لا يخفى على أحد الأهمية الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط في الحسابات الدولية عامة، والأمريكية خاصة. مثلما لا تخفى الأدوار الإقليمية التي تسعى القوى المؤثرة في المنطقة إلى ممارستها لا سيما كل من إيران والسعودية.

فالولايات المتحدة الأمريكية لها عدد من المصالح الحيوية والارتباطات الوثيقة في عموم منطقة الشرق الأوسط ومع العديد من دولها، وتعي جيدًا أهمية اعتماد سياسات فاعلة للحفاظ على هذهِ المصالح في ظل تطورات وأحداث متسارعة تمر بها المنطقة تتنوع بين اسقاط انظمة حكم وازمات امنية وتدهور اقتصادي وحروب أهلية وتصاعد في أعمال العنف وانقسامات دينية – مذهبية تؤججها التدخلات الاقليمية ناهيك عن تنافس وصراع إقليمي ودولي على كسب النفوذ في المنطقة العربية بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام.

السعودية وإيران: أي الشرطيين أكفأ؟

في خضم تطورات الربيع العربي اقتضت المصالح الأمريكية أن تتعامل السياسة الأمريكية مع قضايا المنطقة بما يحقق هذهِ المصالح، ويظهر أمام الولايات المتحدة الأمريكية الصراع السعودي – الإيراني في أهم ملفين من ملفات الربيع العربي هما: ملف الأزمة السورية والملف اليمني، هذا الصراع الإقليمي – الإقليمي ذي الإشكال المتعددة: سياسية ودينية واقتصادية وعسكرية، والأبعاد المختلفة: داخلية وإقليمية ودولية، له تأثير لا يمكن أن تتجاهله الولايات المتحدة الأمريكية ولا مجال لها إلا التعامل معه بالشكل الذي من المفترض أن تضمن به الحفاظ على مصالحها وعلاقاتها في المنطقة.

ثمة تحولات في علاقات الولايات المتحدة بالقوتين ذوات النفوذ الأكبر في المنطقة؛ إذ تتحول السعودية بفضل سياساتها إلى دولة أقرب للمارقة بمواقفها المتصلبة في سوريا واليمن بينما تتصالح إيران مع الشيطان الأكبر

فالمملكة العربية السعودية هي أقدم حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من حصول فتور في العلاقات الثنائية بين الدولتين واختلاف في وجهات النظر حول عدد من قضايا المنطقة، وهو ما حصل في ظل إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أما إيران فهي أحد الدول المارقة في المنظور الأمريكي، وفي المقابل ترى إيران أن الولايات المتحدة الأمريكية هي “الشيطان الأكبر”، بيد أن هذا “الشيطان” في ظل إدارة أوباما أيضًا قد فتح المجال لها لمد نفوذها في المنطقة العربية، وكانت إدارة أوباما سببًا في التوصل إلى حل أعقد قضايا إيران الدولية المتمثلة بــــــ “البرنامج النووي الإيراني” عندما تم عقد اتفاق دولي لمعالجته.

ومن هنا تظهر تعقيدات التعامل في السياسة الأمريكية مع السعودية وإيران وصراعهما المعقد في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة بالأزمات والغنية بالثروات. والصراع السعودي – الإيراني ليس وليد اللحظة وإنما يعود إلى العام 1979 عند قيام الثورة في إيران ووصول نظام ديني للسلطة في طهران يخالف نظام الحكم السعودي في المذهب، واختلط ما هو سياسي بما هو ديني في هذا الصراع الذي احتوى على ملفات ساخنة وتطورات مختلفة، وتدخلات في الشئون الداخلية غالبًا ما تقوم بها إيران. هذا الصراع احتدم في ظل تطورات “الربيع العربي” وبشكل خاص في اليمن وسوريا وأخذ طابعًا عسكريًا طغى على الجوانب السياسية والاقتصادية.

المصلحة الأمريكية تحجيم الخصمين:

جاء الانخراط السعودي في اليمن على شكل تدخل عسكري، خاصة عندما انقلب الحوثيون على الحكومة الشرعية واستولوا بقوة السلاح على العاصمة صنعاء والعديد من المدن اليمنية، وتمثل هذا الانخراط بقيادة السعودية لعملية “عاصفة الحزم” التي أعادت الرئيس اليمني هادي عبد ربه والحكومة اليمنية إلى عدن ولا زالت العملية مستمرة بهدف القضاء على التمرد الحوثي، أما إيران فهي الداعم الرئيس للحركة الحوثية في اليمن وتقدم لهم العون سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.

دعمت الولايات المتحدة الأمريكية السعودية في معالجتها للملف اليمني على حساب النفوذ الإيراني في اليمن وتعزز التعاون الاستخباري السعودي – الأمريكي لتحديد الأهداف المحتملة لغارات تحالف “عاصفة الحزم”، والموقف الأمريكي هذا جاء من دوافع اهمها: دعم الحليف السعودي لإعادة الشرعية في اليمن، مساعدة السعودية في تقليص النفوذ الإيراني في اليمن، وإنجاح الجهود الأمريكية في مواجهة تنظيم القاعدة.

الأزمة السورية: توازن حذر وصراع ممتد

وعند الحديث عن الصراع السعودي – الإيراني في الازمة السورية يظهر جليًا التناحر بين الدولتين والتناقض بينهما في التعاطي مع الأحداث والتطورات السورية الجارية، فالسعودية تدعم المعارضة السورية السياسية والمسلحة وتسعى إلى توليها زمام الامور والسلطة في سوريا، أما إيران فإنها وقفت إلى جانب نظام الاسد وقدمت له الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري من اجل انقاذه والحفاظ عليه.

هنا اختلف الموقف الأمريكي من الصراع السعودي – الإيراني في سوريا عن الصراع بين هاتين الدولتين في اليمن. وبأن الانحياز الأمريكي هناك عندما دعت الادارة الأمريكية إلى معالجة الخلافات بين الرياض وطهران، او على اقل تقدير عدم تطورها وتصعيدها اكثر مما هي عليه، اذ ترى واشنطن أن الصراع السعودي – الإيراني لن يصب في المصالح الأمريكية، كون واشنطن تستفيد من علاقاتها مع الرياض لا سيما في المجال الاقتصادي والنفطي، بينما تحاول تحسين علاقتها مع إيران بعد توقيع الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني في يوليو الماضي.

تسعى الولايات المتحدة إلى عدم تطور الصراع السعودي- الإيراني إلى أبعد مما وصل إليه من توتر إذ هذا ليس في صالحها ومن ثم اعتبار تهدئة هذا التوتر شرطا للحل في سوريا واليمن

هذه المعطيات رأت فيها الإدارة الأمريكية دافعًا لتحقيق الموازنة في علاقاتها مع كل من المملكة العربية السعودية وإيران فيما يخص الأزمة السورية، فالصراع السعودي – الإيراني من وجهة النظر الأمريكية يعرض العلاقات الأمريكية – السعودية للتدهور في ظل إدارة اوبأما التي طالبها السعوديون باتخاذ خطوات أكثر قوة تجاه إيران، فضلًا عن الخشية الأمريكية من أن تنعكس الأزمة السورية على سياستها في الشرق الأوسط لا سيما عملية التسوية في الأزمة السورية أو في القضية الفلسطينية.

يضاف إلى ما سبق أن الصراع السعودي – الإيراني وصل إلى التأزم مؤخرًا على خلفية الموقف الإيراني من إعدام السعودية لأحد مواطنيها وهو رجل الدين الشيعي نمر النمر وما تبعها من اعتداءات على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران، الأمر الذي جعل إدارة باراك أوباما أمام خيارات ضيقة في تعاملها مع هذا الصراع: بين المصالح الأمريكية في المنطقة وأهمية الحفاظ عليها، وبين الاتفاق النووي مع إيران واهمية إنجاحه، وخشيتها من خسارة حليف مثالي وقوي في المنطقة وهو السعودية.

وبقدر تزايد حدة التدخلات الدولية والصراعات الإقليمية وفي مقدمتها الصراع السعودي – الإيراني تضعف فرص إنجاح تسوية الأزمات الإقليمية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية في ظل تراجعها عن اتخاذ سياسات حازمة لحسم ومعالجة هذهِ الازمات بشكل عادل وانساني.

ومن المتوقع استمرار المشهد الاقليمي الراهن بتعقيداته الحالية وربما دخول أطراف أخرى على خطوط الأزمتين السورية واليمنية إلى حين تغيير الإدارة الأمريكية الحالية بأُخرى تُعيد اندفاعها في قضايا الشرق الأوسط بعيدًا عن سياسة الانكفاء التي اعتمدتها إدارة أوباما وأضعفت قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على التأثير في تطورات الأحداث في منطقة الشرق الوسط لصالح منافسيها الدوليين وفي مقدمتهم روسيا، والاقليميين وفي مقدمتهم إيران وحلفاءها من غير الدول، وذلك كله على حساب الدول العربية ومنهم حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية كدول الخليج العربي وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية التي بدأت تتخذ مواقف وسياسات بعيدًا عن المواقف الأمريكية.