افتتحت النيويورك تايمز تقريرها اليوم عن نفقات العائلة السعودية المالكة بالإشارة إلى قصر الملك سلمان الذي ينهض على الساحل الأطلسي في مدينة طنجة بالمغرب. فعلى الرغم من أن الحكومة السعودية قد ألغت مشاريع تبلغ قيمتها حوالي ربع تريليون دولار، إلا أن العمال في هذا المنتجع تم حثهم للانتهاء من مهابط الهيليكوبتر ذات اللون الأزرق البراق.

تستمد العائلة الحاكمة في السعودية نفقاتها من عوائد النفط الذي اكتشفت احتياطاته الضخمة في السعودية قبل أكثر من 75 عاما. ورغم انخفاض أسعار النفط الذي أثر بشدة على اقتصاد المملكة، لم يتعرض نمط الحياة الباهظ للعائلة المالكة وقبضتها على المملكة إلى أي هزة تبعا لذلك.

«لدى الشعب القليل من المال مقارنة بما مضى، لكن لدى العائلة المالكة نفس الثروة»، هكذا صرح الأمير السعودي، المقيم بألمانيا، خالد بن فرحان آل سعود، بحسب التقرير.

وقالت النيويورك تايمز أن العائلة تعيش توترًا حيث يقودها ملك في الثمانينات من عمره، تعرض لسكتة دماغية مرة واحدة على الأقل، وقد تسبب إنهاؤه التقليد السعودي الخاص في توريث العرش لأبناء الملك عبد العزيز، عبر تولية العهد لاثنين من الأحفاد، هما ابن أخيه، الأمير محمد بن نايف، وابنه المفضل محمد، واستبعاد شخصيات مرموقة من العائلة من مواقعهم السيادية في السلطة، في شقاقات داخل العائلة. هذا علاوة على المشكلات التي تقع وراء حدود المملكة، خاصة في اليمن.

تمثل عائدات شركة النفط الوطنية السعودية، أرامكو، شريان الحياة للإنفاق الحكومي. ويقول التقرير أن مقترح ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بخصخصة الشركة، وطرح أسهمها في بورصات نيويورك ولندن، بمقاومة من بعض أفراد العائلة.

أدى هذا إلى تراجع حاد في الإنفاق الحكومي في السعودية، وقد صرح أنس القصير، المتحدث باسم وزارة الإعلام السعودية، بأن الأمراء يشاركون تلك المعاناة، إذ تم خفض مخصصاتهم، بحسب التقرير. إلا أن التقرير ينقل أيضا عن ستيفن هيرتوج، الأستاذ المساعد بمدرسة لندن للاقتصاد، وصاحب كتاب: «أمراء، وسطاء وبيروقراطيون»، قوله: «في عهد الملك سلمان، بدا الأمراء مرة أخرى يتمتعون بالمزيد من الامتيازات المادية، بينما لم يمس لب نظام المخصصات [للعائلة المالكة]».

تنقل النيويورك تايمز عن دانيا سينو، الوكيل العقاري لدىبيل ديمور دي فرانس، أنها باعت مؤخرا شقة تبلغ مساحتها 11000 قدم لأمير سعودي بمقابل يبلغ 30 مليون دولار. تظهر سجلات الملكية في باريس كذلك، بحسب التقرير، أن الملك سلمان يمتلك دستة من الشقق هناك، تبلغ قيمتها نحو 35 مليون دولار، فضلا عن قلعته الفاخرة بساحل الريفيرا، وقصره بماربيلا الأسبانية.


مملكة النفط

تحت عنوان «مملكة النفط»، قالت النيويورك تايمز أنها حاولت عبر مقابلات مع دبلوماسيين ومديرين وأفراد من العائلة السعودية، أن تصل إلى حجم إنفاق العائلة المالكة، لكن إجمالي ثروة العائلة ظل من الصعب إحصاؤه، نظرا للسرية التي تحيطها، وضخامة العائلة، وانتشار رؤوس أموالها حول العالم.

فعلى الرغم من عائدات النفط الضخمة، إلا أن السعودية لا تتمتع بنفس غنى جاراتها الصغيرات، كقطر والكويت، وفقا لنصيب الفرد من الناتج القومي، نظرا لتعداد شعوب تلك البلدان، مقارنة بنحو ثلاثين مليون سعودي.

كما يمثل حجم العائلة الضخم مشكلة أخرى في حجم وتوزيع إنفاق العائلة، فلا يتمتع كل أفراد العائلة بنفس المستوى المعيشي كما يوضح التقرير. وقد ذكر جوزيف كشيشيان، صاحب كتاب «التوريث في السعودية»، أن حجم العائلة يتراوح بين 12000 و15000 أمير. كما صرحت الأميرة السعودية بسمة بنت سعود قبل خمس سنوات أن تعداد العائلة المالكة يصل إلى نحو 15000. لكن أنس القصير يؤكد بالمقابل أن العدد لا يتجاوز 5000، وهو ما تقول نيويورك تايمز أنه قد يرجع إلى الخلاف حول مدى صلة القرابة بالعائلة.


الانغماس داخل درج النقود

تحت عنوان «الانغماس داخل درج النقود»، تقول النيويورك تايمز أن أفراد العائلة المالكة يعتمدون على المخصصات، الوظائف الحكومية والمناصب في مجال الأعمال التي يحوزونها نتيجة مكانتهم والاتصالات التي تتيحها لهم.

وتتراوح منح العائلة بحسب التقرير بين 270000 دولار شهريا لأبناء الملك المؤسس، و8000 دولار لأحفاد أحفاد أحفاده. علاوة على منح زواج تبلغ مليون إلى ثلاثة ملايين دولار. ووفقا لتسريبات ويكيليكس قبل خمس سنوات، فإن حجم المخصصات بلغ حوالي 2 مليار دولار من الميزانية العامة التي تبلغ حوالي 40 مليار دولار، أي حوالي 5% من الإنفاق العام.

وقال القصير للنيويورك تايمز أن إجمالي حجم المخصصات حاليا يبلغ نحو 10 مليار ريال سعودي، ما يعادل تقريبا 2.7 مليار دولار، يذهب أكثرها للقيادات القبلية والمحلية، لا إلى أفراد العائلة المالكة.

بينما صرح الأمير السعودي الوليد بن طلال إلى السفير الأمريكي بأن عائدات نحو مليون برميل نفط تذهب يوميا إلى برامج خارج الميزانية تضخع للتحكم المباشر من قبل الملك ومجموعة من الأمراء الكبار. لكن القصير صرح قائلا: «أيا كان ما تجنيه أرامكو فإنه يوجه إلى الخزانة العامة للدولة».

يبقى الخط الفاصل بين العائلة والدولة غائما بحسب النيويورك تايمز التي تضرب مثالا في تقريرها على ذلك بالمخصصات من الأراضي للأمراء الذين تمتد ممتلكات أحدهم رويدا رويدا فإذا به يضم ما قد يصل إلى 30 ميل من الأرض.

تشير النيويورك تايمز إلى مقابلة شهيرة في 2007 أجريت مع الأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي في الولايات المتحدة على مدى سنوات طويلة، دافع فيها عن الفساد في المملكة، قائلا: «إذا قلت لي أن بناء كل ذلك البلد تكلف نحو 350 مليار دولار من 400 مليار دولار قيل أنها أنفقت فيه، بما يعني أن 50 مليار دولار قد أسيء استخدامهم أو اختلسوا، سأقول لك: ’نعم‘»، مضيفا: «لكنني سأقبل بهذا على كل حال».


’خط أحمر‘

تقول النيويورك تايمز أن الملك عبد الله قد حاول كبح جماح تجاوزات العائلة، وأن الخطوط المجانية التي تمتع بها آلاف الأمراء والأميرات تم قطعها، كما تم خفض الرحلات المجانية لأفراد العائلة التي كان يحظى عبرها العديد من المرافقين بسفر مجاني فضلا عن إعادة بيع قدر من تلك التذاكر بهدف الربح، كما قاوم الملك السيطرة على الأراضي وسوء استغلال نظام الفيزا.

حاول الأميران سلمان ونايف مقاومة تلك السياسة، بحسب التقرير، لكن أخاهما الأمير سلطان، حذرهما من معاداة الملك باعتبارها ’خطا أحمر‘، فإن لم تتماسك العائلة، فإن ذلك سيكون خسارة للجميع.

لعب سلمان بحسب النيويورك تايمز، دور المراقب للعائلة المالكة بوصفه حاكم الرياض، حد سجن من يعيث منهم في الأرض فسادا. «فعندما كانت تقع مشكلة داخل العائلة، أو سلوك مشين من أحد الأبناء، كان من يتدخل لحل المشكلة وتلطيف الأجواء هو سلمان» بحسب شاس فريمان، السفير الأمريكي السابق في الرياض.

لدى الملك سلمان عدة أبناء، من بينهم أول رائد فضاء عربي. ابنه الأمير أحمد يمتلك الحصان الأصيل War Emblem، الفائز بسباق دربي كنتاكي، وقد كان رئيس المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، شركة الإعلام التي تستخدم لحماية صورة العائلة المالكة. فأخبار من نوعية اقتناء أميرة لمشتريات بنحو 20 مليون دولار في باريس عام 2009، لن تصل إلى الخليج العربي لأن العائلة تحكم قبضتها على الإعلام.

كما يضمن الملوك مساندتهم عبر العطاءات للرعية كما تقول النيويورك تايمز. فقد أنفق الملك عبد الله، على خلفية مواجهة الربيع العربي، نحو 130 مليون دولار في الرواتب والبرامج الاجتماعية، كما أنفق الملك سلمان نحو 32 مليار دولار.


الجيل القادم

تحت عنوان «الجيل القادم»، ناقشت النيويورك تايمز الخلافات الحالية داخل العائلة المالكة، مشيرة إلى الخطاب الذي نشره أحد أبناء الملوك السابقين داعيا أعمامه لإزاحة عمه الملك سلمان، قبل أن ينشر بعدها بأسبوعين خطابا يقول فيه أن 100 مليار دولار قد خصصت لأبناء الملك الجديد، بينما تقع عائدات نحو 2 مليون برميل نفط يوميا في يد ولي ولي العهد، لكن القصير قال أنها خطابات زورها شخص يقيم في لندن.

كما اختفى ثلاثة أمراء كانوا يقيمون في الخارج بمجرد وصول الملك سلمان إلى السلطة، ويعتقد أنهم أعيدوا إلى السعودية، لكن القصير ينفي كونهم في الحبس أو قيد الإقامة الجبرية.

في أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت الحكومة عن إعدام أحد الأمراء الصغار على خلفية ارتكابه لجريمة قتل. الحادثة قرأها البعض كرسالة إلى الشعب بأن أحدا لا يمكن أن يكون فوق القانون، بينما قرأها آخرون كرسالة إلى العائلة نفسها بأنهم سيدفعون ثمن أفعالهم.

تشير النيويورك تايمز كذلك إلى حرص الأمراء في السنوات الأخيرة على شراء البيوت في الخارج وفقا لنصيحة أردفان أمير-أصلاني، المحامي الذي نصحهم باقتناء عقارات في باريس لتأمين أماكن لهم إذا ما اضطروا لمغادرة السعودية.

لكن العائلة تعلم جيدًا أن عليها أن تتحد بأية طريقة، فكما يقول فورد فريكر، السفير الأمريكي الأسبق في السعودية والرئيس الحالي لمجلس سياسة الشرق الأوسط. «السباحة سويًا أو الغرق سويًا» بحسب تعبيره، «هو أمر راسخ في شفرتهم الوراثية».