ما الذي سوف نجنيه من قصف سوريا سوى المزيد من الديون، والصراع المُحتمل على المدى الطويل؟ أوباما بحاجةٍ إلى موافقة الكونجرس – يجب على الرئيس أن يحصل على موافقة الكونجرس قبل أن يُهاجم سوريا، وسيرتكب خطأً فادحًا إذا لم يفعل ذلك
دونالد ترامب-29 و 30 أغسطس/آب 2013

كانت تلك تغريدات دونالد ترامب في التاسع والعشرين والثلاثين من أغسطس/آب لعام 2013؛ تعقيبًا على احتمالية تدخل أوباما عسكريًا في سوريا بعد استخدام بشار الأسد للسلاح الكيماوي في الغوطة، ولم تكن تلك الاحتمالية من العدم؛ بل كانت وليدة الخطاب الناريّ الذي ألقاه أوباما عام 2012 والذي ينصُ على أن «استخدام السلاح الكيماويّ يُمثل خطًا أحمر، قد يُؤدي إلى التدخل العسكري الأمريكي».

لكن كما أثبتت الأيام الماضية فالأحوال قد تبدلت بصورةٍ تدعو إلى التساؤل، أوباما تراجع عن التدخل العسكري، وترامب هو الذي نفذّه!


عقيدة أوباما: لماذا تراجع أوباما؟

http://gty.im/143603143

نستقي الإجابة الأولى من كتاب «اللعبة الطويلة: كيف تحدي أوباما واشنطن وأعاد تعريف الدور الأمريكي في العالم؟»، لكاتبه ديريك شوليت، أحد مسئولي الإدارة الأمريكية في عهد أوباما، ومساعد وزير الدفاع الأمريكي لشئون الأمن الدولي من عام 2012 إلى 2015.

إذ يرى شوليت أن التراجع عن التدخل العسكري كان هو القرار الأقرب لـ«فلسفة أوباما» في الحكم، فأوباما كان يميل إلى لعب مباراةٍ طويلةٍ وممتدةٍ، كان حريصًا خلالها على التمسك بسلسلة من المبادئ التي طُبقت لإدارة القوة الأمريكية بنجاح، ولتحقيق الأهداف الاستراتيجية بشكل أكبر.

وتتضمن فلسفة أوباما تحقيق التوازن بين المصالح والقيم، بمعنى ضرورة التوازن بين استخدام أو التهديد باستخدام الحل العسكري، والدبلوماسية. كذلك تحقيق التوازن بين الضغط الاقتصادي، والمساعدات التنموية، بالإضافة إلى الحيطة والحذر في الملفات الحرجة من أجل عدم تورط الولايات المتحدة بشكل سلبي، وأن يكون التدخل الأمريكي قادرًا على استيعاب أولويات الداخل، وتوجهات الخارج والأهداف الأمريكية المعُلنة. أو بتعبيرٍ آخر الدقة في ممارسة دور مشرط الجراح، وليس المطرقة.

وقال الكاتب: إن ذلك قد نجح بناءً على الظن القائم آنذاك أن النظام السوري قد تخلى عن ترسانته الكيميائية، وبدأ في التخلص منها تدريجيًا. الأمر الذي أثبتت الهجمات الأخيرة خطأه؛ حيث بات من المُؤكد أن نظام الأسد قد احتفظ بجزءٍ من ترسانة الموت هذه.

الإجابة الثانية، يقولها أوباما للصحفي جولدبرج في حديثٍ مُطول نشرتة جريدة «أتلاتنتك»: «أنا فخور جدًا بهذه اللحظة». «إن الإدراك بأن مصداقيتي كانت على المحك، وأن مصداقية أمريكا معرضة للخطر، كان يُمثل عبئًا كبيرًا، كنت أعلم أنّ التراجع عن القرار في تلك اللحظة سيكلفني سياسيًا. ولكن حقيقة أن تكون قادًرا على التخلص من الضغوط المُحيطة، والتفكير بذهنٍ صافٍ في مصلحة الولايات المُتحدة، وليس فقط في ما يتعلق بسوريا ولكن أيضا فيما يتعلق بديمقراطيتنا. ولهذا اتخذت قرار التراجع، كان القرارُ صعبًا، ولكنّي أعتقد بنهاية المطاف أنّه كان القرار الصحيح».

وكما يتضح من التغريدات المذكورة أعلاه أن ترامب كان من أشد الداعمين لهذا التراجع، فضلًا عن موقفه شديد المُعارضة للتدخل العسكري منذ البداية.


لماذا رفض ترامب التدخل العسكري في سوريا؟

شدّد ترامب على رفضه التدخل العسكري في سوريا، بل وأظهر تأييده لروسيا قائلًا، في مقابلة مع شبكة سي إن إن في سبتمبر/ أيلول 2015، «روسيا هناك بالفعل، وروسيا تكره داعش بقدر ما نكرهها إن لم يكن أكثر؛ لأنّهم لا يريدون أن تدخل داعش روسيا» وأردف قائلًا: «دع روسيا وداعش يتقاتلان، لماذا تهتم؟».

وقال ترامب في مقابلة أجريت في أيار/مايو 2016 مع «إم إس إن بي سي»: «إن الولايات المتحدة تواجه مشاكل أكبر من الأسد»، وأضاف: «كنت سأبقى خارج سوريا، ولم أكن لأخوض الكثير سواء من أجل الأسد أو ضد الأسد».

وفي الانتخابات العامة انتقد ترامب مرارًا وتكرارًا كلًا من هيلاري كلينتون وأوباما، لرغتبهما في دفع الأوضاع نحو «التغيير الفوري للنظام في سوريا». ولكن -وللتناقض- انتقد ترامب – كما سنذكر لاحقًا – في بيانه يوم الثلاثاء أوباما أنّه لم يفعل إلا القليل لإزالة الأسد!

ولم تتوقف معارضة ترامب للتدخل عند مرحلة «المُرشح الرئاسي»، بل بعد انتخابه أيضًا تساءل عن الحافز للهجوم، قاصدًا، ألا شيء يدفعه للتدخل في سوريا.

وقال خلال مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»: «أعتقد أن الدخول إلى سوريا كان خطأً فظيعًا. يجب علينا أن نحل مشكلة سوريا، وإلا سنواصل القتال إلى الأبد. وأنا لدي وجهة نظر مختلفة عن سوريا أكثر من أي شخص آخر».


فما الذي تغير؟

مع الهجوم الأخير بغاز السارين، كان أول رد فعلٍ لترامب هو لوم أوباما قائلًا: «إن الأفعال الشنيعة التي يُمارسها نظام الأسد ناتجة من ضعف الإدارة السابقة ووقوفها صامتهً دون فعل أي شيء».

ثم بدأت الأمور تأخذ منحى أشد جديةً حين صرح ترامب أثناء مؤتمره مع العاهل الأدرني الملك عبدالله الثاني قائلًا: «لقد تغيّر موقفي بخصوص سوريا والأسد تغيّرًا كبيرًا، فلو نظرنا إلى الخلف لوجدنا استخدامًا مُتكررًا للغاز؛ مما يعني أنّنا أمام مستوى مٌختلف تمامًا».

ومن خلال تتبع مسار الأحداث يُمكن القول إن أشياء ثلاثة تغيّرت:

الأول: أن أوباما كان من الواضح تمامًا عدم امتلاكه لسيناريو واضح بشأن الأحداث في سوريا، ولم يكن في ذهنه هدفٌ يدفع الوضع السوري نحوه، كعادة الولايات المُتحدة في توجيه الأوضاع لتصبَ حيثُ تشاء الولايات. كما أنّ نكثه بوعوده وتهديداته بشأن سورية، جعل من الصعب على النظام السوري أن يأخذ أوباما على محمل الجد. إلى الحد الذي دفع المحللين إلى الاعتقاد أنّه حتى لو وجه أوباما ضربةً للنظام السوري، فسوف تكون من أجل إسكات المعارضة لا أكثر.

أما ترامب فما زال يملك عنصر الغموض كونه جديدًا على الساحة السياسيّة، هذا أولًا. وثانيًا، بسبب شخصيته غير المتوقعة، والتي تجعل من الصعب على النظام السوريّ أو الروسيّ توقع ما يُريد.

الثاني: المحور الإيراني – الروسيّ؛ لا يخفى على المُتابعين أن أوباما قد أوكلّ قيادة الأمور في سوريا إلى روسيا. مما أسهم في إنشاء محورٍ إيراني-روسي يمتدُ من لبنان إلى العراق، والذي يخدم بدوره طموحات فلاديمير بوتين كديكتاتور توسعيّ، ويُعزز من قوة إيران وروسيا كقوتيّن أساسيتيّن في المُعادلة، ويعطى ملاذًا آمنًا للعصابات التي تحتمي بهما. بل الأخطر من ذلك، أنّ قوة إيران ورسيا قد تدفع الدول المُناهضة لهما إلى دعم داعش سرًا من أجل تحجيم قوتها. ولهذا نرى أنّه كان من الضروري أن تعود الولايات المُتحدة إلى الظهور في المشهد، حتى لو بدأت بظهورٍ مُرتب مع روسيا، كما تواترت الأنباء.

الثالث: هو تغيّر مراكز القوى على أرض سوريا، ففي فترة حكم أوباما كان النزاع على أشده بين القوى في الساحة السورية، ولذا، كان إضعاف الأسد يعني مزيدًا من القوة تكتسبها الفصائل المُقاتلة، وهذا لم يكن في مصلحة الولايات المُتحدة.

أما في 2017، فقد وضحت الرؤية بشأن مَن يُقاتل مَن؟ ومن يجب إسقاطُه قبل إسقاط الأسد؟ حيث أحكمت الحكومة السورية قبضتها على العديد من المناطق، بالإضافة إلى القوات الكردية، وبعض الجبهات مثل جبهة فتح الشام، وبالطبع، داعش. لذا فقد تسير الولايات المُتحدة، في طريقيّن متوازيّيّن، تقتل من داعش ما تستطيع، وفي نفس الوقت تحاول احتواء نظام الأسد وتحجيم الدور الروسيّ ومن ثم خروج الأسد، ووضع خليفةٍ ترضاه جميع الأطراف.

المراجع
  1. Derek Chollet, The Long Game:How Obama Defied Washington and Redefined America’s Role in the World (New York: Public Affairs, 2016)
  2. How Trump's Syria airstrike is different from — and similar to — Obama's
  3. Trump's red line: Speed in which President launched airstrikes against Syria lays bare just how different he is from methodical Obama and his lack of action Read more: http://www.dailymail.co.uk/news/article-4389252/Speed-Trump-bombed-Syria-differs-Obama.html#ixzz4e7vEekqp Follow us: @MailOnline on Twitter | DailyMail on Facebook
  4. "The Obama Doctrine": The Atlantic's Exclusive Report on the U.S. President's Hardest Foreign Policy Decisions