لهذه التفاعلات دور آخر أيضًا، فهي تشكل قوة تعاكس قوة جاذبية النجم نفسه. لذلك يستمر النجم منيرًا، ولا ينكمش على نفسه. لكن ماذا بعد أن ينتهي الوقود النووي؟

بعد أن تتوقف هذه الإندماجات، تختلف النتائج حسب حجم النجم وكتلته، لنحصل على عدّة نهايات. فإن كان النجم صغير الكتلة؛ ينتهي الأمر بتحوله لقزم أبيض (يصغر حجم النجم ليصبح في حدود حجم الكواكب، لكن تبقى كتلته نفسها)، أو أن ينفجّر بما يعرف بـ«المستعرات العظمى – Supernova» مطلقة أشعة ومواد إلى الكون. وما يبقى من النجم؛ يتجمّع تحت تأثير قوة الجاذبية، والتي لا يوجد شيء ليعارضها الآن، في حيّز صغير جداً ويصبح ما يسمّى الثقب الأسود.


تاريخ الثقوب السوداء

بدأ تاريخ الثقوب السوداء في العام 1784، حين كان الجيولوجي «جون ميتشيل – John Michell» يفكر في نظرية نيوتن للجاذبية. فحسب فيزياء نيوتن؛ تستطيع قذيفة مدفع أن تدور حول الأرض إذا فاقت سرعة معينة تسمّى «سرعة الإفلات» من الكوكب.

هذه السرعة تعتمد على كتلة وقطر الجسم الذي تحاول أن تفلت منه. كان «ميتشيل» يحاول تخيّل جسم بسرعة إفلات كبيرة جدًا تفوق سرعة الضوء. ناقش بذلك العلماء الآخرين الذين توقعوا أن هذه «النجوم المظلمة» قد توجد في السماء لكن لايمكن أن نراها، لأنّ الضوء لا يفلت من جاذبيتها.

بشكلٍ منفصل قام العالم «بيير سيمون لابلاس -Pierre-Simon Laplace» باكتشاف هذه «النجوم المظلمة»، وتوقّع أن قطر هذه النجوم -بالنسبة لنجم يمتلك كتلة مساوية لكتلة شمسنا- يجب أن يكون في حدود 6 كيلومترات فقط.

بعد المعرفة الكبيرة التي حصلنا عليها في القرن العشرين في مجال الفيزياء؛ توصل عالم الفلك الألماني «كارل شفارتزشيلد – Karl Schwarzschildg» للفكرة التالية:

إن انضغاط جسم ذو حيّز هائل إلى نقطة مفردة؛ سيؤدي إلى تغيير نسيج الفضاء حوله بطريقة لايسمح فيها للضوء بالإفلات. ولكي يستطيع الضوء الإفلات منها؛ يجب أن يكون على بعد معيّن أكبر ممّا يسمّى بـ«نصف قطر شفارتزشيلد». يحدد هذا المقياس مايسمّى بـ«أفق الحدث»، والذي يمكننا أن نشبّهه بفوهة الثقب الأسود، متى ما تخطينا الأفق فلا عودة!

أما بالنسبة للتسمية فهي حديثة نوعًا ما بفضل الفيزيائي «جون ويلير – John Wheeler» الذي استخدم تعبير «الثقب الأسود – Black Hole» في الأدب العام، والتصق ذاك الإسم بالثقوب حتى الآن. إذن؛ بالتعريف: الثقب الأسود هو منطقة من نسيج «الزمكان» ذات جاذبية كبيرة، لا يستطيع أي جزيء أو -حتى الضوء- أن يفلت منها.


لماذا لا نرى الثقب الأسود؟

لا نراها لأن الضوء لا يستطيع الإفلات من الجاذبية الهائلة في مركزه. كما أن هذه الجاذبية تقوم بإحداث «تقعّر» في نسيج «الزمكان» مسببة ثقبًا فيه، ولذا تسمّى بالثقب الأسود.

يسمّى مركز الثقب الأسود «متفرّدة – Singularity»؛ وهي النقطة التي تتجمّع فيها كتلة الثقب الأسود تحت تأثير جاذبيته. أما حدود هذا الثقب فتسمى «أفق الحدث – Event Horizon»، عند وصول أي جسم لهذا الأفق يبتلعه الثقب الأسود، وعند هذا الأفق يتوقف الزمكان، ولا يمكن لشيء الخروج منه.

نصف قطر هذا الأفق يسمّى «نصف قطر شفارتزشيلد – Schwarzschild radius»، وهو نصف القطر الذي حدده العالم «كارل شفارتزفيلد». وبالتعريف: هو نصف القطر الذي يجب على كتلة النجم أن تتجمع فيه حتى يتحول إلى ثقب أسود.


أنواع مختلفة للثقوب السوداء

بالتأكيد، تختلف الثقوب السوداء حسب النجوم التي انبثقت منها، وهناك تصنيفات عديدة؛ منها نسبةً لحركتها كالآتي:

1. ثقوب «شفارتزفيلد»: وهي الثقوب السوداء البسيطة التي لا تدور حول نفسها (تنتج عن نجوم لم تكن تدور حول نفسها).

2. ثقوب «كيرر – Kerr»: وهي الثقوب الناتجة عن موت النجوم التي كانت تدور حول نفسها. أي أنّ الثقب الأسود يبقى محتفظًا بسرعة الدوران الأصلية للنجم، ويبقى يدور بنفس السرعة الأصليّة.

ومنها نسبةً لحجمها:

3. الثقب الأسود النجمي: عندما ينتهي وقود النجم وينطفئ، يتحول إلى قزم أبيض ونجوم أصغر، لكن إن كانت كتلته أكبر من كتلة الشمس بـ3 أضعاف؛ فإنه يستمر في الاضمحلال تحت تأثير الجاذبية، ليصبح ثقبًا أسودًا نجمي. حسب مركز «هارفارد-سمثونيان» لدراسة الفيزياء الفلكية، فإن مجرتنا درب التبانة تحوي مئات الملايين من هذا النوع من الثقوب السوداء.

4. الثقوب السوداء فائقة الضخامة: تترواح أحجام هذه الثقوب بين ملايين لبلايين حجم شمسنا، لكنها بنصف قطر صغير بيقارب حجم نصف قطر شمسنا. توجد هذه الثقوب في مركز كل مجرة تقريبًا، وتوجد أيضًا في مجرتنا. أحد الاعتقادات في تشكل هذه الثقوب الضخمة، هي التحام عدة ثقوب سوداء صغيرة معًا لتشكيل جسم واحد بهذا الحجم.

5. الثقوب السوداء متوسطة الحجم: في السابق اعتقد العلماء أن الثقوب السوداء تأتي بحجمين، كبيرة وصغيرة فقط، لكن مؤخرًا تبيّن وجود صنف ثالث المتوسط الحجم، والتي تأتي بحجم 100-1000 شمس، ويُعتقد أنّها هي التي تشكل فائقة الضخامة.


كيف يزداد حجم الثقب الأسود؟

بسبب جاذبيتها الكبيرة، فإن أي جسم يصل لحدود أفق الحدث لا يستطيع أن يخرج من جاذبية الثقب الأسود، وبالتالي يتم ابتلاعه. أي أن الثقوب السوداء لا تبتلع الأشياء البعيدة عنها، فقط تلك التي تقع في داخل حدود الفوهة.

ماذا سيحدث لو بدّلنا شمسنا بثقب أسود بنفس الحجم؟

حسنًا، سيعم الظلام نظامنا الشمسي، لكن ستبقى حركة الكواكب طبيعية حول الثقب الأسود، وسيبقى كوكبنا في أمان ما دام على بعد أكثر من 10 أميال من الثقب الأسود (كوكبنا على بعد 93 ميل، لا داعي للقلق!).

الحميّة الرئيسية التي يعتمد عليها الثقب الأسود ليكبر فعليًا، هي الغازات والغبار في الفضاء، وتستطيع الثقوب أن تتغذى على المواد المجتزئة من النجوم المجاورة بسهولة، بل وتستطيع أن تبتلع نجومًا كاملة. هذا النشاط الذي يؤدي لزيادة حجمها يؤدي أيضًا لإصدارها لأشعة راديوية، وسينية؛ هي التي تسمح لنا باكتشاف وجودها.


التحقق من وجود الثقوب السوداء

ثلاث خصائص تتميز بها الثقوب السوداء، ومن خلالها يمكننا معرفة وجودها وهي: الكتلة، الشحنة الكهربائية، التسارع الزاوي الخاص بالثقوب السوداء المتحركة.

نستطيع حاليًا فقط أن نحسب كتلة الثقب الأسود بحسب حركة الأجسام حولها، وذلك حسب قانون «كيبلر الثالث» المعدّل الخاص بحركة الكواكب، والذي ينص على أن مربع الفترة المدارية لكوكب حول نجم ما، يتناسب مع مكعب نصف المحور الرئيسي لمداره.

كيف يمكننا تحديد مكان الثقوب السوداء؟

رغم أننا لا نرى الثقوب السوداء، إلا أننا نستطيع تحديد وجود إحداها بدراسة تأثيرها على الأجسام القريبة منها، وهذه التأثيرات هي:

1. تأثير كتلة الثقب الأسود:

نستطيع بواسطة قياس حركة الأجسام القريبة من المكان المُتوقّع وجود ثقب أسود فيه؛ أن نحدد كتلة الثقب الأسود. ما نبحث عنه هو نجم أو قرص غازي يتصرّف وكأنه بالقرب من كتلة ضخمة، بالرغم من عدم إمكانية رؤيتنا لهذه الكتلة. لذلك يكون سبب هذا التصرّف الغريب، هو جسم بكتلة أكبر من الكتل الشمسية، ونقدّر كتلته بحساب تأثيره على الجسم المرئيّ.

2. تأثير عدسة الجاذبية:

توّقعت نظرية «آلبرت آينشتين النسبية» أن قوة الجاذبية قادرة على «حني» الفضاء. تم التأكد من ذلك خلال كسوف شمسي، حيث تمّ حساب مكان نجم قبل وبعد الكسوف، وتبيّن أن النجم انزاح لأن الضوء المنبعث منه انحنى بتأثير الشمس. لهذا فإن جسمًا ذو جاذبية كبيرة -كمجرة أو ثقب أسود- بيننا وبين جسم بعيد يستطيع أن يحني الضوء كما تقوم العدسة بذلك.

3. الإشعاع المنطلق من الثقب الأسود:

عندما تدخل أي مادة إلى ثقب أسود -ربما من نجم مرافق- تتعرض لحرارة كبيرة جدًا تصل لملايين درجات كيلفين، وتصدر «أشعة سينيّة – x-ray»، والتي يمكن أن نرصدها عن طريق التلسكوبات؛ مثل «مرصد شاندرا» للأشعة السينيّة.


ما هو مصير هذه الثقوب السوداء؟

هل تبقى هذه الثقوب إلى الأبد بجاذبيتها الساحقة التي تمنع أي شيء من الخروج؟

أجاب عالم الفيزياء «ستيفن هوكينغ» عن هذا السؤال في العام 1974، باستخدام قوانين الفيزياء الكمومية أثناء دراسته للثقوب السوداء. في النهاية، تتبخر هذه الوحوش الكونيّة ببطء لتعيد طاقتها إلى الكون، ولكن تستغرق هذه العملية آلاف السنين. فثقب أسود بحجم شمسنا؛ يحتاج لبلايين أضعاف عمر كوننا المعروف حتى يختفي كليًا.

حسب فيزياء الكم؛ فإن الجسيمات الإيجابية، ومعاكستها تظهر بشكلٍ مستمر إلى الوجود. وبما أن كلاهما يحمل الكتلة نفسها لكن بشكلٍ معاكس، فإنهما يلغيان بعضهما. وبالتالي كأن وجودها لم يكن له تأثير، لكن ماذا لو وُجد بشكلٍ مباشر قرب ثقب أسود؟

يقول «هوكينغ»؛ أنّ جذب الثقب للجسيمات المضادة ذات الكتلة السلبية يؤدي إلى هلاكها، وبالتالي بقاء الجسيم الإيجابي دون أن يُلغى، لأنّ معاكسه ابتُلع داخل الثقب. هذه الجسيمات الإيجابية تخرج من الثقوب وهذا ما يسمّى «إشعاعات هوكينغ».

لكن بعد وقت طويل جدًا جدًا جدًا؛ فإنّ الثقب الأسود يبدأ بخسارة الكتلة بسبب الإضافة المستمرة للجسيمات السالبة، ويتبخر بشكل إصداره لـ«إشعاع هوكينغ» ( الجسيم الإيجابي الشحنة) إلى الفضاء. بعد خسارة الكمية الأكبر من كتلتها، تصل الثقوب السوداء إلى نهايتها بانفجارات عديدة مصدرة لأشعة غاما.


حقائق عن الثقوب السوداء

مالذي قد يحدث عند سقوطك في ثقب أسود؟إحدى الحقائق -نظريًا-، ستقوم الجاذبية بـ«تمطيطك مثل السباغيتي»، أي أنك للأسف سوف تموت قبل أن تبلغ المتفرّدة. لكن دراسة في عام 2012 تقترح أن حدود أفق الحدث تعتبر كحائط ناري، أي أنك ستموت حرقًا عندها.

1. الثقوب السوداء «لا تسحب» الأشياء كالمكنسة، الأشياء «تقع» في داخلها.

2. Cygnus X-1؛ هي أول جسم اعتبر ثقبًا أسودًا، حيث تم اكتشاف إصداره للأشعة السينية عام 1964. في عام 1971 لاحظ العلماء انبعاث راديوية منها، والتي يمكن قياسها بسهولة.

3. «كيب ثورن، وستيفن هوكينغ»؛ الفيزيائيان اللذان عملا معًا لمعرفة حقيقة «Cygnus X-1»، حيث خسر «هوكينغ» الشرط أمام «ثورن». كان «هوكينغ» قد راهن أن هذا الجسم ليس ثقبًا أسودًا، وخسر الرهان، إذ تبين لاحقًا أنه بالفعل ثقب أسود.

4. يعتقد أن الثقوب السوداء الصغيرة ربما تولّدت مباشرة بعد الانفجار العظيم، وذلك لأن الفضاء المتوسع بسرعة قام بحشر بعض المناطق في أماكن صغيرة ضيقة كثيفة.

5. إذا مرّ نجم بقرب ثقب أسود، فإن من المحتمل أن يتم تمزيقه.

6. يعتقد الفلكيون بوجود 10 ملايين إلى مليار ثقب أسود نجمي في مجرة درب التبانة، بكتلة تزيد كتلة شمسنا 3 أضعاف.