بينما شيعت مصر ضحايا تفجيري كنيستي مارجرجس في مدينة طنطا بمحافظة الغربية ومار مرقس بمحافظة الإسكندرية، دخلت الكويت على «خط كشف المعلومات المثيرة»، وأوضحت مصادر أمنية لـ«القبس» أن المتهم الرئيسي في تفجير الإسكندرية، دخل البلاد في أكتوبر 2016 بتصريح عمل على إحدى شركات التجارة العامة والمقاولات، وعمل محاسباً فيها، إلى أن استدعاه جهاز أمن الدولة بناء على معلومات وردته من نظيره المصري، وخضع لتحقيقات مكثفة حول علاقته بداعش، وبعد التثبت من تورطه، اتُخذ قرار إبعاده، ليتم تسليمه إلى السلطات المصرية
جريدة القبس الكويتية

عقب إصدار تنظيم الدولة الاسلامية «داعش» بيانه حول منفذ عملية تفجير الكنيسة المرقسية بالإسكندرية، أثناء القداس الجنائزي لأحد الشعانين، فجرت جريدة «القبس» الكويتية مفاجأة بنقلها عن مصادر أمنية كويتية أن منفذ العملية «أبو إسحاق المصري» تم القبض عليه بواسطة الأمن الكويتي وتسليمه للأمن المصري.

ورغم أن بيان الداخلية الصادر في 12 أبريل/ نيسان الحالي قال إن أبو إسحاق ليس منفذ العملية، وإنما شخص آخر يدعى محمود حسن مبارك، إلا أن ما قالته الجريدة الكويتية كشف سلسلة طويلة من الإجراءات التى اتبعتها النظم العربية على مر التاريخ لوأد التحركات الشعبية ضدهم.


أبو إسحاق المصري.. ليس الأخير

طبقاً لجريدة «القبس» فإن أبو إسحاق المتهم الرئيسي بتفجير الكنيسة المرقسية، دخل الكويت في أكتوبر 2016 بتصريح عمل في إحدى شركات التجارة العامة والمقاولات، وتم استدعاؤه من طرف جهاز أمن الدولة، بناء على معلومات وردته من نظيره المصري، وخضع لتحقيقات مكثفة حول علاقته بـ«داعش»، وبعد التثبت من تورطه، تم اتخاذ قرار ترحيله وتسليمه إلى سلطات بلاده.

واستغربت المصادر إفراج الأمن المصري عن المتهم عقب تسلمه من الكويت، فالمعلومات التي جرى تبادلها بين السلطات الأمنية في البلدين، أكدت ضلوعه في الانتماء إلى «داعش»، وتواصله مع قياداته في الخارج، ومع ذلك أصبح حراً طليقاً هناك،حسب الصحيفة الكويتية.

وإن صحت رواية القبس فأبو إسحاق ليس أول المتطرفين الذين تم الإفراج عنهم من قبل سلطات الأمن المصرية، فقد شهدت السنوات التالية لثورة 25 يناير وحتى 30 يونيو 2013 العديد من قرارات الإفراج عن قيادات الجهاد.

ورغم أن الخطاب الأمني المصري ينسب هذه القرارات إلى محمد مرسي، فإن مراجعة قرارات العفو والإفراج عن أعضاء التنظيمات الاسلامية تكشف أن مرسي لم يصدر سوى قرار عفو واحد ضم 27 إسلاميًا منهم 9 من قيادات جماعة الإخوان الموجودين خارج مصر، والبقية كانوا من قيادات التنظيمات الجهادية، بينما أفرج المجلس العسكري عن 858 جهاديا سابقا.

ففي فبراير / شباط 2011، تم الافراج عن 61 قياديا بجماعة الجهاد الإسلامية بينهم 19 من أبناء سيناء طبقاً لمحامي الجماعات الإسلامية إبراهيم علي.

وكان ثاني قرارات الإفراج في مارس/ آذار 2011 بعد شهر واحد من سقوط مبارك، حيث قالت وزارة الداخلية على صفحتها الرسمية ما يلي «استمراراً للسياسة الحالية لوزارة الداخلية والهادفة فى أحد محاورها إلى فحص ومراجعة ملفات كافة المعتقلين السياسيين والجنائيين، وتأكيداً على حرص الوزارة على احترام أحكام القضاء والمحافظة على حقوق الإنسان وصون حرياته الأساسية.. قام قطاع مصلحة السجون منذ أول فبراير الماضى بالإفراج عن عدد 904 معتقلين جنائيين، وعدد 755 معتقلا سياسيا».

ولم يتوقف الأمر على ذلك، فقد سمحت الدولة لقيادات الجهاد الصادر ضدهم أحكام من القضاء العسكري بتقديم تظلمات وطعون على الأحكام،وتم الإفراج عن عدد منهم وفقاً لذلك منهم، وكان من بينهم محمد سلامة مبروك الذي أفرج عنه بعد إسقاط القضاء العسكري للأحكام عنه، وليس بقرار من محمد مرسي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، وهو من يصفه الأمن الوطني بأنه زعيم تنظيم أنصار بيت المقدس.

وبالإضافة إلى قرارات الإفراج فإن النظام سمح لـ3000 جهادي بالعودة لمصر من البوسنة والشيشان وأفغانستان في شهر مارس/ آذار 2011 ، طبقاً لإبراهيم علي، محامي الجماعات الإسلامية لصحيفة المصري اليوم.

وعقب سقوط نظام مرسي فإن حكومة حازم الببلاوي أعلنت تشكيل لجنة لمراجعة كافة قرارات العفو وتخفيف العقوبة التي وقعت أثناء حكم مرسي.


بشار الأسد يحفظ نظامه بالمتطرفين

كان سقوط نظام مبارك في مصر، وقبله نظام بن علي في تونس مخيفاً لنظام بشار الأسد، لذا فمنذ اللحظات الأولى للثورة السورية كان تعامل النظام السوري دمويًا للغاية، وبرر بشار الأسد ذلك بأن ما يحدث ليس ثورة شعبية، وإنما تحركات من جماعات إرهابية.

هذه التصريحات تثير الكثير من الاستغراب، خاصة وأن بشار قد اصدر في مارس/ آذار 2011 أي بعد شهر واحد من اندلاع الثورة السورية التي يتهمها بالإرهاب قراراً بالإفراج عن 260 معتقلا من سجن صيدنايا ذي السمعة السيئة تبين بعدها أن أغلبهم من الجماعات التكفيرية، وهو الأمر الذى قام به في يونيو/ حزيران من العام نفسه.

وطبقاًللكاتب السوري سامر مختار، فإن المتطرفين الذين برزوا على سطح الثورة السورية، لا ينتمون بأي شكل من الأشكال للثورة السورية، مشيراً إلى نظام الأسد قام بتاريخ 31 مايو/آيار 2011، بالإفراج عن أربع شخصيات من سجن صيدنايا بموجب عفو عام، وهم: زهران علوش قائد لواء الإسلام سابقًا، وحسّان عبّود «الملقّب بأبي عبد الله الحموي»، قائد حركة أحرار الشام، وعيسى الشيخ، قائد لواء صقور الإسلام، وأبو محمد الفاتح الجولاني، أمير «جبهة النصرة».

ومن بعد خروج هؤلاء، ظهر الخطاب الديني المتشدد، الذي بدأ بالتأثير في الثورة السورية، ونتج عن ذلك الكتائب المسلحة التي تم ذكرها، مثل جبهة النصرة، وباقي المجموعات الإسلامية التكفيرية.

استخدام التكفيريين ضد الثورة السورية لم يكن أول ما قام به نظام الأسد.

فقد نشرت صحيفة «لونوفيل أوبسيرفاتور» الفرنسية تحقيقاً عن سجن صيدنايا السوري قالت فيه إن النظام بداية من عام 2003 قام بالإفراج عن العديد من المتطرفين الإسلاميين مقابل إرسالهم إلى العراق لتنفيذ عمليات ضد الاحتلال الأمريكي، وكذلك للبنان للالتحاق بجماعة «فتح الإسلام» عقاباً لها على طرد الجيش السوري من أراضيها، وأنه بمجرد عودة هؤلاء من دول الجوار بعد تنفيذ المهام الموكلة لهم فإن المخابرات السورية تتلقفهم مرة أخرى لإعادتهم للسجون.

ما قالته الصحيفة الفرنسية،أكدته مجلة «دير شيبجل» التى نشرت تقريرًا مطولاً في 2013 عن كيفية سيطرة الإعلام السوداء كناية عن «داعش» على الثورة السورية، قائلة إن نظام الاسد قام باستخدام المتطرفين ضد القوات الأمريكية في العراق.

وهو ما تسبب في تهديد واشنطن بضرب دمشق طبقاً لتسريبات ويكيليكس، وأن هؤلاء المتطرفين ما أن عادوا إلى سوريا حتى قام نظام الأسد بإعادتهم مرة أخرى إلى السجون وهو ما تسبب في شعورهم بالخيانة، مؤكدة في تقريرها إفراج نظام بشار عن عدد من المتطرفين.


ليبيا: السحر ينقلب على القذافي

في 2008 كان نظام القذافي مستقرا إلى حد كبير، ورغم ذلك فإن الوضع لم يخلُ من تحركات أغلبها خارج ليبيا للمناوئين لحكمه خاصة من «الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا»

هذه التحركات دفعت بالقذافي إلى محاولة تقليل أعدائه، بالإضافة إلى خلق حالة من التخوف من سيطرة الإسلاميين، وهو ما دفعه ليحذو حذو مصر في المراجعات الفكرية.

و دخل القذافي في مفاوضات مع قادة «المقاتلة» في السجون لتشجيعهم على الدخول في مراجعات لأفكار التكفير والعنف، مقابل الإفراج عنهم على أمل إغلاق ملفهم للأبد وهي الدعوة التي لاقت قبولا عند تلك القيادات كان من أبرزهم عبدالحكيم بلحاج، ونتيجة الحوار التصالحي أعلنت مؤسسة «القذافي» للتنمية برئاسة سيف الإسلام القذافي الإفراج عن ثلث المعتقلين من الجماعة المقاتلة بعد عام واحد من إعلان أيمن الظواهري انضمام المقاتلة للقاعدة.

إلا أن هذه الخطوة انقلبت على القذافي، فبعد اندلاع الثورة الليبية، تصدر قادة الجماعة المقاتلة الميليشيات الليبية كونهم ذات خلفيات عسكرية اكتسبت من خلال الحروب التي خاضوها في أفغانستان وباكستان، وهو ما أسفر عن سقوط القذافي ومقتله، كما أشارت تقارير أمنية إلى تورط بلحاج في اغتيالات لمثقفين أبرزهم شكري بلعيد في تونس.

ويمكن القول إن الافراج عن المتطرفين كان وسيلة الأنظمة العربية لوأد الربيع العربي، ففي سوريا تحولت الثورة لنموذج مخيف لما يمكن أن تؤول له الدول التواقة للثورة، بينما أصبحت العمليات الإرهابية في مصر وسيلة لبث كراهية ثورة يناير بتحميلها ما جرى جراء الإفراج عن المعتقلين، بينما في ليبيا رغم فشلها في الإبقاء على نظام القذافي إلا أنها حولت البلاد إلى مرتع لكل التنظيمات الإرهابية وتهديد للدول المجاورة.

المراجع
  1. من فك أسر الجهاديين؟!
  2. هل كان مرسي على حق في العفو عن الإسلاميين؟
  3. Former Prisoners Fight in Syrian Insurgency
  4. 4 مليارات دولار وأشياء أخرى: الدور السعودي الكبير في إجهاض الثورة السورية
  5. «لو نوفيل أوبسيرفاتور» تفضح خبايا أقبية النظام هكذا أسّس بشار «جبهة النصرة» و«فتح الإسلام» من سجونه