دورة الألعاب الأولمبية عام 1936 في برلين، ثلاثة أعوام قد مرت على الصعود النازي لحكم ألمانيا، وقد تم تأصيل حشد من الكراهية العنصرية للآخر غير المنتمي لـ «الأعراق العليا» كما رآها ووصفها آنذاك مؤسس الحزب أدولف هتلر، كراهية تم الترويج لها بدعوى الحفاظ على القومية الوطنية للشعب الألماني نقية مطهرة من «دنس» الأعراق أو الأنواع الأخرى «الأدنى» التي كانت سببًا في تخلف ألمانيا وهزيمتها في الحرب العالمية الأولى – وفي مقدمتها اليهود – من وجهة نظر النازيين، وقد ترسخ لديهم إيمان بالتفوق البيولوجي -الجسدي والعقلي- للجنس الآري على ما هم دونه.

إيمان تمت زعزعته والتشهير به في المحفل الرياضي الأكبر، بالتحديد في مسابقة ألعاب القوى، حيث تمكن العداء الأمريكي «الأسود» من أصل أفريقي جيسي أونز والملقب بـ «رصاصة بيوكاي»، من الفوز بـ 4 ميداليات ذهبية توزعت على مسابقات الجري لـ 100 متر – رقم قياسي 10.3 ثانية – و200 متر، و400 متر تناوب، والقفز لمسافات طويلة. ليحصل بذلك على تكريم الرياضي الأفضل بالبطولة ويمثل أيقونة في مواجهة الكراهية والتمييز الذي تمثل وقتها في النازية، محطمًا إحدى أساطيرها الواهية في ملاعب الرياضة قبل أن تتحطم بعد ذلك بتسعة أعوام في ساحات الحرب.


القوة السوداء

بعد أشهر قليلة من اغتيال مارتن لوثر كينج، أحد قادة حركة الحقوق المدنية للسود الأمريكيين من أصل أفريقي -على يد أمريكي أبيض، حيث بلغت الحركة ذروتها. وفي مقابل القمعين الأمني والإعلامي، وقف العداءان الأمريكيان من أصل أفريقي تومى سميث – صاحب الرقم القياسي 19.83 ثانية – وجون كارلوس على منصة التتويج لسباق 200 متر جري، في أثناء مشاركتهما في أولمبياد المكسيك أكتوبر 1968، وفي أثناء عزف النشيد الوطني الأمريكي، تومي مُقلّدًا بالذهب رافعًا قبضته اليمنى مضمومًة في الهواء، وكارلوس مُقلّدًا بالبرونزرافعًا يُسراه بذات الطريقة، كلاهما يرتدي قفازًا أسود، وكلاهما حافٍ بجوارب سوداء، تعبيرا عن «القوة السوداء» وعن فقر السود الأمريكيين، ورفضًا لما يتعرضون له من تمييز واضطهاد وقمع، يرتديان شعار «OPHR»؛ «المشروع الأولمبي لحقوق الإنسان».

تنقل الإندبندنت البريطانية عن جون كارلوس كلمته في جنازة العداء الأسترالي الأبيض المُقلَد بالفضة آنذاك بيتر نورمان، حيث سأل العداءان الأمريكيان قبل السباق نورمان إن كان يؤمن بحقوق الإنسان، ليجيب «نعم»، ويضيف كارلوس «كنا على علم بأننا مقدمان على عمل أعظم من كونه أي عمل رياضى»، وقد طمأنهما نورمان بقوله «سأدعمكما». يقول كارلوس إنه توقع رؤية الخوف في عيني نورمان، لكنه رأى الحب، ويضيف: «لم يجفل -يتردد أو يعبر عن خوفه في عصبية- وهو على المنصة، لم يدر عينيه أو رأسه»، وكرد فعل سريع تم إقصاء الأمريكيين الاثنين عن الألعاب ومغادرتهما المكسيك، مع اتهامات البعض لهما بالخيانة من داخل الرأي العام الأمريكي.

علق تومي سميث قائلاً: «لم ولن أندم، وقفنا هناك لأجل حقوق الإنسان، لأجل الأمريكيين السود الذين أردنا لهم الأفضل داخل الولايات المتحدة الأمريكية».

انتصرت الحركة المدنية بعد ذلك بحصول الأمريكيين من أصل أفريقي على حقوقهم كاملة، وإن لم تزل رواسب التمييز قائمة إلى الآن.

في عام 2005؛ في جامعة سان خوسيه بولاية كاليفورنيا الأمريكية، نُصب تمثال يصور تومي وكارلوس على المنصة وهي فارغة من صاحب الميدالية الفضية نورمان -بناءً على طلبه – في إشارة تمثل دعوةً لكل من يرغب في الانضمام إليهما لأجل النضال في مواجهة التمييز العنصري ضد الأمريكيين من أصل أفريقي، وضد العنصرية بشكل عام.


اجعلها «عنصرية» مرة أخرى!

في عام 2016، وفي ظل مناخ من الكراهية والتعصب يسيطر على الخطاب السياسي الأمريكي وانتشار لشعارات من قبيل «اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» -انتهت بانتخاب رجل الأعمال الجمهوري العنصري دونالد ترامب رئيسًا للبلاد- حصدت ابتهاج محمد وهي أول أمريكية مسلمة محجبة -من أصل أفريقي- تمثل الولايات المتحدة في بطولات دولية-، برونزية مسابقة «سلاح الشيش»، وهي الحاصلة من قبل على ذهبية بطولة العالم بقازان بروسيا و4 برونزيات في بطولات العالم -موسكو وبودا بست وكييف وكاتانيا -، كما تظل أفضل مبارزة أمريكية لـ 3 أعوام متتالية من 2004 حتى 2006.

تقول ابتهاج في حوار صحافي نشرته الواشنطن بوست: «هذا وطني، وهذه أنا، عائلتي من هنا، نحن أمريكيو المولد وهذا جزء من هويتى، هذا كل ما أعرفه، لذا حين أسمع أحدهم يقول بأنه سيعيد المسلمين إلى بلادهم، أفكر: إلى أين أذهب؟،أنا أمريكية!».

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.