أبيجيل هيجنز30 يناير 2015 | واشنطن بوست

كالوكول، كينيا – تعتمد معيشة فيليب تيوكو على بحيرة فيروزية ضيقة، ولكن يبدو أن انحسار مياهها يتزايد كل يوم، لقد احتضنت قريته، المعتمدة على أنشطة الصيد، الشاطئ ذات يوم، ولكنها الآن أصبحت على بعد 800 قدم منه، وصار كل شيء – الماء، الطعام والعمل – في سبيله إلى الجفاف.

يتذكر تيوكو، 46 عامًا، عندما كانت البحيرة غزيرة الأسماك. إنها بحيرة توركانا، أكبر بحيرة صحراوية في العالم، في تلك الفترة، كانت الأمطار كافية لمعيشة ماشيته. يقول تيوكو: «كنت أمتلك الكثير من الحيوانات، فقد كانت البحيرة ممتلئة، والحياة طيبة».ولكن معدل الأمطار آخذ بالتراجع بمنطقة توركانا، شمالي غرب كينيا، منذ عقود. والآن، أصبح الجفاف يضرب بلا انقطاع؛ فمنذ ربع قرن مضى، أودت إحدى موجات الجفاف بقطيع غنمه. حيث جفت الأنهار التي توصل مياه الشرب.
مع نمو قلق العالم بشأن آثار الملوحة في الأفق للتغير المناخي، تبدو المخاطر واضحة بالفعل في مناطق أفريقية، كتوركانا.
ارتفعت درجات الحرارة بمقدار نصف درجة سلزيوسية على الأقل خلال الفترة بين الـ 50 والـ 100 عام الماضية في معظم أجزاء أفريقيا، ويتوقع أن تزيد بمعدل أسرع من المتوسط العالمي في القرن الحادي والعشرين، وفق تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهي الجهة الدولية الرائدة بهذا الشأن. يعلق معظم العلماء بأن تلك الزيادة ترجع إلى انبعاثات الغازات الدفيئة، التي هي من صنع الإنسان.
واشنطن بوست
واشنطن بوست
عانت توركانا طويلًا من الجفاف الدوري، وتباينت مستويات مياه البحيرة على مر السنوات. ولكن النمط غير المنتظم لهطول الأمطار يشير إلى التوقعات العلمية بشأن تأثيرات التغير المناخي.يرى العلماء أن معدلات الاحتباس الحراري ستستمر على الأرجح في الارتفاع، حتى مع إفلاح العالم في الالتزام بتعهداته التي وقعها الشهر الماضي في باريس، ضمن معاهدة تاريخية مميزة تهدف إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة.في أفريقيا، قد تصبح آثار درجات الحرارة المرتفعة مثيرة بشكل خاص. فبحلول منتصف القرن، سيؤدي التغير المناخي على الأرجح إلى خفض عائدات محاصيل الحبوب الرئيسية في جنوب الصحراء الكبرى بنسبة تتجاوز 20 بالمئة، وفق تقارير الهيئة.«يُتوقع أن تكون أفريقيا القارة الأولى في مواجهة الانحرافات المناخية، وبشكل أكثر خطورة من أي منطقة أخرى»، وفق ريتشاد مونانج، منسق برنامج التغير المناخي الإقليمي بأفريقيا، التابع للبرنامج البيئي للأمم المتحدة.تؤدي مجموعة متنوعة من العوامل إلى جعل القارة معرضة للخطر بشكل خاص. فأفريقيا بطبيعتها متعرضة لطقس قاس، ويتكون ثلثا القارة بالفعل من الصحاري والأراضي الجافة. كما يعتمد الأفارقة بشدة على الموارد الطبيعية – ويشتغل 70 بالمئة من السكان على الزراعة بمياه الأمطار، وفق بيانات البنك الدولي. كذلك يعد الكثير من الدول الأفريقية أفقر من تحمل تكلفة إقامة مشروعات لمساعدة السكان في مواجهة التغيرات، كأنظمة الري المتقدمة.يوضح العلماء أن آثار الانحباس الحراري ستختلف؛ ففي بعض المناطق سيمتد الجفاف، وفي مناطق أخرى ستحدث فيضانات بفعل ارتفاع منسوب مياه البحر، مع ذوبان الأنهار الجليدية وتمدد المياه المالحة بسبب ارتفاع درجات الحرارة.«لا أعلم ماهية التغير المناخي، ولكنني أعلم بشأنه بسبب كل تلك التغيرات، كالجفاف المستمر واختفاء الفصول، إنها التغيرات التي تحدث بأرضنا. حياتنا تصبح أصعب، ونقف عاجزين أمام ذلك»، وفق حما تيوكو، جوزيف إكيمومور، وعمره 60 عامًا.
إيكاي لوبياك يمشي إلى المنزل حاملا جثة واحد من ماعز عائلته، الذي عثر عليه ميتا خارج مدينة كالاكول على الشاطئ الغربي لبحيرة توركانا في نوفمبر تشرين الثاني. حيث تحول الرعاة التقليديون لصيد الأسماك بأعداد أكبر من أي وقت مضى في السنوات الأخيرة بسبب الجفاف الذي أهلك قطعانهم من الماشية. (اميلي جونسون / لصحيفة واشنطن بوست)
إيكاي لوبياك يمشي إلى المنزل حاملا جثة واحد من ماعز عائلته، الذي عثر عليه ميتا خارج مدينة كالاكول على الشاطئ الغربي لبحيرة توركانا في نوفمبر تشرين الثاني. حيث تحول الرعاة التقليديون لصيد الأسماك بأعداد أكبر من أي وقت مضى في السنوات الأخيرة بسبب الجفاف الذي أهلك قطعانهم من الماشية. (إميلي جونسون /لصحيفة واشنطن بوست)

ارتفاع درجات الحرارة

تشتهر توركانا بلقب «مهد البشرية»، لأن أرضها تحمل أغنى سجلٍّ أحفوري بالأصول البشرية.يعيش تيوكو في نماكات، وهي قرية مكونة من الأكواخ المصنوعة على هيئة شجر البلوط. ومنذ عقدين، امتلك 200 من الماعز وجملين. وتزوج ثلاثًا من النساء، وهي علامة على ازدهار الحال في ثقافة توركانا.ولكن المنطقة كانت بالفعل في طريقها إلى الجفاف. فمنذ العام 1940 حتى العام الحالي، انخفضت معدلات الأمطار بنسبة 25 بالمئة في توركانا، بينما ارتفعت درجات الحرارة باستمرار، وفق بحث أجراه كريس فانك، عالم جغرافيا بجامعة كاليفورنيا. كما تظهر الأرقام التي حصلت عليها منظمة “هيومن رايتس واتش” من الحكومة الكينية أن درجات الجرارة في توركانا قد ارتفعت بمعدل يتراوح بين 3,6 و5,4 درجة فهرنهايت بين عامي 1967 و2012.”اعتدنا دائمًا حلول فترات الجفاف، ولكنها لم تقضِ على كل شيء. بل قد يتبقى لي خمسة من الماعز على الأقل، وعندها أستطيع أن أبدأ مجددًا، إلا أن الجفاف أصبح يقضي على كل شيء”، وفق تيوكو.لا يتذكر متى كانت تلك الفترة، لكنها على الأرجح كانت إبان جفاف عامي 1991-1992، الذي أثّر على مليون ونصف كيني. بينما تصمد حياة تيوكو الآن معتمدة على الصيد.يؤدي التغير المناخي إلى مفاقمة أزمات الجفاف؛ حيث خفضت درجات الحرارة المرتفعة معدلات هطول الأمطار في الفترة بين أبريل ويونيو في شرق أفريقيا عام 2014 بنسبة 11 بالمئة، وفق بحث فانك.

فيليب تيوكو مواطن من قرية ناماكات منذ 20 عاما كان يمتلك 200 رأس من الماعز واثنين من الإبل خسرها جميعا بسبب الجفاف واضطره للعمل بالصيد تصوير إيميلي جونسون لصحيفة واشنطن بوست

الحياة على حافة الخطر

فيليب تيوكو مواطن من قرية ناماكات منذ 20 عاما كان يمتلك 200 رأس من الماعز واثنين من الإبل خسرها جميعا بسبب الجفاف واضطره للعمل بالصيد تصوير إيميليجونسون لصحيفة واشنطن بوست
فيليب تيوكو مواطن من قرية ناماكات منذ 20 عاما كان يمتلك 200 رأس من الماعز واثنين من الإبل خسرها جميعا بسبب الجفاف واضطره للعمل بالصيد تصوير إيميليجونسون لصحيفة واشنطن بوست
اضطرت زوجة تيوكو، إليزابيث لومار، مؤخرًا إلى الركوع تحت شمس نهار توركانا الحارقة. حيث نجحت في صيد خمس سمكات بحجم كف اليد من نوع البياض النيلي داخل وعاء من الألومنيوم لنفسها ولأطفالها التسعة. لقد كانت زوجة تيوكو محظوظة بممارسة الصيد، حيث استطاعت توفير أولى وجباتهم بعد يومين من الجوع.اندفع أطفالها بين داخل وخارج الأكواخ المحبوكة من سعف النخيل. حيث يتواجد معظمهم بالمنزل خلال أيام الأسبوع لعدم وجود أي مدارس قريبة. بينما يقطع طفلاها الأكبرين مسيرة عدة ساعات ليصلا إلى المدرسة الثانوية، ولكن دون الأموال اللازمة لشراء الكتب أو الأزياء المدرسية، ما يجعلهما غير متأكدين من إمكانهما البقاء ملتحقين بالمدرسة.حمل شعر الأطفال لون بنسات الشعر المصقولة، وتميزت أسنانهم باللون الكهرماني. ويعرج أحد الأطفال، عمره 7 سنوات لإصابته بتقوس الساقين. تحدث تلك الحالات الشاذة بسبب مستويات الفلوريد المرتفعة في البحيرة، التي نجمت عن الأنشطة البركانية في الماضي، حسبما أوضح باحثون.تعلم لومار أنه على الأطفال ألا يشربوا من البحيرة، ولكن الأنهار الموسمية التي اعتادت أن تجمع منها مياه الشرب قد جفت. وعندما تتوافر الأموال، تقطع مسيرة ساعتين إلى أقرب بلدة لتشتري الماء.
يبدو الفرق بين الحياة والموت بالنسبة لشعب توركانا ضئيلًا جدًا، ويؤدي ذلك الوضع إلى جعلهم على الحافة بينهما”، وفق فيلكس هورن، الباحث بمنظمة هيومن رايتس واتش، الذي أجرى دراسة على توركانا.
بعد الموت لماعزه الأخير، نقل تيوكو عائلته لتصبح أقرب إلى البحيرة حتى يتمكن على الأقل من الصيد لتوفير الغذاء. وسار حماه وزوجته، ليا ناكادي، عمرها 58 عامًا، على خطاه. ولكن أعداد الأسماك في البحيرة قد تراجعت، ويرجع ذلك جزئيًا إلى انخفاض منسوب المياه.يُتوقع أن يصبح الوضع في المنطقة أسوأ، ليس فقط بسبب التغير المناخي. فقد أكملت إثيوبيا مؤخرًا بناء سد جيبي الثالث، الذي يتوقع علماء المياه أنه سيخنق حوض نهر أومو الإثيوبي، الذي يمثل مصدرًا لأكثر من 90 بالمئة من مياه بحيرة توركانا.ويتسائل إكيمومور: “في سني الحالي، أعد أيامي المتبقية فقط. سأموت قريبًا، ولكن ماذا عن أحفادي؟ أريد لهم مستقبلًا مشرقًا، ترى كيف ستكون حيواتهم؟”وأضافت زوجته: “ربما يعلم الله سبيل نجاتنا”.