ولدنا من عمق التحدي والمأساة، وجئنا نمد الأكفّ لجميع إخواننا في الشمال والوسط والجنوب ، نرفع للحق راية في زمن الصعاب ونعلي كلمته، نسعى لعراق موحد آمن مطمئن، لا خوف فيه ولا رعب ولا استبداد.

هكذا يعرِّف الحزب الإسلامي العراقي كيانه ويعبر فيه عن أهدافه، الكلمات المعددوة قد لا تكون كافية لفهم سياسات كيان متخبط متناقض يعيش بين الثنائيات ويتأقلم حسب المصالح مثلما يفعل الإخوان، ربما تكن الأهداف مثالية ووطنية لا مزايدة فيها، ولكن السياسات والأفعال هي ما تقرر مدى صدق أو زيف تلك الأهداف.جماعة الإخوان المسلمين وأذرعها السياسية في العراق قد لا تكون على نفس الحجم التأثيري للجماعة في دول أخرى كمصر وتونس والمغرب والجزائر، ولكنها لا تختلف عن اتباع المنهج النفعي في الوصول إلى السلطة، كما أنها مرت بنفس الظروف والسياقات السياسية التي عاشتها الجماعة في دول عدة ولكن لجماعة العراق خصوصية تميزها. فما هي التيارات التي تمثل الجماعة في العراق؟ وما حقيقة علاقتها بدعم الغزو الأمريكي للعراق؟ وما قصة الصراع السني السني في العراق؟


إخوان العراق: الدعوة والمقاومة و مواجهة الشيوعية

التجربة التاريخية للإسلام السياسي تشير إلى أنه ارتبط تأسيسيًا بعاملين أساسيين هما:المقاومة الإسلامية للاحتلالفقد اندمجت الحركة الوطنية العربية بالمقاومة الإسلامية، وهو ما ساعد حينذاك على قبول الشارع العربي للحراك الإسلامي، ففي مصر والمغرب والجزائر وتونس والعراق ارتفع سهم جماعة الإخوان المسلمين لموقفها من مقاومة الاحتلال وإن اختلفت التحليلات من موقف الجماعة بسلطات الاحتلال في هذا الوقت.اللبنة الأولى لحركة الإخوان المسلمين في العراق بدأت مع العقد الرابع من القرن العشرين، متأثرة بصعود جماعة الإخوان في مصر ودول شمال أفريقيا، فقد كانت المحاولات الأولى لتأسيس فرع للجماعة بالعراق عام 1941 على يد عميد طلبة الإخوان «محمد عبد الحميد أحمد»، وشاركه في تأسيس الدعوة الدكتور «حسين كمال الدين»، وكعادة الإخوان فقد انطلقت الدعوة للحركة بين صفوف الطلبة، ومثّلت منصةُ التدريس منبرًا للدعوة والخطابة للحركة الوليدة في العراق، بالإضافة إلى ذلك اتجها إلى مخاطبة الجمعيات التي يقترب فكرها من الجماعة مثل جمعية «الهداية الإسلامية»، وأصدرا مجلة للدعوة تحت مسمى «هذا اللواء»، وتأسيس مدرسة إعدادية أهلية ببغداد.ظلت دعوة الإخوان في العراق في السنوات الأولى تعمل بشكل فردي وبتأثير محدود، ويعد عام 1944 الانطلاقة العلنية للجماعة بالعراق وذلك بفضل جهود الشيخ «محمد محمود الصواف» في نشر الدعوة فقد أسس جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجمعية الأخوة الإسلامية عام 1948 أصدرت مجلة بهذا الاسم ولكن تم إغلاقها في عهد حكومة نوري السعيد، انتقلت الجماعة إلى مرحلة جديدة أكثر تصادمًا مع السلطة بعد توقيع معاهدة «بورتسموث» في يناير 1948.الصعود الشيوعي والاشتراكي إلى سدة الحكم في خمسينات القرن الماضي أحد أهم العوامل المشكّلة للصراع بين التيار الإسلامي والسلطة الحاكمة، ففي العراق وما إن قام عبد الكريم قاسم بانقلابه عام 1958 حتى صعد الشيوعيون على حساب التيار الإسلامي، وهو ما دفع إلى حدوث احتقانات سياسية عنيفة بين التيارين، وهاجمت مجلة الأخوة الإسلامية الشيوعية مما جعل أتباع الأخيرة تهجم على المجلة وتحرق مكتبتها.


الحزب الإسلامي: سبيل الإخوان المجهض للوصول للسلطة

قيادات الجماعة الوليدة في العراق سرعان ما أدركت أهمية تأسيس حزب سياسي، يكون سبيلا ممهدا للجماعة للوصول إلى رئاسة العراق، وما إن حانت الفرصة بإصدار قانون الأحزاب السياسية في عهد عبد الكريم قاسم حتى سارعت الحركة إلى تقديم طلب بتأسيس حزب سياسي عام 1958، خاصة في ظل الفراغ السياسي الذي شهدته الحياة السياسية العراق بعد التحول من الملكية إلى الجمهورية وصراع الأحزاب العلمانية والليبرالية، وبالرغم من رفض الداخلية منح التصريح للحزب، إلا أن محكمة التمييز العراقية أعطت هذا التصريح في 1960، ولكن لم يكتمل الشهر العاشر للحزب حتى سحبت الداخلية هذا التصريح وجمّدت نشاطه بعد إصداره مجلة الجهاد.في أعقاب تجميد نشاط الحزب اتجهت الحركة إلى تبني منهاج الدعوة والتربية الفردية للرجال والنساء، بعد أن أدرك قيادات الحزب وعلى رأسهم الدكتور نعمان السامرائي مدى ارتفاع بورصة الأحزاب العلمانية والليبرالية في صفوف الشارع العراقي، كما كان لسياسات الأنظمة الحاكمة القمعية لقيادات الحركة الإسلامية، وتفرد حزب البعث العراقي في قيادة العراق الدور الأكبر في هذا التحول.العمل السري للإخوان والعمل من الخارج كانا أيضًا نتاج العوامل السابقة، فقد اتجه الحزب بعد تجميد نشاطه إلى تشكيل خلايا سرية في ما لا يقل عن عشر محافظات عراقية من الشمال للجنوب، وذلك خلال عقد السبعينات والثمانينات، وتم كشف هذه الخلايا في 1987 وهو ما دفع إلى اعتقال وإعدام العديد من العناصر والقيادات الإخوانية، ونتيجة السياسات القمعية أعلن قياديو الحزب استئناف نشاط الحزب من الخارج في عام 1991 مع استمرار العمل السري والدعوي والتربوي بالداخل وقد أصدروا مجلة باسم «دار السلام».


شركاء الاحتلال: ثنائية المشاركة السياسية والجهاد

تماهت الخطوط الفاصلة والناظمة لموقف جماعة الإخوان المسلمين والممثلين من خلال الحزب الإسلامي المنحل في العراق من الغزو الأمريكي للعراق، ففي الوقت الذي سعت فيه الجماعة الأم لرفض التدخل الأمريكي في العراق ونددت بالغزو، يلاحظ أن موقف الجماعة وذراعها السياسي في العراق بدأ غامضًا، وهو ما عجّل بكثرة الاتهامات للحزب الإسلامي بوقوفه خلف دعم الغزو الأمريكي من خلال مشاركته في ندوات ومؤتمرات دولية قبيل غزو 2003.تزامن مع سقوط نظام صدام حسين إعادة إنتاج الحزب الإسلامي المنحل في ستينات القرن الماضي، فحصل الحزب على تصريح للعمل السياسي برئاسة محسن عبد الحميد وشارك في مجلس الحكم تحت إدارة الحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر وكذلك في حكومات الاحتلال المتعاقبة، في نفس الوقت الذي اتسم فيه موقفه بالبراجماتية والغموض اتسم أيضًا بالتناقض فالبرغم من المشاركة في الحكومة أعلن رفضه الدستور العراقي، ثم أعاد المشاركة في تمريره، كما أسس الحزب كتيبة للمقاومة سميت «حماس العراق» وفرق الصحوة وطالب الحزب بعدم خروج القوات الأمريكية حتى يكتمل بناء القوات العراقية.هذا التناقض والتضارب في موقف إخوان العراق إنما يُعزى إلى براجماتية الجماعة المشهودة لكونها تسعى إلى تحقيق أكبر مكاسب سياسية واقتصادية في البلاد، كما يرجع أيضًا إلى تعدد الفرق والجماعات الفرعية للجماعة في العراق، فالحزب الإسلامي ليس الوحيد الممثل للجماعة بل يراه البعض بأنه ليس على علاقة بالإخوان فحزب الإخوان الإسلامي حُل في الستينات وأما الحزب الإسلامي الجديد فلم يأخذ من القديم إلا المسمى وبعض القيادات التاريخية.ففي عام 2004 تم انتخاب مراقب عام للجماعة بالعراق هو الدكتور زياد شفيق الراوي، ثم في عام 2009 تم انتخاب محسن عبد الحميد مراقبًا عامًا وطارق الهاشمي نائبًا له. بجانب الحزب الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين بالعراق توجد الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية (جامع) وهي على منهاج مخالف لسياسات الحزب الإسلامي ولها جناح عسكري هو كتائب صلاح الدين.


معركة الفلوجة الأولى، صراع الإخوان والقاعدة

يبدو أن مدينة الفلوجة دومًا ما كتب لها أن تعيش ويلات الصراع بين التيارات الدينية المتحاربة سواء السنية السنية أو السنية الشيعية، فقد بدأ الصدام بين الإخوان وبين مقاتلي تنظيم القاعدة ببلاد الرافدين والذي تزعمه الزرقاوي باكرًا في أعقاب الغزو الأمريكي حيث وجه تنظيم القاعدة سلاحه إلى كلٍّ من المحتل والإخوان وذلك لمشاركة الحزب الإسلامي في حكومة الاحتلال.بدأ الصدام الفعلي بين الجماعة والقاعدة في العراق عند معركة الفلوجة، فقد تبنى الزرقاوي منهج المقاومة العسكرية لدحر الأمريكان في المدينة بينما فضل الإخوان تجنيب المدينة ويلات الصراع المسلح، ولكن أصرّ الزرقاوي على الجهاد المسلح ولكنه هُزم في بدء المعركة وفرّ هاربًا، ولكن بعد أن شاركه جزء من الإخوان من خلال «كتائب ثورة العشرين» وتركهم على خط المواجهة بمفردهم، وتوالت فيما بعد عمليات الاغتيالات من قبل القاعدة لبعض قيادات هيئة علماء المسلمين وقيادات الحزب الإسلامي، وهذا ما أوضحه القيادي القاعدي أبو حمزة المهاجر حينما قال: «إن تاريخكم معشر الإخوان المسلمين مليءٌ بمثل هذه النكبات والكوارث … وقد جمعتنا وإيـّاكم دولٌ ومناطق .. فهل وجدتمونا قط رفعنا عليكم السلاح أو بدأنا بقتالكم !؟ بل إن تاريخكم النكِـد يؤكد استعدادكم التام للتنازل عن أهم ثوابت الدين لأجل الحكم ، ولو كان مقعدًا على باب وزارة».


معركة الفلوجة الثانية: انتقام مليشيات أم تحرير مدينة

جناحنا السياسي اختار هذا الاسم للمقاومة، لأنها تجمع ولا تفرق وتدعوا للتوحد في وجه المحتل وندعوه اختصارا بــ «جامع».

تراجع دور ومكانة وفاعلية الحزب الإسلامي العراقي في العديد من الحوادث السياسية في العراق خاصة في العقد الثاني من الألفية الثانية، خاصة مع تولي أوباما إدارة الولايات المتحدة وبدء الحديث عن سحب القوات الأمريكية من العراق، ثم تصاعد الإسلام الجهادي وسيطرت تنظيم الدولة الإسلامية على العديد من المدن العراقية، وتزامن ذلك مع ارتفاع نغمة الطائفية والحكم الطائفي، وصراع الميليشيات العسكرية السنية والشيعية على تقرير مصير العراق، كما عاصر ذلك تراجع الإسلام السياسي الوسطي بسقوط جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتراجعهم في تونس.وخلال السنتين الماضيتين ويعيش العراق حالة الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية وتشتت القوى الأمنية والسياسية والعشائر التي تقوم بدورها في مواجهة التنظيم، وكان من بين أهم تلك المعارك معركة الفلوجة والتي أطلقتها الحكومة العراقية في نهاية مايو 2015، وكان موقف الحزب الإسلامي كعادته غامضًا ولكنه مشارك للحشد الشعبي في تحرير المدينة التي تعتبر معقلًا للتنظيم، وهو ما جعل جمّ الانتقادات توجه للحزب الإسلامي نتيجة للجرائم الإنسانية التي ترتكب بحق أهالي الفلوجة بدعوى تحرير المدينة.ختامًا، هل مشاركة الحزب في تحرير الفلوجة محاولة للعودة إلى خريطة القوى الفاعلة على الساحة السياسية؟ أم انتقام من القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية؟