل كل ذلك بحسب كثير من المراقبين عاملا أساسيا أدي إلى زيادة الشحن النفسي ضد النظام حيث ينعكس ذلك في جنوح البعض لأعمال عنف متعددة المستويات ثأرا مما حدث لهم ولذويهم.

3– تنوع المشاركين: أدت حالة العنف المتعددة المستويات سياسيًا ومجتمعيًا وقضائيا ودينيًا على الإخوان المسلمين وداعميها إلى خلق حالة من التعاطف العام معها ضد النظام من قبل الكتلة السائلة غير المؤطرة تنظيما من الإسلاميين.

ماذا بعد ؟

بعد العرض السابق للمسارات المتوقعة لمآلات الأزمة السياسة في مصر نرى من واقع الأحداث أن النموذج الأقرب لحدوثه – وفق معطيات الواقع – هو استمرار المعركة الصفرية بين الطرفين، حيث تنبع دوافع النظام من هذا السيناريو هو شعوره أن الصراع الدائر حاليا “صراع بقاء” ، و “معركة صفرية” لكل الأطراف لذا يسعى للإستمرارية بغض النظر عن النتائج الفعلية لذلك. فمع استمرار الفعاليات التي تقوم بها الجماعات المعارضة ضد النظام رغم سقوط ضحايا في صفوفها ، ويستمر النظام في مواجهاته المستمرة ضدها حتى يدفعها جبرا إلى الاختفاء من المشهد.

وهنا يطرح تساؤل حول امكانيات تحول الأزمة الآنية إلى نزاع مسلح ؛ وهذا يتوقف على مستوى شده العنف الذي ستصل له أطراف الأزمة ، فطبقا للبروتوكول الثاني من اتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية – يتحدد مستوى شدة العنف في ضوء مؤشرات من قبيل مدة الاشتباكات المسلحة وخطورتها، وطبيعة القوات الحكومية المشاركة، وعدد المقاتلين والقوات المنخرطة في النزاع، وأنواع الأسلحة المستخدمة، وعدد الإصابات ومقدار الأضرار الناجمة عن القتال. ويتم تقييم مستوى تنظيم الجماعات المسلحة من خلال تحليل عوامل مثل وجود سلسلة للقيادة والقدرة على إصدار وإنفاذ الأوامر وعلى التخطيط لعمليات عسكرية منسقة وشن تلك العمليات، وعلى تجنيد مقاتلين جدد وتدريبهم وتزويدهم بالأسلحة والعتاد.

وبتطبيق القواعد القانونية على المشهد الآني نرى أن احتمالات الوصول لهذه المرحلة كبيرة ، يتطلب القانون الدولي الإنساني تحقق معيارين لكي يوجد نزاع مسلح غير دولي/داخلي هما: أن يتوفر لدى الجماعات المسلحة المنخرطة حد أدنى من التنظيم، وأن تصل المواجهات المسلحة إلى مستوىٍ أدنى من الحدة.

فمن خلال مماراسات النظام نرى أن أداء النظام إجمالا يغذي نزعات العنف بدرجات مختلفة ، فخلال كلمة ألقاها الرئيس عبد الفتاح السيسي في ندوة للقوات المسلحة، تعليقا على الاعتداءات التي تمت في سيناء أواخر يناير المنصرم دعا المصريين لـ”الثأر لضحايا الإرهاب”، وقال: ” لن أكبل أياديكم للثأر لشهداء مصر الذين راحوا في الأعمال الإرهابية الجبانة، وأنتم من ستأخذون بثأر مصر، وأنتم من سيحميها ويدافع عنها” وخصص 10 مليار جنيه لهذه المهمة.

وانعكاسا لأزمات “الدولة” وعنف النظام – بحسب ما يراه معارضوه – في إدارته للمشهد السياسي وجدنا عنفا مجتمعيا منه المؤيد للدولة ومنه المعارض لها ، ففضلا عن العنف المجتمعي العشوائي في السلوكيات اليومية وجدنا حالة منظمة نوعا مثل ما أعلن عنه باسم “حق شهدائنا في سيناء”، وما قامت به ضد أعضاء من الإخوان المسلمين وتمثلت في إستخدام زجاجات “مولوتوف” في حرق سيارات أعضائها كما حدث في محافظتي دمياط وبني سويف. أيضا انعكست السياسات الداخلية والتقارب البادي مع رموز عصر مبارك وسياساته في ظهور حركة أخرى تحمل اسم “العقاب الثوري” هاجمت تجمعات للشرطة “دفاعًا عن ثورة 25 يناير”.

وتشير ممارسات النظام السياسية والقانونية ضد معارضيه بمختلف توجهاتهم إلى أمرين:

الأول: يؤكد أنه يرى عدم حاجته الفعلية لقوى سياسية داعمة حيث يعتمد على تجييش الجماهير عاطفيا من خلال خطابات الرئيس ، كذلك استخدامه للأثار السلبية لعمليات العنف الدائرة في دفع الجمهور للإلتفاف حول النظام وتأييد سياساته.

والثاني: أنها ستؤدي به نحو مزيد من الخسارة سواء المادية – باستمرار المواجهات الأمنية ضد جماعة الاخوان المسلمين وحملات الاعتقالات والضحايا التي تسقط في مظاهراتها. أيضا الخسارة السياسية والمتعلقة بتناقص القوة السائلة الداعمة لها – إسلامية أو غير إسلامية – نتيجة فقدان أي تقدم فعلي على أرض الواقع فلم تتحسن الأوضاع اقتصاديا أو أمنيا ، فضلا عن معاناة كثيرين من الموقف الأمني والقانوني ضدهم.

على الجانب المقابل نجد أن تحولات في بنية بعض القوى الإسلامية الفكرية بتبنيها لفكرة العنف بدرجاته وسيادة فكرة التكفير لدى بعض قواعدها من ضحايا النظام وذويهم من غير الإسلاميين حيث تكونت لديهم دافعية للإنتقام مما لحق بهم حيث أصبحوا بمثابة الكتلة السائلة التي تُغذي التنظيمات الجهادية المتواجدة والتي ليس أمامها بديلا عمليا سوى إستمرار تصعيدها ضد النظام مستفيدة من أخطاء سياساته المستمرة في الحشد ايجابيا.

وبالإضافة إلي ذلك هناك حشد سلبي تتمتع به القوى الجهادية فإن كانت أدبيات الجهاديين – كما في كتاب إدارة التوحش لأبو بكر ناجي – ترى “عدم التعويل في حركتهم على الشعوب في الجملة بسبب ما أحدث الطواغيت في بنيتها، وإن كان ذلك لا يمنعهم من محاولات استقطاب أخيار هذه الأمة من بين الشعوب ، وهذا دور السياسة الإعلامية إما في الحصول على تعاطفهم ، أو تحييدهم على الأقل”. فإن ناجي يضيف: “فعلى فرض أننا نحتاج لمعركتنا الطويلة حتى تنتهي كما نريد – بإذن الله – نصف مليون مجاهد – افتراضاً – فإن إمكانية ضم هذا العدد من أمة المليار أسهل من ضمهم من شباب الحركة الإسلامية الملوث”.

وإن كنا نرى أن تحقق أطروحة النزاع المسلح يتوقف على تبني التنظيمات الإسلامية – خاصة جماعة الإخوان المسلمين- فكرة العنف رسميا وعندها ستضاف كتلة بشرية أكبر – لطبيعة التنظيم- في صفوف القوى الجهادية مما سيكون له أكبر الأثر في تحقق هذا النزاع خاصة في ظل وجود دعم خارجي نتاج الارتباطية بين تنظيم “الدولة الإسلامية” و”ولاية سيناء” / أنصار بيت المقدس سابقًا وما يترتب عليه من مساعدات مادية أو دعم تكتيكي واستراتيجي.

وهنا يدور تساؤل حول آلية التصعيد المنتظر القيام بها من قبل منتهجي العنف ، فطبقا لرصدنا فتقريبا هناك تشابهات كبيرة في الممارسات – والمنطلقات الفكرية – الدائرة في العام الأخير وبين الخبرة التاريخة للجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد في الثمانينات والتسعينات ، حيث نجد نفس الآليات في التنفيذ سواء بالتصفية الجسدية المرتبة أو التفجيرات، وإن كان هناك إختلافًا في استهداف قوات الجيش، وجزء كبير من هذا الاختلاف يعود إلى المشهد الداخلي في سيناء والمواجهات المتبادلة بين أنصار بيت المقدس والجيش المصري.

وتطرح ممارسات الدولة الاسلامية في العراق والشام ووجود فرع لها في “سيناء” تساؤلاً حول تداعيات ذلك في الحراك الداخلي ، بداية نرى أن داعش عمدت إلى إسقاط كافة مظاهر الدولة في المناطق التي سيطرت عليها لإعادة بناء مؤسساتها الخاصة كبديل في ظل انهيار الدولة وغياب مقاومة شعبية محلية. ولعدة أسباب نستبعد امكانية تحقق ذلك النموذج في مصر بسبب:

طبيعة الدولة العميقة: فرغم عيوب تمدد الدولة المركزية في الحياة المصرية وما تبعها من جوانب سلبية إلا أنها تظل قوام الدولة الراسخ وأداه قد تظل عصية على الأنظمة في حال إذا كانت من خارج إطارها وفي تعاملها مع نظام محمد مرسي نموذجًا.

الحاضنة الشعبية: يمثل غياب الحاضنة الشعبية الداعمة لأي نموذج داعشي في مصر سببا في فشل أي حراك عنيف فرغم مآخذ قطاعات كبيرة على النظام الحاكم -وغيره من الأنظمة- إلا أن ذلك لا يعني تأييدهم لأي خروج مسلح عليه ، قد يكون هناك حياد في بعض الفترات أو الحوادث إلا أن ذلك لا يكون بصورة مطلقة. فرغم توافر حواضن شعبية للجماعة الإسلامية والجهاد في الثمانينات والتسعينات إلا أنها ظلت مؤقتة ولها ظروفها الذاتية وليست أمرا مطلقا يمكن الركون إليه مستقبلا عند تكرار المواجهات وفي سيناء وغيرها من المناطق التي تعرضت لأعمال عنف من قبل “الأنصار”.

كيفية الخروج من الأزمة

لتفادي هذا السيناريو الذي يسير إليه المشهد السياسي المصري نرى أن على النظام مسئولية كبيرة في ضرورة التهدئة وإبقاء قنوات اتصال مفتوحة مع القوى المعارضة ،كذلك توقف حملات الاعتقال المستمرة ضد القوى المعارضة له ، فضلا عن ضرورة حسم ملف المعتقلين خاصة من تم اعتقالهم عشوائيا أثناء مشاركاتهم في المظاهرات. وبالتوازي مع كل هذا نرى أن عليه مسئولية كبيرة فيما يخص إعادة تهيئة الأوضاع العامة لإستيعاب القوى الإسلامية عامة والإخوان المسلمين خاصة بعد الحرب الإعلامية والسياسية الشرسة ضدها كي يحجم أي إمكانية لتحول التنظيم نحو العنف رسميا، وأيضا ليقلل من أسباب البعض للتحول باتجاه جماعات العنف. كذلك العمل على الحد من رموز عهد مبارك التي بدأت تعود للحياة السياسية بدرجات متفاوتة ، وإعادة محاكمتهم ، بالإضافة إلي محاكمة المتورطين في المواجهات الدامية التي تعرضت لها الجماعة كبادرة حسن نية مع التوافق على نسبة للقوى المعارضة في البرلمان.

ويرتبط إقرار ما سبق بأمرين:

الأول: يتوجب على جماعة الإخوان المسلمين إعادة تقييم الأوضاع داخل التنظيم وخلق حوار داخلي للدفع بالتنظيم إلى تهدئة بشروط مع النظام من أجل الوصول لحل ، ويجب أن يشاركها في هذا التوجه القوى الثورية المعارضة للنظام كي يتم التوافق على نقاط بيعينها وهذا يتوجب أن يجتمع طرفي المعارضة ضد نظام السيسي خاصة أن كل طرف ينتظر أن يتنازل الطرف الآخر عن بعض مواقفه وباستمرار غياب الحوار بين الطرفين وشروط ما قبل التفاوض فإن هذا يحول دون الوصول لحسم للأزمة ،سواء ما يخص عودة مرسي أو مدى استعدات القوى لشبابية لتحمل ضريبة هذه الأزمة ، فلكي يكون هناك تنازل يجب أن يجلس الطرفين مع بعض ويتناقشوا ، وهذا لم يحدث.

أماالأمر الثاني في إقرار التوجهات الأنية فنرى أن هذه الخطوات الداخلية يجب أن تدعمها مبادرات هامة وعلى أعلى مستوى سواء من القطاعات المتحالفة مع النظام والتي ترى خطورة استمرار التصعيد فضلا عن موافقة النقابات المهنية والشخصيات العامة الداعية للتهدئة. كذلك ضرورة وجود ضمانات لتنفيذ التهدئة وتساعد على تفيذ هذه التوافقات سواء من قبل مؤسسات إقليمية مثل جامعة الدول العربية ، كذلك الإتحاد الأوربي والولايات المنحدة الأمريكية.

تدفع الأزمة السياسية الدائرة في مصر منذ الثالث من يوليو 2013 وزيادة وتيرة العمليات الأمنية المتبادلة بين الدولة وجماعات المسلحة عبر الشهور الماضية في مناطق متفرقة من البلاد إلى التساؤل الجدي حول إمكانيات تطور المواجهات بانتقال الأزمة إلى طور النزاع المسلح. وهذا يدفع للتساؤل حول ماهية السيناريوهات المطروحة أمام النظام، وأيضا قدرة القوى الجهادية تجاه إمكانية هذا التحول خاصة مع وجود الكتلة السائلة التي قد تتوافق مع بعض أهدافها رغم اختلاف المنطلقات والمستهدف.

أيضا ما مدى إمكانية حدوث تغيرات في أجندة أطراف المشهد السياسي-الأمني-الجهادي- الإسلامي بحيث تتم حل الأزمة السياسية الدائرة سياسيا أم تستمر الأطراف في التصعيد بحيث تدفع التطورات والمواجهات المتبادلة صوب نزاع مسلح في سابقة تواجهة الدولة المصرية.

ومن أجل ذلك نناقش إمكانية تحقق فرضية النزاع المسلح عبر قراءة مدى توفر الموارد المادية والرمزية لدى أطراف الأزمة السياسية وقدرتهم على الدفع بالأزمة باتجاه ذلك.

مسارات الأزمة

أولا: النظام الحاكم:

فيما يتعلق بالنظام نجد أن أمامه الاختيار بين بديلين أحدهما يحمل أسباب التصعيد المضاد باتجاه النزاع المسلح وهو:

1- استمرار التصعيد حتى القضاء على المعارضة بكل صورها:

ووفق هذا السيناريو تستمر الفعاليات التي تقودها الجماعات المعارضة ضد النظام رغم سقوط ضحايا في صفوفها ، ويستمر النظام في مواجهاته المستمرة ضدها حتى يدفعها جبرًا إلى الاختفاء من المشهد. وتنبع دوافع النظام من هذا السيناريو في شعوره أن الصراع الدائر حاليا “صراع بقاء” ، و “معركة صفرية” مفروضة على كل الأطراف لذا يسعى للإستمرارية بغض النظر عن النتائج الفعلية لذلك. ومن أجل ذلك يحشد النظام الحاكم عدة أدوات سلطوية تُساعده على الصمود أبرزها:

الأداة السياسية: بانفراده بالسلطات فعليًا ، فضلاً عن غياب أي انفتاح على القوى السياسية التي دعمته حيث تجاهل إشراكهم في إدارة المشهد السياسي وتركهم على هامش المشهد السياسي.

الأداة الاقتصادية: باستخدامه لبعض سياسات الدعم من أجل تسكين المطالبات الإقتصادية المختلفة من أجل تهدئه الأوضاع داخليا ، ورغم الأزمة الاقتصادية خصص الرئيس عبد الفتاح السيسي عشرة مليارات من الجنيهات للقوات المسلحة في أعقاب الهجوم المتعدد الجبهات في سيناء مساء 29 يناير الماضي من أجل القضاء على الإرهاب.

الأداة الإعلامية: بترك الأطياف السياسية بلا أي حمايات سياسية أمام وسائل الإعلام خاصة الأطياف الإسلامية منها سواء المعارضة أو الداعمة له فجميعها تحت ضغوط التحريض الخطابي المباشر كذلك باقي القوى المعارضة بدرجاتها.

الأداة القانونية: ورغم ما يقال عن إستقلال المؤسسة القضائية وتأكيد النظام على ذلك إلا القوى السياسية ترى غير ذلك مستشهدة بحجم الأحكام القضائية الصادرة ضد نشطاء سياسيين حيث يرون أن ذلك نتاج توجيهات سياسية من أجل ترهيب القوى المختلفة الداعمة والمعارضة. أيضا اشغال القوى الداخلية بمشكلات قانونية سواء فيما يتعلق بالوجود القانوني لبعض الأحزاب مثل حزب النور ودعوات حله قانونا ، أو مشاكل إشهار أحزاب محسوبة على النظام مثلما حدث مع حركة تمرد وحزبها المرفوض من قبل لجنة شئون الأحزاب.

الأداة المجتمعية: سواء باستخدام المؤسسات الدينية المختلفة وغيرها من المؤسسات المعنية كأداة لإحكام السيطرة على المجتمع والرأي العام. كما تعكس الأدوات السابقة تأثيرات على المجتمع والذي يظل دائما تحت ضغط التهدديات المتصاعدة سواء من الجماعات الجهادية أو الأجهزة الأمنية ، من أجل الرغبة في تحييده عن الصراع السياسي الدائر، فإن لم يكن مع النظام في كل مواقفه فعلى الأقل لا يكون ضده.

الأداة الدولية: وهي أداه هامة يحاول أن يحمي بها النظام نفسه أمام أي ضغوطات قد يتعرض لها- بشأن الأوضاع الداخلية والحريات.. إلخ – حيث استغل الهجمات التي تعرضت لها الأجهزة الأمنية المختلفة ، فضلا عن المواطنين، في سيناء وغيرها في تقديم نفسه أمام المجتمع الدولي كشريك في حالة حرب ضد الإرهاب.

ومع كل ما سبق فإن إستمرار تصعيد النظام سيؤدي إلى تآكل قوته الشعبية تدريجيا لأسباب مختلفة أبرزها الأداء الضعيف في الملفات الاجتماعية فضلا عن الآثار الاقتصادية لعدم الإستقرار وهروب رأس المال. كذلك فإن استمرار السياسات الأمنية القمعية ستفسر تدريجيًا لصالح الاسلاميين تحديدا حيث سيُقوي من طرحهم بأنه نظام معاد للإسلام خاصة بعد فشله في استمرار إدماجه لقطاعات إسلامية ممثلة في جماعة الدعوة السلفية ، والتضييقات عليها من حين لآخر في الدعوة مع ملاحظة أن فكرة القضاء التام على تيار إسلامي لم تنجح تاريخيا فرغم القبضة الأمنية الصارمة لنظام عبد الناصر في مواجهته للإخوان استطاعت الجماعة إعادة انتشارها في السبعينات باستراتيجيات مختلفة عما كانت عليه سابقا. ومن ثم سيصب ذلك مباشرة في اتجاه التيارات الجهادية/المعارضة/الثورية فهي المستفيد الأول من تضييق الأفق السياسية.

أيضا ستدفع هذه التراكمات المتزايدة سؤالاً مسكوتا عنه حول موقف المؤسسة العسكرية من إستمرارية هذا التأزم والتصعيد خاصة مع انعكاسات الأوضاع المجتمعية المختلفة على صورتهم الذهنية الراسخة في الوعي الجمعي واحتمالية انعكاس المواجهات عليهم ماديًا ورمزيًا.

2- أما البديل الآخر وهو الذي يدفع نحو تفكيك إمكانية النزاع المسلح وهو “المصالحة” :

مع القوى المدنية بتوجهاتها المختلفة عامة فضلا عن القوى الإسلامية خاصة وبذلك ستهدأ الأزمات المختلفة ويمكن محاصرة جماعات العنف على غرار استخدام قطاعات من الاسلاميين في هذه المواجهات مثلما حدث في التسعينات بترك الساحة الدعوية لهم ، وهو الحادث جزئيا الآن بترك المساحة للدعوة السلفية لمواجهة الأفكار التكفيرية.

ومما يساعد في تفعيل هذا السيناريو:

– أن يكون ذلك نابعا من داخل دوائر النظام الحاكم بصورة جدية تهدف لنزع فتيل الأزمات الدائرة من أجل الحفاظ على التماسك المجتمعي .

– كذلك وجود رغبة في الحفاظ على الصورة الذهنية – بل وإعادة تشكيلها في الوعي المجتمعي- للمؤسسة العسكرية.

– مع ضرورة الإشارة إلى أهمية وجود رعاية إقليمية ودولية لهذه المصالحة لضمان الثقة بين أطراف الإنزاع.

ومن محاور هذه المصالحة:

أ. ضرورة الوصول لحل تفاوضي حاسم مع جماعة الإخوان المسلمين.

ب.الوصول لصيغة قانونية تنهي الجدل الدائر حول الأحكام الصادرة بحق القوى الشبابية.

ج.وجود محاسبة وتطهير للقيادات الأمنية المتورطة في أعمال عنف ضد المتظاهرين مع الإعلان عن نتيجة التحقيقات الحقيقية بشأن قتلي المظاهرات المختلفة.

ثانيا: القوى الجهادية

أما فيما يتعلق بالقوى الجهادية فنجد غياب أي بدائل أمامها غير استمرارها في التصعيد ضد النظام بصورة تجعل فكرة النزاع المسلح حاضرة بقوة خاصة وأن لديها الدوافع لهذا التوجه ، فضلا عن توافر الموارد – المادية والرمزية – التي تساعدها على الاستمرارية حتى تجبره على التفاوض سواء بالعودة لما قبل 3 يوليو 2013 أو إعلان البيعة للدولة الإسلامية. وعند النظر إلى دوافعها في الإستمراية فتتمثل في رؤيتها للنظام القائم باعتباره معاديا ومحاربا للإسلام ، فضلا عن أنه لا يحكم بشريعة الله ، كذلك ولدت العلميات العسكرية والسياسيات الأمنية في سيناء رغبة في الثأر مما أصاب التنظيم الأبرز وهو أنصار بيت المقدس -الذي أصبح “ولاية سيناء” بعد بيعته لداعش.

وتتمثل أدواتهم للصمود في توافر موارد مختلفة نرى أنها تساعدها على الاستمرارية في عمليات العنف ، ففيما يتعلق بالموارد المادية على المستوى الداخلي فنجد هناك:

التنظيم: حيث يساعد وجود نواة تنظيمية – كحال أنصار بيت المقدس وأجناد مصر – على إستمرارية العمليات التي تقوم بها ضد النظام حيث تكون أكثر تنظيما وأدق تنفيذا نتيجة الإعداد الجيد طبقا لما شاهدناه من عمليات خلال السنوات الماضية.

اللا مركزية في العمل: وإن كان وجود تنظيم ما- أو أكثر- محكم وبارز فلا يعني ذلك وجود تنسيق أو اقتصار المواجهات عليه فهناك تنوع في العمليات ولا مركزية في حركة التنظيمات الموجودة فضلا عن أن مناخ العنف العام الموجود في مصر وتزايد الدوافع الفردية لدى قطاعات مختلفة دفع بعضها باتجاه وجود خلايا عنقودية كامنة وناشطة بدرجات مختلفة تتحرك لدوافعها الذاتية -كما سنشير لاحقا – وهذا يبدو في النزعات الفردية التي تبدو في محاولات البعض استخدام عبوات ناسفة في التجمعات المختلفة وبعض الأماكن الاستراتيجية .. إلخ.

توافر السلاح: حيث ساهمت التطورات الإقليمية في بعض الدول المجاورة مثل سوريا والعراق وليبيا في إحداث سيولة في الأنواع المختلفة للأسلحة ، كما دفعت التطورات السياسية داخليًا في تغذية سوق السلاح الداخلي.

أما على الصعيد الخارجي فنجد تمدد “الدولة الإسلامية” في دول الجوار يمثل موردا ماديا هاما له تأثيرا في المشهد الداخلي خاصة بعد البيعة التي قامت بها جماعة أنصار بيت المقدس للدولة الإسلامية منذ شهور وهذا يترجم في دعم مادي ومعنوي وموارد تتوجه للداخل.

بالإضافة لما سبق نجد توافر عدة موارد رمزية تساعد على استمرارية عمليات العنف بل والحشد باتجاع نزاع مسلح منها:

1- خطاب المحنة والابتلاء: والذي تصاعد كرد فعل على مواجهات النظام ضد كتلة كبيرة من التيار الإسلامي مما دفعهم باتجاه التعامل مع المشهد بالسياسي باعتباره محنة للحركة الإسلامية بل وحرب على الإسلام. وهناك جانب آخر يعكسه تبني هذا الخطاب وهو دورة البارز في الحفاظ على التماسك الداخلى لجماعات منغلقة وعقائدية – مثل جماعة الاخوان المسلمين وغيرها – بدافع التوحد ضد مواجهة الخطر الخارجي وبذلك يكون هذا الخطر دافعا غير مباشر لزيادة حالة الصراع.

2- عقلية الأخذ بالثأر: مثل فض اعتصام رابعة العدوية في أغسطس 2013 وما رافقه من سقوط ضحايا بالإضافة لمن سقطوا في المواجهات التالية التي تمت بين النظام والإخوان وداعميها ، كذلك المعتقلين وما تعرضوا له من تنكيل فضلا عن تعرض أسرهم كذلك، مثل كل ذلك بحسب كثير من المراقبين عاملا أساسيا أدي إلى زيادة الشحن النفسي ضد النظام حيث ينعكس ذلك في جنوح البعض لأعمال عنف متعددة المستويات ثأرا مما حدث لهم ولذويهم.

3– تنوع المشاركين: أدت حالة العنف المتعددة المستويات سياسيًا ومجتمعيًا وقضائيا ودينيًا على الإخوان المسلمين وداعميها إلى خلق حالة من التعاطف العام معها ضد النظام من قبل الكتلة السائلة غير المؤطرة تنظيما من الإسلاميين.

ماذا بعد ؟

بعد العرض السابق للمسارات المتوقعة لمآلات الأزمة السياسة في مصر نرى من واقع الأحداث أن النموذج الأقرب لحدوثه – وفق معطيات الواقع – هو استمرار المعركة الصفرية بين الطرفين، حيث تنبع دوافع النظام من هذا السيناريو هو شعوره أن الصراع الدائر حاليا “صراع بقاء” ، و “معركة صفرية” لكل الأطراف لذا يسعى للإستمرارية بغض النظر عن النتائج الفعلية لذلك. فمع استمرار الفعاليات التي تقوم بها الجماعات المعارضة ضد النظام رغم سقوط ضحايا في صفوفها ، ويستمر النظام في مواجهاته المستمرة ضدها حتى يدفعها جبرا إلى الاختفاء من المشهد.

وهنا يطرح تساؤل حول امكانيات تحول الأزمة الآنية إلى نزاع مسلح ؛ وهذا يتوقف على مستوى شده العنف الذي ستصل له أطراف الأزمة ، فطبقا للبروتوكول الثاني من اتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية – يتحدد مستوى شدة العنف في ضوء مؤشرات من قبيل مدة الاشتباكات المسلحة وخطورتها، وطبيعة القوات الحكومية المشاركة، وعدد المقاتلين والقوات المنخرطة في النزاع، وأنواع الأسلحة المستخدمة، وعدد الإصابات ومقدار الأضرار الناجمة عن القتال. ويتم تقييم مستوى تنظيم الجماعات المسلحة من خلال تحليل عوامل مثل وجود سلسلة للقيادة والقدرة على إصدار وإنفاذ الأوامر وعلى التخطيط لعمليات عسكرية منسقة وشن تلك العمليات، وعلى تجنيد مقاتلين جدد وتدريبهم وتزويدهم بالأسلحة والعتاد.

وبتطبيق القواعد القانونية على المشهد الآني نرى أن احتمالات الوصول لهذه المرحلة كبيرة ، يتطلب القانون الدولي الإنساني تحقق معيارين لكي يوجد نزاع مسلح غير دولي/داخلي هما: أن يتوفر لدى الجماعات المسلحة المنخرطة حد أدنى من التنظيم، وأن تصل المواجهات المسلحة إلى مستوىٍ أدنى من الحدة.

فمن خلال مماراسات النظام نرى أن أداء النظام إجمالا يغذي نزعات العنف بدرجات مختلفة ، فخلال كلمة ألقاها الرئيس عبد الفتاح السيسي في ندوة للقوات المسلحة، تعليقا على الاعتداءات التي تمت في سيناء أواخر يناير المنصرم دعا المصريين لـ”الثأر لضحايا الإرهاب”، وقال: ” لن أكبل أياديكم للثأر لشهداء مصر الذين راحوا في الأعمال الإرهابية الجبانة، وأنتم من ستأخذون بثأر مصر، وأنتم من سيحميها ويدافع عنها” وخصص 10 مليار جنيه لهذه المهمة.

وانعكاسا لأزمات “الدولة” وعنف النظام – بحسب ما يراه معارضوه – في إدارته للمشهد السياسي وجدنا عنفا مجتمعيا منه المؤيد للدولة ومنه المعارض لها ، ففضلا عن العنف المجتمعي العشوائي في السلوكيات اليومية وجدنا حالة منظمة نوعا مثل ما أعلن عنه باسم “حق شهدائنا في سيناء”، وما قامت به ضد أعضاء من الإخوان المسلمين وتمثلت في إستخدام زجاجات “مولوتوف” في حرق سيارات أعضائها كما حدث في محافظتي دمياط وبني سويف. أيضا انعكست السياسات الداخلية والتقارب البادي مع رموز عصر مبارك وسياساته في ظهور حركة أخرى تحمل اسم “العقاب الثوري” هاجمت تجمعات للشرطة “دفاعًا عن ثورة 25 يناير”.

وتشير ممارسات النظام السياسية والقانونية ضد معارضيه بمختلف توجهاتهم إلى أمرين:

الأول: يؤكد أنه يرى عدم حاجته الفعلية لقوى سياسية داعمة حيث يعتمد على تجييش الجماهير عاطفيا من خلال خطابات الرئيس ، كذلك استخدامه للأثار السلبية لعمليات العنف الدائرة في دفع الجمهور للإلتفاف حول النظام وتأييد سياساته.

والثاني: أنها ستؤدي به نحو مزيد من الخسارة سواء المادية – باستمرار المواجهات الأمنية ضد جماعة الاخوان المسلمين وحملات الاعتقالات والضحايا التي تسقط في مظاهراتها. أيضا الخسارة السياسية والمتعلقة بتناقص القوة السائلة الداعمة لها – إسلامية أو غير إسلامية – نتيجة فقدان أي تقدم فعلي على أرض الواقع فلم تتحسن الأوضاع اقتصاديا أو أمنيا ، فضلا عن معاناة كثيرين من الموقف الأمني والقانوني ضدهم.

على الجانب المقابل نجد أن تحولات في بنية بعض القوى الإسلامية الفكرية بتبنيها لفكرة العنف بدرجاته وسيادة فكرة التكفير لدى بعض قواعدها من ضحايا النظام وذويهم من غير الإسلاميين حيث تكونت لديهم دافعية للإنتقام مما لحق بهم حيث أصبحوا بمثابة الكتلة السائلة التي تُغذي التنظيمات الجهادية المتواجدة والتي ليس أمامها بديلا عمليا سوى إستمرار تصعيدها ضد النظام مستفيدة من أخطاء سياساته المستمرة في الحشد ايجابيا.

وبالإضافة إلي ذلك هناك حشد سلبي تتمتع به القوى الجهادية فإن كانت أدبيات الجهاديين – كما في كتاب إدارة التوحش لأبو بكر ناجي – ترى “عدم التعويل في حركتهم على الشعوب في الجملة بسبب ما أحدث الطواغيت في بنيتها، وإن كان ذلك لا يمنعهم من محاولات استقطاب أخيار هذه الأمة من بين الشعوب ، وهذا دور السياسة الإعلامية إما في الحصول على تعاطفهم ، أو تحييدهم على الأقل”. فإن ناجي يضيف: “فعلى فرض أننا نحتاج لمعركتنا الطويلة حتى تنتهي كما نريد – بإذن الله – نصف مليون مجاهد – افتراضاً – فإن إمكانية ضم هذا العدد من أمة المليار أسهل من ضمهم من شباب الحركة الإسلامية الملوث”.

وإن كنا نرى أن تحقق أطروحة النزاع المسلح يتوقف على تبني التنظيمات الإسلامية – خاصة جماعة الإخوان المسلمين- فكرة العنف رسميا وعندها ستضاف كتلة بشرية أكبر – لطبيعة التنظيم- في صفوف القوى الجهادية مما سيكون له أكبر الأثر في تحقق هذا النزاع خاصة في ظل وجود دعم خارجي نتاج الارتباطية بين تنظيم “الدولة الإسلامية” و”ولاية سيناء” / أنصار بيت المقدس سابقًا وما يترتب عليه من مساعدات مادية أو دعم تكتيكي واستراتيجي.

وهنا يدور تساؤل حول آلية التصعيد المنتظر القيام بها من قبل منتهجي العنف ، فطبقا لرصدنا فتقريبا هناك تشابهات كبيرة في الممارسات – والمنطلقات الفكرية – الدائرة في العام الأخير وبين الخبرة التاريخة للجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد في الثمانينات والتسعينات ، حيث نجد نفس الآليات في التنفيذ سواء بالتصفية الجسدية المرتبة أو التفجيرات، وإن كان هناك إختلافًا في استهداف قوات الجيش، وجزء كبير من هذا الاختلاف يعود إلى المشهد الداخلي في سيناء والمواجهات المتبادلة بين أنصار بيت المقدس والجيش المصري.

وتطرح ممارسات الدولة الاسلامية في العراق والشام ووجود فرع لها في “سيناء” تساؤلاً حول تداعيات ذلك في الحراك الداخلي ، بداية نرى أن داعش عمدت إلى إسقاط كافة مظاهر الدولة في المناطق التي سيطرت عليها لإعادة بناء مؤسساتها الخاصة كبديل في ظل انهيار الدولة وغياب مقاومة شعبية محلية. ولعدة أسباب نستبعد امكانية تحقق ذلك النموذج في مصر بسبب:

طبيعة الدولة العميقة: فرغم عيوب تمدد الدولة المركزية في الحياة المصرية وما تبعها من جوانب سلبية إلا أنها تظل قوام الدولة الراسخ وأداه قد تظل عصية على الأنظمة في حال إذا كانت من خارج إطارها وفي تعاملها مع نظام محمد مرسي نموذجًا.

الحاضنة الشعبية: يمثل غياب الحاضنة الشعبية الداعمة لأي نموذج داعشي في مصر سببا في فشل أي حراك عنيف فرغم مآخذ قطاعات كبيرة على النظام الحاكم -وغيره من الأنظمة- إلا أن ذلك لا يعني تأييدهم لأي خروج مسلح عليه ، قد يكون هناك حياد في بعض الفترات أو الحوادث إلا أن ذلك لا يكون بصورة مطلقة. فرغم توافر حواضن شعبية للجماعة الإسلامية والجهاد في الثمانينات والتسعينات إلا أنها ظلت مؤقتة ولها ظروفها الذاتية وليست أمرا مطلقا يمكن الركون إليه مستقبلا عند تكرار المواجهات وفي سيناء وغيرها من المناطق التي تعرضت لأعمال عنف من قبل “الأنصار”.

كيفية الخروج من الأزمة

لتفادي هذا السيناريو الذي يسير إليه المشهد السياسي المصري نرى أن على النظام مسئولية كبيرة في ضرورة التهدئة وإبقاء قنوات اتصال مفتوحة مع القوى المعارضة ،كذلك توقف حملات الاعتقال المستمرة ضد القوى المعارضة له ، فضلا عن ضرورة حسم ملف المعتقلين خاصة من تم اعتقالهم عشوائيا أثناء مشاركاتهم في المظاهرات. وبالتوازي مع كل هذا نرى أن عليه مسئولية كبيرة فيما يخص إعادة تهيئة الأوضاع العامة لإستيعاب القوى الإسلامية عامة والإخوان المسلمين خاصة بعد الحرب الإعلامية والسياسية الشرسة ضدها كي يحجم أي إمكانية لتحول التنظيم نحو العنف رسميا، وأيضا ليقلل من أسباب البعض للتحول باتجاه جماعات العنف. كذلك العمل على الحد من رموز عهد مبارك التي بدأت تعود للحياة السياسية بدرجات متفاوتة ، وإعادة محاكمتهم ، بالإضافة إلي محاكمة المتورطين في المواجهات الدامية التي تعرضت لها الجماعة كبادرة حسن نية مع التوافق على نسبة للقوى المعارضة في البرلمان.

ويرتبط إقرار ما سبق بأمرين:

الأول: يتوجب على جماعة الإخوان المسلمين إعادة تقييم الأوضاع داخل التنظيم وخلق حوار داخلي للدفع بالتنظيم إلى تهدئة بشروط مع النظام من أجل الوصول لحل ، ويجب أن يشاركها في هذا التوجه القوى الثورية المعارضة للنظام كي يتم التوافق على نقاط بيعينها وهذا يتوجب أن يجتمع طرفي المعارضة ضد نظام السيسي خاصة أن كل طرف ينتظر أن يتنازل الطرف الآخر عن بعض مواقفه وباستمرار غياب الحوار بين الطرفين وشروط ما قبل التفاوض فإن هذا يحول دون الوصول لحسم للأزمة ،سواء ما يخص عودة مرسي أو مدى استعدات القوى لشبابية لتحمل ضريبة هذه الأزمة ، فلكي يكون هناك تنازل يجب أن يجلس الطرفين مع بعض ويتناقشوا ، وهذا لم يحدث.

أماالأمر الثاني في إقرار التوجهات الأنية فنرى أن هذه الخطوات الداخلية يجب أن تدعمها مبادرات هامة وعلى أعلى مستوى سواء من القطاعات المتحالفة مع النظام والتي ترى خطورة استمرار التصعيد فضلا عن موافقة النقابات المهنية والشخصيات العامة الداعية للتهدئة. كذلك ضرورة وجود ضمانات لتنفيذ التهدئة وتساعد على تفيذ هذه التوافقات سواء من قبل مؤسسات إقليمية مثل جامعة الدول العربية ، كذلك الإتحاد الأوربي والولايات المنحدة الأمريكية.