بمجرد إعلان فوز حزبه في الانتخابات البرلمانية، قرر العاهل المغربي «محمد السادس» في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي إعادة تكليف زعيم حزب العدالة والتنمية «عبد الإله بنكيران» بتشكيل الحكومة. اليوم وبعد مرور نحو 40 يومًا على هذا التكليف، لا يبدو أن بنكيران قادرٌ على حسم أمر حكومته، الأمر الذي دفعه للخروج إلى الإعلام والقول صراحة إن تشكيل الحكومة «قد وصل إلى طريق مسدود»، الانسداد الذي يهدد الاستقرار السياسي الهش والتجربة الوليدة في البلاد.


نتيجة الانتخابات التشريعية الأخيرة

حلّ حزب «العدالة والتنمية» – ذو الجذور الإسلامية – في صدارة الانتخابات التشريعية المغربية التي أقيمت مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي بـ 125 مقعدًا من أصل 395 مقعدًا، هم إجمالي مقاعد البرلمان. تلاه حزب «الأصالة والمعاصرة» – يُشاع أنه مقرب من القصر – بـ 102 مقعد، وجاء حزب «الاستقلال» ثالثًا بـ 46 مقعدًا، تلاه حزب «التجمع الوطني للأحرار» بـ 37 مقعدًا، و«الحركة الشعبية» بـ 27 مقعدًا، و«الاتحاد الاشتراكي» بـ 20 مقعدًا، ثم «الاتحاد الدستوري» بـ 19 مقعدًا، و«التقدم والاشتراكية» بـ 12 مقعدًا، فيما ذهبت باقي المقاعد إلى أحزاب أخرى صغيرة.

منذ البداية أعلن العدالة والتنمية رفضًا مبدئياً للتحالف مع الأصالة والمعاصرة، فيما أكد الأخير استحالة انضمامه لحكومة يرأسها الأول، ومن ثم كانت خيارات بنكيران تقضي بضم حليفه التاريخي «التقدم والاشتراكية»، و «الاستقلال» إلى حكومته، بالإضافة إلى الاتحاد الاشتراكي، والتفاوض مع الآخرين من غير الأصالة والمعاصرة للانضمام له بما يضمن له أغلبية مريحة في البرلمان واستقرارًا في الحكومة، لكن الطريق لهذه الحكومة المستقرة لم يكن ممهدًا على الإطلاق خلال الأسابيع السابقة والتي شهدت الجولة الأولى من المفاوضات بين الأحزاب.


انقلاب ناعم وشروط تعجيزية

قبل أيام قليلة، كانت الساحة المغربية على موعد مع تصريح مثير يكشف بعض كواليس المطبخ السياسي في البلاد، إذ كشف «حميد شباط»، الأمين العام لحزب الاستقلال، عما أسماه محاولة «انقلاب ناعم» قادها «إلياس العامري»، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة والمعروف بخصومته الشديدة مع بنكيران وحزبه، كان هدف اللقاء – الذي عقد بعد الانتخابات البرلمانية مباشرة -، وحضره – بجانب العامري وشباط – ممثلون عن التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي، إقناع هذه الأحزاب برفع مذكرة إلى الملك تعلن فيها رفضها المشاركة في حكومة يرأسها العدالة والتنمية، وهو ما اعترض عليه حزب الاستقلال، ما أفشل «المؤامرة»، على حد وصف شباط.

ينص الدستور على ضرورة أن يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب الذي حل في صدارة الانتخابات، ولا يعطي إمكانية تشكيل حكومة أغلبية من خارج الحزب الفائز، وهو الأمر الذي دفع بنكيران إلى اعتبار الاجتماع المزعوم اجتماعًا للانقلاب على الديمقراطية ورفض نتائج الاقتراع الشعبي، كما أنه حفظَ لحزب الاستقلال جميله، وأعلن أنه سيكافئه على وفائه وسيتمسك به في الحكومة إلى آخر مدى.

http://gty.im/476691110

لم يكن طريق بنكيران ممهدًا لتشكيل الحكومة حتى بعد إجهاض المحاولة الانقلابية المفترضة. ففي حين ضمن الرجل وجود حليفه التقليدي التقدم والاشتراكية، وحليفه القديم الجديد الاستقلال في الحكومة، أعلن الاتحاد الاشتراكي الذي أنهكته مقاعد المعارضة استعداده المشاركة في الحكومة، لكنه اشترط لذلك الحصول على رئاسة البرلمان، رغم أن ثقله الانتخابي لا يتيح له ذلك، وبالطبع رفض بنكيران طلبًا كهذا.

وحين توجه رئيس الحكومة المكلف إلى حليفه السابق حزب الأحرار، اشترط بدوره لدخول الحكومة إخراج الاستقلال منها، بل وأعلن أن موقفه في ذلك يؤيده كل من الاتحاد الدستوري والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي، أي أنه يتفاوض باسم أربعة أحزاب وليس حزبًا واحدًا.

وصف بنكيران هذه المطالب بـ«التعجيزية»، وأعلن أنه من المستحيل عليه أن يقبل شروطًا كهذه، رافضًا أن يأتي شخص أيًا من كان ليتعامل معه على أنه هو رئيس الحكومة. بل زاد من الشعر بيتًا وأعلن أنه «عاجز عن التفاعل مع وسط سياسي مثل هذا»، وأنه لو لم يصل إلى حل كريم «سيذهب للملك باستقالته ثم يعود ليجلس في بيته، ولن يقبل بالابتزاز أبدًا»

لا يُعلم على وجه التأكيد دوافع الأحزاب لاتخاذ المسالك السابقة، ففي حين يرى البعض أن هذه مطالب داخلية مرتبطة بخريطة التوازنات والعلاقات بين الأحزاب والبحث عن الغنيمة، يرى آخرون أن ثمة يد للقوى التقليدية، «الدولة العميقة» بتعبير البعض، أو «قوى التحكم» بتعبير بنكيران، التي تسعى إلى إجهاض المسيرة الديمقراطية في البلاد، على حد وصف هؤلاء.


أربعة سيناريوهات للخروج من الأزمة

تبدو الأزمة السياسية في البلاد وكأنها وصلت إلى طريق مسدود. في الحقيقة ثمة إشكالان قانونيان لهما علاقة بطبيعة النظام الانتخابي والدستوري في البلاد،فالنظام الانتخابي لا يسمح لحزب واحد أن يحوز الأغلبية المطلقة التي تمكنه من تشكيل الحكومة وحيدًا، ويفرض على المكلف بتشكيل الحكومة التوافق مع غيره من الأحزاب لضمان الأغلبية داخل البرلمان، كما أن الدستور الذي يلزم الملك باختيار رئيس الحكومة من الحزب صاحب العدد الأكبر من المقاعد، لا يوضح كيفية التصرف حال فشل ذلك الحزب في تأمين أغلبية برلمانية، ولا يعطي سقفًا زمنيًا محددًا لمفاوضات تشكيل الحكومة، أي أنها نظريًا يمكن أن تستمر إلى الأبد.

http://gty.im/489335958

هذا يعني أنه ليس ثمة حل دستوري واضح لهذه المعضلة، حال فشل الحل السياسي الذي يقضي بتنازل أي من الأحزاب عن موقفه. وبالنظر إلى الوضع المشار إليه، تبدو الساحة السياسية في المغرب مفتوحة على أربعة احتمالات:

السيناريو الأول: هو أن يعيد العدالة والتنمية التفاوض مع الأحرار أو الاتحاد الاشتراكي، من أجل ضم أحدهما أو كليهما للحكومة، وهو ما يتطلب تنازلًا من أحد الطرفين عن شروطه المسبقة.

السيناريو الثاني: هو أن يشكل العدالة والتنمية حكومة أقلية، تضم الاستقلال والتقدم والاشتراكية، وهو سيناريو مستبعد، إذ لن يقبل بنكيران أن يقود حكومة ضعيفة، مهددة بسحب الثقة منها في أي وقت.

السيناريو الثالث: هو العودة إلى الملك، لتكليف شخص آخر من العدالة والتنمية غير بنكيران بمهمة تشكيل الحكومة، فبنكيران شخصية مثيرة للجدل، وقد تقبل بعض الأحزاب من غيره ما لا تقبله منه.

السيناريو الرابع: هو الانتخابات المبكرة، وهو سيناريو قد لا يكون قريبًا، بالنظر إلى احتمالية ألا تخرج النتائج بعيدة تمامًا عن التركيبة السياسية الحالية.