نزل ملايين المصريين في الخامس والعشرين من يناير 2011 الميادين المصرية مطالبين بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، إلا أن مطالبهم ما زالت بعيدة المنال.

أين العدالة؟

lmhkm-lskry
إحدى المحاكم العسكرية في مصر

ظن كثيرون أن المحاكمات العسكرية للمدنيين بدأت عقب قيام الثورة، وبالتحديد إبان فترة حكم المجلس العسكري، إلا أن هناك تاريخًا طويلًا من المحاكمات العسكرية للمدنيين عقب قيام ثورة يوليو 52.

بدأت المحاولات العسكرية للمدنيين خلال الثمانية عشر يومًا الأولى لثورة يناير، حيث وفقًا لتدوينة مجموعة (لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين) بعنوان {عسكر كاذبون: عام من الثورة، عام من انتهاكات حقوق الإنسان}، سجلت منظمة هيومان رايتس واتش أحداث احتجاز وتعذيب للمتظاهرين السلميين تعود إلى 30 يناير 2011؛ أي بعد اندلاع الثورة بخمسة أيام.

وسجلت أول قضية محاكمة وهي قضية اعتقال عمرو البحيري و 9 نشطاء آخرين في السادس والعشرين من فبراير، وتم تقديمهم لمحاكمة عسكرية وحكم عليهم بخمسة أعوام. وكان هناك تضارب في أعداد من خضعوا للقضاء العسكري بسبب سرية تلك المحاكمات، إلا أن هناك بعض المحاولات لرصد تلك الحالات من قبل مجموعة {لا للمحاكمات العسكرية للمدنين}، ففي الفترة من 5 سبتمبر وحتى 30 يونيو 2012 خضع 468 مدنيًّا للمحاكمات العسكرية.

المزيد من المحاكمات

عقب انتهاء حكم المجلس العسكري وتولي محمد مرسي الرئاسة، صرح مرسي بأنه تم الإفراج عن جميع المحاكمين عسكريًا، إلا أن المجموعة رصدت حالات كانت لا تزال تقبع بالسجون العسكرية. كما نشرت تقريرًا آخر لبعض قضايا محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، من بينهم أهالي جزيرة القراصية بنوفمبر 2012، والأخوان حامد ومحمد سعيد عبد العليم في مايو 2013.

مع سقوط نظام مرسي لم تقل المحاكمات، حيث سجلت المحكمة العسكرية في السويس 3 دفعات من الأحكام العسكرية على خلفية المظاهرات والأحداث التي شهدتها المدينة، بعد عزل مرسي. هذا إلى جانب الحكم على 63 متهمًا مدنيًا، في 3 سبتمبر 2013، بأحكام تتراوح من المؤبد إلى الخمس سنوات.

كما أضاف الدستور المصري لعام 2014 حالات أكثر بشأن المحاكمات العسكرية، في نص المادة 174، حيث ذكرت أنه من تلك الحالات: هجوم مباشر على مرافق، ومعسكرات، والمناطق العسكرية، وحدود، ومعدات، ومركبات، وأسلحة، وذخائر، ووثائق، وأسرار، وأموال القوات المسلحة أو مصانعها، أو الاعتداءات المباشرة على أفراد وعائلات عسكرية.

تحت التراب

خلال عمليات إخلاء الشريط الحدودي
خلال عمليات إخلاء الشريط الحدودي
نحن نعيش مدفونين تحت التراب

العديد من الانتهاكات التي تطال المواطنين في جميع حقوقهم، ولكن لم تتوانََ الدولة في الشروع في مزيد من تلك الانتهاكات، حتى تطول الانتهاكات منازل المواطنين فيتم تهجيرهم منها إما بأمر الدولة أو بأمر من المجتمع تحت رعاية الدولة ودون التدخل منها لمنع تلك الانتهاكات.

فيما يخص التهجير القسري بأمر الدولة ففي الفترة من 2011 وحتى 2014، تمت 21 عملية تهجير بالقوة الجبرية دون تعويض أو جبر الضرر لضحايا تلك العمليات. ومن ضمن تلك العمليات ما حدث في عزبة النخل في منطقة (عشش عثمان)، في فبراير 2014، حيث تم إزالة منازل ما يقرب من 1000 أسرة من دون أية إنذارات مسبقة.

كما تمت عملية تهجير لأهالي الشريط الحدودي في رفح، في 29 من أكتوبر 2014، بهدف إنشاء منطقة عازلة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة ونتج عن تلك العملية تهجير أكثر من 1150 أسرة وهدم 802 منزل.

أما ما يتم تحت مرأى ومسمع الدولة دون تدخلها، فهي حالات التهجير القسري الناتجة عن الجلسات العرفية في القضايا الطائفية، مثلما حدث مؤخرًا في قضية الشاب المسيحي الذي تزوج فتاة مسلمة وتم ذبحها والحكم العرفي على أهله بترك المنطقة ومغادرتها حتى لا يتم المساس بابنهم.

أين المختفون؟

مصطفي ماصوني أحد المختفين قسريًا في مصر
مصطفى ماصوني أحد المختفين قسرًا في مصر

كثر في الآونة الأخيرة استخدام مصطلح الاختفاء القسري، بسبب تزايد أعداد المختفين من بين النشطاء السياسيين والحقوقيين وحتى من ليس لديهم أي نشاط سياسي، ويعرف الاختفاء القسري بأنه:

الاحتجاز أو الاختطاف، أو أي عمل يحرم الإنسان من حريته، على يد جهة تابعة لسلطة ما أو أشخاص يتصرفون بدعمها أو إذنها، ولا تعترف تلك الجهة بحرمان المختفي أو المختطف من حريته.

قلت عمليات الاختفاء القسري كثيرًا عقب الثورة بسبب حالة الزخم السياسي والمجتمعي، مما أدى لقلة نشاط زوار الفجر – المصطلح الذي كان يطلق على مباحث أمن الدولة في مداهماتها الليلية لمنازل المعارضين سياسيًا – إلا أنه وعقب 30 يونيو عادت عمليات الاختفاء القسري من جديد بشكل موسع.

وقد رصدت منظمة هيومان رايتس مينتور في تقريرها أن هناك نحو 582 حالة اختفاء قسري في مصر، في النصف الأول من عام 2015، كان من بينهم 378 رجلًا و23 سيدة وفتاة إلى جانب 56 قاصرًا – دون الـ 18 عامًا – و128 طالبًا وطالبة.

وفي الفترة من أغسطس 2015 وحتى ديسمبر 2015، أعلنت المفوضية المصرية للحقوق والحريات رصدها لـ 340 حالة اختفاء قسري بمعدل 3 حالات يوميًا.

ربيع، ماصوني، وشحاتة

من أشهر حالات الاختفاء الطالب بكلية هندسة القاهرة عمرو ربيع، والذي تم اختفاؤه يوم 11 مارس 2014 – اتهم بانتمائه لتنظيم أنصار بيت المقدس – وظهر بعد اختفائه بـ 70 يومًا. وزعمت الداخلية أنها ألقت القبض عليه قبلها بيومين فقط وليس كما تدعي والدته أنه متغيب منذ 11 مارس.

هذا إلى جانب اختفاء المصور الصحفي مصطفى ماصوني يوم 26 مايو 2015 والذي لا يزال مختفيًا حتى الآن. وتعد أبرز قضايا الاختفاء القسري في مصر هي حالة اختفاء عضو حزب الدستور أشرف شحاتة منذ 13 يناير 2014، والذي لا يزال مختفيًا حتى الآن وتدّعي وزارة الداخلية أنه سافر إلى الخارج على الرغم من صدور تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان والذي أفاد بوجود أشرف شحاتة في سجن الزقازيق، ولكن ما زالت الداخلية تنكر وجوده حتى الآن.

حرية التعبير خلف الأسوار

في أحد التظاهرات اعترضًا علي التضيق علي حرية التعبير في مصر
في إحدى التظاهرات اعتراضًا على التضييق على حرية التعبير في مصر.

تدهورت حالة حرية الرأي والتعبير أثناء فترة حكم المجلس العسكري عما كانت عليه في عهد مبارك. ووفق منظمة هيومان رايتس واتش، فقد طالت المحاكمات العسكرية للمدنيين المتظاهرين والصحفيين المعارضين لنظام الحكم، مثلما تمت إحالة الناشط والمدوّن حسام الحملاوي للتحقيق أمام النيابة العسكرية، بسبب تحميل الحملاوي قائد الشرطة العسكرية المسئولية عن بعض ممارسات التعذيب، من خلال كتاباته.

وقالت لجنة حماية الصحفيين أن 50 صحفيًا قد تعرضوا للاحتجاز والاعتداء خلال شهريْ نوفمبر وسبتمبر 2011، كما احتلت مصر المرتبة 166 في مؤشر حرية الصحافة عام 2011 بعدما كانت تحتل المرتبة 127 عام 2010، وتم مصادرة بعض أعداد الصحف للاعتراض على محتواها، من بينهم عدد من صحيفة {صوت الأمة}.

كما تم إنهاء البث المباشر لبرنامج {شارع الكلام} في 10 مايو 2011، بعد استفاضته للإعلامية بثينة كامل – والتي كانت مرشحة محتملة لرئاسة الجمهورية وقتها – بسبب انتقادات بثينة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وهي تلك التصريحات التي على إثرها جرى التحقيق مع بثينة أمام النيابة العسكرية.

الحرية الغائبة

تعرضت المنظومة القانونية لممارسة حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والإعلام إلى فرض 38 من النصوص الدستورية التي تتناقض مع حقوق الإنسان وتقيد الحريات العامة وبخاصة حرية الصحافة.

رصدت اللجنة الوطنية للدفاع عن حرية التعبير، في عهد مرسي، منع 16 صحفيًا من الكتابة وملاحقة 9 آخرين بتهمة إهانة الرئيس. هذا إلى جانب مقتل الصحفي الحسيني أبو ضيف أثناء قيامه بتغطية أحد الاحتجاجات بين المتظاهرين وجماعة الإخوان المسلمين.

وفي الستة الأشهر الأخيرة من عام 2012 تزايدت تهم ازدراء الدين الإسلامي بحق العديد من المدونين مثلما حدث، في سبتمبر 2012، مع المدوّن ألبير صابر، والصحفي إبراهيم عيسى، ورسامة الكاريكاتير بصحيفة المصري اليوم دعاء العدل.

الملاحقات الهستيرية

تشهد مصر حالة هستيرية من التضييق على حرية التعبير، خلال فترة حكم الرئيسيْن عدلي منصور وعبد الفتاح السيسي، من خلال إصدار قانون يجرم التظاهر، الذي يقبع بسببه آلاف المعتقلين في السجون، هذا بالإضافة إلى حالات ملاحقة متعددة لعدد من الصحفيين والمدونين في مصر.

من أبرز تلك الانتهاكات وقف برنامج الإعلامي الساخر باسم يوسف عام 2014، بعدما تعرضت قناة إم بي سي مصر للكثير من الضغوطات لوقف البرنامج.

وتم إحالة الصحفي والناشط الحقوقي حسام بهجت للنيابة العسكرية، على خلفية تقريره تفاصيل المحاكمة العسكرية لضباط بالجيش بتهم التخطيط للانقلاب، واتهامه بنشر أخبار وبيانات كاذبة من شأنها تكدير الأمن والسلم العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، على الرغم من أن التقرير قد تم إصداره عقب انتهاء المحاكمة وأصبحت أوراق القضية معلنة للجميع.

إلى جانب إلقاء القبض على شوكان، في أحداث فض اعتصام رابعة، حيث وجهت إليه تهم القتل والانتماء لجماعة إرهابية، على الرغم من كونه مصورًا صحفيًّا كان يؤدي مهام وظيفته.

موقعة الكندوم

حاسس إن أيامي معدودة برة القفص، ولما أدخله مش هخرج منه قريب.

قام كلٌ من الممثل الشاب أحمد مالك والمراسل الصحفي شادي أبوزيد بتصوير فيديو ساخر من أفراد الشرطة، حيث قاموا بجلب بعض الأوقية الذكرية ونفخها وكتابة معايدات عليها بمناسبة عيد الشرطة وتوزيعها على العساكر في ميدان التحرير، فيما عرف على مواقع التواصل الاجتماعي بـ«موقعة الكندوم».

وقد أثار الفيديو العديد من ردود الأفعال، على رأسها موقف أسرة برنامج أبلة فاهيتا، والذين تبرأوا من أفعال شادي وقالوا أنه لا يمثل البرنامج.

كما تم تقديم العديد من البلاغات ضد كلّ من شادي ومالك، وأعلن نقيب المهن التمثيلية عن تحويل الممثل مالك للتحقيق من قبل النقابة، بالإضافة إلى وقفه عن العمل.

كما قالت أخت شادي أبو زيد أنهم يعيشون في حالة من الإرهاب الفكري، حيث يتنشر عدد كبير من المخبرين أمام المنزل وفي الشوارع المحيطه به بهدف إفزاعهم. كما كُتب على صفحة الشرطة المصرية، على فيسبوك، تهديدًا مباشرًا لشادي، حيث كتبت:

{الواد ده هيطلع، والشرطة كلها اتفقت هنجيبه قانون مش قانون، والفيديو دلوقتي في أمن الدولة وضباط المباحث والكماين معاها صورتك، هنجيبك وهنعرفك البتاع اللي ماسكه بيتعمل بيه إيه}.

خمسة أعوام مضت على الثورة، خرج فيها المصريون مطالبين بالعدالة ووقف انتهاكات حقوق الإنسان، إلا أن الانتهاكات ما زالت مستمرة حتى الآن، وما زالت الحرية بعيدة والكرامة أبعد.

المراجع
  1. مركز القاهرة لحقوق الإنسان، آلام المخاض، حقوق الإنسان في العالم العربي، التقرير السنوي 2012. القاهرة، 2012.