ما حدش هيلوى دراعنا، لن يتم الضغط على الحكومة، وما حدث هو عودة الحق لأصحابه.

هكذا علق وزير التموين على مصيلحي أثناء التظاهرات التي اندلعت صباح أمس بخمس محافظات وهم (الجيزة – الإسكندرية –كفر الشيخ –المنيا)؛ رفضًا لقراره بشأن تخفيض الحد الأدنى لنقاط الخبز لبطاقات التموين الورقية إلى 3 أرغفة بدلًا من 5 لكل مواطن .

«ما أشبه الليلة بالبارحة»، فبعد مرور 40 عامًا على الانتفاضة التي أطلق عليها «انتفاضة الخبز» التي انطلقت بسبب غلاء الأسعار في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات؛ يعود الشعب اليوم للتظاهر مرة أخرى بعدد من المحافظات من أجل الحصول على الخبز المدعم، بعد التصريحات التي أصدرت عن وزير التموين على مصيلحي؛ والتي كانت بشأنها تخفيض حصة المواطن من الخبز .


من أجل الخبز: قطع طرق وشل حركة القطارات

شهدت خمس محافظات أمس حالة من الغضب بسبب تصريحات وزير التموين بخصوص حصة المواطن المصري بالخبز المدعم، وصلت إلى قطع عدد من الطرق الرئيسية بالإضافة الى شل حركة القطارات، في مشهد غضب شعبي دون تدخل للقوى السياسية، حيث تعد هذه المرة الثانية التي تشهد فيها مصر احتجاجات شعبية من مواطنيين بسطاء منذ 30 يونيو، حيث كانت المرة الأولى، تظاهر عدد من السيدات بأطفالهن وقطعن طريق قصر العيني احتجاجًا على اختفاء الأدوية ولبن الأطفال من الصيدليات.

«الصحافة فين الجعانين أهم»، و«إلا رغيف العيش.. فين رغيف العيش»، و«عايزين ناكل. عايزين العيش» هكذا

كانت هتافات المتظاهرين من المواطنين بعدة مناطق بالمحافظات احتجاجًا على قرارات وزير التموين، وفي الوقت الذي اندلعت فيه التظاهرات تصدر هاشتاج «انتفاضة التموين»، مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر».

وتداول النشطاء على تويتر صورًا وفيديوهات لهتافات المحتجين، ولاقت الاحتجاجات غضب البعض والسخرية من الآخرين من الأحوال الاقتصادية المتردية التي طالت رغيف الخبز.


وزير التموين يتعسف ضد الفقراء

مراحل عدة اتخذتها تصريحات وزير التموين علي مصيلحي، أمس، مع الاحتجاجات التي اندلعت أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقده تعقيبًا على الأزمة.

ففي الوقت الذي هتف فيه عدد من المواطنين بــ«عايزين ناكل» رد وزير التموين على مصيلحي على المحتجين بأن الحكومة «مبيتلويش دراعها». ومع بداية المؤتمر الصحفي تمسك الوزير المصري بقراره الذي أشعل فتيل الأزمة، معتبرًا أنه يهدف إلى كشف المتلاعبين بالدعم من خلال عمليات صرف خبز وهمية.

وأضاف وزير التموين متهكمًا من سؤال أحد الصحفيين: «أنا سبت الناس معاكم 5 سنين، عملتوا إيه؟ الناس بتحبني»، وعلى الرغم من انتهاء المؤتمر بتمسك الوزير بقراراته الغاضبة، إلا أن الإعلامي عمرو أديب أعلن مساء أمس، أن مصيلحي تراجع عن قراراته بشأن تعديل كميات الخبز لمستخدمي البطاقات التموينية. كما أكد خلال برنامجه المذاع على قناة «ON E» على أن حصة الفرد المقدرة بخمسة أرغفة سارية ابتداءً من اليوم.

لم يكن القرار الذي اتخذه وزير التموين على المصيلحي بتخفيض حصة المواطن والذي أشعل الأزمة أمس الأول من نوعه، فمنذ أن تولى الدكتور علي مصيلحي وزارة التموين بدأ في تنفيذ خطة عاجلة لإلغاء الدعم بدأت بالتعسف فى قيد المواطنين والمواليد الجدد فى البطاقات، والحذف العشوائى لملايين المقيدين، وإلغاء التعامل ببطاقات التموين الورقية، وتخفيض حصص المخابز لما يتراوح بين النصف والثلث، وما ترتب على ذلك من توقف المخابز عن صرف الخبز للمواطنين .

تلك القرارات جاءت منذ توقيع مصر اتفاقية قرض صندوق النقد الدولي وتوابعه من تعويم الجنيه المصري، وخفض الدعم عن محدودي الدخل وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، بينما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء مؤخرًا عن وصول معدلات التضخم والغلاء إلى 30% في يناير الماضي فقط.


أحزاب سياسية: «إلا العيش»

قال فريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، على خلفية ما حدث وعُرف بـ«انتفاضة التموين» إن الاحتجاجات الواسعة والمتفرقة التي يقوم بها فقراء مصر في مناطق مختلفة تؤكد على فشل السياسات والقرارات الاقتصادية الأخيرة.

وأكد الحزب في بيان له، مساء أمس، على أن هذه السياسات حاولت أن تحمل الفقراء النصيب الأكبر من الأزمة الاقتصادية التي تزداد حدة يومًا بعد يوم، رغم أن الأسباب الرئيسية لتفاقم هذه الأزمة هي سوء الإدارة والتوجيه الخاطئ لمواردنا المحدودة والفساد، وغياب أي رقابة شعبية في ظل تجريم المشاركة الشعبية والسياسية.

فيما أعلن حزب التحالف الشعبي في بيان له صدر، مساء أمس، دعمه لاحتجاجات الخبز، وأكد أنه رغم ما تدعيه الدولة من أن «مصر فقيرة قوي»، فالأرقام والدراسات تؤكد أننا نعاني سوء توزيع للثروة والدخل وانحيازًا كاملاً للأغنياء على حساب الكادحين، فقد أصدرت منظمة أوكسفام العالمية تقريرًا عن تفاوت الثروات، مؤكدًا أن ثروة أغنى عشرة أفراد في مصر زادت من 20 مليار دولار إلى 22,7 مليار دولار، بنسبة تبلغ 13,6% بين عام 2014 و2015.

فيما وصف حزب العيش والحرية – تحت التأسيس – قرار وزير التموين بالمجحف والظالم لعموم المصريين وخطوة أخرى من الحكومة لرفع الدعم عن المواطنين الفقراء، وتساءل الحزب عن التلاعب بمصائر المصرين وتهديد قوتهم فمن يصدر القرارات ومن ينفيها ومن يتحمل الآن تبعيات هذا العبث؟!

بينما اكتفت الأحزاب الأخرى بالصمت.


عجز إعلام الدولة عن التبرير

على الرغم من التأييد المطلق من الإعلام للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي منذ توليه الحكم، إلا أن احتجاجات الخبز التي انطلقت أمس عجز هذا الإعلام عن مناهضتها.

فبالرغم من إعلان الإعلامي وائل الإبراشي عن تأييده للحكومة والرئيس إلا أنه علق على تلك الاحتجاجات من خلال حلقة أمس ببرنامجه العاشرة مساء بــ«ناقوس خطر» لكل من يعبث بـ«ثالوث الخبز والسلع التموينية والدواء»، معلقًا على تصريحات وزير التموين قائلا:

من جانبه أكد الإعلامي عمرو أديب خلال برنامجه على أهمية الخبز المدعم في حياة المواطن المصري العادي، مشيرًا إلى أن الدكتور علي مصيلحي تحدث في مؤتمره الصحفي الذي جاء تعليقًا على احتجاجات الخبز، كما لو كان نائبًا وليس مسئولاً، فيما قال أديب لوزير التموين خلال برنامجه: «إلا العيش، ابعد عن العيش وغنيله».

فيما ظل الإعلامي أحمد موسى على موقفه في الدفاع عن الحكومة وقراراتها، مؤكدًا خلال برنامجه الذي يقدمه على قناة «صدى البلد» أن قرارات وزير التموين صحيحة وفي مصلحة المواطن، ولكن الوزير أخطأ في طريقة عرضه وتطبيقه، مؤكدًا أنه كان يجب على وزير التموين أن يعلن هذه القرارات قبل تطبيقها ويوضحها للناس.


علي المصيلحي: رجل مبارك في زمن السيسي

تلك التظاهرات ليست في مصلحة أحد، فهذا يسيء إلى صورة مصر بالخارج يا سيادة الوزير، العالم كده هيشوف أن في مصر أزمة خبز.

عاد علي السيد المصيلحي مرة أخرى لحقبة وزارة التموين والتجارة الداخلية، بعد التعديل الوزاري الذي تم بمنتصف شهر فبراير الماضي، ومن ثم تقدم باستقالته من مجلس النواب، حيث كان يشغل منصب رئيس لجنة الشئون الاقتصادية، وحفل تاريخ المصيلحي العملي بمناصب مهمة، منذ تخرج في الكلية الفنية العسكرية عام 1971 بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف في مجال الهندسة الإلكترونية.

الجدير بالذكر أن المصيلحي كان وزيرًا للتموين خلال عهد مبارك، كما كان أول رجال مبارك استطاع أن يعود إلى منصبه مرة أخرى في عهد السيسي، فيما عين بالوزارة نتيجة تصوّيت نواب البرلمان بالأغلبية على ترشحه للمنصب ضمن 9 وزراء جدد في الحكومة، لم يسبق اتهامه في قضية واحدة، بعد سقوط نظام حسني مبارك مثل ما حدث مع الكثير من رموز النظام الساقط بقوة المظاهرات، رغم أنه عمل وزيرًا للتموين والتضامن الاجتماعي لمدة 6 سنوات، بدأت في 2005، وانتهت مع تنحي مبارك في فبراير 2011.

وهناك العديد من الاخفاقات التي حدثت أثناء تولي علي مصيلحي وزارة التموين بعهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، حيث شهد عهده أكبر وأشد أزمات الخبز، سقط خلالها العشرات ما بين قتيل وجريح، أطلق عليهم «شهداء الخبز»، في مشاجرات بين المواطنين أثناء وقوفهم في الطوابير التي كان يصل طولها أحيانًا إلى عشرات الأمتار.

ووصلت حدة الأزمة في عهد المصيلحي لدرجة دفعت الرئيس المخلوع إلى مخاطبة جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة‏ ووزارة الداخلية،‏ في مارس 2008 للتدخل في مجال إنتاج الخبز لسد حاجات المواطنين.‏

لم تكن أزمة الخبز هي الوحيدة في عهد المصيلحي، لكن لحق بها أزمة أنابيب البوتاجاز ليصل سعرها في عام 2010 لما يتراوح بين 30 و50 جنيهًا مقارنة بـ3 جنيهات سعرها الرسمي، مما أدى إلى اشتعال غضب الأهالي وقيامهم بالاستيلاء على سيارات نقل الأنابيب.

وتعتبر تلك المرة هي الأولى من نوعها التي يضطر فيها مسؤول بحكومة السيسي منذ 30 يونيو إلى أن يتراجع في قرار أصدره، نتيجة للاحتجاجات التي كانت سيدة المشهد أمس في كل وسائل الإعلام، كما أنه نتيجة للقرارات المتتالية المجحفة اقتصاديًا والمستهدفة للفقراء، بدأ فن التظاهر ينتقل للمواطنين الذين يومًا وجدوا في عدم التظاهر استقرارًا ودورانًا لعجلة الإنتاج، أملًا في دولة توفر لهم أبسط احتياجاتهم على رأسها العيش.

المراجع
  1. ما حدش هيلوى دراعنا
  2. تويتر
  3. المؤتمر الصحفي
  4. تراجع عن قراراته
  5. فريد زهران
  6. حزب التحالف الشعبي
  7. حزب العيش والحرية
  8. وائل الإبراشي
  9. ناقوس خطر
  10. عمرو أديب
  11. أحمد موسي
  12. شهد عهده