محتوى مترجم
المصدر
philosophy now
التاريخ
2017/05/01
الكاتب
سيمون كولستو

يُقال إن الفلسفة تدفعها المخاوف من الفناء. إن كان يوجد ولو مقدار ضئيل من الحقيقة في هذا القول، إذًا فمن منظور نفعيّ محض يملك الفيلسوف سببًا جيدًا لأن يدعم عمل الأطباء وعلماء الصحة. فعمومًا، من المفيد حقًا الحصول على حبوب الصداع والأدوية المتاحة بغير وصفة طبية للمساعدة على تصفية الذهن من أجل التفكير أثناء الجلوس متكوِّمًا على كرسيّ مريح مُعانيًا من الإصابة بالبرد؛ ووجودُ المسعفين على نهاية خط الهاتف ومستشفى حسن التجهيز على نهاية طريق سيارة الإسعاف أمرٌ مفيدٌ بالأخص حين تطرأ وعكاتٌ صحيةٌ أشد خطورة. يعتمد الفلاسفة على الطب الحديث لتأجيل هلاكهم بما يكفي على الأقل لنيل فرصة الكتابة عنه.

نعوّل جميعًا على بقاء أطبائنا مطّلعين على أحدث التطورات ووصفها لنا وقت بروز حاجتنا إليها. للتبسيط الشديد جدًا، يتطور الطب الحديث بالطريقة التالية. أولاً، يكتشف عالم أكاديمي، يشتغل في أحد المعامل وتُموّله الدولة في الغالب، كيفية عمل جزء صغير من الجسم أو جهاز المناعة. بعدها يتحدث مع زملائه المشتغلين بالطب السريري، فيساعدون في تحويل الاكتشاف إلى تطبيق طبي مُحتمَل يمكن منحه براءة اختراع. بعد براءة الاختراع، تُنشر موجة من الأوراق العلمية شارحة الاختراع للعالم، بأمل جذب اهتمام شركة أدوية تجيز الاختراع للاستقصاء السريري. ثم يعقب ذلك فترة صمت مدتها عشر سنوات تنفق خلالها الشركة 100 مليون جنيه إسترليني أو نحو ذلك لتطوير الفكرة إلى منتج يمكن استخدامه وإثبات أنه يعمل من خلال التجارب السريرية. وأخيرًا، بالنسبة للاكتشاف الواحد من بين عشرة الذي يتمكن من النجاة خلال هذه العملية، يُطرح الدواء أو العلاج الجديد وسط سيل من الدعاية حيث تسعى الشركة لإقناع الأطباء لوصف – والأنظمة الصحية للدفع مقابل – العلاج المعجزة الجديدة. إذا عمل كل شيء حسب المخطط له، يستفيد المرضى، وتحصل المهنة الطبية على أداة جديدة، وتحقق شركة الدواء ربحًا ضخمًا، وينال العالِمُ الأكاديميُّ صاحبُ الفكرة تربيتةَ استحسان، وإذا حدث هذا في بريطانيا، فستعتبر دراسة حالة ذات تأثير ضمن إطار التميز البحثي (إذا كنت لا تعرف ما هذا، فلتسعد لأنك تعيش في العالم الحقيقي!).

عملية تطوير الطب بأكملها هي نصر لفلسفة التنوير العائدة في تاريخها إلى ويليام هارفي (1578 – 1657) أوائل المطبقين للفلسفة الميكانيكية على الجسم البشري

عملية تطوير الطب بأكملها هي نصر لفلسفة التنوير العائدة في تاريخها إلى ويليام هارفي (1578 – 1657)، الذي كان واحدًا من أوائل المطبقين للفلسفة الميكانيكية على الجسم البشري، ما نشأت عنه ولادة الفهم الحديث للطب. مع ذلك، تعتمد الثورة الطبية كلها بشكل حاسم على شيء واحد – الإيصال الدقيق للمكتشفات العلمية إلى الأطباء المعالجين للمرضى. ففي النهاية، بالكاد سيبدو اكتشاف علاج للسرطان مستأهلاً للجهد المبذول إذا لم تخبر أيًّا من الأطباء بشأنه.

طُور عددٌ من الوسائل لدعم هذا الإيصال في الأزمنة الحديثة، بدءًا أولاً بالأدبيات العلمية المعتمدة على مراجعة الزملاء. ثم تُترجم هذه إلى دورات تعليمية للأطباء، وتُلخص في دساتير الأدوية ونشرات المعلومات والمقالات الجديدة، وفي النهاية تُذاع على المواقع الإلكترونية والمدونات والتغريدات.

في حين يوجد بالتأكيد نقاد لـ«الطب المبني على الأدلة»، كما يعرف هذا المنهاج، وبالفعل هناك دجالون ومشعوذون يحاولون تقويض المنظومة لأجل مصالحهم الخاصة، إلا أن نجاحات المنظومة في الارتقاء بالطب واضحة تمامًا، على الأقل من ناحية معدلات الوفاة المتناقصة (نعني بهذا، تزايد متوسط عمر الوفاة)، والاستراتيجيات المحسّنَة كي يعيش الناس حياة أكثر راحة رغم أمراضهم.


تزييف الأدلة

مع ذلك، رغم النجاح المذهل للطب المبني على الأدلة، يُسمع لغطٌ بأن الأمور ليست كلها على ما يرام بداخل المنظومة. دعني أخبرك بثلاثة أمثلة:

جلاسكو وباروكسيتين

باروكسيتين (من أسمائه التجارية باكسيل وسيروكسات) هو نوع من مضادات الاكتئاب التي يشار إليها عادة باسم SSRI (مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية). جرى استخدامه على نطاق واسع منذ طرحه عام 1992، مما أدى إلى أرباح بقيمة عشرات البلايين من الدولارات حققتها الشركة المصنِّعة GSK (جلاسكوسميثكلاين).

مع ذلك، بعد عشر سنوات من طرحه، تسبب مُبلِّغٌ داخليٌّ في تحقيق نتج عنه أن اضطرت GSK لدفع غرامة بقيمة ثلاثة بلايين دولار والإجابة عن تهم جنائية [1]. كانت التهم بخصوص التسويق غير القانوني لعدد من الأدوية. في حالة باروكسيتين، تم الترويج لاستخدامه في حالات المرضى الأقل من 18 عامًا، بالرغم من ثلاث دراسات أسكتتها الشركة بيَّنَت أن الدواء ليس أفضل وفي بعض الحالات كان أسوأ بشكل ملحوظ من الدواء الوهمي. ربما أكثرهم إشانة، «دراسة 329»، التي أجريت في أمريكا الشمالية بين عاميّ 1994 و1998، والتي لم تفشل فقط في تبيين أيّ استفادة لـ188 مراهقًا المتناولين للعقار محل الدراسة، لكن سجلت ظهور آثار ضارة أكثر بخمس مرات على المشتركين المتناولين لعقار الدراسة مقارنةً بالعقار الوهمي، من بينها زيادة في السلوك الانتحاري، وقد أُدخلت سبع حالات للمستشفى كنتيجة لذلك [2].

نظرًا للأرباح الضخمة المتحققة من وراء هذا العقار، استأجرت GSK شركةَ علاقات عامة لتزوير ورقة علمية [3] تشرح الدراسة 329. هوّنت شركة العلاقات العامة من الاكتشافات، فلم تُبلغ عن أيٍّ من النتائج أو الآثار السلبية الخطيرة، واستنتجت أن: «عقار باروكسيتين يتحمله الجسم بشكل جيد عمومًا وهو فعّال لعلاج الاكتئاب الشديد في المراهقين». هذا التقرير المخادع، بمجرد نشره، استخدمته الشركة في حملة تسويق وقدمت الدليل التبريري للأطباء كي يصفوا الدواء بثقة لمرضاهم الصغار المعرَّضين للخطر ملايين المرات قبل إخضاع GSK للمساءلة أخيرًا [4].

لوركاينيد وتزييف النتائج

كان لوركاينيد عقارًا مضادًا لاضطراب ضربات القلب، طُوِّر لمعالجة عدم اتساق ضربات القلب الحادث بعد الإصابة بنوبة قلبية. في 1993 نُشرت دراسة تصف كيف مات تسعة رجال من المستخدمين للعقار في التجربة السريرية الأصلية، مقارنة بواحد فقط من المستخدمين للعقار الوهمي. للأسف، كانت هذه الورقة المنشورة عام 1993 تبلغ عن نتائج دراسة أجريت بالفعل سابقًا في 1980. حاول مؤلفو هذه الورقة نشرها في وقتها، لكن بما أنها كانت دراسة سلبية عن عقار تم إيقاف تطويره على أيّ حال، رفضتها الدوريات الطبية الكبرى.[5]

للأسف، على مدى العقد التالي جاء عدد من شركات الأدوية الأخرى بالفكرة ذاتها. على ما يبدو، لاحت فكرة عقار مضاد لاضطراب ضربات القلب بعد نوبة قلبية سليمة تمامًا لكل المعنيين، وبما أنه لم تكن هناك تحذيرات خاصة بشأن هذا الاتجاه في الأدبيات العلمية، دفعت هذه الشركات بعقاراتها إلى السوق. قُدِّر أنه قد مات حوالي مائة ألف شخص في الولايات المتحدة وحدها بلا داعٍ.[6]

بحلول عام 1993 كانت مخاطر هذا الاتجاه واضحة جدًا، وتمكن أخيرًا مؤلفو التجربة السريرية الأصلية عام 1980 من نشر نتائجهم.

أكذوبة التاميفلو

في 2009 سيطر الخوف على العالم الغربي بسبب تفشي فيروس H1N1 «أنفلونزا الخنازير». حيث لم يكن متاحًا أيّ تطعيم في الحال، خَزَّنت الحكومات مضادًا عامًا للفيروسات يدعى تاميفلو (أوسلتاميفير في الولايات المتحدة). بحلول يونيو 2009، أعلنت الحكومة البريطانية أن لديها ما يكفي من التاميفلو لحماية أكثر من 50% من السكان، وواصلت شراءه حتى 2013 من أجل حماية 80% من السكان، بتكلفة تحمّلها دافعو الضرائب بقيمة 424 مليون جنيه إسترليني. لسوء الحظ، 74 مليون جنيه إسترليني من هذا المخزون توجب تدميره لسوء حفظ السجلات.[7]

وأسوأ من هذا أن مراجعة منهجية للدليل وراء الفاعلية السريرية لتاميفلو كشفت أن ثماني من ضمن عشر تجارب استخدمتها الشركة لتبين أن العقار مفيد في منع مضاعفات كالالتهاب الرئوي لم يحدث أبدًا أن راجعها الزملاء أو تم نشرها. فقد اكتفى الأطباء، وبالنتيجة الحكومات، بالاعتماد على كلام تسويقي يدّعي وجود تجارب ناجحة لهذا الدواء، بدلاً عن فحص الدليل الحقيقي لفاعليته.

ضف على ذلك، حين كتب المراجعون المنهجيون تقريرًا يستعرض التجربتين المنشورتين بجانب الخبرة السريرية الفعلية أثناء تفشي أنفلونزا الخنازير، أبلغوا أن تاميفلو لم يظهر من الفوائد السريرية إلا الشيء القليل جدًا.[8] كان هذا أكثر من مجرد خبر يؤسف له نظرًا للمبالغ الكبيرة من أموال دافعي الضرائب التي أنفقت في تخزين العقار.

لكان لطيفًا الاعتقاد بأن هذه ثلاثة أمثلة منفردة لما أصبح معروفًا تخفيفًا بـ«التحيز التبليغي» أو «تحيز النشر». هذه هي الأسماء المعطاة للميل المفهوم نوعًا ما للإبلاغ عن تجارب الأدوية الناجحة بتوسعٍ وتفصيلٍ أكبر من تلك غير الناجحة. مع ذلك، تُظهر مراجعة جديد أجراها باحثون ألمان دليلاً على التحيز التبليغي في علاجات لـ«الاكتئاب، والاضطراب ثنائي القطب، والفصام، واضطراب القلق، واضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة، والزهايمر، والصداع النصفي، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وقرح المعدة، والقولون العصبي، وسَلَس البول، والْتِهابُ الجِلْدِ التَّأَتُّبِيّ، وداء السكري من النوع الثاني، وفَرْطُ كوليسترول الدَّم، واضطرابات الغدة الدرقية، وأعراض انقطاع الطمث، وأنماط متنوعة من السرطانات (مثل: سرطان المبايض، والورم الميلانيني)، وأنماط متنوعة من العدوى (مثل: فَيروسُ العَوَزِ المَناعِيِّ البَشَرِيّ، والأنفلونزا، والالتهاب الكبدي الوبائي B)، والإصابات الحادّة».[9]

ليس الأمر أن أيًّا من هذه العلاجات خطير بالضرورة أو غير فعال، بل إن التجارب التي أجريت إمّا ليست في الأدبيات العلمية إطلاقًا، أو لم يتم الإبلاغ بها كاملة. يُلمِّح هذا إلى أن هناك معلومات عن تلك الأدوية غير متاحة عن عمد لطبيبك حينما يكتب وصفته الطبية لك.


قضايا فلسفية

عندما يكتشف الناس أمر هذه المشكلة الضخمة لكن غير المعروفة نسبيًا، تكون الاستجابة المعتادة هي السخط الشديد. وبالفعل، أصبح الطبيب والصحافيّ بن جولديكر مشهورًا إلى حد ما بعد محاضرة TED التي ألقاها عن هذا الموضوع وكتابه شركات الأدوية السيئة (2012). هناك أيضًا حركة شعبية متنامية تترأسها منظمة Sense About Science بحملتها «Alltrials» التي يبدو أنها تحرز تقدمًا بإلزام ممولي الأبحاث والدوريات العلمية وحتى شركات الأدوية بإتاحة كل مكتشفاتهم البحثية. وفي هذا الصدد، ربما يستحق الذكر أن شركة GSK تفوقت على أقرانها في بذل كلٍ من الجهد والمال لضمان ألّا تُلام مجددًا.

كذلك، بسبب الانتقاد الشديد لعدم تعاملهم مع النتائج كما ينبغي، صاغ محررو الدوريات الطبية بيان CONSORT (المعايير الموحدة للتبليغ عن النتائج) الملزم لهم بمعايير أشد صرامة، حتى أنهم بدأوا إصدار دوريات مخصصة لنشر النتائج السلبية. بدأ المراقبون أيضًا العمل في بعض الدول بتغيير السياسات لتستوجب حاليًا تسجيل كل التجارب السريرية على قواعد بيانات متاحة علنًا قبل تطوع أيّ مريض للمشاركة بها (رغم أنه من الملاحظ أن هذا للتجارب الجديدة فقط، لا التجارب القديمة، التي يقوم عليها الأساس المنطقي لأغلب الأدوية المستخدمة في الوقت الحالي).

ومن ناحية الإجراءات المتخذة بشأن هذه القضية، فإن مكتبة كوكرين هي البطل الحقيقي، بدعمها للمراجعات المنهجية للعلاجات الدوائية، جامعةً الكثير من الأدلة التي كشفت الآن الحجم الحقيقي للمشكلة الكامنة في قلب الطب الحديث.

لكن، من وجهة نظر فلسفية، إن شعور الكثيرين بالغضب والسخط المبررَين لدى اكتشافهم القضية وحجم التحيز التبليغي هو أمر مثير للانتباه في الواقع. تقريبًا كل من أجرى تحقيقًا بشأن هذه القضية، وأنا من ضمنهم، اعتبر الأمر مباشرة مسألة أخلاقيات بحث، وبدأ التساؤل عن كيفية أو سبب اعتلال المنظومة. بالفعل، تم اقتراحُ تحسينِ لجانِ أخلاقياتِ البحثِ للمراجعة وعمليات المراقبة كحلٍ مُحتَمَل للمشكلة على المدى الطويل.

مع ذلك، من المثير للاهتمام فلسفيًا اعتبار أغلب الناس بشكل تلقائي هذا الأمر مشكلة أخلاقية، حيث يوحي بوجود افتراض عام بضرورة اختلاف طريقة الإعلان والتسويق للأدوية والعلاجات الطبية مقارنة بالمنتجات الاستهلاكية الأخرى كالشامبو أو أجهزة الكمبيوتر. لكن ما الداعي لهذا الاختلاف؟

ربما أحد التفسيرات هو أنه مادامت المنتجات الطبية تؤثر على حياة وسلامة الناس مباشرة، فإنه يُتوقع من المصنّعين والبائعين لها معيارٌ أخلاقيٌ أعلى. قد يتضح هذا الالتزام المفترض في توقع أن تلك الشركات ستتفحص منتجاتها بدقة أكبر، وتوصل نتائجها بوضوح أكبر، وربما تسوقها بأمانة أكبر من مصنّعي المنتجات الأخرى.

لكن بعد تأمل القضية، لست متأكدًا أن حجة أنيقة كهذه ممكنة. إذا كان الالتزام الأخلاقي ينبع من التأثير على حياة وسلامة الناس من ناحية الفوائد الصحية لعدد كبير من الأشخاص، فإذًا بالتأكيد على مُصنِّعي السجائر والكحوليات والمشروبات السكرية والمعجّنات مسؤولية أخلاقية مماثلة، إن لم تكن أكبر، ففي النهاية، تنعكس التأثيرات الصحية السلبية لهذه المنتجات على عدد أكبر بكثير ممن تناولوا، أو يُحتمل أن يحتاجوا، باروكسيتين ولوركاينيد وتاميفلو.

أيضًا، صناعة النفط وصناعة السيارات وخطوط الطيران وشركات الشحن تُحدث مقدارًا كبيرًا من تلوث الغلاف الجوي الذي يسبب ويفاقم بشكل ملحوظ المشاكل الصحية المقصِّرة للعمر. إذًا ما الشيء الخاص بالمنتجات الطبية والذي يجعلها مختلفة، من وجهة نظر أخلاقية؟

ربما، بغض النظر عن تأثيرها الفعلي على حياة الناس، نحن نتوقع أن يتم الفحص والإبلاغ عن المنتجات الطبيبة بشكل أفضل من باقي المنتجات لتوقع المرء أن الأدوية ستجعله أطيب أو أكثر صحة، وبالتالي أيّ تحيز أو تلفيق في النشر يُعدّ بشكل مباشر مضادًا لروح المنتج ذاته. لكن مجددًا، ليست الأدوية فريدة من هذه الناحية. يوجد العديد من المنتجات الغذائية أو الحياتية التي تدّعي الشيء ذاته بالضبط وتستعمل النوع ذاته من التلفيق دون أن يتلقى نشاطها الاستهجان الاعتباري والأخلاقي ذاته. قد يعود الأمر إذًا للمنفعة الشخصية المحضة، من ناحية أننا لا نحب أن نكون في وضع المرض مع تناول دواء لا يعمل. لكن مجددًا، كم من مراتٍ ابتعنا منتجات مهمة تَعِدُ بالكثير ولا تقدِّم إلا القليل – على سبيل المثال، مقاعد السيارة الخاصة بالأطفال التي لا تلبي معايير السلامة؟

لذا، بالرغم من وجود مشكلة تحيز تبليغي كبيرة في صناعة الدواء تتسبب في سخط أخلاقي، إلا أنه ليس من الواضح مباشرة سبب احتلال الأدوية حيزًا أخلاقيًا مختلفًا عن منتجات استهلاكية أخرى كثيرة.

بالتأكيد يبدو أن هناك غريزة ما تجعلنا نرغب في إخضاع شركات الأدوية لمعايير أخلاقية أعلى، لكنني غير واثق من أن تبريرًا فلسفيًا لثائرتنا بشأن التحيز التبليغي في الطب بالسهولة التي قد يتوقعها الكثيرون.


حقيقة من الصعب تقبلها

يعتبر أكثر الناس في أخلاقية أمر الأبحاث الطبية، مادامت المنتجات الطبية تؤثر على حياة وسلامة الناس، فإنه يُتوقع من المصنعين والبائعين لها معيار أخلاقي أعلى

ربما المشكلة الجوهرية بشأن التحيز التبليغي هي أننا نعيش في مجتمع استهلاكي وسوق حرة نسبيًا حيث يتوجب على المنتجات التنافس ضد بعضها، سواء المشروبات الغازية أو أدوية القلب. بالنتيجة، لدينا نظام ثقافي واقتصادي يشجع التلفيق التسويقي. إذا كنا نعتقد أن الأدوية تقع ضمن إطار أخلاقي مختلف، إذًا فربما علينا الضغط لإخراج البحث الصحي بعيدًا عن بيئة السوق بالكامل.

لكن، حتى لا ننساق بعيدًا، هل المجتمع مستعد حقًا لدفع التكلفة الضخمة لتطوير الأدوية الجديدة بإيرادات الضرائب بدلاً من حسابات الشركات؟ رغم أنه أمر مؤسف، وبالتأكيد ينبغي تقليله قدر الإمكان، ربما نحن مضطرون لتقبّل أن التحيز التبليغي في الطب هو مُنتَج حتميّ لمنظومتنا الثقافية الأوسع نطاقًا.


[1] GlaxoSmithKline to Plead Guilty and Pay $3 Billion to Resolve Fraud Allegations and Failure to Report Safety Data’, United States Dept of Justice, 2012 [2] Restoring Study 329: Efficacy and harms of paroxetine and imipramine in treatment of major depression in adolescence’, British Medical Journal 351:h4320, 2015 [3] Adolescent Depression Study 329: Proposal for a Journal Article’, Scientific Therapeutics Information, Inc, 3 April 1998 [4] see ‘Drug company experts advised staff to withhold data about SSRI use in children’, Canadian Medical Association Journal, 170(5):783, 2004 [5] (‘The True Lorcainide Story Revealed’, BMJ, 350:g7717, 2015.[6] Ben Goldacre, ‘What Doctors Don’t Know About The Drugs They Prescribe’, TED, 2012 [7] Access to clinical trial information and the stockpiling of Tamiflu’, National Audit Office, HC 125, 2013 [8] Neuraminidase inhibitors for preventing and treating influenza in adults and children’, Cochrane Database Systems Review, 4: CD 008965, 2014 [9] Reporting bias in medical research – a narrative review’, Trials, 11:37, 2010