هو أول سؤال تبادر إلى ذهني خلال متابعتي لجنازة «شيمون بيريز»، وتفقد صور رئيس السلطة الفلسطينية، «محمود عباس» أبو مازن، ووزير الخارجية المصري «سامح شكري».

وهنا تذكرت قول الشاعر العراقي «أحمد مطر»:

ليسَ منّا هؤلاء إنهم منكَ فإنْ وافَوكَ للتَّطبيعِ طَبِّعْ مَعَهُمْ واطبَعْ على لَوحِ قَفاهُمْ ما تَشاءْ. ليسَ في الأمرِ جَديدٌ نَحنُ نَدري أنَّ ما أصبحَ تطبيعاً جَلِيّاً كانَ طبْعاً في الخَفاءْ! وَلَكُمْ أن تَسحبوا مِفرشَكُمْ نحو الضُّحى كي تُكمِلوا فِعْلَ المَساءْ. شأنكُمْ هذا ولا شأنَ لَنا نَحنُ بِما يَحدُثُ في دُورِ البِغاءْ!

عصر «ما بعد التطبيع»

في البدء، في عصور القومية العربية، كان التقصير في دعم القضية الفلسطينية، وعدم مواجهة العدو الإسرائيلي عار وخيانة.

وفي عصور ما بعد القومية العربية، اقتصر تعريف العار والخيانة على التفاوض مع العدو، وتوقيع الاتفاقات معه.

وفي عصور الانفتاح والعولمة، صار من الجائز توقيع الاتفاقات السياسية مع العدو، بغرض استرداد الحقوق العربية، واستجابة لموازيين القوى. ولكن دون تطبيع كامل العلاقات مع العدو، أي مجرد سلام على الورق.

وفي عصور ما بعد الانفتاح والعولمة، صار من المقبول إقامة تطبيع اقتصادي، وعلاقات سرية، استجابة لحركة التجارة العالمية، وانفتاح الأسواق، ولكن بالطبع لم يعني هذا إقامة تطبيع ثقافي بين الشعوب. وبالطبع كان دعم القضية واجباً إلزامياً ظاهرياً في كل هذه المراحل.

ولكن، مع مرور الوقت، تم اكتشاف أن الشعب الفلسطيني لا يستحق الدعم والمساندة، وأن مناصرة قضيته تعني حرمان «الشعب اليهودي» من الحياة الطبيعية، وأنه من الظلم أن يمتلك العرب 22 دولة، ولا نقبل بامتلاك اليهود لدولةٍ واحدةٍ.

صار مصطلح التطبيع بكافة أشكاله، من قبيل الماضي، فحل محلها، إقامة علاقات تحالف وتعاون متميزة. انتقلت العلاقات السرية إلى العلن، وصارت إسرائيل دولة صديقة.

مرحباً بك في عصر ما بعد التطبيع.

تدوينة وزير الخارجية البحريني بعد وفاة بيريز


عميل المخابرات السوفيتية المحب لـ «إسرائيل»

العميل السابق للمخابرات السوفيتية، والرئيس الحالي للسلطة الفلسطينية، محمود عباس، آثر أن يحضر بنفسه، إلى جانب وفد فلسطيني رسمي جنازة بيريز.

لم يتوقع أحد من عباس أفضل من ذلك، فهو الرجل الذي وصم المقاومة بالإرهاب، وحاربها في كافة ربوع فلسطين، كبَّل حرية بني وطنه، وقيّد جهادهم، ومنع تظاهراتهم.

لم يتأثر يوماً لسقوط شهيد، شابًا كان أو شيخًا، طفلًا أو امرأةً، لم يذرف الدمع، ولم يبدي الأسى أو حتى الانزعاج.

ويمكن رصد ثلاثة مشاهد في جنازة بيريز تُعلل لك ما سبق:

1. صافح نتنياهو عباس، خلال الجنازة، في لقاء علني يندر حدوثه بين الرجلين. ونشر المتحدث باسم نتنياهو مقطع فيديو على موقع «تويتر»، يقول فيه عباس، وهو يصافح نتنياهو باللغة الإنجليزية: «من الجيد رؤيتك، مضى وقت طويل»، بينما شكره نتنياهو وزوجته سارة على حضوره.

2. خلال مراسم تشييع الجنازة احتضن عباس ابنة شيمون بيريز، وبدا عليهما التأثر في تلك اللحظة.

3. خلال جلوس عباس مع قادة الدول انهمرت دموعه حزناً على وفاة بيريز، وهو ما دفع أحد الحضور لمواساته.


بطل موقعة الجزيرة

في آخر صيحاته، وبعد زيارته المدوية إلى القدس، ومقابلة رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو»، في زيارة رسمية، اتسمت بالدفء.

طل علينا وزير الخارجية المصري، أثناء مشاركته في جنازة شيمون بيريز، باكياً شديد التأثر. وهو أمر جديد ملفت، ليس لأنه صادر من وزير خارجية الدولة العربية الأكبر، وصاحبة العداء التاريخي مع إسرائيل، ولكن، لأن هذا الأمر قلما نجده يحدث في جنازات كبار قادة العالم.

«سامح شكري» هو وزير الخارجية الأضعف في تاريخ مصر، والتي تُصنف مواقفه وتصريحاته بأنها الأغرب والأكثر تناقضًا في تاريخ الخارجية المصرية، سواء في قضية مقتل الطالب الإيطالي ريجيني، أو مقتل السياح المكسيكيين، أو في التعامل مع ملف سد النهضة.

لك أن تتخيل أن وزير خارجية دولة بحجم مصر، بما تمتلكه من ملفات خارجية ضخمة، تكون أبرز إنجازاته هي إلقاء ميكروفون قناة الجزيرة من أمامه عدة مرات، أثناء مؤتمراته الصحفية.


كيف تصبح قوميًا في عهد السيسي: «فريدة الشوباشي» نموذجًا

تدوينة وزير الخارجية البحريني بعد وفاة بيريز
تدوينة وزير الخارجية البحريني بعد وفاة بيريز

معضلة شديدة الصعوبة، هي تلك التي تواجه مؤيدو نظام السيسي حاليًا في مصر، حينما يحاولوا تبرير سياسات النظام، وترويجها لدى الرأي العام. ولكن المعضلة الحقيقية، هي التي تواجه أصحاب الأيديولوجيات منهم، خاصة الناصرية والقومية، كيف لهم أن يحافظوا على نقاء مبادئهم، دون مواجهة النظام، بل عبر دعمهم له.

«فريدة الشوباشي» تقدم الحل، حيث تمكنت ببراعة من الخروج من مأزق مهاجمة النظام نتيجة حضور وزير خارجيته لجنازة بيريز، وهو ما كان من المفترض أن يتم وفقاً لناصريتها وقوميتها.

وذكرت في أحد تدويناتها على موقع الفيس بوك: «يا تري محمد مرسي حاسس بإيه بعد وفاة صديقه العظيم والذي تمنى لبلاده الرغد !!؟؟».

يا تري محمد مرسي حاسس بايه بعد وفاةصديقه العظيم والذي تمني لبلاده "الرغد !!؟؟"

Gepostet von Farida Alchoubachy am Freitag, 30. September 2016

في إشارة إلى خطاب اعتماد سفير مصر في «إسرائيل» في عهد مرسي، والذي بدأ بجملة «عزيزي وصديقي العظيم». متجاهلة تماماً تعامل النظام الحالي مع جنازة بيريز، بما في ذلك بكاء وزير الخارجية المصري.

أمّا الإعلامي تامر أمين، فقد ذكر أن عباس حضر جنازة بيريز «غصب عنه، لأن تلك هي السياسية»، مضيفًا «مثل سامح شكري اللي متأكد من جواه إنه كاره شيمون بيريز وكاره اليوم اللي شافه فيه وكاره تاريخه مثلنا بالظبط، ولكنه ليس المواطن سامح شكري بل اسمه وزير الخارجية المصري». وتابع «مصر موقعة اتفاقية سلام مع إسرائيل، وبحكم تلك الاتفاقية لابد أن يتواجد سامح شكري في الجنازة».

كما علق الإعلامي خيري رمضان، على الهجوم الذي شنه البعض على شكري، وحالة الحزن التي ظهر عليها، قائلاً: «إن من امتى بنشوف وزير الخارجية فرحان». وأضاف «هو الناس كانت فاكرة أن سامح شكري رايح إسرائيل يغظهم في العزاء ويزغرط يعني؟، أنتم ليه مصرين تخبوا رأسكم في الرمل ليه مش وخدين بالكم أن العلاقات مع إسرائيل طيبة الآن وإن فيه مجاملات بروتوكولية لازم تتم؟».


أعتقد أن الختام الأفضل قد يكون بعض مما ورد في مقالة في صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، للكاتب البريطاني روبرت فيسك:

عندما عرف العالم أن شيمون بيريز قد مات، صرخوا «ها قد مات صانع السلام!» لكن عندما عرفت أنا أن بيريز قد مات، لم أفكر سوى في الدماء والنار والمذبحة. لقد رأيت نتائج المذبحة: أطفال رضع ممزقين، لاجئون يصرخون، وأجساد مشتعلة. كان ذلك في مكان يدعى قانا. حالياً، يقبع معظم الضحايا الـ 106، ونصفهم من الأطفال، تحت معسكر الأمم المتحدة في المكان الذي مزقتهم فيه القذائف الإسرائيلية إلى أشلاء.