منذ ظهور الإسلام وظهرت على الساحة الدينية مصطلحات عدة حول هؤلاء الذين يدعون إلى الإسلام، فظهر لدينا «العالِم والعلاَّمة والداعية»، ووقع بينها تداخل، زاد هذا التداخل في العصر الحديث بظهور مصطلح «الشيخ»، ومع انتشار السلفية الجهادية بلغ التداخل مبلغه وظهر لدينا «المجاهد»، هذا المصطلح الذي ترادف لأسباب عدة من صنيعة قيادات السلفية الجهادية أنفسهم مع لفظ «إرهابي»، ولعل موت «عمر عبد الرحمن» في محبسه بالولايات المتحدة الأمريكية فتح الحديث حول ذلك التداخل مرة أخرى.


التعريف بالمفاهيم

لدى العامة «العالِم والعلاَّمة والداعية والشيخ» سواسية لا فرق بينهم، ولكن واقع الأمر هناك اختلافات بين هؤلاء:

فمن ناحية «الدَاعِيَة»: اسم الفاعل من دعا يدعو، ويقصد به ذلك الشخص الذي يدعو إلى دين الله بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، وذلك إعمالا لقوله تعالى: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»، وللداعية صفات عدة لابد أن تتوفر به، ومن أبرزها الالتزام بما يدعو إليه، والاقتداء برسول الله، والبصيرة، والصبر وتحمل مشاق الدعوة، وإخلاص النية لله، والصدق قولا وعملا.

أما «العالِم»: فالعلماء هم من قال الله تعالى: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»، وهم هؤلاء الملمون بأحكام الشرع والكتاب، وأقاويل السلف سواء تلك المجمع عليها أو المختلف فيها، وكذلك هم ملمون بقواعد اللغة ولا يشعبون من العلم.

وفيما يتعلق بــ«العلاَّمة»: فلفظ علامة هو صيغة مبالغة على وزن «فعَّالة»، وهو ذلك الشخص الذي ارتقى من درجة العالِم وفاقها بشهادة العلماء له بغزارة علمه، ومعرفته بشتى أنواع المعارف.

أما الشيخ: فهو لفظ مبتدع من ناحية كونه يعطى كلقب للمنشغلين بالدين، حيث كان من قبل على عهد النبي يستخدم لوصف كبار السن، كما جاء في قوله تعالى: «وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ»، ولكن على الرغم من هذا فإن هذا اللقب لا يقع في إطار كونه بدعة مرفوضة، حيث يوصف به هؤلاء الذين ارتقوا في العلم مع كونهم كبار السن توقيرا لهم.

وهنا فإن الاختلافات بين هؤلاء متدرجة، فأكثرهم قيمة هو «العلاَّمة»، لكونه متبحرا في العلم أكثر من «العالِم» ويأتي عقب «العالِم» في الدرجة «الدَاعِيَة» الذي يرتكن إلى تلك الفتاوى والأحكام الصادرة عن العلماء وينقلها.

من ناحية الإرهابي أو بمعنى أدق ما نعنيه هنا «الشرعي بالجماعات الإرهابية» أو الملقبة «بالجماعات الجهادية»، فهو ذلك الشخص المسئول عن الفصل في الأمور الشرعية داخل تلك الجماعات، سواء بتحريم عملية ما أو بوضع إسناديات تشرعها وتلصقها بالإسلام.


أسباب الخلط

هناك العديد من الدوافع التي من شأنها الخلط بين تلك المفاهيم المرتبطة بمن يدعون إلى الإسلام وبين «الإرهابي»، ولعل من أبرزها:

السياق المفاهيمي

وذلك لكون الداعين للدين يهدفون ويسعون إلى تطبيق الإسلام وإعلاء كلمة الله، والإرهابيون يزعمون ذلك أيضا.

الأهواء والميول

والمعنى بها هنا موقف الشعوب من «الرجل» المنوط به الدعوة إلى الدين، ومدى مصداقية التيارات الإسلامية التي تمرست بالسياسة لدى الرأي العام من ناحية، وموقف رجال الدين من المجتمع من ناحية أخرى.

السياق السياسي والاجتماعي

والمقصود هنا مدى حاجة الأطراف الفاعلة في المجتمع للرجل المنوط به الدعوة للدين، ومدى تقبل الرأي العام للجماعات القائمة على أساس ديني.

الثقافة الدينية

والمقصود هنا مدى تمكن العامة من الخطوط العريضة للدين الإسلامي بما يسمح لهم بالتفرقة بين التصنيفات السابق ذكرها ووضع خط فاصل بينها.

شخصية القائمين على السلطة

والمعني به هنا موقف القائم على السلطة من الشيوخ، سواء في المؤسسات التقليدية أو غيرها، وهل رئيس الدولة يحارب كل ما هو إسلامي؟ أم أنه يرتكن إلى بعض منهم للمساعدة في كسب شرعيته، ففي الحالة الأولى تزداد حدة الخلط عن الحالة الثانية، خاصة أنه في بعض الأوقات تبنت بعض الدول طباعة كتابات لشخصيات تحولوا إلى شرعيين في الجماعات الإرهابية كما حدث في حالة «أبو بصير الطرطوسي»، وبعد نشره العديد من الكتب داخل الأردن من خلال المطابع الحكومية.

تبني المظلومية والاضطهاد

وهو عامل مرتبط برجل الدين نفسه ومحاولة تصدير صورة ذهنية للرأي العام تفيد بأن السلطات القائمة في المجتمعات محل النقاش تعمل بصورة أساسية على ظلم واضطهاد رجل الدين.


الخطوط الفاصلة بين الداعين للدين والإرهابيين

واقع الأمر هناك شعرة بين تصنيف الشخص بكونه «رجل دين» -عالِما وعلاَّمة أو داعية أو شيخا – وكونه إرهابيا، وحتى نفهم الخطوط الفاصلة بين هذا وذاك فهناك -في وجهة نظرنا- مجموعة من المحددات من شأنها قراءة ذلك، ولكن قبل مناقشة تلك المحددات لابد أن نذكر أن ما يتواجد على الساحة من هؤلاء التابعين للسلفية الجهادية يخرجون من إطار الجهاد ويصنفون بصورة واضحة في إطار الإرهاب، وبصورة عامة نلخص تلك المحددات فيما يلي:

النظرة للمسلم المقصر

فأول ما يمكن أن نفرق به بين الطرفين هي رؤية كل منهما لأفراد المجتمع من المسلمين، فالأول «رجل الدين» إن وجد ضعفا في الوازع الديني لدى الفرد المسلم، يكون سلاحه في التعامل مع تلك القضية النصح والإرشاد والدعوة إلى الدين الصحيح، أما «الشرعي في التنظيمات الإرهابية» فيكون موقفه تكفير هؤلاء، متخطيا مرحلة النصح بكونها عفى عليها الزمن وتحدث بها الكثير غيره، وما يدلل على هذا الفرق بين موقف «المسئولين الشرعيين» في الجماعات الإرهابية من المتراجعين، قبل المراجعات وبعد المراجعات، ولك في «سيد إمام أو الدكتور فاضل» نموذج على ذلك.

الموقف من غير المسلمين

دائما ما يحاول «الشرعي في الجماعات الإرهابية» تصدير صورة مفادها أن غير المسلمين في المجتمعات الإسلامية ليسوا مدرجين في أهل الذمة، ومن ثم وجب محاربتهم، وصدروا العديد من الفتاوى التي تعتمد في بعض الحالات على موقف بعض من هؤلاء يكون معاديا شيئا ما للإسلام والمسلمين، ويصدره على كونه الموقف العام والسائد، أما الداعية للدين الإسلامي فسيعمل على الارتكان لنصوص السماحة في الإسلام وأحكام معاملة أهل الذمة -والنماذج من السنة النبوية على ذلك عدة- ويحرم سفك دمائهم.

التعامل مع الواقع وظروفه

أحد أهم السمات التي يمكن التفرقة بها بين رجل الدين والإرهابي تتمثل في نظرة كل منهما للواقع وملابساته، فالشرعي بالجماعات الإرهابية يسعى لاستحضار الماضي، أو بمعنى أدق يحاول تطبيق ما كان في الماضي على الحاضر.

فعلى سبيل المثال ينطلق «شرعيو الجماعات الإرهابية» من مقولات «ابن تيمية» وقوله بوجوب قتال التتار بناء على مقولته في الياسة أو الياسق، التي وضعها جنكيز خان كمزيج من الشرائع اليهودية والمسيحية والإسلامية وبعض أقواله وآرائه، واستندوا عليها فيما بعد لتحريم القوانين الوضعية، دون النظر إلى الاختلاف بين ما هو «كان» وما نحن عليه الآن.

الموقف من الحكام

رجل الدين العادي قد يختلف مع الحكام في بعض المسائل التي تمس الدين الإسلامي، ولكن هذا الاختلاف لا يرتقي لمرحلة التكفير، أما «الشرعي في الجماعات الإرهابية» فيفتش عن أي موقف للحكام ربما يتعارض بصورة أو بأخرى مع الإسلام -حتى وإن كان هناك عذر من الأعذار الشرعية للمخالف- وينطلق منها لتكفير الحكام، ويفتي بضرورة قتالهم والخروج عليهم.


ختاما يبقي لنا الحديث عن رؤية البعض لعدم وجود تعارض من الناحية المنطقية بين رجل الدين، الإرهابي، وهو ما يعد في وجهة نظرنا قراءة غير دقيقة، حيث إن من أحد الجهل مع التمكن من العلم: قد يجد البعض أنه لا تعارض منطقي بين كون الشخص «رجل دين» -عالِم أو علاَّمة أو داعية أو شيخا- وكونه إرهابيا، إلا أن من صفات رجال الدين -في الدرجات الأعلى من الداعية- هي الإلمام بالدين وأحكامه، والتعرف على نقاط الخلاف بين العلماء ونقاط الإجماع، ومن ثم تصدر عنه الفتوى.

والشرعي في الجماعات الإرهابية دائما ما يرى في المخالفين لوجهة نظره من العلماء أنهم «شيوخ سلطة»، ويكفرهم، ومن ثم يتجاهل ما يصدر عنهم دون الوقوف على الإسناديات التي ارتكنوا إليها في فتاواهم، ومن ثم يقع في دائرة «الجهل مع التمكن من العلم» وعليه لا يمكن اعتباره عالما، وإن كان من الممكن أن يجتمع لفظي «داعية، وإرهابي» في شخص واحد، والداعية مبلغ وناقل عن غيره.