يحكم الرئيس السوداني عمر البشير البلاد منذ 27 عامًا بقبضة من حديد، ويعتبر البشير الرئيس الأطول حكمًا في الشرق الأوسط من بين الرؤساء الذين تولوا الحكم على ظهر الدبابة وبقوة السلاح، فالرجل تولى الحكم عن طريق انقلاب عسكري على الحكومة الديموقراطية المنتخبة برئاسة رئيس الوزراء المنتخب في تلك الفترة، الصادق المهدي. وتحت مسمى مجلس قيادة ثورة «الإنقاذ الوطني»، جمع البشير بين منصب رئيس الحكومة ومنصب رئيس الدولة منذ 30 يونيو/حزيران 1989، وحتى اليوم.

وتدور حول البشير الكثير من الانتقادات والاتهامات المتعلقة بحقوق الإنسان، وغيرها من القضايا، فالرجل ارتكب ويرتكب جرائم وممارسات جعلته يدخل قائمة المستبدين العرب الأكثر تسلطًا، ناهيك عن انفصال الجنوب وتمزق السودان خلال حكمه، وجرائم الحرب في دارفور، فالبشير شجع ونشر الطائفية في البلاد، كما يملك نظامًا أمنيًا قويًا من أشرس الأنظمة الأمنية التي تستمتع بتعذيب والسطو على المواطنين، حسب شهادات عدد من المواطنين السودانيين.


الحراك الشعبي الواسع.. هو الحل!

تعرض البشير لانقلاب عام 1990، لكن الانقلاب فشل كليًا، وألقي القبض على 28 ضابطًا، وتم إعدامهم في محاكمات عسكرية، ما أكد أنه من السهل جدًا تنفيذ انقلاب عسكري على نظام مدني تعددي حاكم، ولكن من رابع المستحيلات وضرب من ضروب المغامرات أن ينجح تنفيذ انقلاب عسكري ضد أي نظام عسكري حاكم، فهذا هو الدرس الأول في كتاب الانقلابات، أما الدرس الثاني فهو: «أن النظم العسكرية في السودان، دائمًا تطيح بها الثورات الشعبية العارمة».

وقد تلا انقلاب 1990، الكثير من محاولات الانقلاب، ولكن جميعها باء بالفشل. فوفقًا للدرس الأول من كتاب الانقلابات، لن تجدى التحركات المسلحة أو الانقلابات نفعًا مع نظام يعلم جيدًا كيف تحدث الانقلابات، بالإضافة إلى إن البشير يتمتع بدهاء أكثر مما يبدو عليه.

ووفقًا للدرس الثاني من تاريخ انقلابات السودان، فإن الأنظمة العسكرية في السودان تطيح بها الثورات الشعبية العارمة، لذا فالتحرك الشعبي هو «الحل» للتخلص من نظام مستبد. وقد نجا نظام البشير من ثورات الربيع العربي، حيث شهدت البلاد احتجاجات طالبت بالتغيير على غرار ما حدث في مصر وتونس، ولكن لم ينتفض الشعب بالكامل، فقد حالت عدة أسباب دون ذلك، ربما منها أن البشير لم يدع لهم بديلا كعادة المستبدين، وكذلك تجارب الشعب السوداني مع الانتفاضات التي جعلت الكثير منهم يؤمنون بعدم جدوى الانتفاضة.

ولكن على الرغم من ذلك، لم يتخلَّ السودانيون عن خيار الانتفاضة (كخيار وحيد يجدي نفعًا مع نظام البشير)، فكان حراك سبتمبر 2013، حيث شهدت البلاد مظاهرات شعبية واسعة على خلفية رفع الحكومة الدعم عن الوقود. ولكن تعامل النظام السوداني مع المظاهرات التي وصفت بالأقوى منذ تولى البشير السلطة، أدى إلى فشلها، وسقط خلالها عشرات القتلى.

ويأتي العصيان المدني الأخير الذي أعلن عنه نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الجمعة 24 نوفمبر/تشرين الثاني، ليؤكد رغبة السودانيين في التغيير، وتأكيدًا على الخيار السلمي كحل لمواجهة نظام البشير، وكردة فعل على حالة الغلاء التي تضرب البلاد بعد رفع أسعار الأدوية إلى 300% بسبب ما أقرته الحكومة من تحرير لأسعار الدواء، ونتيجة لتعويم الجنيه السوداني ورفع الدعم عن الوقود والسلع الأساسية، لسوء الأوضاع الاقتصادية بعدما وصل معدل التضخم إلى 1.3% في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.


هل سيفشل عصيان السودان المدني؟

وفقًا لتاريخ انقلابات السودان، فإن الأنظمة العسكرية في السودان تطيح بها الثورات الشعبية العارمة، لذا فالتحرك الشعبي هو «الحل» للتخلص من نظام مستبد
ربما يلقى هذا الحراك مصير ما قبله من التحركات، حيث يتعمد النظام عدم الاستجابة أو حتى ذكر ما يحدث في البلاد وكأنه في عالم آخر

شهد اليوم الأول من العصيان المدني نجاحًا ملحوظًا، حيث خلت شوارع العاصمة الخرطوم من مظاهر الحياة، وخيمت عليها أجواء العصيان المدني، وأغلق العديد من المدارس، وتوقفت الكثير من الجهات الحكومية والخاصة عن العمل، وحقق اليوم الأول والثاني نجاحًا ملحوظًا، فالسودان الآن يعانى حالة من الغليان تحت تأثير حملة الاعتقالات الشرسة التي يقوم بها نظام البشير، فقواته الأمنية لا تستثني أحدًا، فالنساء والفتيات تصدرن الحراك عندما خرجن في مظاهرات 24 من الشهر الحالي تنديدًا برفع أسعار الدواء، وكذلك تصدرن حملة الاعتقالات.

بالإضافة إلى ذلك، انتشرت العديد من الفتاوى التي تحرم العصيان وتخوف منه، كما يحدث دائمًا مع جميع التحركات. أضف إلى ذلك انتشار عبارة «إحنا أحسن من سوريا والعراق» في إشارة إلى الخوف من الانزلاق في سيناريو سوريا والعراق بين السودانيين،، ولا يخفى على أحد أن الأطراف اللاعبة في سوريا والعراق أرادت أن تجعل منهما نموذجًا لوقف أي تحركات ضد الأنظمة، فقد أصبح سيناريو سوريا والعراق ورقة رابحة تلوِّح بها الأنظمة ضد شعوبها المطالبة بالحرية. يُذكَر أن الحكومة السودانية قامت بإغلاق قناة أم درمان الفضائية، وصادرت عددًا من الصحف.

وللأسف، ربما يلقى هذا الحراك مصير ما قبله من التحركات، حيث يتعمد النظام عدم الاستجابة أو حتى ذكر ما يحدث في البلاد وكأنه في عالم آخر، على الرغم من حملة الاعتقالات غير المبررة، ولكن حتى وإن لم يحقق هذا التحرك الهدف المنشود، فقد نجح في حلحلة الوضع الحالي، وأعطى زخمًا ولو نسبيًا لتحرك آخر، كخطوة أخرى في حراك سلمي (يحافظ على الأرواح) دون وقوع قتلى، فحتى الآن حقق الحراك زخمًا دون الكثير من الخسائر على غرار ما سبق من التحركات.

كما أن هذا الحراك يُحيي الأمل في «التحرك السلمي» لمواجهة الأنظمة المستبدة مع الحفاظ على الأرواح، ويعتبر نشطاء سودانيين أن العصيان المدني الخطوة الأولى في محاولة إسقاط النظام، فالعصيان المدني يُعتبر إحدى أهم أدوات المعارضة السودانية على مر التاريخ.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.

المراجع
  1. لمحة عن الرئيس السوداني
  2. السودان.. كتاب الانقلابات