الثقب الأسود منطقة الرعب في الفضاء. أحد أكثر المصطلحات غرابة في علم الكونيات والمكان الذي لم نستطع أن نراه حتى الآن، ولكننا نرى تأثيره على المواد المحيطة به كصدور إشعاعات X Ray عند ابتلاعه الغازات في المجرة. ولكن مم يتكون حقًا الثقب الأسود؟ نرصد لك في هذه السطور تاريخ مفهوم الثقوب السوداء ومم تتشكل.


تاريخ مفهوم الثقوب السوداء

بدأ طرح إمكانية وجود مثل هذه الفرضية بعد اكتشاف أولية رومر وجود سرعة محددة للضوء، وذلك في سنتي 1675 و 1776 م، من خلال كسف المشتري للقمر أيو، فقد وجد أن لحظة ظهور أيو من خلف المشتري تختلف مع الوقت الذي يجب أن يشاهد به وفقا للحسابات الفلكية بمدة زمنية وسببها المسافة التي يحتاجها الضوء للوصول إلينا حاملا صورة أيو وهو يخرج من خلف المشتري، وعمل على حساب المسافة التي بين الأرض والمشتري، فتوصل إلى أن سرعة الضوء تصل إلى 225 ألف كلم في الثانية الواحدة، علما أن القياس الحديث لسرعة الضوء هي 299 ألفا و 792 كلم في الثانية. وبذلك توصلنا إلى أن للضوء سرعة محددة. ما دعى للتساؤل لماذا لا تزيد سرعة الضوء؟ ثم كتب جون مينشل في عام 1783 م، مقالًا أشار فيه إلى أنه قد يكون للنجم الكثيف المتراص جاذبية شديدة جدًا، حتى الضوء لا يمكنهُ الإفلات منها، فأي ضوء ينبعث من سطح النجم تعيده هذه الجاذبية.

ثم أصبح هناك فرضية تقول أيضًا أنه يوجد نجوم عديدة من هذه النجوم، مع أننا لا نستطيع أن نرى ضوئها، لأنها لا تبعثه إلا أننا نستطيع أن نشعر بجاذبيتها، هذه النجوم أطلق عليها مصطلح “الثقوب السوداء” أي الفجوات في الفضاء، ولكن تلك الأفكار لم تلقَ رواجا وقتها بسبب النظرية الموجية للضوء التي افترض فيها العالم الهولندي هيجنز أن الضوء عبارة عن موجات مثل موجات البحر وأنها موجات مادية (تحتاج لوسط مادي تنتقل خلاله ولا تستطيع الانتقال في الهواء) لذلك افترض وجود بحر ضوئي سماه بحر الأثير وينص مبدأ (قاعدة) هيجنز على أن (أي نقطة في صدر موجة الضوء القديمة يمكن اعتبارها مصدرًا ضوئيًا ثانويًا يقوم بإشعاع موجات ثانوية) وكانت تلك النظرية الرائجة في وقتها.

إلى أن أتى أينشتاين بنظريته النسبية العامة ليبرهن على صحة الثقوب السوداء ويتم اكتشاف أول ثقب أسود في عام 1971 م.

العالم الهولندي هيجنز
العالم الهولندي هيجنز

كيف يتشكل الثقب الأسود؟

إن الثقوب السوداء عبارة عن نجوم لم تستطع أن تبقي نفسها مشتعلة فتصبح غير قادرة على دعم وزنها الهائل فتقوم بالانضغاط نحو مركزها وبهذا الضغط يصبح النجم أصغر من حجمه ولكنه يظل محتفظًا بكتلته الهائلة. إن النجوم أغلبها عبارة عن مجموعات هائلة من ذرات الهيدروجين التي تنهار من سحب الغاز تحت تأثير جاذبيتها الخاصة في مركزها. الانصهار النووي يسحق ذرات الهيدروجين ويحولها إلى الهيليوم باعثا كمية هائلة من الطاقة. هذه الطاقة بشكل من أشكال الاشعاع، تندفع بعكس الجاذبية مع الحفاظ على توازن دقيق بين القوتين. طالما انه هناك انصهار في النواة ، يبقي النجم مستقرًا بما فيه الكفاية. لكن بالنسبة للنجوم التي تمتلك كتلة أكبر من شمسنا . تسمح الحرارة والضغط لهم بصهر عناصر أثقل حتي يصلوا إلي الحديد. خلافًا لكل العناصر التي حدثت مسبقًا فإن عملية الانصهار التي تشكل الحديد لا تولد أي طاقة . يتضخم الحديد في مركز النجم إلي ان يصل إلي كمية حرجة والتوازن الناتج بين الاشعاع الناتج عن الإنصهار والجاذبية ينقطع فجأة وتنهار النواة وفي عضون جزء من الثانية ينهار النجم متحركًا بسرعة ربع سرعة الضوء تقريبًا ومعطيًا المزيد من الكتلة للنواة وفيه هذه اللحظة يموت النجم في انفجار السوبر نوفا مكونة الثقب الأسود.

صورة لثقب أسود
صورة لثقب أسود

مم يتكون الثقب الأسود؟

ولكن قبل ان نتعرض لتكوين الثقب الأسود يجب علينا أن نعلم جيدًا ان الثقب الأسود يقوس الفضاء إلى حد انه يمتص الضوء الذي يمر بجانبه بفعل جاذبيته، ولا يمكن لأي موجة أو جسيم الافلات من منطقة تأثيره فيبدو أسود، لذلك تبدو الثقوب السوداء عبارة عن حفرة مظلمة في منطقة ما من المكان والزمان وهي ذو كثافة عظيمة وتأثير جذبي هائل.

والأن مما يتكون الثقب الأسود .

أولًا: أٌفق الحدث Event Horizon

وهي منطقة في الثقب الأسود لا يستطيع شيء العودة من داخلها فأي شيء يعبر أفق الحدث ينبغي ان يسافر بسرعة أسرع من سرعة الضوء نفسه لكي يستطيع الهرب منه ولكن هذا مستحيل طبعًا لأنه لا يوجد شيء يستطيع أن يتغلب على سرعة الضوء وبالتالي لا يستطيع أحد أن يفلت من منطقة أفق الحدث إذا عبر من خلالها فهي منطقة اللاعودة في الثقب الأسود و إذا أتيح لك أن تسقط في ثقب اسود، سيكون من المستحيل لك أن تعرف متى تمر من أفق الحدث فهو ليس بالجزء الملموس.

صورة توضح منطقة أفق الحدث في الثقب الأسود
صورة توضح منطقة أفق الحدث في الثقب الأسود

ثانيا: المتفردة

إذا كان أفق الحدث هو الجزء الأسود فإذا أين الثقب بالموضوع. حسنًا الإجابة في المتفردة . ونحن لسنا متأكدين منها فهي قد تكون كثيفة بشكل غير نهائي. بمعني أن كامل كتلتها ترتكز داخل نقطة واحدة في الفضاء بدون سطح أو حجم.

فمتفردة الثقب الأسود تتكون بعد انهيار قلب نجم شديد الكثافة للداخل، وبالتالي يتحول النجم إلى كرة صغيرة جدا جدا محيطها الخارجي اسمه أفق الحدث.

ومركز الكرة هو نفسه المتفردة!

على الرغم من أن متفردة الثقب الأسود لانهائية الكثافة. إلا أنها لا تحتوي على كتلة أو طاقة الكون كله!

ولذلك من المؤكد نظريا وجود عدد لا نهائي من متفردات الثقوب السوداء ومتفردة الثقب الأسود تقوم بتشويه الزمكان بمعنى أنها تقوم بتشويه هندسة الفضاء. بمعني أنه لو كان الكون مثل البالون المطاطي فلو ضغطت بشكل قوي بإصبعك فسوف يغوص سطح البالون إلى الداخل ويتشوه شكل البالون. وهذا ما تقوم به متفرده الثقب الأسود.

وفي الوقت الحالي أكبر ثقب أسود نعرفه وهو S50014+18 وهو أكبر أربعين مليار مرة من كتلة الشمس، وقطره يساوي 236.7 مليار كيلو متر وهذا يساوي تقريبا 47 ضعفا من المسافة بين كوكب بلوتو والشمس.

صورة توضح متفردة الثقب الأسود
صورة توضح متفردة الثقب الأسود

إشعاع هوكنج

وهنا يقوم العالم الكبير ستيفن هوكينج بالتوفيق بين الفيزياء الكمية والنظرية النسبية لأن فكرة أنه لا يستطيع شيء الهروب من أفق الحدث فكرة تتعارض مع الفيزياء الكمية وبدلًا من أفق الحدث يعرض بروفسور هوكنج فكرة “الأفق الظاهري” بدلًا منه وهو المكان الذي يقوم بحجز المادة والطاقة مؤقتًا ثم يقوم بإطلاقهم مجددًا ولكن بصورة مشوهة.

وإذا كان هوكينج محقًا، فمعنى ذلك أنه قد لا يوجد حتّى نقطة تفرُّد في الثقب الأسود. فالمادة ستكون فقط محتجزة خلف الأفق الظاهري تتحرك ببطء شديد إلى الداخل بسبب جاذبية الثقب الأسود ليس أكثر ولكنها لن تختفي أو تتدمر خارج إطار الكون كما كنا نعتقد. ولكن بالرغم من ذلك فإنها ستكون مُشوشة ومختلفة تمامًا عن الحالة التي دخلت بها الثقب الأسود، مما يجعل من الصعب جدًا معرفة ما تمّ ابتلاعه داخل الثقب الأسود من قبل.

صورة توضح المقصود باشعاع هوكنج


ماذا سيحدث إذا سقطت في ثقب أسود؟!

ورغم أنه لم يستطع أحد الولوج داخل أحد الثقوب السوداء من قبل ولكن العلماء تنبؤوا بما ممكن أن يحدث لك إذا كنت داخل أحد الثقوب السوداء.
ورغم أنه لم يستطع أحد الولوج داخل أحد الثقوب السوداء من قبل ولكن العلماء تنبؤوا بما ممكن أن يحدث لك إذا كنت داخل أحد الثقوب السوداء.

فالوقت سيمر ببطئ بالنسبة لك إذا كنت بقرب أحد الثقوب السوداء، وسوف ترى نفسك تتباطئ وصولًا لمنطقة أفق الحدث. وإما أن تموت ببطئ وترى نفسك تتلاشي وخلاياك تتمزق ويتمدد جسمك أكثر فأكثر بما هو معروف بنظرية الاستطالة أو تأثير المعكرونة الإسباجتي على جسدك. فسوف تشاهد نفسك تتمد وتتحول لشيء مثل المعكرونة الإسباجتي.

تأثير نظرية الاستطالة على جسدك
تأثير نظرية الاستطالة على جسدك

وإما أن تموت سريعًا فتصطدم بحائط ناري بمجرد عبورك لمنطقة أفق الحدث وتنتهي في لحظة. وسرعة موتك في الثقب الأسود محددة بكتلة الثقب الذي دخلت فيه فالثقوب السوداء الصغيرة سوف تقتلك قبل وصولك لأفق الحدث ولكن الكبيرة منها من الممكن أن تسافر فيها لبعض الوقت.

المراجع
  1. ًWhat is a Black Hole?
  2. EVENT HORIZON AND ACCRETION DISK
  3. Singularities and Black Holes
  4. Stephen Hawking: 'There are no black holes'
  5. Quantum gravity takes singularity out of black holes